Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

2022... عام السقوط الحر لليرة اللبنانية

متخصصون: العملة الأميركية بلا سقف وسط أزمة سعر الصرف و"الدولرة الشاملة" تسهم في حل الأزمة

تتلاشى آمال المودعين في استعادة ودائعهم الدولارية لدى البنوك التجارية في لبنان   (اندبندنت عربية)

فشل تلو الآخر كان مصير المحاولات لكبح صعود الدولار في مقابل الليرة اللبنانية، ولم يكن الهبوط الظرفي لسيد العملات سوى استثناء نتيجة مضاربات مفتعلة سرعان ما تنتهي مفاعيلها مع انتهاء أثرها النفسي وعودة السوق لحالها الاعتيادية.

ومع بداية عام 2022 سجل الدولار 28 ألف ليرة لبنانية، وهو ما اعتبر سقفاً تاريخياً له ليحافظ على مساره الصاعد ليتجاوز عشية الـ 18 من ديسمبر (كانون الأول) مستوى 44 ألف ليرة لبنانية، ضارباً له مواعيد قياسية جديدة في العام المقبل 2023.

وترافق مسار الدولار في السوق الحرة مع ظهور أسعار مختلفة له، فها هنا دولار السحب من المصارف ينتقل من 3900 ليرة لبنانية إلى 8 آلاف ليرة، فيما تأتي الموازنة العامة بسعر دولار جديد هو الجمركي عند مستوى 15 ألف ليرة لبنانية، ناهيك عن سعر منصة صيرفة التي أطلقها مصرف لبنان المركزي ظناً منه أن لديه القدرة على توحيد سعر الصرف، لتشكل سعراً جديداً مع 30500 ليرة لبنانية.

وتزامن شح الاحتياط بالعملات الأجنبية مع سياسة رفع الدعم عن المحروقات والدواء وسائر السلع، ووحده طحين الخبز لا يزال صامداً إلى حين، فيما لم تفلح التشريعات بإعادة الدولارات إلى المودعين، وكان مصير تشريع الدولار الطلابي المماطلة ليقبع في أدراج المعاملات كسائر مطالب المودعين.

الانهيار المتسارع والمستمر للعملة الوطنية في لبنان مقابل الدولار دفع التجار إلى اعتماد التسعير السلعي بالدولار الحر، ضاربين عرض الحائط بالأنظمة الملزمة باعتماد الليرة اللبنانية، واستعاض هؤلاء عن لصق الأسعار وفق الصيغة المعتادة بنظام الماسح الضوئي، فتتغير الأسعار بصورة دورية ومباشرة استجابة لسعر صرف الدولار في السوق الحرة.

ويعتقد التجار والمستوردون أن الأسلوب المعتمد هو الطريقة الوحيدة للحد من الخسائر المتوقعة، فهم يستوردون بضائعهم من الخارج بالدولار الفريش وبالتالي فلا بد من تأمين تلك المبالغ من أجل الحفاظ على استقرار واستمرار أعمالهم.

نسيان الودائع

تتلاشى آمال المودعين في استعادة ودائعهم الدولارية لدى البنوك التجارية في لبنان، في حين نجح بعضهم في استعادة دولاراتهم من خلال القوة والدخول عنوة إلى البنوك للمطالبة بأموالهم، فأنصف القضاء الدولي وتحديداً البريطاني المودعين المقيمين في الخارج، إذ حصلوا على قرارات قضائية ملزمة للبنوك من أجل إعادة الأموال لأصحابها بالعملة الأجنبية.

وعلى الضفة اللبنانية تستمر البنوك بالتضييق على عموم المودعين وتتوجه نحو الاعتماد شبه الكلي على الصرافات الآلية في الخارج في انتظار إقرار الـ "كابيتال كونترول" بهدف الحصول على غطاء تشريعي للامتناع من دفع الودائع الدولارية، فيما يستمر مجلس النواب بمناقشة مواد القانون المقترح ببطء شديد، وصولاً إلى تأجيله للعام المقبل بموازاة تأخر الإصلاحات المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي.

