Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"للخلف در" أزمة تلاحق قرارات الحكومة المصرية فما السبب؟

غياب الحوار المجتمعي بشأن القوانين يشعل فتيل الاعتراضات وآخرها الفاتورة الإلكترونية والمحال العامة

الاجتماع الأول لمجلس الوزراء المصري في المقر الجديد بالعاصمة الإدارية في 23 ديسمبر 2021 (أ ف ب)

لم تمر ساعات على إعلان الحكومة المصرية بدء تطبيق نظام الفاتورة الإلكترونية على عدد من النقابات المهنية وأصحاب المهن الحرة، إلا وظهرت الاعتراضات الشديدة على الإجراء المطبق وفق تعديلات قانون الإجراءات الضريبية الصادرة عام 2020 التي سبقتها مناقشات داخل البرلمان.

تكرر مشهد "للخلف در" مع قانون التصالح على مخالفات البناء، ولاحقاً قانون المحال العامة، مما دفع للتساؤل عما إذا كانت قرارات الحكومة ومجلس النواب المصري قد تمت مناقشتها مع المعنيين بها، وعبر اتباع طرق استبيانات الآراء، ودراسة واقعها قبل إصدارها وتطبيقها ثم الاعتراض عليها والعودة لتعديلها مرة أخرى.

كانت مصلحة الضرائب المصرية أعلنت إلزام كل الممولين، سواء الشركات أو أصحاب المهن الحرة، بتسجيل البيانات بمنظومة الفاتورة الإلكترونية في موعد أقصاه 15 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، محذرة غير الملتزمين بتطبيق العقوبات الواردة بقانون الإجراءات الضريبية باعتبارها حالة تهرب ضريبي.

ولم تقف اعتراضات النقابات المهنية، مثل المحامين والأطباء والصيادلة عند البيانات، ومهاجمة وزير المالية المصري محمد معيط، بل وصلت إلى حد تنظيم وقفات احتجاجية أمام مقر نقابة المحامين الرئيس بمنطقة وسط العاصمة القاهرة، في مشهد اعتبر غريباً عن المصريين منذ سنوات.

إعادة دراسة

هدأت الأزمة بعقد وزير المالية المصري محمد معيط جلسة مع النقابات المعنية، في ظل أنباء عن اتجاه حكومي بإعادة دراسة قرارات الفاتورة الإلكترونية والفئات المطبقة عليها، مما أعاد للأذهان عدداً من القرارات والقوانين التي قال المعنيون بها إنهم فوجئوا بإقرارها وشكل صدورها أزمة للمصريين، مما اضطر الجهات المعنية إلى إعادة النظر فيها مرة أخرى لتناسب الفئات المستهدفة، خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية.

سبقت أزمة الفاتورة الإلكترونية قوانين وقرارات عدة سببت ضجت كبيرة داخل الشارع المصري، مما أجبر الحكومة على تعديلها بعد ذلك، من بينها تراجع وزير الأوقاف مختار جمعة، في 25 أبريل (نيسان) الماضي، عن قرار حظر صلاة التهجد بالمساجد خلال الليالي العشر الأخيرة من شهر رمضان، عقب رد فعل شعبي واسع عبر مواقع التواصل أثارته صور لمفتشي وزارة الأوقاف وهم يتجولون ليلاً، للتأكد من إغلاق المساجد.

وفي أغسطس (آب) 2020، شهدت مصر اعتراضات شديدة على قانون التصالح على مخالفات البناء، الذي أعلنت الحكومة على مدار عامين مد مهلة التسجيل أكثر من مرة، دخل بعدها نفق التعديل التشريعي بمجلسي النواب والشيوخ ولم يخرج حتى الآن.

ويواجه قانون التصالح في مخالفات البناء بعض الاعتراضات، أبرزها طول الإجراءات الخاصة بالتصالح، والمدة المحددة لتطبيق القانون والقيمة السعرية للتصالح، علاوة على من له الحق في تقديم طلب التصالح وسداد القيمة المادية، هل مالك العقار أم السكان أم صاحب الوحدة السكنية.

المحال العامة

في السياق ذاته أثار وزير التنمية المحلية اللواء هشام آمنة الجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبين أصحاب المحال التجارية والأسواق بشأن إعلانه بدء إجراءات تطبيق قانون المحال العامة خلال الأيام المقبلة، وهو القانون الصادر منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2019 لكنه لم يدخل حيز التنفيذ إلا الأحد الماضي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تركزت الاعتراضات حول القائمة التي أقرها وزير التنمية المحلية بشأن الأنشطة التجارية التي تحتاج إلى موافقات أمنية قبل فتح أنشطتها، ومن بينها السوبر ماركت ومحال الألعاب الإلكترونية، إلى جانب كلفة التراخيص للمرة الأولى والتجديد السنوي بزيادة 15 في المئة، ليعلن كثيرون من رواد مواقع التواصل الاجتماعي رفضهم للقانون.

كان من بين المعترضين المحامي الحقوقي طارق العوضي عضو لجنة العفو الرئاسي، الذي علق عبر صفحته الشخصية بـ"فيسبوك"، قائلاً "83 نشاطاً تستوجب موافقة أمنية قبل ترخيصها، هذا القرار يمثل اعتداء على حقوق دستورية أهمها حق العمل، وأدعو أصحاب هذه الأنشطة إلى الطعن عليه، وأعلن تضامني مع جميع الدعاوى التي سيتم رفعها ضد هذا القرار المعيب".

