يمكن أن تلتقي شخصاً يحمل الجنسية الفلسطينية ويعرف نفسه بأنه فلسطيني على رغم أنه لا وجود رسمياً لدولة بهذا الاسم إلا كعضو مراقب في الأمم المتحدة إلى جانب دولة الفاتيكان. وأينما كان هذا الفلسطيني في الشتات فإنه إما يصر على العودة إلى بيت أجداده أو أهله الذي هجروا منه في عقد من العقود الماضية. قد يكون من الجيل الرابع أو الخامس ولم يعد تعنيه كثيراً فكرة العودة في حال استقر مادياً واقتصادياً وأسس عمله الخاص في بلاد تقدره وتحترمه. فبعض الفلسطينيين يقولون إنهم ولو كانوا في قراهم ومدنهم الفلسطينية الأصلية فلربما كانوا قد هاجروا الآن كأقرانهم السوريين واللبنانيين إلى أوروبا أو كندا أو الولايات المتحدة الأميركية أو أستراليا، لمن يتمكن من ذلك سواء بالطرق الشرعية أو عبر التهريب البري والبحري الذي بات عدد ضحاياه يفوق عدد المقتولين في الحروب التي يهربون منها.
وقد تلتقي كردياً يقول إنه من كردستان الكبرى، سواء كان في سوريا أو تركيا أو إيران أو العراق، ويعرف عن نفسه بهذه الجنسية على رغم أنه لا وجود لدولة مستقلة ومعترف بها دوليا تسمى كردستان الكبرى، هذا على رغم نضال الشعب الكردي الذي امتد منذ أواسط القرن العشرين من أجل إقامة دولة كردية مستقلة تضم شتات الأكراد الموزعين على خمس دول حدودية وفي أرجاء العالم، حيث هاجروا هرباً من النزاعات المتناسلة ملتحقين بأقرانهم السوريين أو العراقيين.
داخل دول المشرق العربي ينضم السوريون الآن إلى الفلسطينيين والأكراد والأرمن الذين استوطنوا البلدان التي هجروا إليها كشعب جديد بلا وطن، مما يجعلها منطقة مكتظة بالشعوب التي لا يمكنها العودة إلى أوطانها فتستقر حيث أمكن، إما في مخيمات ترعاها الأونروا في لبنان وسوريا والضفة الغربية لرعاية الفلسطينيين الذين بلا أرض ولا بيت داخل فلسطين. وتخدم "الأونروا" الفلسطينيين في مخيمات بائسة بحجة عدم توطينهم واستقرارهم، وهي تخدمهم إلى الأبد طالما أنه ليس هناك ما يؤشر إلى أن عودة اللاجئين الفلسطينيين ممكنة. وتشتيت الشعب الفلسطيني بعد تهجيره تقوم به الدولة التي تقيم مشروعية حقها على قضية جمع الشتات اليهودي العالمي.
أبطال الشتات ودول بلا جنسية
الفلسطينيون أبطال الشتات (الدياسبورا) في منطقة المشرق العربي بسبب بقائهم حاملين لجنسية بلدهم من دون الحصول على البلد نفسه، بينما وضع الأرمن أخف وطأة عليهم، وهم منتشرون في لبنان وسوريا والعراق والأردن، وجزء كبير منهم لا يعود إلى أرمينيا على رغم استقلالها، لأنه أرمني تركي أو أذربيجاني. ففي خلال الحرب الأولى حين وقعت مجازر الجيش العثماني بحق الأرمن بتهمة التعامل مع الأجنبي ضد السلطنة، وبعد تهجير من بقي على قيد الحياة منهم قبل موت الآلاف جوعاً وعطشاً ومرضاً في المسيرة الطويلة التي قاموا بها على الأقدام نساءً وأطفالاً ومسنين، بعد رحلة الجلجلة حانت قيامة الأرمن بعدما تمكنوا من الانخراط في الاجتماع العام، حيث تم استقبالهم، وتحديداً في سوريا ولبنان والأردن.
