هدوء حذر تعيشه مدينة السويداء السورية عقب اندلاع اشتباكات أسفرت عن مصرع مدني وآخر من أفراد الشرطة أخيراً.
وتشهد سوريا حالة ترقب لمجريات ما سيحدث في المدينة الجنوبية، التي طالما عاشت بعيداً من الأحداث والاضطرابات الداخلية على خلاف معظم المدن، لكنها تعاني أزمة اقتصادية ومعيشية هي الأشد وطأة منذ اندلاع النزاع المسلح قبل عقد من الزمن.
ما حدث في السويداء، التي تبعد 100 كيلومتر جنوب العاصمة دمشق، أثار استغراباً واسعاً لدى الأوساط الشعبية، خصوصاً بعد أن أحرقت مجموعة شعبية غاضبة مبنى المحافظة.
بعض الناشطين برروا إحراق مبنى المحافظة بأنه "فشة خلق"، تعبيراً عن استياء حول تدني واقع معيشتهم، وهي حال سائر السوريين في مدن وأرياف عاشت فداحة الحرب منذ عام 2011 وتعيش حالياً لوعة الحصار.
انهيارات متوالية
أتت أحداث السويداء في الرابع من ديسمبر (كانون الأول) بتوقيت عصيب تمر به البلاد تحتد معه أزمات نضوب المحروقات ومواد التدفئة، وتلك المشغلة للمركبات أو المنشآت الصناعية وسط انخفاض في القدرة الشرائية للعملة بسبب التضخم.
وهوت كذلك العملة (الليرة) إلى مستويات قياسية، وتجاوز انهيارها حسب سوق الصرف الرائج 5900 ليرة مقابل الدولار الواحد، مما انعكس على الأسواق سلباً وأفقد الناس قيمة سيولتهم النقدية، لا سيما مع ارتفاع سعر المعدن الأصفر، إذ يواصل سعر الذهب تحليقه متخطياً أرقاماً غير مسبوقة 300 ألف ليرة سورية ما يعادل 50 دولاراً في الغرام الواحد.
وزادت الأوضاع سوداوية مع شح المخزون النفطي، وإعلان وزارة النفط عن تأثير القصف التركي لحقول ومصافي تكرير في الشمال الشرقي، وانقطاع سبل وصول الإمدادات من تلك المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، علاوة عن ضعف وتأخر وصول ناقلات نفطية فاقمت من حدة معضلة الطاقة.
في غضون ذلك، يتساءل الشارع السوري عن جدوى الحصار المفروض عبر عقوبات أميركية يطلق عليها الجمهور الموالي "إجراءات أحادية"، ومهما اختلفت التسمية ما زال طوق الحصار يشتد وفق ناشطين طالبوا برفعها.
ولا تتسع لهم سوى النوافذ الزرقاء من مواقع التواصل الاجتماعي لبث أصواتهم عبر الوسوم والهاشتاغات "ارفعوا العقوبات عن سوريا من أجل الإنسانية، ارفعوا الحظر"، وغيرها، أملاً بأن تصبح حملتهم "ترند" الساعة، لكن اتساع التضامن مع الحملة ما زال ضمن مستوى ونطاق محدود.
من هم المحاصرون؟
وإن كانت أحداث السويداء المحرك للمياه الراكدة في ما يخص المطالب الشعبية، فإن الأوجاع طالت كل السوريين في الداخل، مما دعا شخصيات اجتماعية ونجوماً للإطلالة بمنشورات أو مقاطع مصورة لبث شكوى الناس، ومنهم الممثل السوري وضاح حلوم، الذي ظهر في مشهد مأسوي يناشد فيه بإيجاد حلول وإنقاذ للسوريين من الواقع الصعب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في حين توقفت إحدى البطولات الرياضية لكرة القدم لنقص البنزين المشغل لوسائط نقل الفرق الرياضية وسط مخاوف من توقف المستشفيات والأفران عن العمل وخروجها من الخدمة.
واقع الحال دفع الحكومة إلى إقرار عطلة يومين كل أسبوع بسبب نقص التوريدات الواصلة إلى البلاد بعد تقطع سبل وصول العاملين والطلاب إلى أماكن عملهم ودراستهم، بينما يشتري الصناعيون المازوت والبنزين بأسعار عالية جداً من أسواق موازية "سوداء" لتحريك عجلة معاملهم.
