Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

2022... عام بلا أحزاب ولا برلمان في تونس

البعض يرى أن الأزمة غيبت الديمقراطية وآخرون قالوا إنها جمدت الصراع الذي أنهك البلاد

حارس أمن تونسي يقف خارج البرلمان التونسي في 31 مارس 2022 (أ ف ب)

سنة سياسية مرت على تونس مغايرة تماماً لأعوام ما بعد ثورة يناير (كانون الثاني)، حيث كانت خالية من الأحزاب الحاكمة، وغاب فيها مجلس نواب الشعب، الذي كان سبباً في تشتت الحكم في البلاد، وفق عديد من المراقبين.

هذا الغياب حصر دور غالبية الأحزاب في المعارضة، وأسهم في تلاشي معظمها، ونقل الدور التشريعي من مجلس النواب إلى رئيس الجمهورية الذي أمسك بدوره بجميع السلطات.

وعلى رغم أن الطبقة السياسية والنخبوية في تونس رأت أن هذا الغياب غيّب معه الديمقراطية، فإن غالبية فئات الشعب خرجت مهللة بسقوط البرلمان يوم 25 يوليو (تموز) 2021، ورأت في تجميده تجميداً للصراع السياسي، الذي استنفد قوى البلاد وأنهكها طيلة عشرية كاملة.

إسقاط مسار دستوري

في هذا الصدد، قال عضو مبادرة "لينتصر الشعب" صلاح الداودي إنه "ليس غياباً، بل هو حل وفق الدستور، لنقل السلطة التشريعية لرئيس الجمهورية"، معتبراً أن "حل البرلمان أفضل قرار سياسي عاشته تونس منذ ثورة يناير 2011".

وأضاف الداودي لـ"اندبندنت عربية"، "الكل في تونس بعد عشرية سوداء انتظروا تغيير النظام السياسي، وتعديل نظام الانتخابات، وتغيير الدستور لمحو آثار ما عاشته البلاد في هذه السنوات العجاف، وتأسيس تونس جديدة من خلال حل البرلمان ثم تغيير الدستور وإعادة بناء المؤسسات عبر الانتخابات".

وفي شأن الأحزاب، يرى الداودي أنها موجودة وبقوة، وتتحرك بكل حرية، سواء في الشارع من خلال التظاهرات، أو في العملية السياسية، وذلك بتعاملها مع أطراف خارجية، وهي أيضاً حاضرة بقوة في الإعلام، وفي علاقتها بالمنظمات والمجتمع المدني"، وفق تقديره.

وأشار إلى أن الأحزاب "موجودة أيضاً في الانتخابات الأخيرة، وهم مرشحون يظهرون أنهم مستقلون، لكنهم في الحقيقة تابعون لتلك الأحزاب المقاطعة"، معتبراً أن "وجودها هو حضور فقط من أجل إسقاط مسار دستوري وشعبي".

يذكر أن حل البرلمان برئاسة رئيس "حركة النهضة" راشد الغنوشي، جاء نتيجة لأزمة سياسية معقدة في تونس، شاركت فيها الأحزاب الحاكمة آنذاك، وهي "حركة النهضة الإسلامية" وحزب "قلب تونس"، اللذان توافقا من أجل فرض إرادتهما عبر حكومة هشام المشيشي التي كانت في صراع علني مع رئيس الجمهورية قيس سعيد.

وأسهمت هذه الأزمة السياسية بين السلطات التشريعية والتنفيذية برأسيها في تأجيج الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وما زاد الطين بلة فشل حكومة المشيشي خلال صيف 2021 في إدارة الأزمة الصحية بسبب انتشار فيروس كورونا الذي حصد آلاف الأرواح، وعدم قدرة الحكومة على توفير اللقاحات، الأمر الذي رآه رئيس الجمهورية خطراً داهماً يجب التصدي إليه واستئصاله، فجاء قرار تجميد البرلمان مساء 25 يوليو 2021 يوم احتفال تونس بعيد الجمهورية، وخرج آلاف التونسيين للشارع احتفالاً به.