صار للأرمن اللبنانيين ممثلون وازنون في مجلس النواب والحكومة وإدارات الدولة، وقد كان للأرمن اللبنانيين دور كبير في نهوض القطاع الصناعي اللبناني، لكن الفلسطينيين لم يتمكنوا من تأدية الدور الذي أداه الأرمن في لبنان أو سوريا. فهؤلاء حصلوا على الجنسية سريعاً بعد وصولهم، بينما منع منها الفلسطينيون خدمة لقضيتهم، ومن أجل إبقاء وهج العودة مشتعلاً في صدورهم، لذا تم تكديسهم داخل مخيمات يمنع تمددها ولو لمتر مربع واحد خارج مساحتها الأصلية. فارتفع عدد سكانها خلال 80 عاماً كما هو الحال في مخيم عين الحلوة القريب من مدينة صيدا في جنوب لبنان، ثم بنى الأهل غرفاً فوق الغرفة التي بناها الجد، ومن بعدهم جاء الأولاد وبنوا فوق غرف الأهل بطريقة غير شرعية وفوضوية، فتحول المخيم من سجن واسع إلى سجن واسع ملوث ومكتظ، وهذا كله يضاف إلى السلاح المتفلت للجماعات الفلسطينية الكثيرة، والبطالة العامة بسبب منع لبنان الفلسطينيين من العمل في أكثر من 70 مهنة، وهي تقريباً كل المهن.
التفاؤل الحذر
على رغم كل هذه المحن هناك ما يبعث على التفاؤل بالنسبة إلى شعب مشهور في العالم وفي كل مكان بأن أرضه مسلوبة منه بعدما طرد منها، وليس بإمكانه الاستقرار في بلد اللجوء. والتفاؤل يأتي من الأمم المتحدة التي سارعت عبر الجمعية العامة منذ عام 1977 للاحتفال في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام باليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، أي بعد 30 عاماً حين اعتمدت في عام 1947 الجمعية العامة قرار تقسيم فلسطين رقم 181.
ولمزيد من الدعم تم في عام 2015 رفع العلم الفلسطيني أمام مقار ومكاتب الأمم المتحدة حول العالم، بعدما اعتمدت قراراً برفع أعلام الدول المشاركة بصفة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة، بما فيها فلسطين. والدول المراقبة غير العضو هما اثنتان، فلسطين والفاتيكان. وكلا العضوين المراقبين لا يحتاجان إلى أن ترفع أعلامهما أمام مكاتب الأمم المتحدة لأنها مرفوعة في كل مكان من العالم، سواء من مؤمنين أو من داعمين للشعب الفلسطيني وقضيته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يمكن على الأقل الاستفادة من أرقام هيئة الأمم المتحدة الموثوقة، ووفقاً لتقرير مفوضية اللاجئين يمكننا تتبع تحول الشعوب من أصحاب جنسية إلى لاجئين، والأرقام الهائلة يمكنها أن تؤكد أن انتقال الشعوب من هوية إلى أخرى، ومن وطن إلى آخر، ومن جنسية إلى أخرى، ما زال يجري بكثافة حتى اليوم. فحتى عام 2020 كان هناك ما يزيد على 82 مليون مشرد قسرياً في العالم لأسباب عدة منها الاضطهاد والصراعات والعنف وانتهاكات حقوق الإنسان والمشكلات الأخرى العالقة، والتي تهدد النظام العام العالمي. كما كان هناك ملايين الأفراد الذين لا يحملون أي جنسية، وحرموا من الحصول على حقوقهم الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية والتوظيف وحرية التنقل. ودائماً بحسب تقرير مفوضية اللاجئين، المفوضية الأكبر داخل مؤسسات الأمم المتحدة، بسبب العمل الهائل الذي تقوم به لمعونة مشردي ومشتتي الكوكب. وبلغ عدد اللاجئين 26.4 مليون نصفهم تحت سن 18 عاماً، ويقع 20 مليوناً منهم تحت ولاية مفوضية اللاجئين منهم 5.7 مليون لاجئ فلسطيني تحت وصاية "أونروا". وفي عام 2020 كان هناك 4.1 مليون طالب لجوء، و3.9 مليون فنزويلي مشردون في الخارج.
