Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"البولندي" قصة حب ضد "هيمنة" اللغة الإنجليزية

اختار كوتزي أن ينشر روايته بالإسبانية أولاً وناقش فيها إشكاليات الغرام والسلام والحنان بين البشر

قرر الكاتب الجنوب أفريقي جيه أم كوتزي بأن ينشر الترجمة الأسبانية لأحدث رواياته قبل أن ينشر الأصل الإنجليزي لها (غيتي)

للوهلة الأولى مضى بي العنوان في وجهة خاطئة. فقد فهمت أن كلمة The Pole ـ وهي عنوان الرواية التي تتناولها هذه السطور ـ تعني (القطب)، وذلك معنى الكلمة في السياق السياسي الذي يحيط ببعضنا ليل نهار، إذ تستعمل المفردة، جمعاً أو تثنية، اسماً أو صفة، في الكتابة السياسية لتشير إلى عالمنا، بأنه في حين عديد الأقطاب، وفي آخر بأنه ثنائي، وفي ثالث بأنه أحادي، بكل ما يعنيه ذلك من تغيرات في طبيعة القوى المسيطرة على العلاقات العالمية. والحق أن العالم بين هذه الحالات جميعاً في حياة جيلنا القصيرة. والحق أن ما جعلني أتمادى لوهلة في هذا الخطأ هو أنني وجدت جل المقالات التي جمعتها عن الرواية تبدأ بالإشارة السريعة، أو الوقوف المتمهل، عند قرار الكاتب الجنوب أفريقي الحاصل على نوبل في الأدب عام 2003 جيه أم كوتزي بأن ينشر الترجمة الأسبانية لأحدث رواياته قبل أن ينشر الأصل الإنجليزي لها، مبرراً ذلك بأنه مقاومة منه لهيمنة نصف الكرة الأرضي الشمالي على الثقافة. غير أنني ما كدت أتقدم في قراءة مقال منها، وأتمهل عند السطور التي توجز حبكة الرواية حتى وجدت نفسي أمام عازف بيانو بولندي في السبعين يقع على غير انتظار في الحب. ثم عروج إلى دانتي وغرامه الشهير ببياتريس. ثم انعطافة إلى أشهر العسل التي قضاها شوبان، شوبان بالذات صاحب مقطوعات البيانو الناعمة، مع الروائية البريطانية جورج صاند. وإذا بالقطب (pole)، بكل إيحاءاته السياسية الكريهة يتحول إلى "البولندي" (Pole). وفجأة انحسرت المعاني الجانبية السياسية جميعاً، ولم يبق في كلمة العنوان من إيحاءات إلا لذلك البلد الذي أهدانا فسوافا شمبورسكا وفاسلاف ميلوش وزبيغنيف هربرت وجوليا هارتويغ وآدم زغاغيفسكي، وغيرهم من شعراء القرن العشرين الفارقين. من بولندا إذن، في أقصى شمال الأرض، يأتي لنا كوتزي ابن جنوب أفريقيا في أقصى جنوب الأرض، المقيم منذ فترة في أستراليا في أقصى شرق الأرض، بقصة غرام صغيرة في رواية حديثة الصدور عنوانها "البولندي" أو El Polaco احتراماً لخيار مؤلفها جيه أم (جون ماكسول) كوتزي، التي ترجمتها إلى الإسبانية ماريانا ديموبولوس وصدرت عن دار إل هيلو دي أريادنا.

"مكتبة شخصية"

كتبت أندريا روديس في موقع ألديانيوز (في 27 سبتمبر 2022) أنه حدث في عام 2011، أن "وجَّه الناشر الأرجنتيني سوليداد قنسطنطيني، مدير دار إل هيلو دي أريادنا، الدعوة إلى الكاتب الجنوب أفريقي جيه أم كوتزي لإدارة "مكتبة شخصية"، يكتب فيها عروضاً لأهم الكتب التي صادفها على مدار حياته. ومنذ ذلك الحين، حوَّل كوتزي تلك الدار المستقلة الصغيرة في الأرجنتين إلى منصة عالمية لأعماله، قبل إصدارها بلغتها الأصلية الإنجليزية. وهذه هي حال رواية (إل بولاكو-El Polaco)، أحدث رواياته، التي صدرت في الأرجنتين مترجمة إلى الأسبانية (وسيكون لزاماً على النسخة الأصلية من الرواية أن تنتظر بعض الوقت)" فلن تصدر بالإنجليزية إلا في العام المقبل 2023، وفي أستراليا قبل بريطانيا العظمى أو الولايات المتحدة.

