Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تفجير طائرات وقنابل موقوتة قبل طائرة لوكربي

فصول من حرب مفتوحة بين أميركا وليبيا وإيران وسوريا

طائرة "بان أم" في لوكربي (غيتي)

أعاد اختفاء الضابط السابق في الاستخبارات الليبية أيام عهد العقيد معمر القذافي في ليبيا رفع الستار عن عملية تفجير طائرة لوكربي في 21 ديسمبر (كانون الأول) 1988، خصوصاً بعد أن كانت الولايات المتحدة الأميركية طالبت بتسليمه إليها. هذه الحادثة التي هزت العالم سبقتها حوادث مماثلة من ضمن مسلسل الصراع والحرب المفتوحة التي كانت دائرة بين واشنطن والنظامين الليبي والإيراني ومعهما النظام السوري.

بعد أن صارت عمليات خطف الرهائن والطائرات أكثر كلفة وصعوبة نتيجة تشديد الدول الغربية التدابير الأمنية على المسافرين وفي المطارات، ابتكرت المخيلات الإرهابية أسلوباً جديداً يقوم على إرسال العبوات المتفجرة الموقوتة في الحقائب والأمتعة إلى الطائرات لتنفجر في الجو فتسقط الطائرة ويموت الركاب وتضيع الأدلة. هذه العمليات لم تكن تهدف إلى احتجاز رهائن أو تحقيق مطالب ولا المفاوضة مع الدول المعنية. لحظات وينتهي كل شيء وتصل الرسائل إلى الهدف، هذا الأسلوب يرتدي طابع الضربات الخاطفة التي يمكن أن يظل الفاعل فيها مجهولاً ولا يمكن ملاحقة المنفذين، ولهذا السبب أشعلت هذه العمليات الحرب بصورة أكثر شراسة بين الأنظمة الراعية للإرهاب والدول المكافحة له وعلى رأسها الولايات المتحدة، فقد كان بالإمكان تحديد الطرق المتبعة في نقل المتفجرات وإخفائها وفي تحديد هوية المستفيدين منها، ولهذه الغاية سيكون الرد أعنف ولا مجال للتساهل فيه بحيث يستهدف الرؤوس المخططة والداعمة.

القنبلة الموقوتة والطائرة الصامدة

يوم الأربعاء الثاني من أبريل (نيسان) 1986، كانت طائرة "البوينغ 727" التابعة للخطوط الجوية عبر العالم TWA تطير على ارتفاع 11 ألف قدم (نحو 3.3528 كيلومتر) في رحلة عادية بين مطاري روما وأثينا وعلى متنها 114 راكباً، إضافة إلى الطاقم والطيار الأميركي دينيس تايلور الذي كان عمره 56 سنة، وشارك في حرب فيتنام، فجأة حصل انفجار تحت أحد مقاعدها فأحدث فجوة في جانبها الخلفي مما أدى إلى تولد تغيير مفاجئ في الضغط الجوي وإلى قذف أربعة ركاب في الجو بينهم الأميركي من أصل كولومبي ألبيرتو ستينو، وحدث ذعر بين الركاب الذين أخذوا في الصراخ متمسكين بمقاعدهم حتى لا تقذفهم إلى الخارج العاصفة المتأتية من سرعة الطائرة ومن دخول الهواء إليها. لم يفقد الطيار أعصابه وبقي مسيطراً على حركة الطائرة. حالفه الحظ والركاب لأن الطائرة لم تنشطر بفعل الانفجار كما حدث لاحقاً في طائرة لوكربي. بعد 10 دقائق كان الطيار ينجح في الهبوط في مطار أثينا بسلام وتمخضت الحادثة عن تسعة جرحى بينهم ثلاثة أميركيين إضافة إلى القتلى الأربعة.

وأعلنت "منظمة الخلايا الثورية" مسؤوليتها عن العملية. ونفى الرئيس الليبي معمر القذافي علاقة بلاده بالأمر، في وقت كانت الطائرات الحربية الأميركية تقوم بطلعات تدريبية فوق خليج سرت الليبي من ضمن مناورات واسعة كانت تقوم بها بحريتها في البحر المتوسط. وكانت العلاقة متوترة بينها وبين ليبيا التي تعترض على هذه المناورات وتقف بحزم إلى جانب التنظيمات الإرهابية التي تعمل ضد المصالح الأميركية.