مكابدة وأعباء
في المقابل، يروي أحد المشاركين في حملة رفع العقوبات عن سوريا "إنها لا تستهدف كبار المسؤولين وحسب، بل باتت تستهدف سوريا بأكملها، فالحدود المغلقة والمقاطعة المستمرة لسنوات طويلة قوضت العمل التجاري والصناعي وزادت من تكبد الناس أعباء الحصول على لقمة العيش، ليس لدينا ليتر مازوت واحد للتدفئة، والغذاء يرتفع ثمنه كل يوم".
المقررة الخاصة للأمم المتحدة ألينا دوهان المعنية بإعداد تقرير خاص حول تأثير التدابير أحادية الجانب في حقوق الإنسان، عبرت عن صدمتها مما شاهدته من أثر هائل بسبب العزلة الاقتصادية والمالية الكاملة.
وحثت دوهان الدول التي تفرض عقوبات ضد سوريا على رفعها فوراً، وحذرت عبر تقرير لها من توقف عملية تأهيل وتطوير شبكات توزيع مياه الشرب والري بسبب عدم توفر المعدات وقطع الغيار.
وأشارت المسؤولة الأممية إلى "عدم إمكان التسديد والدفع ورفض التسليم من قبل المنتجين والمصارف الأجنبية، إلى جانب نقص الاحتياطات من العملات الأجنبية التي تسببت بنقص خطير في الأدوية والمعدات الطبية، وخصوصاً الأمراض المزمنة والنادرة".
وعينت دوهان، التي تحمل جنسية بيلاروسية، كمقررة خاصة معنية بالأثر السلبي للتدابير القسرية الأحادية من قبل مجلس حقوق الإنسان في مارس (آذار) عام 2020 ونبهت خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أن "12 مليون سوري يعانون انعدام الأمن الغذائي، وأن العقوبات تمنع أي جهود للتعافي المبكر وإعادة البناء والإعمار".
العقوبة والإعفاء
على رغم تعالي الأصوات المطالبة برفع العقوبات عن سوريا بعد عقد من حروب ومعارك طاحنة، إلا أنها لم تكن المرة الأولى، إذ يوجد منظمون مدنيون يحاولون إيصال أصواتهم إلى المجتمع الدولي للضغط ومحاولة فك الحصار، إذ أطلقت الأوساط الشعبية منذ عام 2020 حملة رفع العقوبات وتمكنوا من إيصال أصواتهم إلى الدول الأعضاء غير الدائمين في الأمم المتحدة.
في المقابل، يعتقد المتخصص في القانون الدولي المقيم في الولايات المتحدة، هاروت أكمانيان عن وجود حيز للإعفاءات في قانون العقوبات الأميركي وهي "إعفاءات مؤقتة" أو مشروطة وفق القانون، ويتيح للرؤساء حيزاً للتحرك ضمن بنود الإعفاء.
وقال أكمانيان، لـ"اندبندنت عربية"، إن العقوبات ليست مجرد أدوات سياسية فحسب، بل اقتصادية وذات ركائز قوية، إذ "تشمل تجميد أرصدة ومعاقبة أسماء لشخصيات أو دول ومؤسسات تعكف على تمويل ومساعدة سوريا".
ويرصد معهد كارتر، في تقرير له يعود لعام 2020 سيناريوهات محتملة لرفع العقوبات، وقد حدد تلك الإعفاءات المحتملة إلى بسيطة مقابل تنازلات بسيطة أو إعفاءات كبيرة مقابل تنازلات كبيرة "لا ريب في أن استمرار العقوبات على مصرف سوريا المركزي سيجعل المعاملات المالية المتعلقة بالأعمال التجارية مع سوريا صعبة للغاية، ولذلك تدعو الحاجة إلى تعديل مجموعة العقوبات".
وجاء في التقرير الصادر عن المعهد، "بطبيعة الحال يمكن لأميركا والاتحاد الأوروبي قانوناً رفع العقوبات بمعزل عن بعضها بعضاً، بغض النظر عن قانون قيصر والعقوبات الثانوية الأميركية".
إلى ذلك الحد من غير المتوقع أن ترضخ الولايات المتحدة لمطالبات السوريين بإلغاء العقوبات أو حتى التخفيف منها، فالمعارك المحتدمة في أوكرانيا بعد الاجتياح الروسي الحليف العسكري لدمشق جعلت العلاقات الروسية ومن جهة الأميركية الأوروبية على صفيح ساخن، وألغت أية نية لدى واشنطن بتحريك هذا الملف وإن كان في المنظور القريب، وهذا سينعكس على الساحة السورية بشكل يزيد من تعقيدات حل الأزمة، بالتالي المزيد من العقوبات المشددة على البلاد.