 

ولا أحسب أنني صادفت بالعربية أثراً من هذه "المكتبة الشخصية" بعد، لكنني أتصور ما قد يكون فيها من كنوز مقالات كوتزي الذي يبلغ ـ في تقديري ـ أفضل حالاته حينما يكتب مراجعاته للكتب وقراءاته النقدية لها، وقد لمست جانباً من ذلك في مقالاته المطولة التي دأب على نشرها في "نيويورك رفيو أوف بوكس" على مدار عقود، وجمع أكثرها في كتابين مهمين له لم يترجما بعد للأسف الشديد إلى العربية، على رغم ما فيهما من مقالات مطولة عن كاتب يخصنا هو نجيب محفوظ، وكتاب آخرين يحتلون لدينا اهتماماً كبيراً من قبيل غابرييل غارثيا ماركيز، أو كتّاب ينبغي أن نتعرف إليهم للمرة الأولى، أو نعيد التعرف إليهم من خلال عقل كوتزي ورؤاه المتفردة.

الجنوب في مواجهة الشمال

يكتب مارتين بيغلز في ملحق "التايمز" الأدبي بتاريخ الثاني من ديسمبر (كانون الأول) الجاري قائلاً إن حال رواية "البولندي"، أي صدورها أولاً بترجمتها الأسبانية من دون أصلها الإنجليزي، هي كحال آخر كتابين صدرا لكوتزي قبلها، وإن هذه الرواية لن تتحول من إل بولاكو إلى ذي بول إلا في عام 2023، و"هذه السياسة" بحسب ما يكتب بيغلز "وإن لم تلق إلى الآن القدر اللائق من النقاش في العالم الأنغلوفوني، سياسة وصفها الكاتب نفسه بأنها وسيلة لمناصرة نصف الكرة الأرضية الجنوبي المهمل في مواجهة "حرس البوابات الثقافية" في الشمال المستبد" ويمضي بيغلز محاولاً فهم عدم مناقشة هذا القرار غير المعتاد من كوتزي فيقول "إن هذا القرار قد يعدُّ غير ذي صلة بفهم أعماله، لكن يصبح من الصعب تجاهل تداعياته المفاهيمية وأصدائه البيكيتية مع ظهور إل بولاكو".

وسبب إشارة بيغيل إلى بيكيت هنا هو أن صمويل بيكيت سبق أن مضى خطوة أبعد من التي يخطوها كوتزي الآن، إذ كتب أصلاً بلغة غير لغته، في حين بقي كوتزي يكتب باللغة التي كتب بها كل أعماله، ولكنه في كتبه الأخيرة اتخذ هذا القرار بالنشر دعماً منه للجنوب في مواجهة الشمال، ما لم يرق لممارس الترجمة، مثلي، أن يرى أنه قرر أخيراً أن يقدم الترجمة على الأصل!

غرام عازف بيانو بولندي

تجري أحداث الرواية في إسبانيا، وتركز على قصة عازف البيانو البولندي فيتولد، صاحب التفسيرات الجدلية لشوبان. والتفسير interpretation في هذا السياق لا يعني بحسب ما أفهم إلا طريقة العازف أو أسلوبه في تحويل النص الموسيقي المكتوب بالرموز الموسيقية إلى موسيقى مسموعة. بدعوة من بياتريس، بطلة الرواية، يقْدم فيتولد إلى برشلونة لإحياء حفل، ثم يحدث على سبيل المجاملة ـ ودونما حماسة كبيرة ـ أن تصطحبه بياتريس إلى عشاء يرافقهما فيه زوجان كبيران في السن، والغاية من حضورهما هي أن يعكسا للقارئ صورة أوضح، وأعمق، لبطلي الرواية ـ بحسب تقدير صحيفة "إلباييس" الإسبانية. وعند ذلك الحد تنتهي العلاقة، بالنسبة لبياتريس، فهي لم تستمتع بالعزف، ولم تشعر بموهبة العازف المفترضة في عزفه لروائع شوبان، لأنها في الأصل غير مفتونة بشوبان. أما بالنسبة لفيتولد، فتلك كانت البداية لكل شيء.

يقع فيتولد السبعيني البولندي في غرام بياتريس الأربعينية المتزوجة الكتالونية. وبدافع من العقل لا من الجسد، يحاول الاثنان أن يديرا علاقتهما باستعمال نوع من "الإنجليزية العالمية" الرسمية عديمة النكهة التي كثيراً ما تسم الاتصالات الدولية. وباستثناء لقاء جسدي، تجري وقائع غرامها إلى حد كبير من خلال المراسلات: فيكتب فيتولد قصائد لبياتريس، لكن لأن النظم بالإنجليزية يستعصي عليه فإنه يكتبها بلغته البولندية. وتستعين بياتريس بمترجم لا لتفهم فقط هذه القصائد وإنما لتقيمها، فلا تراها في أحسن الأحوال إلا قصائد متوسطة.

 

تجري العلاقة بين البولندي والإسبانية على خلفية قصة الحب بين الروائية جورج صاند والموسيقار فريدريك شوبان، وكذلك قصة دانتي أليغيري صاحب (الكوميديا) مع حبيبته بياتريس. إذ يستعين كوتزي بالقصتين على إبراز التناقض بين الغراميات الرومنتيكية، والحاضر الذي تتعامل فيه البطلة بياتريس مع الحب من منظور حديث أكثر برغماتية وعقلانية وتشككاً.

في مقدم حوار الباييس مع كوتزي (13 سبتمبر/ أيلول 2022) أن "دانتي أليغيري عرَّف الوقوع في الحب في أول أعماله المعروفة وهو "حياة جديدة" تعريفاً غنائياً بسيطاً لم تزل له قيمة بعد قرون، قال "لقد ظهرت لي... أقول صادقاً إن روح الحياة، التي تقيم في أكثر غرف القلب خفاء، بدأت ترتعد بعنف حتى استشعرت ضراوتها... ومذاك قلت إن الحب ملك روحي"". وتمضي مقدمة حوار "إلباييس" قائلة إن هذه "ما هي غير مشهيات لنص عن غرام دانتي ببياتريس التي صاحبت الشاعر الإيطالي في المطاهر والفراديس. وقد أعاد جيه أم كوتزي العمل على هذه القصة، وعمل على تحديثها، فجعل من غرام دانتي المشبوب ببياتريس غرام عازف بيانو بولندي عجوز في السبعينيات من عمره بامرأة في الأربعينيات من برشلونة. وافتتان البولندي ـ الذي يعيده إلى كتالونيا لرؤيتها ثم يحمله إلى زيارة جزيرة مايوركا [التي شهدت غرام جورج صاند وشوبان] ـ يمنح الرواية نطاقاً عريضاً من الأحاسيس، التي تتراوح ما بين الحب الأعمى والتعاطف، وعدم الثقة والولاء. ويأتي ذلك في طبقات عدة يضمها كوتزي على نحو مرتب في عمل وجيز قوامه مئة وثماني وثلاثون صفحة".

138 صفحة

نعم هي مئة وثماني وثلاثون صفحة فقط، فهي على حد قول كولين مارشال في مقالة بمجلة "ذي نيويوركر" الأميركية (8 ديسمبر 2022) "رواية قصيرة، حتى بمعايير كوتزي، مؤلفة بالكامل من فقرات مرقومة بعضها لا يتجاوز جملة واحدة".

لو أن قرار نشر الترجمة الأسبانية للرواية قبل نشر الأصل الإنجليزي كان قراراً أقرب إلى السياسي من كوتزي، فقد كان لمترجمة الرواية إلى الإسبانية ماريانا ديموبولوس دور غير معهود في إبداع الرواية نفسها، إذ تكلم كوتزي عن أخذه في المخطوط الأصلي باقتراحاتها بخصوص الطريقة التي قد تفكر بها امرأة مثل بياتريس، أو تتكلم، أو كيف تأتي ردود أفعالها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في حوار "إلباييس"، يلاحظ المحاور أن "البولندي" تتناول "الحب والسلام والحنان" و"تصف أيضاً طرقاً جيدة وطرقاً سيئة للحب"، مع إعادة خلق لأسطورة دانتي وبياتريس، ويوجه سؤالاً مباشراً لكوتزي: "هل تؤمن بهذه الأشكال من الحب؟"

يجيب كوتزي بأن "شكل الحب الذي تحتفي به "الحياة الجديدة" لدانتي أليغيري، خاضع لتأثير كبير من الإيمان بـ"حب البلاط"، المستمد بدوره من الإيمان بمريم العذراء ـ وهو شديد النأي عن حاضرنا، لأنه يدمج بين الإيروتيكي والديني، وذلك عملياً أمر غير مفهوم".

يمكن القول بناء على تعريف بريتانيكا لـ"حب البلاط" إنه كان بمثابة مؤسسة مساندة لمؤسسة الزواج، فقد "كان عشيق البلاط يوجد لخدمة سيدته. وحبه كان على الدوام حباً جسدياً، فالزواج في ذلك الوقت [أي في زمن القرون الوسطى] كان ينجم في العادة عن مصالح عمل أو يكون بمثابة خاتم على تحالف قوى. وفي النهاية كان العشيق يرى نفسه في خدمة إله الحب القوي عابداً لسيدته وقديسته"، أو هذا طرف مما تقوله بريتانيكا في حب البلاط. أما في "البولندي" التي لا يكاد يحضر فيها الحب الجسدي فثمة مجال لخدمات من نوع آخر.

يقول كوتزي إن جوهر الرواية "يأتي من الوقت الذي قضته الروائية جورج صاند وفريدريك شوبان معاً في مايوركا، حيث ألَّف شوبان أغلب (مقدماته)"، وهو يشير هنا إلى الفترة من عام 1838 إلى عام 1839 حين قضى الحبيبان بضعة أشهر على الجزيرة، ولعل صاند قد وصفت هذه القصة في روايتها السيرية "شتاء في مايوركا" التي ألهمت كوتزي بأحد المشاهد الرئيسية في "البولندي".

بدائل الحب الجسدي

البديل للحب الجسدي في "البولندي" هو نقاش منطقي في ضوء عمر البطل، لا عمر البطلة. إذ يستعمل كوتزي أبطاله ليعرض أفكاره في الموسيقى والشعر. ومن ذلك أن يتساءل عازف البيانو عن الشعر "لماذا هو مهم؟" ويجيب "لأنه يخبرنا عن أنفسنا. عن رغباتنا. عما يتجاوزنا". ومنه أيضاً أن تتأمل بياتريس بدورها في أن "الموسيقى خير في ذاتها. شأن الحب تماماً، أو الإحسان، أو الجمال... ومن نفعها أنها تزيد الناس جمالاً".

كما أن في إحدى الطبقات الكثيرة لهذه الرواية نقاشاً لكيفية تفسير أعمال شوبان. فـ"شوبان عندي في أعلى مكانة يمكن أن يحتلها مؤلفٌ موسيقيّ. أعده الموهبة الأقوى والأكثر أصالة في جيل ما بعد بتهوفن وهو صاحب أثر دائم على تكنيك العزف" بحسب ما يقول كوتزي لـ"إلباييس".

كوتزي واللغة

"علاقة كوتزي بالهولندية (التي يترجم بنفسه أدبها إلى الإنجليزية) تأتي من طريق لغة جنوب أفريقيا المنشقة عنها. فللكاتب "علاقة عميقة باللغة الأفريكانية" بحسب ما يكتب ديفيد آتويل في سيرته لكوتزي، وإن يكن من غير الواضح إن كان كوتزي من الناطقين بهذه اللغة فعلياً "فهو حفيد أنجلوفونيين ناطقين بالأفريكانية"، لكنه نشأ على استعمال الإنجليزية في بيت أبويه "وكلاهما كان يربط الإنجليزية بالثقافة الرفيعة والأفريكانية بالثقافة الدنيا" ولو أن بعض أقاربه الآخرين كانوا يمزجون بين الاثنتين بلا غضاضة. (وكوتزي في كتابه السيري "الصبا" يكتب أنه... "لم يزل يتذكر انفجاره في وجه أمه صائحاً: اسمعيني! إن بوسعي أن أتحدث بالأفريكانية". وتمضي مقالة كولين مارشال إلى القول بأن نتيجة هذه التنشئة اللغوية أن كوتزي "لم ينعم قط بعلاقة غير معقدة باللغة".

في حوار مع كوتزي في عام 2019 قال "طفلاً، وشاباً، وطالباً، لم يكن لدي أدنى شك في أن امتلاكي للغة الإنجليزية يحررني من ضيق نظرة اللغة الأفريكانية إلى العالم"، لكن النضج جاء معه بغربة وخلق مسافة، "فأنا أجيد الإنجليزية، حديثاً وكتابة، لكنها إجادة أقرب إلى إجادة الأجنبي"، و"لعل هذا هو السبب في أن الإنجليزية التي أكتبها شديدة اليسر في الترجمة. وقد عملت عن قرب مع مترجمي كتبي إلى اللغات التي أعرفها، ويبدو لي أن النسخ التي يقدمها من يترجمونني لا تقل بحال عن الأصل".

في مقالة كولين مارشال في "ذي نيويوركر" أن "كوتزي قال للصحافة الناطقة بالإسبانية إن ترجمة "البولندي" الإسبانية تعكس نواياه بصورة أوضح مما يفعل النص الإنجليزي. وأن اختياره أن ينشر الترجمة أولاً... يعكس فقدانه الثقة في اللغة التي أصبح من خلالها شخصية لها احترامها. قال "لا تروق لي الطريقة التي تستولي بها اللغة الإنجليزية على العالم... لا تروق لي الطريقة التي تسحق بها اللغات الثانوية التي تصادفها في طريقها. لا تروق لي ادعاءاتها العالمية، وأعني بهذا إيمانها المطلق بأن العالم هو ما يظهر في مرآة اللغة الإنجليزية. لا تروق لي الغطرسة التي يولدها هذا الوضع في نفوس الناطقين الأصليين بها. ولذلك أفعل القليل الذي في وسعي لأقاوم هيمنة اللغة الإنجليزية".

يقول كوتزي في حوار "إلباييس" "لست متأكداً أن كان اتباع هذا الإجراء [أي نشر الترجمة الإسبانية قبل الأصل الإنجليزي] قد ترتبت عليه آثار عملية. لكن رمزية النشر في الجنوب قبل الشمال مهمة بالنسبة لي".

في "البولندي"، يواجه فيتولد وبياتريس صعوبات في إقامة علاقة وإدامتها، وهذه الصعوبات توعز جزئياً ـ في ما تذهب إليه مقالة مارشال ـ إلى أنهما "يستعملان لغة مشتركة ملائمة لا يتقنها أي منهما إتقاناً كاملاً، وهي الإنجليزية، ناهيكم عن امتلاك علاقة ثقافية عضوية بها. فاللغة التي يبدو في الظاهر أنها مشتركة بينهما هي العائق الحقيقي دون الحميمية، وهي في نهاية المطاف العائق الذي لا يمكنهما التغلب عليه".

للأسف الشديد، لم تتح رواية "البولندي" بعد بين يدي، فلا أملك مما أقرأ عنها من مقالات باللغة الإنجليزية ـ التي لم تتح الرواية فيها هي الأخرى بعد ـ إلا أن أعمل خيالي. وإذن، في الرواية التي كتبها خيالي منسوبة إلى جيه أم كوتزي، وبناء على ما تلمست من قراءات الآخرين، يبدو أن كوتزي يريد من "البولندي" أن يقول إن الإنجليزية ليس اللغة المناسبة لعلاقة حب بين بولندي وأسبانية، ليست اللغة الصالحة للتقريب بين ثقافتين مختلفتين، أو هي ببساطة، ليست اللغة الصالحة لأن يتكلمها العالم على حساب بقية اللغات، ولا أعرف هل تقول "البولندي" إنه ما من لغة على الإطلاق صالحة لأن تنفرد بالعالم، أم أن هذا ما تريدنا أن نخلص إليه.

العنوان: El polaco 

تأليف:  John Maxwell Coetzee

الترجمة إلى الأسبانية:  Mariana Dimópulos

الناشر:  El Hilo de Ariadna

المزيد من كتب