تعريف شبه رسمي
تعد الأمة عديمة الجنسية حين تكون مجموعة عرقية أو أمة لا تمتلك دولتها الخاصة، على ألا تشكل غالبية السكان في أي دولة قومية. وبعض الدول عديمة الجنسية كان لها دولتها في التاريخ، وبعضها كان دائماً شعباً بلا وطن أو يهيمن عليه شعب آخر.
ويوجد حول العالم كثير من الشعوب التي لا تحمل الجنسية الوطنية أو جنسية البلد الذي تقيم فيه، مثل شعب ياكثونج ليمب، شرق نيبال، وينتشر حتى بنغلاديش والجهة المقابلة من الهند، أو شعب اليوروبا المنتشر في مجموعة من الدول الأفريقية كنيجيريا وبنين وتوغو. ومثل البدون العرب الذين ينتشرون على حدود الأردن والكويت والعراق، والذين لا يحملون جنسية أي بلد من هذه البلاد، ولا يعتبرون مواطنين في أي منها. وهناك شعوب لا تحمل جنسية البلد الذي تقيم فيه على رغم أنها الشعب الأصلي لمقاطعة داخل دولة أكبر مثل شعب الأويغور في الصين الشعبية.
هذه حال بعض الشعوب التي لا تحمل جنسية محددة أو خسرتها في ظروف معينة، ولكن هناك دولاً تم انتزاع هويتها الوطنية بالقوة، كما هو الحال مع دولة التيبيت التي ضمتها الصين عام 1951 على أنها جزء لا يتجزأ من الصين، أو حال شعوب جزير هاواي وسكان جزيرة تاهيتي مثلاً، وغيرها من جزر المحيط الهادئ التي تضعها الولايات تحت وصايتها الكاملة، أو التي باتت واحدة من ولاياتها بعد استفتاء السكان.
هناك أيضاً الشعوب أو العرقيات التي كانت تحمل جنسية بلد ما، ولكنها سرعان ما أصبحت حاملة لجنسية بلد خاص بها، كما حصل في أواخر القرن العشرين عند تفتيت تشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا إلى دول صغيرة بحسب عرقيات سكانها، ومنها كرواتيا وصربيا وتشيكيا وسلوفينيا والجبل الأسود والبوسنة والهرسك.
في كل الأحوال لا يزال الشعب الكردي هو الأكبر عدداً من بين الشعوب عديمة الجنسية والوطن، إذ يقدر عدد الأكراد بأكثر من 30 مليوناً، مما يجعل دولتهم نظرياً، أكبر دولة عديمة الجنسية حتى اليوم. وقد حاولت دول كثيرة الاستقلال عنوة من دون أن تنجح في إقامة دولة بالمعنى القانوني الدولي. وغالباً ما يتم رفض تصحيح أوضاع الدول عديمة الجنسية ومنحها الحق بتقرير مصيرها بسبب المصالح الجيوسياسية الأكبر والأهم من مصالح الشعوب مهما كانت قضاياها محقة.
ولكن لو فصلنا اللاجئين أو المهاجرين عن الشعوب التي لا تحمل جنسية أي بلد، هناك ما يقدر بنحو 20 مليون شخص في أنحاء العالم غرباء في بلادهم بعد حرمانهم من الجنسية، سواء لأسباب تمييزية عنصرية أو إثنية أو عرقية أو دينية. يعرف هؤلاء في جميع أنحاء العالم باسم "عديمي الجنسية"، ويعرفهم القانون الدولي، "شخص لا تعتبره أي دولة مواطناً بموجب قانونها".