من دون حسيب ولا رقيب

من جهة أخرى، يرى الناشط السياسي وعضو "جبهة الخلاص" المعارضة لرئيس الجمهورية، أحمد نجيب الشابي، أن "غياب البرلمان في تونس أخل بالميزان السياسي والديمقراطي، وحل محله الحكم الفردي المطلق من دون حسيب ولا رقيب"، مضيفاً أن "غياب المؤسسة التشريعية هو غياب للديمقراطية".

وقال الشابي، لـ"اندبندنت عربية"، إن "عملية حل البرلمان بمثابة قتل لكائن مريض كان من الأجدر علاجه"، مفسراً "الكل كان يعرف أن البرلمان فشل في إخراج البلاد من أزماتها"، لكن بحسب رأيه "كان من الأجدر إصلاحه عن طريق تعديل القانون الانتخابي، وليس حله وتغييبه".

عبء جديد

من جهته، يوضح المحلل السياسي مراد علالة أن غياب البرلمان "خلافاً لما يذهب إليه البعض نكاية أو بغية مسايرة المزاج الشعبي والشعبوي أو انتصاراً وانخراطاً في مشروع رئيس الجمهورية، فإن السنة المنقضية مثلت عبئاً جديداً على التجربة التونسية، وعلى الشعب التونسي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح علالة لـ"اندبندنت عربية"، "غياب البرلمان والصدمة التي تلقتها الأحزاب تجاوزت في انعكاساتها الداخل، ومثلت ذريعة لمن نسميهم شركاء تونس لابتزازها والضغط عليها بحجة عودة وإعادة المسار الديمقراطي للبلاد وربط المساعدات والقروض بها".

وأضاف، "في الداخل فقدنا سلطة مضادة ضرورية للتوازن، سلبت منظومة الحكم، وحصل احتكار جميع السلطات بيد رأس السلطة التنفيذية، وهو خطر على الديمقراطية مهما كان اسم الممسك بزمام الأمور وخصاله، وهذه حالة محفزة ومشجعة على النفور من الاهتمام بالشأن العام، أي الإخلال بركن من أركان الديمقراطية التي نحن في ناديها".

فرز وطني باهظ الثمن

مسألة أخرى تثير القلق، وفق علالة، وهي أن "ما حصل هو نكران مرحلة أنهتها السنة الماضية، لكنها امتدت قرابة عقد من الزمن، ولا يمكن اعتبارها مرحلة مفرغة أو كأنها لم تكن، سواء بالنظر إلى انتعاشة الحياة السياسية لبعض الوقت، أو الأهم من ذلك بداية تحقيق فرز وطني باهظ الثمن للأسف بين من هو منحاز قولاً وفعلاً للشعب ومن يقوده فقط من منطق الغنيمة"، مفسراً، "بعبارة أخرى شيطنة المرحلة لن تنفع أحداً، لأننا إزاء صفحة من التاريخ لا يجوز أن نقلل فيها من دور طيف من التونسيين على الأقل أخلصوا للبلاد ولم يبخلوا بالتضحية من أجلها".

يبقى الإيجابي، في تقدير علالة، أن "هزة نفسية إيجابية حصلت في المشهد بحل البرلمان وإعادة رسم دور وحجم (حركة النهضة الإسلامية) وشركائها نتيجة فشلها في إدارة المرحلة السابقة وتحميلها المسؤولية، وكذلك حصول غربلة في قائمة الأحزاب التي بلغ عددها 250 ولم يصمد منها إلا النزر القليل".

وأشار إلى أن "عملية الفرز السياسي في حقل الأحزاب مهمة للغاية، فهي مدعوة للصراع من أجل البقاء على قاعدة النقد الذاتي والمراجعات من أجل استعادة ثقة الشارع وتأطيره وتعبئته والوصول بواسطته إلى الحكم".

التحدي الأكبر

أما التحدي الأكبر، بحسب علالة، "فيظل الارتقاء بوعي المواطن حتى لا يلدغ التونسي مجدداً، ليس بالضرورة من قبل السياسيين السابقين، لكن من سياسيين جدد أو سياسيين متحولين، إن جاز القول".

يذكر أن الانتخابات التشريعية التي جرت في تونس يوم 17 ديسمبر (كانون الأول) أعادت فتح قبة البرلمان بباردو بعد إغلاقها لأكثر من سنة ونصف السنة.

المزيد من تقارير