Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مقاتل كوسوفي سابق يعيد نساء وأطفال داعش من سوريا إلى ديارهم

في تناقض واضح مع باقي الدول الأوروبية تنتهج كوسوفو سياسة استرجاع المقاتلين وعائلاتهم

بدري إليزي قاتل سابقاً ضد الصرب ويعمل اليوم لإعادة أسر الجهاديين إلى بلدانهم (إندبندنت)

قاتل بدري إليزي إلى جانب الجهاديين الأجانب خلال حرب الاستقلال في كوسوفو. وعلى الرغم من قلة عديدهم مقارنة بالفرقة الكبيرة التي حاربت في البوسنة، كان المقاتلون مخضرمين ومدججين بالأسلحة، وتعاهدوا على التضامن مع إخوانهم المسلمين في الفصل الأخير من تقسيم يوغوسلافيا العنيف.

ثم غادر معظم المحاربين الأجانب بعد تدخل الناتو وانسحاب القوى الصربية. ونشأت دولة جديدة واستأنف إليزي حياته المدنية مثل غالبية المقاومين، بعد حلّ "جيش تحرير كوسوفو"، وهم خدموا في صفوفه.

لكن إليزي ظل على اتصال ببعض الإسلاميين في العقدين اللاحقين وراقب سعيهم إلى الجهاد في أماكن أخرى منها أفغانستان والصومال وليبيا والعراق وسوريا. ولا يزال بعضهم موجوداً هناك إلى الآن، فيما لقي غيرهم حتفه ومنهم إحدى الشخصيات السعودية البارزة.

بدأ إليزي يلاحظ أنّ أعداداً متزايدة من مواطني بلده يسافرون بدورهم للالتحاق بالكتيبة الإسلامية الدولية. وسبق أن قدّمت كوسوفو، التي انتزعت استقلالها بمساعدة القصف الغربي وقوى الناتو بقيادة بريطانيا، أكثر من 320 مجنداً ذهبوا إلى العراق وسوريا وانضم كثيرون منهم إلى صفوف داعش، وهذه النسبة هي الأعلى بين البلدان الأوروبية كافة قياساً على عدد السكان. 

وجاءت موجة التطرف هذه في أعقاب توافد أئمة من الشرق الأوسط وتركيا إلى البلاد، فيما راقب إليزي ومجموعة من زملائه التطورات بقلق متنامٍ. ثم رصدوا تحركات رجال الدين ومن تبنّى فكرهم بمساعدة معارفهم من الإسلاميين، وحذّروا أجهزة الأمن في البلاد التي تضم بعض زملائهم القدامى من جيش تحرير كوسوفو، مما يعتمل في الكواليس. لكن عملهم لم يؤد إلى نتائج حاسمة.

ومذّاك، يسافر إليزي وهو رجل أعمال يبلغ من العمر 41 عاماً إلى الحدود السورية بغية المساعدة في إسترجاع أطفال ونساء الجهاديين إلى الوطن. ففي تناقض واضح مع غيرها من البلدان الأوروبية، تتبنى كوسوفو سياسة معلنة بإعادة المقاتلين وعائلاتهم ولديها برنامج تأهيل مكثّف.

في حين يدور جدلٌ حادٌ ومتواصلٌ في بريطانيا حول موضوع العائدين- ما يبرزه قرار الحكومة بمنع المراهقة شميمة بيغوم من العودة إلى البلد وسحب جنسيتها منها- أعادت كوسوفو أخيراً 106 أطفال وسيدة من سوريا وهذه المجموعة هي أحدث دفعات العائدين.

كانت إحدى مهمات إليزي الأخيرة، تقفّي أثر فتى صغير اسمه آلفين باريشا اصطُحب إلى الرقة، عاصمة داعش المزعومة منذ خمس سنوات عندما كان عمره 6 سنوات. أما من أخذه إلى ذاك المكان، فأمه فالبونا التي اصطحبته من إيطاليا، حيث كانت تقطن العائلة المتحدرة من أصول كوسوفية ألبانية.

كانت فالبونا التي اختارت اسم بشرى في سوريا، تحاول الفرار من آخر مناطق سيطرة داعش الآخذة في الانحسار برفقة آلفين الذي صار اسمه يوسف وابن آخر لها من زواجها بجهادي ألباني، حين أُصيبت السيارة التي كانوا يستقلونها نتيجة ضربة جوية شنتها القوات الغربية. تعرّض آلفين لإصابات بالغة في الحادث، فيما قضت أمه وأخوه غير الشقيق.

طلب والد آلفين وزوج فالبونا السابق أفريم باريشا من إليزي أن يعثر على ابنه. كان أفريم قد حاول إخراج آلفين من سوريا من قبل بعدما وصلته رسائل من الصبي يشكو فيها ذعره ومدى رغبته في الرحيل، لكن أمه عرقلت المحاولات كافة، وسعَت في المقابل إلى إرغام ابنها على الانضمام إلى صفوف "أشبال الخلافة"، أي المقاتلين الأطفال في داعش.

بعد أسابيع من البحث، عثر إليزي على آلفين وقد بلغ من العمر 11 عاماً في مخيم الهول الكبير للاجئين شمال شرقي سوريا. ولا يزال في المخيم بانتظار انتهاء عملية إعادته إلى بلده من خلال التنسيق مع الحكومات ومنظمات الإغاثة.

ويعبّر إليزي وزملاؤه عن استعدادهم لتقديم المساعدة لمواطني الغرب أينما كانوا بغية استعادة أقربائهم من سوريا والعراق إن استطاعوا ذلك.

 وفيما جلس في أحد مقاهي العاصمة الكوسوفية بريشتينا، أصرّ أن يقول "لكل دولة طبعاً قوانينها الخاصة ولا نريد أن نخالف أي قانون ولكن إن كان بمقدورنا استخدام شبكة معارفنا لمساعدة الناس في الخروج الآمن، نسعى عندئذ إلى تقديم المساعدة".

وأضاف "تعمل الحكومة هنا في كوسوفو على إعادة العائلات ونظن أن هذه المقاربة هي الصحيحة".

"عندما تترك صغار السن في هذه المخيمات سنين طويلة، تُنشئ أشخاصاً يائسين وغاضبين ويمكن للمتطرفين استغلالهم حينئذ لتشكيل جيلٍ جديدٍ من المقاتلين. ولكن كما قلت سابقاً، كل دولة لها رأيها الخاص".

"في الوقت ذاته، علينا رصد المقاتلين الذين لا يعودون بواسطة نظام الحكومة ولكن سراً. هذه ليست مشكلة كوسوفو وحدها، إنما مشكلة هذه المنطقة وأوروبا كلها".

"نعلم أنّ الموضوع يُقلق المملكة المتحدة لأن بعض المسؤولين أتوا من لندن ونعتقد بأنهم من جهاز الاستخبارات البريطانيMI6  بهدف التحقيق في أمر بعض الأفراد الذين لديهم روابط ببريطانيا. فهذه المنطقة مشهورة بالتهريب وهي تثير مخاوف وقلق الناس في أوروبا الشمالية. لا يسعنا إخفاء حقيقة أنّ الناس انطلقوا من كوسوفو للانضمام إلى داعش. لذا، علينا التعامل مع المسألة".

وخير دليل على المشكلة المتواصلة الفصول هو خبر اعتقال الشرطة الألمانية الشهر الماضي مواطناً كوسوفياً يُزعم أنه كان يرسل آلاف اليورو إلى عناصر في داعش.

وقد وجه المدعون العامون في هامبورغ تهم ارتكاب جرائم إرهابية إلى الرجل المعروف فقط باسم حسان ريجان باء، وفقاً للقوانين الألمانية المرعية الإجراء، التي تتحفظ عن نشر الأسماء الكاملة للمشتبه فيهم.   

وتحدر أحد القادة البارزين في داعش من كوسوفو، وهو لافدريم مهاجري الذي نصّب نفسه قائد كتيبة البلقان. وظهر في عدد من الفيديوهات التي صورت إعدامات، منها فيديو قطع فيه رأس "جاسوس" في العراق وآخر أطلق فيه قذيفة "آر بي جي" على رجل في سوريا قبل أن يركل أشلاءه.

ويتحدر مهاجري من مدينة كاجانيك، المحطة الأولى لقوات كوسوفو التي قادتها بريطانيا حين دخلت البلاد عام 1999.

وقد شغل وظيفة مدنية لدى الناتو في كوسوفو داخل القاعدة العسكرية الأميركية ذات الحراسة المشددة، بوند ستيل. ثم انضم إلى مخيم تدريبي لقوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان (إيساف) بقيادة الولايات المتحدة. وقيل إن القائد "الجهادي" لقي حتفه في إحدى الضربات الجوية ولكن البعض في كوسوفو يصرون على أنه لا يمكن تأكيد هذه الحقيقة تماماً.

ويقول إليزي "لا نتأكد من موتهم إلا حين تتوفر الأدلة على ذلك، أو حين يعودون مع عائلاتهم إلى هنا".

"ربما يكون مهاجري ميتاً، ولكن في المقابل ثمة كثيرين يُعتقد أنهم فارقوا الحياة، بينما ربما هم أحياء".

عاشت إحدى الشابات وعمرها 21 عاماً مع فالبونا وآلفين في الرقة وعادت الآن إلى كوسوفو بموجب برنامج إعادة التأهيل. أما مقاتل داعش الذي تزوجته في سوريا، فيقبع اليوم في السجن في ألبانيا المجاورة.

والسيدة التي لا ترغب في الكشف عن اسمها خوفاً على سلامتها، تعيش اليوم مع عائلتها في بلدة خارج بريشتينا، حيث تخضع للإقامة الجبرية. تجلس المرأة في ظل شجرة في الحديقة المشمسة لمنزلها وتنظر إلى صور آلفين التي حملها إليزي معه من المخيم السوري. 

وتقول "أنا في غاية السعادة أنه ما زال على قيد الحياة. لم يرغب يوماً في أن يكون هناك وكان بالغ التوتر والانزعاج وأراد العودة إلى منزله. لقد مر بوقت عسير للغاية ويحتاج إلى العناية".

كانت الشابة ترتدي النقاب الذي يغطي جسمها ووجهها. لم تلبس أية سيدة أخرى من سيدات العائلة المحيطات بها مثل هذا اللباس. أما جدتها، فتضع على رأسها حجاباً يستر جزءًا من شعرها فقط.

وحرص والد الشابة على الإشارة إلى أنها "أجمل بناته لكن لا أحد يستطيع أن يرى ذلك طبعاً بسبب لباسها".

"ولكن مع عودتها الآن، ربما ستعود إلى حالتها السابقة. نحن نشعر بالفرح لعودتها لأنه لدينا فرصة لتغيير الأمور. لا بد من أن الأمر قاسٍ جداً على الآباء والأمهات الذين يعرفون أن أولادهم وبناتهم نجحوا بالبقاء على قيد الحياة على الرغم من المعارك، ولكنهم عاجزون عن العودة. هذه خسارة مضاعفة".

© The Independent

المزيد من دوليات