ويتخوف المودعون من طرح "تليير الودائع بالكامل"، وهو ما سيؤدي إلى خسران جزء كبير من ودائعهم لأنه سيشكل اقتطاعاً فعلياً لها بدأت ملامحه مع الدولار والسماح بسحب أموال الودائع ضمن سقف محدد بالدولار، وبتحويل قسم من الدولارات المسحوبة إلى 15 ألف ليرة لبنانية، فيما تجاوز دولار السوق الحرة ضعف سعر السحب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الدولار وتعدد أسعار الصرف

وينتمي لبنان إلى فئة الدول صاحبة "الاقتصاد المدولر"، وشكّل الانتقال الفعلي من نظام القطع الثابت عند مستوى 1500 ليرة لبنانية إلى سقف متحرر من السقوف ضرباً للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي لعموم اللبنانيين غير المعتمدين على تحويلات المغتربين أو أجور المؤسسات والمنظمات الدولية التي يتقاضى موظفوها بالدولار الفريش، فعلى سبيل المثال تراجعت القدرة الشرائية لأجور موظفي القطاع العام في لبنان بمعدل 30 ضعفاً، وإلى حين إقرار تصحيح فعلي للأجور ستستمر معاناة هؤلاء وستغيب الطبقة الوسطى في المجتمع اللبناني لمصلحة اتساع دائرة الفقر متعدد الأبعاد والفقر المدقع.

وتعتبر المتخصصة في الاقتصاد النقدي ليال منصور أن تعدد أسعار صرف الدولار ظاهرة من الظواهر المألوفة في الدول "المدولرة" اقتصادياً والتي تعاني أزمات سعر الصرف، إذ يوجد سعر لدولار الوديعة والسحب والدولار الضريبي ودولار السوق وغيرها من الأسعار الممكنة على اختلاف الأحوال والحاجات، موضحة أن "اللولار"، وهي تسمية تجمع بين الليرة والدولار، تطلق محليا على العملة الأميركية المسحوبة من الودائع أو صرف الشيكات على سعر مغاير لدولار السوق الحرة في لبنان.

ومن هنا تشدد على أن هامش الحركة ضيق للغاية، وتجد ضرورة بالانتقال إلى "مجلس النقد" أو "الدولرة الشاملة".

وتشير منصور إلى أن "تعدد أسعار الصرف لا قيود له، ففي بعض الدول قد نجد 10 أسعار صرف مختلفة"، ومن هنا فإنه في لبنان قد يؤدي إلى ولادة أسعار جديدة ومختلفة، وتظهر بين الفينة والأخرى أسعار جديدة ليس آخرها الدولار الجمركي عند مستوى 15 ألف ليرة لبنانية.

ولا تستبعد منصور ظهور أسعار جديدة، إذ بات لدينا دولار للجامعة، وبدأت المطالبة بدولار خاص بأسعار السيارات ولا مانع من تكريس دولار استشفائي.

الدولرة الشاملة 

تقود المعطيات السابقة إلى التساؤل عن إمكان كبح الأسعار المتعددة ليأتي جواب مباشر من منصور، "لا يمكن ضبط الأسعار المتعددة لأننا في صلب أزمة سعر الصرف، ولا إمكان لتوحيد سعره"، وتتمسك بالطرح القائل بأن "توحيد سعر الصرف في بلد مدولر يعاني أزمة سعر الصرف لا يمكن بلوغه من خلال الكلام والوعود، ولا بد من اعتماد إحدى التقنيتين، إما الدولرة الشاملة أو مجلس النقد، وسواهما هو مجرد طروح فارغة".

وتوضح ليال منصور أن "صندوق النقد الدولي لا يطالب بتوحيد مطلق لسعر الصرف، بل لتضييق الفروق بين أسعاره المختلفة"، مضيفة أن "سعر الصرف في السوق الحرة لا يمكن لجمه أو توحيده، ولكن يمكن للمصرف المركزي اعتماد سعر واحد لمختلف التعاملات المتصلة به".