وكان على متن الطائرة خمسة ركاب من جنسيات عربية مختلفة. عندما هبطت بسلام اقتيدوا جميعاً إلى التحقيق الذي شاركت فيه السلطات الأمنية في كل من إيطاليا واليونان. النتائج الأولية أشارت إلى أن الشبهات تدور حول امرأة عربية تحمل جواز سفر لبنانياً باسم مي إلياس منصور. وذكرت مصادر في الشرطة اليونانية أن مي هذه جلست في المقعد الذي انفجرت فيه القنبلة وأنها وصلت إلى مطار أثينا، الأربعاء، أي يوم الانفجار، آتية من القاهرة على متن الطائرة الأميركية، ويعتقد أنها خبأت القنبلة تحت المقعد الذي جلست عليه. وبعد أن أمضت نحو ساعتين ونصف الساعة في مطار أثينا في قاعة الترانزيت عادت إلى بيروت على متن طائرة تابعة لشركة طيران الشرق الأوسط اللبنانية. وأضافت المصادر أن الطائرة الأميركية غادرت إلى روما وحصل الانفجار في طريق عودتها إلى أثينا.

في مطار بيروت، أكد المسؤولون اللبنانيون أن مي إلياس منصور وصلت العاصمة اللبنانية من أثينا، يوم الأربعاء، على متن الرحلة 254، وفي القاهرة أكدت سلطات المطار أن السيدة نفسها توجهت في الطائرة الأميركية إلى أثينا. تجاه هذا الواقع كان من واجب السلطات اللبنانية التحقيق مع منصور، لكنها شعرت بالارتباك حيال الوقائع التي ساقتها الشرطة اليونانية ولم تحرك ساكناً. كانت في وضع لا يسمح لها بأن تفعل ذلك في مثل هذه القضايا بسبب الانقسام الذي كان حاصلاً على الأرض في ظل الانقسام الداخلي والفوضى الأمنية.

الولايات المتحدة وكما بعد كل عملية إرهابية تستهدفها تعبر عن غضبها. دم أميركي جديد يسيل وضحية جديدة أميركية تقع نتيجة الإرهاب المباشر. الرئيس الأميركي رونالد ريغان وصف العمل بأنه بربري من أعمال الإرهاب الوحشية في وقت وصل إلى أثينا فريق من المحققين الأميركيين التابعين لشركة TWA ولمكتب التحقيق الفيدرالي (أف بي آي) ووكالة الطيران الفيدرالية للمساعدة في التحقيقات. وأول استنتاج كان أن الولايات المتحدة أبدت شكها في أن تكون "جماعة 15 أيار" الفلسطينية تقف وراء الحادثة، لأنها كانت وراء حادثة مماثلة حصلت في أغسطس (آب) عام 1982 في طائرة "بان أم" أميركية فوق هاواي. وقالت إن هذه الجماعة يتزعمها أبوإبراهيم، وقد طورت حقيبة فيها قنبلة يصعب اكتشافها بواسطة الأشعة أو بمساعدة الكلاب البوليسية أو بالتفتيش اليدوي.

في لبنان، كانت تحصل تطورات من نوع آخر. والخميس، في اليوم التالي للعملية، ردت منصور على التهمة الموجهة إليها عبر الصحف ببيان نفت فيه أي علاقة لها بعملية التفجير، وأنها سوف تتقدم بدعوى قانونية ضد الجهات التي حاولت أن تنسب إليها عملاً لم تقم به.

يوم الجمعة، بينما كانت السلطات المصرية تستبعد احتمال أن تكون منصور تمكنت من نقل القنبلة إلى الطائرة، أصدر أحد مستشاري الأمن القومي الأميركي بياناً اعتبر فيه أن القذافي أسهم في خلق الأجواء التي ساعدت في حدوث هذا العمل. وفي الوقت نفسه، كانت منصور تخرج إلى الضوء من دون خوف وتعقد مؤتمراً صحافياً في مقر تابع لتلفزيون لبنان كان يسيطر عليه الحزب السوري القومي الاجتماعي في شمال لبنان وبحضور مسؤولين من الحزب وتتحدث عن القضية التي اتهمت بها.