ليس شرطاً

في شأن ضرورة الحوار المجتمعي قبل إقرار قانون، قال أستاذ القانون الدستوري صلاح فوزي إن الدستور لا يلزم المشرع بعقد حوار مجتمعي مع أي من فئات المجتمع خلال فترة مناقشات وتعديلات القانون قبل إصداره، لافتاً إلى أن اعتراض بعضهم على آليات تنفيذ قانون ما، بعد صدوره، قد يجبر المشرع إلى الاستماع لأصوات الفئات المعارضة ليدخل تعديلات جديدة على القانون ليناسب الجميع.

وأضاف فوزي، لـ"اندبندنت عربية"، أن الدستور والقانون ولائحة السلطة التشريعية ممثلة في مجلس النواب لا ينص أي منها على عقد حوار مجتمعي خلال إجراءات التشريع، مؤكداً أنه إذا كان هناك نص ملزم بالحوار المجتمعي لكانت جميع القوانين التي صدرت من دون أزمة تعرضها للبطلان.

وأوضح فوزي، الذي كان عضواً في لجنة الخبراء الدستوريين التي شاركت في صياغة دستور مصر الحالي الصادر عام 2014، أنه طبقاً للأعراف البرلمانية قد يلجأ مجلس النواب لعقد جلسات حوار مجتمعي في بعض القوانين المثيرة للرأي العام قبل إصدارها، الأمر الذي جرى اتباعه خلال الإعداد لدستور مصر لعام 2014 داخل لجنة الخمسين المكلفة وقتها بإعداد الدستور.

وأشار أستاذ القانون الدستوري إلى أنه من ضمان مشروعية القوانين إعلام المخاطبين بها عبر النشر بالجريدة الرسمية باعتبارها "قرينة العلم"، التي ليست بالضرورة وصولها إلى أغلب المصريين.

ولفت إلى أنه أحياناً بعد إصدار القانون تفاجأ بعدم معرفة الأغلبية أي شيء عن طرق تطبيقه واختلاف بعض النصوص واللائحة التنفيذية مع التجارب الحياتية لبعضها، ومن هنا تأتي الاعتراضات على طرق تشريع القوانين.

جودة القانون

وشدد فوزي على أهمية دور الإعلام بالتعريف بالقوانين ومراحلها المختلفة قبل إصداراها، وعلى رغم ذلك فإن بعض المخاطبين بالقوانين غير مهتمين بالصحافة البرلمانية المتخصصة ويفاجؤون بها بعد صدورها، فيبدؤون بإثارة الاعتراضات التي قد تكون مقبولة، موضحاً أن قضية الاتفاق مع قانون ما والإجماع عليه بنسبة 100 في المئة لا يحدث في أي من دول العالم، لكن القانون ينظر للمصلحة العامة.

وأكد فوزي أن إصدار القانون ثم الاعتراض عليه وتحرك المشرع لتعديله لا ينقص من جودته وقدرات المشرعين في عملية إصدار التشريعات. وأوضح أن وجود آليات للتعديل أو الإلغاء في القوانين أو حتى الدستور تنفي فكرة القصور بعملية التشريع.

وقال إن "التعديل مباح ووجد لمواجهة هذه الظروف، وهو ليس عيباً في التشريع، لأنه أمر طبيعي في ظل أنك تتعامل وتصطدم بمجتمع له توجهات ومصالح مختلفة ومتعارضة، وأرى أن البرلمان المصري يبذل قصار جهده في مناقشة القوانين قبل طرحها من خلال نقاشاته باللجان الداخلية والجلسات العامة".

لكن عضو مجلس النواب المصري ضياء الدين داوود لا يتفق مع هذا الرأي، وينظر إلى القوانين التي تقابل باعتراضات فورية وتضطر الحكومة إلى تعديلها أو إلغائها بأن ذلك يقلل من جودة القوانين ويزيد عيوبها وتشوهاتها.

صم الآذان

وقال داوود لـ"اندبندنت عربية" إن تلك الوقائع التشريعية ترجع إلى أن مصر ليس لديها نظام سياسي حقيقي تطلع من خلاله الأحزاب ناخبيها على مشاريع القوانين أو تشرك المعنيين في نقاشات مجتمعية، بحسب تعبيره.

وأضاف أن صم الآذان عن الاستماع لوجهة نظر الأقلية داخل البرلمان يؤدي لتلك الأزمات التشريعية، مشيراً إلى أنه لا توجد أي نقاشات مجتمعية تحدث قبل إقرار القوانين.

وأكد داوود، وهو محام بالأساس، أن أي تشريع لا بد أن يكون مدروساً مع الجهات المعنية التي سيطبق عليها، لافتاً إلى أن قانون الإجراءات الضريبية الموحد لم يتم الاستماع خلال مناقشته إلى أي من النقابات المهنية.

وأقر مجلس النواب المصري خلال دور الانعقاد الأول من الفصل التشريعي الثاني (2020-2021) أكثر من 140 مشروعاً قانوناً، تنوعت بين اقتصادية بهدف تشجيع الاستثمار وجذب رؤوس أموال والمساهمة في خفض عجز الموازنة، وأخرى عقابية مثل تشديد العقوبات على جرائم ختان الإناث والتحرش الجنسي وقوانين لإصلاح الجهاز الإداري والوظيفي، مثل قانون شغل الوظائف وإنهاء عمل من يثبت تعاطيه المخدرات وقوانين مالية خاصة بالموازنة والحساب الختامي.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير