Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

استقالة كيم داروش... هل تصلح شرخ "العلاقات الخاصة" بين واشنطن ولندن؟

السفير البريطاني لدى أميركا يؤكد صعوبة ممارسة مهامه كما يريد في الظروف الآنية.. وتباين حول تبعات التسريبات

بعد نحو أربعة أيام من السجال في الأوساط البريطانية والأميركية، وصل حدّ التلاسن بين قيادات البلدين، على وقع تسريبات دبلوماسية للسفير البريطاني في واشنطن وصف فيها الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأنّه "غير مستقر" و"غير كفؤ"، استقال السفير كيم داروش تاركاً خلفه "شرخا" في "العلاقة الخاصة" التي تجمع بلاده والولايات المتحدة، وسط تساؤل المراقبين عن حجم تأثيرها على علاقات البلدين الحليفين منذ عقود.

فاليوم الأربعاء، وبشكل كان متوقعاً بالنسبة إلى البعض، استقال كيم داروش بعدما وصفه الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأنه "مخبول" و"غبي"، بُعيد سجالات إثر تسريب مذكراته الدبلوماسية السرية التي وصف فيها الإدارة الأميركية بـ"الخرقاء".

وبحسب ما جاء في خطاب استقالة داروش، فإنه "منذ تسريب الوثائق الرسمية من السفارة دارت تكهنات كثيرة بشأن منصبي ومدة بقائي كسفير"، وأضاف "أريد وضع حدّ لهذه التكهنات. الوضع الحالي يجعل من المستحيل بالنسبة إليّ أن أمارس مهامي كما أريد". ثم أوضح "أعتقد أنه في الظروف الراهنة فإن المسار المسؤول الواجب اتّباعه هو إفساح المجال أمام تعيين سفير جديد".

كيف بدأت الأزمة؟

أدى نشر صحيفة "ذا ميل أون صنداي" البريطانية، الأحد الماضي، مذكرات، يعود بعضها للعام 2017، أرسلها السفير كيم داروش إلى المسؤولين في بريطانيا، إلى ردّة فعل عنيفة وغاضبة من الرئيس الأميركي على "تويتر".

 

 

وبحسب الصحيفة فإن التعليقات الأكثر حدّةً التي أطلقها داروش هي تلك التي وصف فيها ترمب بأنّه "غير مستقر" و"غير كفؤ".

ونُقل عن داروش في المذكرات المرسلة إلى بريطانيا، والتي اطّلعت عليها الصحيفة، قوله إنّ رئاسة ترمب قد "تتحطّم وتحترق" و"تنتهي بوصمة عار". كما جاء في إحدى هذه المذكرات "لا نعتقد حقّاً أنّ هذه الإدارة ستُصبح أكثر طبيعية، وأقلّ اختلالا، وأقلّ مزاجيّة، وأقلّ تشظّياً، وأقلّ طيشاً من الناحية الدبلوماسية".

وبينما أعرب دبلوماسيون بريطانيون عن قلقهم من أن يؤدي نشر ما وصفته الحكومة البريطانية بتقييمات داروش "الصريحة وغير الملطّفة" إلى إحجام الدبلوماسيين الآخرين عن إرسال هكذا برقيات صريحة، بدأت ملامح أزمة دبلوماسية بين البلدين الحليفين تلوح في الأفق مع تصعيد الرئيس ترمب لهجومه ضد داروش ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، فيما تمسّكت الأخيرة بدعم سفيرها بشكل كامل مع إعلان فتح تحقيق لمعرفة المسؤولين عن هذا التسريب "المؤسف".

وبعد ساعات من التسريبات، قال متحدّث باسم الحكومة البريطانية إنّ السفير "لا يزال يحظى بدعم رئيسة الوزراء الكامل"، كما أكّد المتحدث أنّ "المملكة المتحدة لها علاقة خاصة ودائمة مع الولايات المتحدة، تستند إلى تاريخنا الطويل والتزامنا القيم المشتركة، وستظل الحال كذلك".

بالتزامن مع ذلك، أعلن متحدث باسم رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، إن ماي والرئيس ترمب لا يعتزمان حاليا بحث العلاقات بين الجانبين، وذلك بعد إدانة ترمب سفير بريطانيا لدى واشنطن بسبب تسريب مذكرات تضمنت انتقادات لإدارته.

في المقابل، صعّد الرئيس ترمب من هجومه على السفير ورئيسة حكومة بلاده، واعتبر أنّ السفير البريطاني "لم يخدم المملكة المتحدة جيّداً"، وأكّد أنّه وإدارته "ليسا من كبار المعجبين" به.

وفي أوائل تغريداته على "تويتر" يوم الاثنين، كتب الرئيس الأميركي "أنا لا أعرف السفير، لكنه غير محبوب في الولايات المتحدة ولا ينظر إليه هنا بشكل جيد. لن يكون لي معه أي اتصال"، وتابع بأنّ الولايات المتحدة "لن تجري بعد الآن" اتصالات مع السفير، كما رحّب بـ"الأخبار الجيدة" بخصوص مغادرة رئيسة الوزراء تيريزا ماي منصبها في غضون أسبوعين.

وأمس الثلاثاء، واصل ترمب هجومه على السفير البريطاني، ووصفه بأنه "شخص غبي جدا"، وكتب "السفير غريب الأطوار الذي أرسلته بريطانيا إلى الولايات المتحدة ليس شخصا يثير إعجابنا، إنه شخص غبي جدا". وكرّر هجومه أيضا على تيريزا ماي لـ"عجزها عن إنجاز" مفاوضات بريكست. وتابع "لقد قلت لتيريزا ماي كيف يمكنها أن تبرم مثل هذا الاتفاق لكنها قامت بذلك على طريقتها السخيفة. الوضع كارثة!".

تباين في ردود الفعل

في الوقت الذي عبّرت فيه رئيسة الوزراء تيريزا ماي عن أسفها لاستقالة السفير، رأى آخرون أن لندن بحاجة إلى إصلاح العلاقات من جديد مع الولايات المتحدة.

وعقب استقالة داروش، قالت ماي إنها تأسف لأن السفير البريطاني لدى الولايات المتحدة شعر باضطراره إلى الاستقالة من المنصب، مشيرة إلى أنه من المطلوب أن يستطيع المسؤولين "إسداء النصح كاملا وبصراحة". وذكرت ماي للبرلمان البريطاني "تحدثت هذا الصباح إلى السير كيم داروش. أخبرته أنه لأمر يدعو إلى الأسف الكبير أن يشعر باضطراره إلى ترك منصبه".

من جانبه، قال وزير الصحة البريطاني، مات هانكوك، إن بريطانيا بحاجة إلى إصلاح العلاقات من جديد مع الولايات المتحدة بعد خلاف دبلوماسي مع الرئيس ترمب، لكنه لم يدعم بالكامل السفير البريطاني الذي يتعلق الخلاف به.

وقال هانكوك، الذي يدعم علناً رئيس بلدية لندن السابق بوريس جونسون ليصبح رئيس الوزراء المقبل، لراديو هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) "علينا إصلاح هذه العلاقات مع البيت الأبيض من جديد، والتي تعد أكبر من شخص واحد لأنها مسألة كون هذه العلاقات بحال جيدة على كل مستوى".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في غضون ذلك، كتب وزير الخارجية البريطاني، جيريمي هانت، في تغريدة أن "أصدقاء دونالد ترمب يتكلمون بصراحة وهذا ما سأفعله"، مندّدا بما اعتبره كلاما "غير محترم وخاطئا" قاله الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن المملكة المتحدة ورئيسة وزرائها تيريزا ماي.

واعتبر هانت أن السفير البريطاني في واشنطن إنما كان يعبّر عن رأيه الشخصي في المذكرات، وأضاف أن الدبلوماسيين الأميركيين "يعطون آراءهم الخاصة (...) والأمر سيّان بالنسبة إلى دبلوماسيينا". وتابع موجها كلامه إلى ترمب "لقد قلت إن التحالف بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة هو أكبر تحالف في التاريخ، وأنا أوافق على ذلك".

من جهته، تجنّب وزير الخارجية السابق، بوريس جونسون، والمرشح الأبرز لتسلم رئاسة الحكومة توجيه انتقادات إلى الرئيس الأميركي. وقال "أنا بنفسي قلت أمورا حساسة حول طريقة سير مفاوضات بريكست حتى الآن"، مشددا على أنه "من المهم جدا أن تكون لنا علاقة قوية مع حليفنا الأهم".

علاقات على المحك

في الوقت الذي تسبّب فيه نشر مضمون المذكرات السرية التي كتبها داروش في عاصفة سياسية بالداخل البريطاني، تباينت مواقف المراقبين بشأن تبعات ذلك على العلاقات الخاصة التي تجمع واشنطن ولندن منذ عقود، وفق تعبير كبار قادة البلدين.

ويستخدم مصطلح "العلاقة الخاصة" على نطاق أوسع في بريطانيا أكثر من استخدامه في الولايات المتحدة، القوة العظمى التي تتمتع أيضا بعلاقات "خاصة" مع دول مثل إسرائيل وكندا. لكنّ لندن تعتبر حليفا حيويا وموثوقا لواشنطن وقفت بجوارها في حربين عالميتين. إذ يعتمد الطرفان على بعضهما البعض في الشؤون الاستخباراتية ويتشاركان في ذات الرؤية الأمنية العالمية التي امتدت لعقود والتي من المؤكد تقريبا أنها ستستمر لسنين مقبلة.

وبينما انبرى سياسيون بريطانيون من أطياف مختلفة للدفاع عن السفير داروش واتخذوا موقفا معاديا لتصريحات ترمب الهجومية ضد الحكومة البريطانية، نظر البعض إلى تصريحات الرئيس الأميركي عبر "تويتر" على أنها مثّلت "شرخا" في علاقات البلدين.

وبعد أن استُبعد اسم داروش بالفعل من قائمة مدعوين لحضور مأدبة عشاء في البيت الأبي،. قال السفير البريطاني السابق في واشنطن كريستوفر ماير، إن ترمب إذا كان يعني أنّ "كل موظفي البيت الأبيض لن يتعاملوا (مع داروش) بما في ذلك مستشار الأمن القومي، سيكون الأمر أكثر خطورة".

من جانبه، كتب السير بيتر ريكتس، المساعد السابق لوزير الخارجية البريطانية، في صحيفة "الغارديان"، إنّ "الضرر سيكون في احتمال تردّد الدبلوماسيين لاحقا في تقديم آرائهم الصريحة للوزراء". وأعرب ريكتس عن قلقه حيال تضرّر "سمعة بريطانيا كدولة تعرف كيف تحافظ على أسرارها".

وشدد ريكتس على أنّ "العلاقة مع واشنطن تستند إلى مصالح مشتركة قوية وعميقة"، وأكّد أنّ "هذه (العلاقات) لن تغيرها التسريبات".

من جانبه، ورغم تأكيد وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت، الذي قال إنّه "مهم للغاية" أنّ "يواصل (السفراء البريطانيون) تقديم تقييماتهم الصريحة"، موضحاً في تصريحات نقلتها عنه صحيفة "ذا صن" أنه "بالتأكيد سيكون مقلقا جدا إذا كان (التسريب) من فعل دولة أجنية معادية"، في إشارة إلى روسيا.

وفيما يقترب المرشح الأوفر حظا بوريس جونسون من خلافة ماي في رئاسة الحكومة، اعتبر موقع "بوليتيكو" الإخباري الأميركي أن الأزمة الراهنة تضع مزيدا من الضغوط على كاهل جونسون، رئيس الوزراء المفترض، إما بالرضوخ أمام ضغط ترمب أو دعم موقف سفير بلاده.

وبحسب "بوليتيكو"، فإنه "بالنسبة إلى بوريس جونسون، ستعتبر إطاحة داروش من منصبه استسلاما مهينا أمام قوة أجنبية متغطرسة". وتابع "لكنّ إظهار الدعم للسفير قد يضرّ بالعلاقات مع ترمب منذ البداية".

وتزداد أهمية هذا الاختيار بسبب الدور الذي سيلعبه السفير المقبل في التفاوض على اتفاق تجاري جديد مع الولايات المتحدة يمكن أن يخفف من الضرر المحتمل للخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي.

من هو كيم داروش؟

ولد كيم داروش في قرية "ساوث ستانلي" بمقاطعة دارم بشمال إنجلترا في أبريل (نيسان) 1954. ويعتبر داروش (65 عاماً) من السفراء المخضرمين في السلك الدبلوماسي، ويمتد تاريخه المهني إلى أكثر من أربعة عقود. إذ التحق بالسلك الدبلوماسي عام 1977، بعد تخرجه في جامعة دارم، في قسم علم الحيوان.

وعمل داروش في مقر الاتّحاد الأوروبي في بروكسل في الفترة ما بين 2007 و2011، كممثل دائم للمملكة المتحدة لدى الاتحاد في عدة مجالات، مثل آثار الأزمة المالية العالمية والقضايا المتعلقة بالتكامل الأوروبي.

كما شغل داروش منصب مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء، في الفترة من يناير (كانون الثاني) 2012 إلى سبتمبر (أيلول) 2015، وقاد فريق الأمن القومي في قضايا مثل صعود "داعش" في العراق وسوريا، والتدخل الروسي في أوكرانيا، و"التهديد النووي الإيراني" وانهيار السلطة في ليبيا.

وقبل تولي منصب سفير المملكة المتحدة لدى الولايات المتحدة في يناير (كانون الثاني) 2016، شغل منصب سكرتير الأمن القومي لرئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون لمدة عام واحد.

وخلال مسيرته المهنية، خدم داروش في عدة مناصب سياسية، بما في ذلك السكرتير الخاص لوزير الدولة المسؤول عن الشرق الأوسط، ورئيس قسم الأدرياتيكي خلال مفاوضات اتّفاق دايتون، بالإضافة إلى وظيفتين في بروكسل.

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات