Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مايك بنس... "الاستقامة" نقطة ضعفه

في كتابه "ساعدني يا الله" يقدم سيرته ومواقفه... فهل تكون بطاقته لكي يصبح جواد الجمهوريين الرابح في انتخابات الرئاسة 2024؟

يصف بنس نفسه بأنه مسيحي محافظ وجمهوري (أ.ب)

ما الذي يعنيه أن يصدر نائب الرئيس الأميركي السابق، مايك بنس، مذكراته الشخصية في اليوم الذي يعلن فيه الرئيس السابق دونالد ترمب، ترشحه لانتخابات الرئاسة 2024؟

يبدو الجواب البدهي، هو سعي بنس لخوض غمار معركة الرئاسة المقبلة بعيداً جداً من ترمب، بل إن صفحات مذكراته التي حملت عنوان So Help Me God أي، "لذا ساعدني يا الله"، تأتي ضمناً وكأنها بداية لطريق جديد، وهي عبارة يختتم بها أي مسؤول أميركي عالي القدر، لا سيما الرئيس، قسمه عند توليه السلطة في البلاد.

بين كينيدي ومارتن لوثر

السيرة الذاتية التي طرحها بنس في الأسواق، تكاد تكون سرداً للأحداث وللأشخاص الذين صاغوا شخصيته وقادوه إلى منصب نائب الرئيس، وفي مقدمة هؤلاء يأتي والده المقاتل القديم في الحرب الكورية، وقد كان أستاذاً للتاريخ في ولاية إنديانا، الذي ألهمه إخلاصه لدستور البلاد، الأمر الذي قاده لاحقاً نهار السادس من يناير (كانون الثاني) 2021 إلى لحظة تاريخية اختار فيها ما رآه الصواب.

أمران في حياة مايك بنس اعتبرا ركيزتاه الأساسيتان في الحياة، إيمانه المسيحي، وكارين حب حياته، المنتمية للطائفة الإنجيلية المغايرة لتوجهه العقائدي الروماني الكاثوليكي، التي غالباً ما كان لها عميق الأثر في اقترابه من تلك الطائفة، والقيام بعمليات تبشيرية من خلالها في أميركا اللاتينية، حتى وإن لم يعلن رسمياً تخليه عن عقيدته الكاثوليكية.

في مدينة كولومبس بولاية إنديانا، نشأ بنس، ضمن خمسة إخوة، ويُحدث عن أهم شخصيتين ليبراليتين أثرتا في تكوينه العقلي، جون أف كيندي، ومارتن لوثر كينغ، ولعل من مصادفات القدر أن يقضي الاثنان مغدوران.

يصف بنس نفسه بأنه مسيحي محافظ وجمهوري، كما أن طريقه لم يكن معبداً فقد واجه عثرات عديدة أرهقته، إلى أن وجد طريقه للعمل كمضيف حواري إذاعي، الأمر الذي قاده إلى كونغرس الولاية ومن ثم مكتب الحاكم، ثم مجلس النواب وصولا إلى منصب نائب الرئيس.

شغل بنس منصب حاكم ولاية إنديانا، كما حاز خبرة في العمل التشريعي، لمدة 12 عاماً في مجلس النواب، وخلال العامين الأخيرين له في واشنطن، عمل رئيساً لتجمع النواب الجمهوريين، وهو ثالث أعلى موقع قيادي في الحزب الجمهوري.

 كما ترأس بنس لجنة الدراسات الجمهورية، التي تمثل تجمعاً محافظاً، وقد كان من الواضح أن ميوله المحافظة قد أكسبته دعم كثير من الإنجيليين المتشددين داخل الحزب الجمهوري، الذين يميلون للرؤى الساعية في طريق فكرة القرن الأميركي.

بين المبشر والسياسي

مسيرة بنس المحافظ واضحة جداً، وربما كان على الدوام أقرب إلى المبشر ورجل الدين من رجل السياسة، وإن أثبت تالياً أن السياسي يمكن أن يكون صادقاً ومخلصاً كما تحث الدوافع الإيمانية النبيلة.

في صفحات سيرته الذاتية، يوضح بنس كيف أن الإيمان الذي اعتنقه عندما كان شاباً كان يوجه كل قراراته، ويصفه بأنه الإيمان الذي أرشده في ذلك اليوم التاريخي (يوم الاعتداء على الكونغرس)، الذي يبقيه سعيداً في سلام، ومستعداً لقبول التحدي التالي.

حين شغل منصب حاكم إنديانا، تسبب بنس في غضب جماهيري كبير، وذلك حين وقع على قانون إحياء الحرية الدينية، ولاحقاً اتهمه منتقدوه بأن قراراته تمييزية ضد مجتمع الميم (المثليين، وثنائيي الجنس، والعابرين جنسياً)، عبر السماح لشركات الأعمال برفض تقديم الخدمات بناء على معتقدات دينية.

غير أنه لاحقاً وتحت ضغط الاحتجاجات التي انتشرت على المستوى الوطني، وقع بنس تعديلاً يشير إلى أن الشركات يجب ألا تمارس أي تمييز ضد المثليين، ما أثار هذه المرة انتقادات من المحافظين، الذين شعروا أنه خانهم بتوقيعه على هذا التعديل.

بنس الوالد لثلاثة أطفال، وقع كذلك أثناء حاكميته لإنديانا، قانوناً يحظر الإجهاض، وإن تم إبطاله لاحقاً بحكم محكمة الاستئناف.

ومن آيات تشدد بنس الواضحة تصريحاته عام 2012، وذلك حين شبه قرار المحكمة العليا بالتمسك بقانون الرعاية الصحية الميسر، الذي عرف لاحقاً باسم قانون "أوباما كير"، بهجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، وذلك في اجتماع مغلق للنواب الجمهوريين قبل أن يعتذر لاحقاً عن هذا التشبيه.

"من أجل الحياة"

وخلال نيابته لدونالد ترمب، وتحديداً في عام 2017، كان أول نائب رئيس في الخدمة يشارك في تجمع ما يعرف بـ"مسيرة من أجل الحياة"، الذي يعد أكبر تجمع أميركي ضد الإجهاض، وظل مداوماً على هذا النشاط بانتظام.

تبدو السيرة الذاتية لبنس، وكأنها وثيقة تتعلق بكثير من أحاجي واحدة من أهم، بل ربما أخطر الولايات الرئاسية الأميركية المعاصرة، وقد كان بنس خلال تلك السنوات الأربع، ماهراً في القيام بمسؤولياته، وداعماً لترمب في عديد من الخطوات الرئيسة التي شكلت ولايته اليتيمة، فقد سانده حين مضى قطب العقارات الأشهر في طريق إعفاءات ضريبية تاريخية، كما وقف بجانبه عندما اتخذ خطوات صارمة ضد الصين وكوريا، إضافة إلى مؤازرته حال عين ثلاثة قضاة محافظين في المحكمة العليا.

لعب بنس دوراً بارزاً في الأيام والأسابيع الأولى من رئاسة ترمب، لا سيما في قيادته للفريق الذي يقر التعيينات الرئيسة، كما بدا صاحب كاريزما أمام وسائل الإعلام، التي امتدحت قدراته في مجال الاتصال ونشر أفكاره بقدرات واسعة وبلغة رفيعة.

ولعله من الملاحظ أن بنس حرص على أن يعمل كثيراً في الظل، وتجنب أن يكون حاضراً في تفاصيل كثيرة، وما يقطع بصدقية هذا الحديث، الدور الأقل بروزاً الذي أعطي له عن ملف السياسة الفضائية الأميركية مع مجلس الفضاء الذي أعيد تأسيسه في زمن ترمب بعد أن تم حله سابقاً، على الرغم من أهمية هذا الملف للأمن القومي.

تبدو صفحات كتاب بنس وكأنها سردية داخلية لإدارة ترمب، بعيون أقرب مقربيه وثاني أعلى مسؤول فيها، وفي تلك الأوراق يتابع القارئ ما الذي قاله الرئيس وأين ومتى ولماذا.

ويمكن للقارئ العربي والشرق أوسطي بنوع خاص، أن يتوقف عند بعض الاختراقات غير المسبوقة في السياسات الأميركية الشرق أوسطية، كما الحال في اتفاقات السلام بين عدد من دول المنطقة وإسرائيل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الخلاف مع ترمب

طريق الخلاف مع الرئيس ترمب، تجلى عند بنس من الأيام الأولى لكليهما في البيت الأبيض، فقد وصف بنس مقترح ترمب لمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة بأنه "عدواني وغير دستوري".

كان بنس في الطليعة عندما حلت النازلة، أي جائحة كورونا، ويحسب له أنه قاد فريق العمل من وراء الكواليس، قافزاً على البيروقراطيات التقليدية لإبطاء مسارات الفيروس الشائه، ولدفع  مجتمع الأعمال في طريق دعم المعامل والمختبرات، ما سرع وتيرة  الوصول إلى اللقاحات المطلوبة.

غير أن علاقة أربع سنوات أظهر فيها بنس ولاءات كاملة، واحتراماً واضحاً للرئيس ترمب ولمقام الرئاسة، كان لابد لها من أن تنهار على صخرة الكابيتول هيل في ذلك النهار المؤلم لسيرة ومسيرة الديمقراطية الأميركية، وساعة حاول الآلاف تعطيل مسيرة تثبيت انتخاب جو بايدن رئيساً جديداً للبلاد.

انهارت العلاقة حين ضغط ترمب على بنس كي يلغي الانتخابات، وقد أدى التشكيك في ولاءات بنس من قبل سيد البيت الأبيض إلى نصب المحتجين بالعنف مشنقة أمام مبنى الكونغرس، هاتفين "الموت شنقاً لمايك بنس".

في مقابلة حديثة مع قناة "ABC" الأميركية، قال بنس، "إن كلمات ترمب المتهورة خلال الخطاب الذي ألقاه في السادس من يناير في متنزه بالقرب من البيت الأبيض عرضني وعرض أميركيين كثيرين للخطر"، وأضاف أن "الرئيس في ذلك النهار أراد أن يكون جزءاً من المشكلة، ما دفع الحشود إلى اقتحام مبنى الكابيتول".

في ذلك النهار المخيف غرد ترمب، مشيراً إلى ما أعتبره تقاعساً من جانب بنس، الذي وصفه بأنه لا يتحلى بالشجاعة اللازمة للقيام بما يتوجب القيام به من أجل تغيير مسيرة الانتخابات.

غضب بنس لدى قراءته تلك الحروف، وقد أدرك أن هدف ترمب هو السير عكس ما يمليه عليه ضميره ومعتقداته، ويقص كيف أن ابنته كانت بالقرب منه في تلك اللحظات، وقد نظر إليها قائلاً، "إن خرق القانون لا يتطلب شجاعة، ما يتطلب شجاعة هو صون القانون".

كان من الواضح أن بنس قد حزم أمره منذ وقت مبكر، فبحسب مذكراته، أنه اتصل بترمب هاتفياً عشية رأس السنة 2021، وأبلغه رفضه المشاركة في مخطط إبقائه في المنصب، فما كان من ترمب إلا أن وصفه بقوله، "أنت رجل شديد الاستقامة".

في حديث لبنس مع محطة "سي أن أن" الإخبارية، منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، قال بنس بشأن ذلك النهار العاصف، "لم أشعر بالخوف... لكني شعرت بالسخط حيال ما رأيته"، وفي التفاصيل التي عرضتها صحيفة "وول ستريت جورنال"، نقلاً عما جاء في كتاب بنس، نقرأ كيف أنه اختلف مع عميل الخدمة السرية الذي أراد منذ البداية إرغامه على مغادرة الكابيتول، ويضيف نائب الرئيس، "كحل وسط تم نقلي إلى رصيف التحميل، الذي قيل له إنه أكثر أماناً، لكني وجدت الموكب في مكانه لمغادرة الكابيتول".

شجاع متهم بالجبن

أظهر بنس في هذا الوقت الخطير والمثير شجاعة نادرة سوف تحسب له ولا شك في مقبل الأيام، فقد رفض ركوب السيارة المصفحة الخاصة به، مضيفاً، "لم أرغب في أن يرى هؤلاء المهاجمون موكب نائب الرئيس وهو يبتعد عن مبنى الكبيتول هيل... لم أكن أرغب في أن أمنحهم هذه اللحظة".

ولعل الغوص في مقدرات بنس وما خطته يداه يقودنا إلى القطع بأنه قد تلقى عديداً من المذكرات من ترمب، التي تجادل بأن لديه الصلاحيات والملكات القادرة على عرقلة المصادقة على تعيين بايدن كرئيس.

ومن تلك، ما كتبه "جون ماكينتي"، كبير مساعدي ترمب، وفيه استشهد بسابقة قديمة من التاريخ الأميركي، ورد فيها وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز"، استخدام جيفرسون موقعه كنائب للرئيس للفوز بمعركة الرئاسة.

على أن بنس في مستهل يناير 2021، أوضح لترمب أنه لا يعتقد أن لديه القدرة على فعل ما يريده، لكنه أشار إلى أنه سيواصل دراسة القضية، إلا أن ترمب صباح الخامس من يناير عينه، بدا وكأنه مصمم على توريط بنس، فقد غرد قائلاً، "بوسع بنس رفض الأصوات الانتخابية".

هل بات بنس أمل الجمهوريين في جمع شتاتهم بعد طول تفرق؟

يعني ذلك، أول الأمر أنه لا مكان لترمب في المشهد، وهو الذي أعلن عن ترشحه مساء الخامس عشر من نوفمبر الجاري، لقطع الطريق على أي مرشح آخر، وربما بنس بنوع خاص.

لاحقاً وبعد يومين، أي في السابع عشر من الشهر الجاري، وفي حديث له مع وكالة "أسوشيتدبرس"، كان بنس يؤكد على أن الجمهوريين بخاصة بعد انتخابات التجديد النصفي، التي أخفقوا فيها في تحقيق حلم الموجة الحمراء العملاقة في حاجة إلى قيادة جديدة.

في الحوار عينه، أضاف بنس قائلاً، "أعتقد أنها ستكون لدينا الخيارات الأفضل في 2024، أنا واثق للغاية من أن الناخبين الجمهوريين في السباق التمهيدي سيختارون بحكمة، وأنه سيجتمع مع عائلته على مدار الإجازات وسينظرون بعين الاعتبار للدور الذي يمكن أن يلعبه في الأيام المقبلة".

يبدو بنس حتى تلك اللحظة متوازناً وعقلانياً في مواقفه من ترمب، فعلى سبيل المثال، ورداً على سؤال حول ما إذا كان ترمب يتحمل مسؤولية خسارة الجمهوريين في الانتخابات النصفية، قال إن الجهود المستمرة للرئيس السابق للتشكيك في الانتخابات الأخيرة قد لعبت دوراً، لكن كل مرشح مسؤول عن حملته الخاصة.

لماذا هذا التحفظ؟

ببساطة لأن بنس يدرك أنه حتى الساعة هنالك الملايين من الأميركيين الداعمين لترمب، وحال قرر ترشيح نفسه سيكون في حاجة ماسة إلى أصواتهم وعونهم في شرق البلاد وغربها، شمالها وجنوبها دفعة واحدة.

ويبقى السؤال الجوهري، هل ينوي بنس الترشح لمقام الرئاسة خلال عامين؟

لا يزال موقف الرجل غامضاً بشأن خططه، لكن ينظر إليه منذ فترة طويلة على أنه مرشح محتمل للحزب الجمهوري مع الأخذ بعين الاعتبار أن أي محاولة من قبله سوف تواجه بهجوم قاس وعاصف من قبل ترمب، الأمر الذي يعمق الشرخ الحادث في البنى التحتية  التي تكاد تضحي مهترئة للحزب الجمهوري، الأمر الذي يفتح احتمالاً ممكناً لقيادات الحزب، وهو الخلاص من الاثنين معاً، ترمب وبنس،  والعزف على أوتار ثنائي آخر يكاد يعمل في الظل في هدوء، رون دي سانتيس حاكم فلوريدا، ومايك بومبيو، وزير الخارجية السابق.

المزيد من تقارير