Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مستقبل الاتصالات السلكية واللاسلكية في طبقة الغلاف الجوي العليا

بحسب التقديرات، لا تتوافر لعدد كبير من الأشخاص على مستوى العالم إمكانية الوصول إلى خدمات اتصالات مستقرة بالإنترنت أو الهاتف المحمول. فهل يمكن للطائرات المسيرة على ارتفاعات عالية أن ترأب هذه الفجوة؟

آفاقاً جديدة تنفتح أمام تكنولوجيا الطائرات المسيرة (إيربص)

لطالما كان التفكير الجانبي جزءاً لا يتجزأ من الابتكار التقني. وكثيراً ما ركزت اتصالات العصر الحديث السلكية واللاسلكية على روابط البيانات الأرضية (مثال أبراج الهاتف المحمول) والأقمار الاصطناعية التي تدور حول الأرض. لكن في الآونة الأخيرة، ارتأت مروحة من المجموعات البحثية تحويل اهتمامها نحو الأرضية الوسطى، ونعني بها المكان الذي يقع في منتصف الطريق بين سطح الأرض ومجال الفضاء الخارجي.

وقد نتج من هذا التحول طائرة "زيفير" (Zephyr) الكبيرة الحجم والمنخفضة الكثافة التي تعود أصولها إلى المملكة المتحدة بعكس مشاريع الفضاء الرائدة عموماً.

وبالنظر إلى أنها جهاز هندسي تطلعي، فإن طائرة "زيفير" تتصف بالقليل من الرجعية. وصحيح أنها مصممة خصيصاً لأداء الدور الذي بتنا نتوقعه من الأقمار الاصطناعية، إلا أنها بعيدة كل البعد من أن تكون اللاعب الوحيد في مجال يزداد فيه تزاحم العالم على محاولات تطوير مناطيد وطائرات عالية الارتفاع يمكن أن تحوم فوق نقطة ثابتة وتوفر خدمات ترحيل البيانات للأشخاص على الأرض.

والمعروف عن الطائرات المسيرة عالية الارتفاع قدرتها الظاهرة على تغطية الجوانب التي لا تغطيها أبراج الهاتف المحمول التقليدية أو نطاقات الأقمار الاصطناعية. ومع تعذر وصول العديد من الأشخاص حول العالم إلى الإنترنت أو خدمات الهاتف المحمول، هل يُعقل أن تكون هذه التكنولوجيا هي الحل لرأب هذه الفجوة؟

نعم، يُعقل. وقد جرى تطوير "زيفير" في الأصل في المملكة المتحدة لتكون "طائرة فائقة الثبات"، قل طائرة كبيرة وخفيفة الوزن تعمل بالطاقة الشمسية وتقوى على التحليق في الظلام والبقاء في الجو لعدة أشهر بفضل قدرة بطارياتها على تخزين الطاقة المستمدة من ضوء النهار. إشارة إلى أن شركة "كينيتيك" (Quinetiq) هي التي بنت أول طائرة من هذا الطراز عام 2003 ليُصار بعدها إلى نقل الملكية إلى مجموعة "إيرباص" (Airbus) الأوروبية.

وبوجه عام، يزن هيكل الطائرة المسيرة من طراز "زيفير" حوالى 75 كلغ. ويُقال إن لكل نموذج منها القدرة على استبدال 250 برجاً من الأبراج الأرضية للاتصالات. ومع مرور الوقت، قد يُعمل على تحسين تقنياتها لتُصبح قادرة على التحليق في الجو لأشهر متتالية من دون التزود بالوقود ومن دون الخضوع للصيانة الروتينية. وتُحلق طائرات "زيفير" على ارتفاع 7500 قدم، تجنباً للحركة الجوية التقليدية وللاضطرابات التي يمكن أن تنشأ عن الأحوال الجوية. فالمنطقة الواقعة عند هذا الارتفاع من الغلاف الجوي أو "التروبوبوز" بحسب بعض العلماء، تخلو من الهواء ولا يتعدى متوسط ​​سرعة الرياح فيها الـ5 عقد؛ وهذا أمر جد مناسب لاستمرارية "زيفير" التي تتسم ببنية هشة، كما أن الامتيازات القانونية للمنطقة والتي تتمثل في تواجدها خارج نطاق صلاحيات الإدارة الجوية الفيدرالية الأميركية، مناسبة لها أيضاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي بعض الأحيان، يُشار إلى مثل هذا الطراز من الطائرات باسم "الأقمار الاصطناعية الزائفة" على ارتفاعات عالية، نظراً إلى قدرته على البقاء في المحطة لفترة طويلة من الزمن واحتمالية اضطلاعه بالدور الذي تشغله عادةً الأقمار السابحة في الفضاء.

ولعل أحد أهم مواطن القوة لدى أي قمر اصطناعي في المدار الأرضي المنخفض هو قابليته للبقاء في المحطة من دون توقف ومن دون استهلاك الوقود واقتصار عملية إطلاقه من الأرض باتجاه السماء الرحبة على خمسة أشخاص تقريباً بعد تشغيل المراوح.

أما مفتاح نجاح هذه التكنولوجيا، فيكمن في مقدرتها على المكوث في المحطة لعدة أشهر متتالية، ومن ثم العودة إلى الأرض من أجل استبدالها سريعاً بجهاز يُماثلها. ولغاية هذه اللحظة، يبلغ الرقم القياسي للتشغيل المتواصل عتبة الـ65 يوماً مع أقصى ارتفاع عند 76 ألف قدم.

وفي أحدث رحلة، تمكن أحد النماذج الأولية لـ"زيفير" من اجتياز مسافة تُعادل دوران الأرض حول نفسها سبع مرات أو ثلثي الطريق إلى القمر تحت مظلة المحطات الأرضية في كل من هنتسفيل (ألاباما) ويوما وفارنبورو (هامبشاير). والمؤسف أن هذا النموذج لم يعد أدراجه إلى الأرض، بل تعرض إلى حادثة تحطم في أغسطس (آب) 2022 قبل ساعات قليلة من كسره الرقم القياسي لرحلة طيران مستمرة. ومع ذلك، اعتُبرت رحلته كطائرة تجريبية لنوع جديد من مسارات الطيران، إنجازاً عظيماً بكل ما للكلمة من معنى.

لكن القطاع التجاري لن يتوقف عند هذا الإنجاز وسيُطالب بإنجازات أخرى. وإن كان لا بد له من الاستعانة بنظام من هذا النوع كمحطات لترحيل البيانات طويلة الأجل، فسيكون من الضروري أن تكرس المحطة طائرة واحدة على الأقل لكل قطاع جغرافي يحتاج إلى تغطية على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع. عدا عن ذلك، يرفض القطاع التجاري الحوادث "العرضية" جملةً وتفصيلاً، لا سيما بوجود بدائل أرضية يمكن التعويل عليها وإن بثمن أعلى. هذا بالنسبة إلى القطاع التجاري؛ أما بالنسبة إلى القطاع الفضائي، فلطالما روج للمشاريع الطموحة التي تبقى مجرد حبر على ورق. لكن "زيفير" ليست واحدة من هذه المشاريع بعدما أثبتت كفاءتها في التحليق، على رغم حادثة التحطم التي ألمت بأحد نماذجها في صيف 2022.

وقد علمنا أن معظم تجارب القطاع الأخيرة أُجريت في الولايات المتحدة تحت إشراف الجيش الأميركي، على اعتبار أن للطائرات فائقة الثبات على ارتفاعات عالية إمكانات عسكرية يمكن للجيش استكشافها وتسخيرها في الدورات الحدودية وعمليات الاستطلاع العسكري على حد سواء.

وما تبقى من هذه التجارب أجرته شركات مختصة تبحث عن حلول ناجعة للمشكلة ذاتها باستخدام تكنولوجيا أكثر بساطة. ومع تزايد النظر إلى "الطائرات فائقة الثبات" و"المناطيد" بوصفها بديلاً لروابط البيانات الأرضية، بات التعدي على المهام التي كانت تؤديها الأقمار الاصطناعية ممكناً وبات اللجوء إلى مثل هذا النوع من المقدرات لمراقبة الأرض واستغلال مواردها أيضاً ممكن.

فقبل عدة سنوات خلت، قررت شركة "ألفابيت" (Alphabet) الأميركية العملاقة في مجال التكنولوجيا ومالكة "غوغل" إنفاق مبلغ كبير من المال على "مشروع لون" (Project Loon) الخاص بها. وكان القصد من هذا المشروع الطموح بشكل متوقع توفير خدمة الإنترنت للأشخاص الذين يعيشون في مناطق نائية من العالم عن طريق مناطيد كبيرة من الهيليوم تُطلق في الغلاف الجوي العلوي وتكون بمثابة محطات لترحيل البيانات.

وقد وصل "مشروع لون" عملياً إلى حد إطلاق بضع مناطيد في سماء نيوزيلندا وإرساء عدد من نقاط الاتصال الأولية وتجاوز العديد من العراقيل التقنية الرئيسة. وكانت أموره تسير على قدم وساق لولا فشِل القيمون عليه في إقناع المستثمرين الماليين بضرورة الاستمرار في دعمه. وعلى رغم التقدم التكنولوجي المهم الذي أحرزه "لون"، اتخذت "ألفابيت" قرار وقف العمل عليه. تجدر الملاحظة أن هذا النوع من المشاريع معرض باستمرار للتقويض من قبل اتصالات الإنترنت الأخرى التي تنافسه وتتقدم بسرعة مخيفة، بصرف النظر عن هول التحديات الهندسية التي ينطوي عليها.

لكن "مشروع لون" وإن يُذكرنا بشيء، فإنه يُذكرنا بالعظمة التي حققتها الشركات التكنولوجية الكبرى وبقدرة البعض منها على تخصيص ميزانيات ضخمة للبحث والتطوير لا يسع الحكومات الأوروبية عموماً أن تُضاهيها لا بل وقد تجلب لها العار. أوَلم تعتد "غوغل" الإفادة عن أرباح تناهز 50 مليار دولار في ربع واحد فقط؟ تذكروا دائماً أن هذه الشركة ومثيلاتها تأسست على يد أشخاص مبتكرين وطموحين للغاية بحيث يستمرون في تأدية المتوقع منهم حتى بعد أن يحققوا نجاحاً باهراً في مجالهم الأول. وإن مثل هذا التزاوج المذهل بين الإنفاق المرتفع على البحث والتطوير ورغبة أميركا الحديثة في المخاطرة هو الذي يقود قطاع التكنولوجيا اليوم نحو اتجاهات لم تكن في الحسبان.

وماذا عن شركة "ميتا" (Meta) (فيسبوك سابقاً) القائمة على الويب؟ أوَلم تُثبت عدم خشيتها نشر مواردها الخاصة في سبيل تنفيذ أفكار جديدة؟ أوَلا تستثمر حاضراً في عدد من المشاريع بعيدة المدى حول العالم؟ أوَلم يُقدم صاحبها مارك زوكربيرغ على دعم نظام "أكويلا" والتعاقد مع شركة "أسينتا" (Ascenta) البريطانية لاستحداث نظام قائم على الليزر يحافظ على الاتصال بالأرض؟ نعم، فعل وكانت النتيجة: إنشاء طائرة "فيسبوك أكويلا" المسيرة بالطاقة الشمسية لتكون قمراً اصطناعياً في الغلاف الجوي وتزود المناطق النائية بالإنترنت، أولاً في بريدجووتر في إنكلترا، ثم في ولاية أريزونا حيث استمرت في الخضوع لرحلات تجريبية لحين تعرض أحد أجهزتها للضرر عند الهبوط عام 2016.

وفي مقابل شركات وادي السيليكون الناشئة والديناميكية، قد تبدو مجموعة "أوردنانس سيرفي" (Ordnance Survey Group) البريطانية وكأنها من بقايا العصر الفيكتوري. ومع ذلك، نراها تدأب حالياً على تطوير طائرة من دون طيار على ارتفاعات عالية لمساعدة صانعي الخرائط في المستقبل. وفي هذه اللحظات، لا تزال طائرة A3 قيد الإنشاء من قبل شركة "أستيغان" (Astigan) التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها والمملوكة جزئياً للمجموعة. والمعروف عن هذه المركبة أنها تزن 149 كلغ وتمتلك جناحين بطول 38 متراً. وعلى شاكلة "زيفير" ومعظم الطائرات المماثلة لها، تستمد A3 طاقتها من الشمس؛ ويعتقد مطوروها أن بإمكانها البقاء على ارتفاع 67 ألف قدم لمدة 90 يوماً.

وعلى ما يبدو أن آفاقاً جديدة تنفتح أمام تكنولوجيا الطائرات المسيرة بفضل ما يزخر به العالم المعاصر من مواد جديدة وباحثين شجعان وبفضل الأموال الطائلة التي تضخها الحكومات وشركات التكنولوجيا الرائدة والبنتاغون في الأبحاث ذات الصلة.

تقارير إضافية من برس أسوسيشن

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من علوم