Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عملية أردوغان معركة في "حرب خارج الحرب"

من سياسة "صفر مشكلات" مع الجيران إلى سياسة "صفر علاقات" ثم عودة إلى "صفر مشكلات"

مقاتلات من البيشمركة الكردية المنتمين إلى حزب الحرية الكردستاني الإيراني الانفصالي في قاعدة في مكان مجهول في أربيل (أ ف ب)

"الرياح لا تجيد القراءة في السياج" كما يقول المثل، لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يجيد القراءة في الرياح ليعرف متى يستطيع توسيع السياج. وهو بارع في الانتقال بمرونة من موقف إلى موقف مختلف للحفاظ على الموقع في السلطة. من سياسة "صفر مشكلات" مع الجيران إلى سياسة "صفر علاقات" ثم عودة إلى "صفر مشكلات". ومن الخطاب المرتفع ضد إسرائيل بعد حادثة السفينة "مافي مرمرة" وسحب السفير منها، إلى إعادة السفير واستقبال الرئيس الإسرائيلي ثم وزير الدفاع وقول وزير الدفاع التركي خلوصي أكار "بين تركيا وإسرائيل روابط وقيم مشتركة على الصعيدين التاريخي والثقافي، ولا سيما في مجالات الدفاع والأمن والطاقة ستؤدي إلى تطورات مهمة في ما يتعلق بالسلام والأمن الإقليميين".

فهو انتظر حتى احتاج إليه الرئيس السابق دونالد ترمب، فأخذ منه الضوء الأخضر لغزو مناطق في شمال سوريا، وسط صمت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المحتاج هو أيضاً إلى أردوغان وبيع الأسلحة لدولة أطلسية. وانتظر حتى غزو روسيا أوكرانيا ليلعب دور من يمسك بالعصا من وسطها ويقوم بالوساطة بين موسكو وكييف، ويفتح أجواء تركيا ومياهها وأرضها أمام روسيا الخاضعة لعقوبات قاسية من الغرب والمنخرطة في حرب بالوكالة مع "الناتو" الذي تركيا من الأعضاء فيه. والآن، رأى الحاجة الأميركية - الروسية الأكبر إليه ليبدأ العملية العسكرية التي اضطر إلى تأجيلها بسبب رفض واشنطن وموسكو. واشنطن للحفاظ على حلفائها الكرد شرق الفرات، وموسكو من أجل الكرد والنظام السوري. أما هدف العملية فإنه ضرب "قوات سوريا الديمقراطية" في سوريا وقوات حزب العمال الكردستاني شمال العراق، وإقامة "منطقة أمنية" على امتداد حدود تركيا مع سوريا والعراق بعمق 30 كيلومتراً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

صحيح أن واشنطن وموسكو لا تزالان تتحدثان عن خلاف مع أنقرة، لكن الصحيح أيضاً أن الخلاف لا يحول دون التحرك التركي، ولا تسوية لها إلا بالمحادثات، كما أعلن الكرملين. ويقول الخبير الاستراتيجي الأميركي أنطوني كوردسمان "إن حرب ما بعد الحرب أصعب من الحرب". وحرب أوكرانيا فتحت "صندوق باندورا". فالتغيير الذي أراده بوتين عسكرياً بالنسبة إلى النظام العالمي لم يتكرس بعد. ولا أحد يعرف كيف سيكون شكله، ولا إن كانت التعددية القطبية مؤكدة، أما المتغيرات التي كانت ممنوعة إلى حد ما، فإنها بدأت تظهر بسبب حرب أوكرانيا في نوع مما يمكن أن يسمى "حرب خارج الحرب". وليست حرب أردوغان في شمال سوريا وشرقها سوى واحدة من التطورات التي فتح الباب أمامها غزو أوكرانيا حيث سقطت حرمة حدود الدول ومعها "نظام وستفاليا".                

الصين صارت أكثر جرأة على استعادة تايوان إلى البر الصيني بالقوة العسكرية. فنلندا والسويد غادرتا الحياد التاريخي وانضمتا إلى "الناتو". أميركا التي نقلت" محور "اهتماماتها الاستراتيجية والجيوسياسية والاقتصادية من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى حيث "الثروة والقوة"، عادت إلى التركيز على الشرق الأوسط لمواجهة التقدم الروسي والصيني فيه، ما كان صعباً في ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، صار سهلاً بسبب حاجة الغرب إلى الغاز والنفط شرق المتوسط، بحيث كان "حزب الله" هو القوة الدافعة وراء السلطة اللبنانية لتوقيع اتفاق الترسيم. أميركا التي حاولت إسقاط نظام الرئيس نيكولاس مادورو في فنزويلا وفرضت عليه الحصار ومنعته من بيع النفط، غازلت النظام من أجل النفط بعد العمل للتخلي عن النفط والغاز في روسيا، ودفعت المعارضة إلى توقيع اتفاق مع مادورو. وأوروبا تجاوزت الخلافات بين دولها وخلافاتها مع أميركا إلى وحدة الموقف ودعم أوكرانيا بالمال والسلاح والخبرة، والتوجه نحو "العسكرة" بعد عقود من الرخاء تحت المظلة الأمنية الأميركية. فضلاً عن أن العملية العسكرية التركية في سوريا والعراق كشفت الحاجة إلى أجوبة دقيقة عن سؤالين: ما مدى الفارق بين مصالح أميركا ومصالح حلفائها الكرد شرق سوريا بصرف النظر عن التفاهم على محاربة تنظيم "داعش"؟ وإلى أي حد تتفق وتفترق مصالح دمشق ومصالح حليفيها الروسي والإيراني؟ الشاعر جميل بثينة قال في إحدى قصائده: لكل سؤال جواب. ولم تعد هذه هي القاعدة. ففي أميركا لكل سؤال جوابان. في تركيا وإيران لكل سؤال جواب هو سؤال. وفي روسيا وعدد من البلدان العربية لكل الأسئلة جواب واحد جاهز. أما أسئلة الحرب على أوكرانيا، وحرب ما بعد الحرب، والحرب خارج الحرب، فإن أسئلتها تحتاج إلى زمن لتأكيد الأجوبة.           

المزيد من تحلیل