وقالت إن عمرها 31 سنة، وإنها تنتمي منذ عام 1970 إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي ولا علاقة لها إلا بهذا الحزب، وسبق لها ونفذت عمليات ضد الجيش الإسرائيلي ولم يحصل لها شرف تنفيذ عمليات في الخارج، ونسيت أين كانت تجلس في الطائرة. وبدت في مؤتمرها الصحافي واثقة من نفسها وظهرت بوضوح يدها المشلولة وتحدثت بطريقة لا يفهم منها أنها مجرد مواطنة عادية أو حتى حزبية عادية. أعطت لنفسها أبعاداً فكرية وأكدت انتماءها إلى العمل الحزبي الثوري في شكل جعل دفاعها عن نفسها يزيد الشكوك حولها. ظهرت امرأة ثورية ولديها سوابق وعندها استعدادات. وقالت إنها بقيت في مطار روما سبع ساعات ولا يعقل أن تحمل المتفجرة كل هذا الوقت من مصر إلى أثينا ومن أثينا إلى روما ومن روما إلى أثينا وأن تمر على حواجز تفتيش كثيرة ولا يعثر عليها أحد. وأضافت أن زوجها مناضل في الحزب القومي وقتل في سبيل مبادئه الحزبية، وشرحت تفاصيل الرحلة اللغز التي قامت بها وأخذت كل هذه الضجة وحركت العالم "قبل الحادثة ذهبت من لبنان إلى مصر، وكنت وحدي، وكان ذلك منذ أسبوعين تقريباً. لا أتذكر تاريخ الرحلة بالتحديد وسبب الرحلة أنني أعاني مشكلات نفسية، وقد طلب مني الطبيب تغيير الأجواء التي أعيشها والمناخ من أجل الراحة. وفي العام السابق سافرت إلى سويسرا وإيطاليا، هذا العام بسبب غلاء الدولار لم أستطع السفر إلى فرنسا أو أوروبا فوجدت أن أنسب رحلة وأرخصها إلى مصر، كما أنني أملك محلاً لبيع الألبسة، ووجدتها مناسبة لشراء بعض الأزياء من القاهرة واسم المحل نسرين على اسم ابنتي في طرابلس. بعد جولة سياحية على الأهرامات، عدت وقالوا لي إنه ليس من رحلة مباشرة من القاهرة إلى بيروت وعليك أن تأخذي ترانزيت من أثينا إلى بيروت. زوجي عاطف الدنف ملقب بـ(ثائر) (تمكن من الفرار من معتقل أنصار الإسرائيلي في جنوب لبنان وقتل في معركة داخلية في منطقة الكورة بين الحزب وجماعة تنظيم المردة التابع حالياً للوزير السابق سليمان فرنجية عام 1984)، يعرفون عني تاريخ نضالي الطويل. لا علاقة لي بالألوية الثورية وبجماعة أبونضال. أنا من مواليد عام 1955 من بترومين في الكورة (شمال لبنان) وانتسبت إلى الحزب السوري القومي عام 1970 وتزوجت عام 1975".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي حوار مع الصحافيين قالت مي "كنت أتمنى أن أقوم بهذه العملية لو لم تطل الأبرياء لأن عدونا الأكبر هو أميركا عدوة العالم والبشرية جمعاء، وهذا العمل هو أحد الأساليب وهو ليس خاطئاً. ولو كانت طائرة حربية تحمل دبلوماسيين أميركيين لكانت العملية في غاية الروعة ولكن التحفظ الوحيد هو أن الطائرة تحمل أطفالاً وأبرياء، والعملية فيها شيء من القساوة. أما أن تكون إجراماً فهذا غير صحيح".

وعلى رغم ذلك كان مصدر في الشرطة اليونانية يؤكد شكوك دولته ويقول "لا نزال نرغب في مقابلة مي منصور، وتحركاتها تحيرنا بعد سفرها من بيروت إلى القاهرة فأثينا فبيروت في رحلات متصلة". وظلت علامة استفهام تلف القضية. ومن يومها ما عادت تظهر منصور ولا تم التحقيق معها ولا توصلت التحقيقات إلى تأكيد مشاركتها في تنفيذ العملية، على رغم أن الشبهات ظلت تحوم حولها.

وفي الثاني من يونيو (حزيران) 2020 توفيت مي منصور ونعاها الحزب السوري القومي الاجتماعي وأقام لها مأتماً حزبياً. وقال في نعيها إنها "تابعت العمل السري المقاوم دفاعاً عن شعبها ووطنها".

انفجار المرقص والعقاب الرادع

يوم السبت الخامس من أبريل 1986، بعد ثلاثة أيام على تفجير القنبلة في الطائرة الأميركية، ضرب الإرهاب في مكان آخر ولكن هذه المرة على الأرض. انفجار ضخم استهدف ملهى "لا بيل" في حي شونبرغ في وسط برلين الذي يرتاده جنود أميركيون، وأدى الانفجار إلى مصرع جندي أميركي وامرأة وإصابة نحو 155 بجروح بينهم 50 أميركياً.

وأعلنت ثلاث منظمات إرهابية مسؤوليتها عن العملية: "منظمة هولغز ماينز" الألمانية، و"جناح الجيش الأحمر الياباني"، و"جبهة التحرير العربية" من دون أن تكون هناك هوية واضحة أو حقيقية لهذه التسميات، لكن واشنطن جددت حملتها على ليبيا واتهمتها بالوقوف وراء العملية وهددت بالرد. في 15 أبريل، بعد 10 أيام على تفجير الملهى ومع ساعات الليل الأخيرة كانت الطائرات الحربية الأميركية والقاذفات الاستراتيجية تخترق أجواء دول عدة سمحت لها بذلك وتغير على أهداف محددة في ليبيا من بينها مقر العقيد القذافي الأمر الذي أدى إلى مقتل ابنته بالتبني وجرح اثنين من أولاده. وكانت أوسع عملية أميركية منذ حرب فيتنام. وفي وقت لم يعرف مصير القذافي، ظهر مساء اليوم نفسه لمدة 15 ثانية على التلفزيون الليبي ليطمئن الليبيين أنه حي وقد بدا متعباً وقلقاً وخائفاً.

ورداً على هذه العملية، أعلنت منظمة سمت نفسها "الخلايا الفدائية العربية" مسؤوليتها عن قتل ثلاثة رهائن غربيين في لبنان هم البريطانيان هوفالي دوغلاس وفيليب بارفيلد والأميركي بيتر كيلبورن الذي كان يعمل أميناً لمكتبة الجامعة الأميركية في بيروت، وكانت "منظمة الجهاد الإسلامي" تبنت خطفه. وألقيت الجثث في بلدة رويسات صوفر (جبل لبنان)، وتولت عناصر من الشرطة الأمنية في الحزب التقدمي الاشتراكي نقلها إلى أحد مستشفيات المنطقة ومن ثم نقلوا إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت حيث تم التعرف إلى الجثث.

ولم تنج بريطانيا من الرد باعتبار أنها شريكة في العملية الأميركية وانطلقت الطائرات منها فتم خطف البريطاني جون مكارثي في بيروت بينما كان يتجه إلى المطار ليغادر لبنان، كما تم إطلاق أربع قذائف صاروخية على منزل السفير البريطاني في زقاق البلاط في بيروت.

ويبدو أن تفجير المرقص الليلي لم يكن آخر العمليات وأن القصف الذي تعرضت له ليبيا لم يكن رادعاً. وفي 20 أغسطس 1986، اعتقلت السلطات الألمانية ثلاثة لبنانيين يشتبه في أنهم خططوا لعملية تفجير في برلين الغربية تستهدف عسكريين أميركيين وهم علي دياب حمدان (22 سنة) وعباس نجيب عودة (19 سنة) وهشام عبدالله عطية (41 سنة)، وكانوا انتقلوا إلى برلين الغربية من برلين الشرقية قبل يومين من اعتقالهم. وبحثت الشرطة عن مشتبه رابع هو جمال دياب حمدان الذي لم يعرف لماذا لم يتم القبض عليه وقتها، ليتبين لاحقاً أنه كان يعمل مع الاستخبارات الأميركية وساعد في محاولة خطف أحد المتهمين بخطف طائرة الـ"تي دبليو أي" في يونيو 1985 إلى بيروت.

وكان الفلسطيني ياسر الشريدي أحد المتهمين في ألمانيا بتفجير ملهى "لا بيل"، وكان موقوفاً في لبنان بجريمة اغتيال المعارض الليبي مصطفى العاشق، وأصدرت السلطات الألمانية أمراً باعتقاله. في عام 1994 اعترضت ألمانيا والولايات المتحدة لدى لبنان بعد معلومات عن احتمال إطلاق سراحه، وطالبت ألمانيا بتسليمه إليها بعد أن زودت القضاء اللبناني بملفه القضائي حول علاقته بتفجير الملهى. في 14 مايو (أيار) عام 1996 وافق لبنان على تسليمه، وفي 21 منه تسلمته بعثة أمنية ألمانية في مطار بيروت نقلته إلى ألمانيا حيث حكم عليه بالسجن 14 سنة. وقد أنهى عقوبته وعاد إلى لبنان عام 2005 وربما استفاد من احتساب مدة السجن التي أمضاها في لبنان. وقد كان قاضي التحقيق الألماني ديتلف ميليس هو الذي حقق معه في بيروت ثم في ألمانيا، وهو القاضي الذي رأس لجنة التحقيق الدولية في اغتيال رئيس حكومة لبنان الأسبق رفيق الحريري، كما أن ألمانيا اتهمت اللبناني عماد محمود في تفجير الملهى من دون أن تظهر أي معلومات عنه. وفي عام 2004 وبعد إقرار ليبيا بمسؤوليتها عن التفجير وبأن من قاموا به أتوا من سفارتها في برلين الشرقية حيث كان يعمل ياسر الشريدي، حصل اتفاق مع ألمانيا على تعويض ذوي الضحايا غير الأميركيين بنحو 35 مليون دولار.

محاولة فاشلة وعشيقة مخدوعة

لم يكن الأسلوب الذي اعتمد في تفجير طائرة الـ"تي دبليو أي" صالحاً لمرة واحدة فقط، فقد بدا أنه يبعد المتهمين عن ساحة الجريمة. في 17 أبريل بعد 15 يوماً على تفجير الطائرة و12 يوماً على عملية الملهى، كانت إحدى الطائرات الإسرائيلية تستعد للإقلاع من مطار لندن إلى مطار تل أبيب. بين الركاب كانت تقف سيدة إيرلندية تدعى آن ماري مورفي، وعلى بعد أمتار منها وقف شخص يودعها بعد أن أعطاها حقيبة لتأخذها معها ثم رحل. ووصلت إلى حجرة التفتيش حيث تم فتح الحقيبة وعثر فيها على قنبلة كانت ساعة التوقيت فيها تعمل. وتم تعطيل العبوة وتوقيف السيدة، والتحقيق معها لم يستغرق وقتاً طويلاً قبل أن تعترف بأن من أعطاها الحقيبة هو صديقها نزار هنداوي، فتم القبض عليه وعثر معه على جواز سفر سوري باسم عصام ساهر ومسدس مع ذخيرته وآلة حاسبة كان من المفترض أن يستعملها في عملية تفجير. وبعد اكتشاف القنبلة علم هنداوي بالأمر وهرب واختفى والتقى السفير السوري في لندن. وخلال التحقيق معه، تبين أنه سافر بجواز سفر سوري ولكن باسم غير اسمه، وأن الخارجية السورية دعمت طلبه الحصول على تأشيرة دخول إلى بريطانيا وأن السفير السوري هناك التقاه أكثر من مرة، وقد حاول التواصل سراً خلال اعتقاله مع الاستخبارات السورية لمساعدته، وأنه تسلم العبوة الناسفة من ضابط استخبارات سوري.

حوكم نزار هنداوي وأقرت هيئة المحلفين أنه دس العبوة الناسفة في حقيبة عشيقته الإيرلندية لتفجير طائرة "العال" الإسرائيلية في الجو، وحكم عليه في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 1986 بالسجن 45 سنة. ولم يتأثر بالحكم وخرج من المحكمة مبتسماً وهو يرفع إشارة النصر وبعد أقل من ساعة كانت بريطانيا تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا التي ردت بالمثل وأنكرت أن تكون لها علاقة بالعملية، مدعية أن لقاء هنداوي مع السفير السوري كان محاولة لاتهام سوريا بالعملية.

في 26 نوفمبر 1986 حكمت محكمة في برلين الغربية على أحمد حاسي أحد إخوة هنداوي ويحمل الجنسية الأردنية بالسجن 14 سنة، وعلى الفلسطيني فاروق سلامه 31 سنة بتهمة تفجير مقر جمعية الصداقة العربية - الألمانية في 29 مارس (آذار) 1986. وقالت المحكمة إن دمشق متورطة في هذه العملية والمتهمين حصلا على العبوة من السفارة السورية في برلين الشرقية، وكان الثلاثة أعضاء في "الحركة الثورية الأردنية" التي اعترف هنداوي بتأسيسها.

وفي بداية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وبحسب معلومات صحافية، توفي نزار هنداوي في السجن. وفي عام 2012 خسر معركة قانونية لتأمين إطلاق سراحه مبكراً، ورفض طلبه من هيئة الإفراج المشروط بإطلاقه قبل انتهاء محكوميته على رغم توصية الهيئة بذلك من قبل.

المزيد من تحقيقات ومطولات