Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قطاع الطاقة في لبنان "غير آمن" وتشوبه خروقات عديدة

صدم الرأي العام اللبناني بعد اكتشاف عمليات سرقة منظمة لأكثر من 600 ألف ليتر من مادة المازوت وأغطية حديدية من داخل منشآت النفط في طرابلس

يؤكد مدير سابق لمنشآت النفط في طرابلس أن خط النفط الذي يتعرض للسرقات المتتالية هو نفسه "خط نفط العراق" الذي ينطلق من كركوك (مواقع التواصل)

تتكرر حوادث منشآت الطاقة في لبنان، لتأخذ الأخطار الناجمة عنها أشكالاً مختلفة، البعض منها كان دامياً، فيما شاعت رائحة الفساد من أخرى، من انفجار التليل في عكار خلال صيف 2021 الذي وقع في مخزن لتجميع الوقود تمهيداً لتهريبه إلى سوريا، وخلف أكثر من 30 ضحية. وجاءت الحوادث المفتعلة على خط نفط العراق بغية سرقة بعض المخزون لتعمق من اضطراب قطاع الطاقة، وصولاً إلى انفجارات تطاول محطات بيع الغاز والوقود في مناطق مختلفة وآخرها في منطقة القبة في طرابلس.

تربط بين تلك الحوادث خيوط رفيعة، ولكنها وثيقة. فمن ناحية هناك شريحة تكيفت مع الأزمة وتستثمر في تراجع هيبة الدولة وسلطتها. ومن ناحية أخرى، هناك ارتفاع في منسوب الأخطار الناجمة عن عمليات تخزين المواد النفطية الملتهبة والتي تصنف سريعة الاشتعال، مما يفتح باب التساؤلات حول شروط الأمان التي يجب اتباعها أثناء عمليات التخزين والبيع. 

سرقة المازوت جدلية كبيرة

صدمة كبيرة عاشها الرأي العام اللبناني بعد اكتشاف عمليات سرقة منظمة لأكثر من 600 ألف ليتر من مادة المازوت وأغطية حديدية من داخل منشآت النفط في طرابلس. وعلى أثر هذه الفضيحة قرر وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض إقفال تلك المنشآت، الأمر الذي تسبب بردود فعل كبيرة في الأوساط السياسية والاجتماعية في شمال لبنان. من جهتها، تحركت النيابة العامة المالية على خط الملف، وقام مكتب مكافحة الجرائم المالية وتبييض الأموال بتوقيف المدير العام المعاون لمنشآت النفط في طرابلس هادي الحسامي، وذلك بإشارة من النائب العام القاضي علي إبراهيم الذي يواصل التحقيقات للكشف عن باقي المتورطين في الملف.

ويعتقد محمد بدوي (مدير سابق للمنشآت) أن "عمليات السرقة المفترضة يمكن أن تكون قد تمت بين خزانات التعبئة، أي الخزان رقم 36، ومراكز التعبئة، فالخط الرابط بينهما يمكن السرقة منه من خلال ربطه بأنابيب للسحب منه". ويشير بدوي إلى أن هناك ثلاثة خطوط تربط طرابلس بسوريا، خطي نفط خام وخط غاز، وهذه الخطوط لا تتضمن مادة المازوت، لذلك يفترض أن السرقات تتم داخل المصفاة وليس خارجها.

ويشير بدوي إلى أن "الأمور حصلت من دون علم المدير العام المعاون الذي تم توقيفه، لأن المؤسسة المركزية اعتادت تعيين مديرين شكليين من دون صلاحيات في منشآت النفط"، مشبهاً إياه بـ"ساعي البريد". ويرجح وجود "تواطؤ داخلي بين الموظفين والمتورطين في السرقة"، معبراً عن أسفه لأنه "لم يعد أحد بعيداً من دائرة الفساد في ظل الأزمة الحاضرة على مستوى الجهاز الفني العالي"، مذكراً أن حادثة مشابهة حصلت في السابق، حين اكتشف خط للسرقة على الشبكة الفنية.

ويؤكد مدير سابق لمنشآت النفط في طرابلس أن خط النفط الذي يتعرض للسرقات المتتالية، هو "خط نفط العراق" نفسه الذي ينطلق من كركوك إلى محافظة حمص في سوريا، حيث ينقسم إلى اتجاهين، فرع يتجه نحو بانياس T2، وآخر يتجه إلى طرابلس، وأن تخريب الخط المتجه نحو عاصمة شمال لبنان ليس بالجديد، فقط سبق أن استهدفه الطيران الإسرائيلي في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وتم إصلاحه، إضافة إلى بعض الوحدات عند المصب. ويوضح أن الكميات المخزنة داخله والتي قدرت بـ20 ألف طن من النفط الخام أسهمت في إبقائه سليماً ومنعت تآكله. ويلفت إلى أن هذه الكميات تم تكريرها في عام 1990، إلا أنه خلال الفترة الماضية استمرت التعديات، على رغم أنه "خط منيع ولا يمكن خرقه بسهولة، إلا إذا تمت عمليات حفر وكسر لأنه مطمور تحت الأرض، لذلك نحن أمام عمليات تخريب مقصودة". ويتعجب بدوي مما يحكى عن وجود كميات من المازوت داخل الخطوط، ولا بد من القيام بالفحص للتأكد من وجود تلك المادة، لأنها تؤشر ربما إلى عمليات تهريب غير مشروعة إلى خارج الحدود لأنه "لم يسبق للبنان أن استورد المازوت من سوريا عبر الأنابيب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الخطر قائم بين الأحياء السكنية

لا تتوقف الأخطار على مصادر الطاقة في البلاد، وإنما تتجاوزها إلى داخل الأحياء وبين البيوت. وعاشت منطقة القبة يوم السبت الماضي 12 نوفمبر (تشرين الثاني)، حالة من القلق بعد انفجار شحنة غاز داخل محطة التوتنجي لبيع الوقود. وأدت إلى إصابة صاحب المحطة بحروق بليغة، وجريحين اثنين، تلقيا العلاج داخل مستشفى السلام.

فتحت هذه الحادثة باب السؤال حول أخطار وجود محطات لبيع الوقود داخل المناطق السكنية. وتخضع تلك المحطات لمرسوم يحدد الشروط التنظيمية العامة لمحطات توزيع المحروقات. ويؤكد جورج البراكس (نقيب أصحاب محطات الوقود في لبنان) أن على كل المنشآت النفطية سواء أكانت شركات أو صهاريج أو محطات توزيع التزام مجموعة من شروط الأمان، جازماً بأن "لا مشكلة في ترخيص المحطات في المناطق السكنية وداخل الأحياء، لأنه في أكثر الدول تحضراً توجد محطات البنزين في الأحياء وأحياناً ضمن مواقف السيارات في الأبنية السكنية".

ويوضح البراكس أن "البنزين لا يشكل خطر انفجار، بخلاف مادة الغاز، ولكن لا بد من التزام شروط السلامة العامة". ويستند البراكس إلى أن "أنظمة التدفئة في المباني السكنية مربوطة بخزانات مازوت، وتوجد ضمن المباني السكنية".

السلامة العامة ضرورية

ويفترض التزام مجموعة من الشروط للحفاظ على السلامة العامة، بدءاً بالشروط الهندسية البنيوية للمحطات، لا بد من التزام سماكة معينة لخزانات الحديد لا تقل عن ستة ميليمترات، وأقنية شبكات التنفيس من أجل الاحتراز لظاهرة تمدد البنزين في حال ارتفاع الحرارة، وإنزال الخزانات إلى جوف الأرض وطمرها وفق شروط فنية دقيقة لمنع الخروق في هيكلها من خلال استخدام مواد خاصة: النحاتة والزفت. ويؤكد البراكس ضرورة التزام المضخات الشروط الفنية وصولاً إلى تعبئة البنزين للزبائن، مشيراً إلى حزمة واسعة للحماية ضمن المحطات "بدءاً بمنع التدخين، وصولاً إلى وجود نظام إطفاء ضمن المحطات وقرب مضخات البنزين، وكميات من الرمل والرفوش لمنع تمدد الحريق"، كما يجب تنظيم عملية تسلم الوقود، ومنع اقتراب السيارات منه، وتأمين مسافة بينه وبين الزبائن، ناهيك بالتحقق من سلامة الشاحنات وعدم وجود تسرب داخلها.

يمكن وصف عملية السلامة العامة بالجهد المستمر، الذي يبدأ مع التزام الشروط الهندسية عند البناء قبل الترخيص، وخلال فترة العمل. تبدأ العملية بالحصول على رخصة الإنشاء التي يفترض من المحافظة التحقق منها ومتابعتها، وأن تستوفي شروط وزارة الطاقة ووزارة البيئة والمديرية العامة للنفط. ويعتقد البراكس أن "أكثر شخص حريص على سلامة المحطة هو المالك، لأنه في حال وقوع أي حادثة سيكون الخاسر الأكبر، سواء أكان على شكل حريق يقضي على مصدر رزقه واستثماراته، أو على مستوى التسرب وخسارة المواد المخزنة، فما بالك بوقوع خسائر بالأرواح، أو أرزاق الناس المجاورة له لأنه المسؤول عن التعويض".

ويتطرق البراكس إلى أن واجب صاحب المحطة التحقق من سلامة المنشأة والمخزون بصورة يومية لعدم التسرب في جوف الأرض، لأن "صاحب المحطة هو الخاسر الأكبر من أي حادثة أو خطأ فني"، حيث يقوم بمراقبة مخزوناته بصورة يومية من أجل مقارنة مدخلاته ومخرجاته. ويتوقف على تحقيق العوامل السابقة تحديد استمرارية المحطة، فالقانون حدد مهلة رخصة الاستثمار بـ30 عاماً، من هنا لا بد من فحص دوري للخزانات والأقنية والمضخات للحفاظ على السلامة العامة، مؤكداً أن "ما يجري في المحطة يجري أمره على المنشآت النفطية لأن كل صاحب مؤسسة يعمل وفق آلية لتحديد المخزون اليومي"، وأن "عمليات السرقة تجري بطريقة حرفية وأن يقوم بها على رياحته، في وقت كان هناك إمكانية لربط أنابيب خارجية عن الأنبوب الأساسي وبدء السحب منها".

المزيد من متابعات