وحول السعر المفضل للتوحيد المفترض اتباعه من المصرف المركزي، وهل يكون على السعر الأعلى المعتمد في الصيرفة أي 30500 ليرة لبنانية، أم عند مستوى 15 ألفاً المعتمد حديثاً لتحديد الدولار الجمركي، تؤكد منصور أن "التحديد يعود للسلطة العامة ولكنه لن يكون حلاً لمشكلة ارتفاع الدولار، لأن الدولار الحر سيستمر في التحليق وستضطر السلطة إلى تغيير السعر ليواكب الارتفاع الطارئ إلى ما لا نهاية، لأن مضاعفة الدولار الحر قيمته مسألة وقت".

الأثر العميق لأزمة الصرف

وتزداد المطالبات بتصحيح الأجور فيما تتصاعد الآمال في الخروج من الأزمة الحالية مع بدء استكشاف واستخراج الغاز والنفط وغيرها من الإصلاحات المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي وقدوم الاستثمارات، وتجزم ليال أن "الإجراءات المختلفة لن تحول دون الارتفاع المستمر والمتواصل للدولار لأننا في صلب أزمة سعر الصرف، وكل الإجراءات ستكون بمثابة إصلاحات شكلية وماكياج لمرض عضال".

وتركز على أن "الجراحة ستكون إما بالدولرة الشاملة ومجلس النقد التي لا تحل المشكلة وإنما توقف الانهيار، وتشكل فرصة لالتقاط الأنفاس ريثما نعيد بناء الهيكل من جديد، وقد برهنت السنوات الثلاث الماضية أن الإجراءات المتبعة هي مجرد تمرير للوقت".

وتضيف، "تقود الدولرة الشاملة إلى اختفاء الليرة ونظام البنك المركزي، وتصبح عملة لبنان هي الدولار أي أقوى عملات العالم"، مشيرة إلى "أن حجم الاقتصاد والاستثمارات والنمو هي التي تتحكم بحجم الدولارات المتداولة في السوق ونخرج من العشوائية المالية، كما أن التضخم يتراجع إلى مستوى طبيعي لا يتجاوز واحداً إلى اثنين في المئة، كما أن الاستيراد يصبح رهن القدرات المتوافرة فلا نستورد ما لا نحتاجه، ونصبح ملزمين بجباية الضرائب ونضطر إلى دعم الصناعة الوطنية لأن الدولارات تصبح محدودة". 

ويدفع الطرح السابق إلى التساؤل حول إمكان اعتماد خطوات موازية لمواجهة التضخم والحد من وطأة الأزمة على الفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة، وتعبر منصور عن أسفها أن "زيادة المداخيل والأجور لن تقود إلى تحسين ظروف المواطنين، لأن زيادة الرواتب ستدفع إلى ارتفاع إضافي في سعر الدولار والتضخم، وسنكون أمام كرة ثلج تكبر أكثر فأكثر". وتشير إلى أن "ورقة المليون الليرة باتت حاجة لأنها ستظهر عاجلاً أم آجلاً، لأن الأماكن ستضيق بالليرات الفاقدة لقيمتها، ولا يجوز أن تكون أكبر ورقة نقدية لبنانية تساوي دولارين فقط".

وتخلص منصور إلى أن "الإجراءات المقترحة لحل أزمة سعر الصرف في لبنان هي تلك المعتمدة لحل مشكلة الدول الميؤوس منها"، داعية الدولة اللبنانية إلى الاستماع للآراء العلمية المتخصصة التي تتعاطى مع الأمور بواقعية وبعيداً مما يحكى عن حل الأزمة في معرض خطوات سياسية من هنا أو هناك، لأننا أمام "مشكلة في الصميم لا مثيل لها".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير