Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما نظرة الشارعين البيروتي والطرابلسي إلى التشكيك بصلاحيات الحكومة؟

الهم المعيشي يتقدم على كل الأولويات لدى بعض المواطنين بينما يتمسك آخرون بـ "اتفاق الطائف"

ميقاتي متحدثاً خلال جلسة مناقشة الموازنة تحت قبة البرلمان في العاصمة اللبنانية بيروت، في 16 سبتمبر الحالي (رويترز)

يمر لبنان اليوم بأخطر مرحلة شهدها منذ الاستقلال على كل الصعد السياسية والمالية والاقتصادية، والأخطر أنها تزامنت مع وجود حكومة تصريف أعمال واقتراب استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية، مما يفتح البلد على كل الاحتمالات، بخاصة أن لبنان شهد منذ الاستقلال خلافات عميقة عند كل استحقاق رئاسي، أي منذ عام 1948 (عام انتخاب ثاني رئيس لجمهورية الاستقلال بعد الرئيس بشارة الخوري). وعلى الرغم من أن الهم الحياتي والمعيشي اليوم يتقدم على سائر الملفات فإن صرخات المواطنين لا تلقى آذاناً صاغية عند المسؤولين المنغمسين في معارك تأليف الحكومة والاستحقاق الرئاسي، مما يزيد من مأساة اللبنانيين في ظل انقسام دستوري كبير أخذ أبعاداً طائفية حول صلاحية حكومة تصريف الأعمال، وهل يحق لها أن تتسلم مقاليد الحكم في حال عدم انتخاب رئيس للجمهورية في الفترة الدستورية التي تنتهي ليل 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

وفي هذا الإطار يتمسك رئيس الجمهورية ميشال عون ومعه "التيار الوطني الحر" بأن حكومة تصريف الأعمال الحالية لا يحق لها أن تتسلم مقاليد الحكم، لأن عملها محصور بقضايا معينة كالتوقيع على الرواتب وغيرها ولا يجوز عقد مجلس الوزراء في ظل حكومة تصريف الأعمال. وفي المقابل هناك رأي دستوري آخر يؤكد أن هذه الحكومة لها الحق في إدارة الفراغ وممارسة دورها كحكومة كاملة الصلاحيات نتيجة الظروف التي يعيشها البلد، ويتمسك قادة الطائفة السنية بهذا المبدأ ويقولون بأن "اتفاق الطائف" أعطاهم هذا الحق ولن يتنازلوا عنه بأي شكل من الأشكال، ومن هنا فإن البلاد أمام خلاف دستوري وهناك تخوف من أن يلجأ الرئيس عون إلى تكليف شخصية أخرى، غير رئيس الحكومة المكلف الحالي نجيب ميقاتي، تشكيل الحكومة والعودة إلى منطق الحكومتين التي حصلت في أواخر عهد الرئيس الأسبق أمين الجميل في عام 1988، إذ سلم المجلس العسكري برئاسة ميشال عون، الذي كان قائداً للجيش حينها مقاليد الحكم في البلاد. وفي المقابل كان رئيس الحكومة الأسبق سليم الحص رئيساً لحكومة موازية، بالتالي مارست الحكومتان الحكم في البلاد في ظل فوضى مطلقة.

وفي ظل هذه الفوضى الدستورية انعكس الانقسام على الشارع اللبناني، وتحديداً في الشارعين البيروتي والطرابلسي (أبرز مراكز الثقل السني في لبنان) المتمسكين بصلاحية الحكومة الحالية لإدارة الفراغ ورفض التشكيك في هذا الأمر. في المقابل هناك فئة كبيرة لا تهمها الخلافات الحكومية والصلاحيات، وجل همها هو تأمين لقمة العيش والخروج من المحنة. وهذه عينة من الآراء التي قابلناها في بيروت وطرابلس.

الشارع البيروتي

في جولة لنا في منطقة رأس بيروت يقول أحد سكانها ويدعى حسان "من المحزن أننا ما زلنا نرى أن الفريق السياسي للرئيس ميشال عون الذي يقوده صهره جبران باسيل لا يتورع عن ابتداع المصطلحات والهرطقات القانونية لإبقاء الرئيس في منصبه"، مشيراً إلى أن "اتفاق الطائف والدستور منحا السلطة التنفيذية صلاحيات لإدارة شؤون البلاد في حال حصول فراغ، وهذا ما لا يعترف به حتى الآن الرئيس عون ويحاول من خلال ممارسته إلغاء موقع رئاسة الحكومة والتقليل من أهميته وهذا ما لا يرضاه الشارع السني"، مطالباً "دار الفتوى بأخذ كل الإجراءات اللازمة لحماية هذا الموقع وما أعطاه الدستور من صلاحيات".

بدوره لفت أحد سكان "طريق الجديدة" (حي في بيروت ذو غالبية سنية) يدعى عبدالكريم إلى أنه "كان لميشال عون تجارب سابقة حين كلف سعد الحريري تشكيل الحكومة. وعلى رغم العراقيل التي وضعت في وجهه فإن الحريري لم يعتذر، وحين حاول عون أن يطلب من مجلس النواب البحث في تحديد مهلة التكليف رفض المجلس التجاوب مع طلبه. ولا ندري إذا كان رئيس الجمهورية مستعداً للانتحار السياسي هو وفريقه، ويكلف كما يتردد صهره جبران باسيل تشكيل حكومة، مما قد يؤدي إلى حرب أهلية بسبب عدم دستورية القرار الذي يجب أن يراعي المكونات الطائفية في لبنان".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جهته اعتبر أحد سكان رأس النبع (أحد أحياء بيروت) أنه "ليس جديداً التعدي على صلاحيات الهيئة التنفيذية"، متسائلاً "كيف يطالب رئيس الجمهورية وتياره السياسي بالميثاقية وهو أول من ضرب الميثاقية في البلد حين كلفه الرئيس السابق أمين الجميل تشكيل حكومة عسكرية بعد انتهاء ولايته؟". وأردف قائلاً "على رغم استقالة الوزراء المسلمين من الحكومة العسكرية المؤلفة من ستة أشخاص (ثلاثة مسيحيين وثلاثة مسلمين) فقد احتل ميشال عون قصر بعبدا وأصر على أن يكون رئيس حكومة على رغم وجود حكومة ميثاقية برئاسة الدكتور سليم الحص. فهل احترم عون الميثاقية؟ وهل احترمها أيضاً طوال عهده؟ فمنذ انتخابه رئيساً للجمهورية عمد مع فريقه السياسي إلى تهميش دور رئاسة الحكومة من طريق الإصرار على نيل الثلث المعطل في الحكومة، وهذا ما أدى إلى خروج رئيس الوزراء السابق سعد الحريري من الحكم بعد أن أسهم في إيصال عون إلى سدة الرئاسة وهذا ليس غريباً عنه، فهو أنكر معروف جميع الذين أسهموا بانتخابه من القوات اللبنانية إلى تيار المستقبل ولولاهما لما أتى رئيساً، لأن حزب الله عطل البلد سنتين ونصف السنة لانتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية". وختم قائلاً "رحم الله الجمهورية التي لم يبق منها شيء لا قضاء ولا اقتصاد ولا مستشفيات ولا دواء ولا خبز".

بدوره اعتبر الصحافي محمد نمر أن "التهويل العوني بعدم تسليم البلاد إلى حكومة ميقاتي محاولة واضحة لتسخين التفاوض حول تشكيل الحكومة الجديدة. فميشال عون يريد حكومة يضمن فيها حصة وازنة لصهره ممثلة بثلث معطل وحبة مسك يستطيع عبرها تعطيل البلاد وشؤون العباد، وكل ما يعارض مصالحه". ويرى أن "الهدف الأساس من ذلك هو تمديد ولاية العهد، ولا يجب السماح لميشال عون بالعودة إلى الرابية (مقر سكنه قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية) من دون محاسبة، بل على مجلس النواب أن يتبنى الوثيقة التي صاغها دستوريون، منهم أنطوان مسرة وشكري صادر وحسن الرفاعي، وتدعو إلى محاسبة عون على تجاوزاته الدستور الذي أقسم عليه. ولا شك أن عون يستند إلى بندقية حزب الله لتغطية مشاريعه التعطيلية التي تضرب صيغة العيش الواحد مقابل دفاعه عن سلاح الميليشيات وعن تصرفاتها الميليشياوية تجاه الدول العربية".

الرئيس ميشال عون نفى في أكثر من مناسبة أنه يسعى إلى صلاحيات غير موجودة في الدستور، لكنه في المقابل اعتبر في حديث صحافي أن حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي "غير مؤهلة لتسلم صلاحياتي بعد انتهاء ولايتي، وأنا أعتبر أنها لا تملك الشرعية الوطنية للحلول مكان رئيس الجمهورية". وأضاف "ولذلك ما لم يُنتخب رئيس للجمهورية أو تتألف حكومة قبل 31 أكتوبر المقبل، وإذا أصروا على أن (يحشروني بالزاوية)، فإن هناك علامة استفهام تحيط بخطوتي التالية وبالقرار الذي سأتخذه عندها".

الشارع الطرابلسي

من ناحية أخرى يتبين أن هناك انقساماً في آراء الشارع الطرابلسي حول موضوع التشكيك في مقام حكومة تصريف الأعمال ما بين عامة الناس والنخبة. يقول الحاج فيصل من منطقة "باب التبانة" (من أحياء طرابلس) إن "هذا أسوأ عهد مر على لبنان منذ بدايته وحتى اليوم. لا يهمنا اليوم سوى لقمة عيشنا وحاجاتنا الأساسية التي بتنا محرومين منها. نأسف على تصريح رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في مجلس النواب عندما أشار إلى أن الكهرباء لم تأت منذ شهر إلى مدينة طرابلس وهو يعلم ولا يحرك ساكناً، لذا أرى أنه أخطأ. وعلى أثر ذلك نظمنا احتجاجات تحت منزله ولا يوجد أي تعاطف معه نهائياً. نحن غير مكترثين بصلاحيات الرئيس والحكومة، اليوم همنا أن لا نفقد حياتنا بسبب الفقر أو الحرمان".

بدوره صرح مصباح من منطقة "التل" (حي في طرابلس) "إننا نعاني اليوم من أزمتين، أزمة مقام رئاسة الحكومة المتلازمة مع المدينة مع رؤساء الوزراء السابقين رشيد كرامي وعمر كرامي وأمين الحافظ والحالي نجيب ميقاتي، إذ تهمنا قيمة المقام ودوره. أما في الموضوع الثاني فيهمنا فاعلية أي حكومة لأن واقعنا مؤسف، لا كهرباء ولا مياه مثلما قال ميقاتي في جلسة مجلس النواب الأخيرة، لذا لدينا أولويتان، مقام رئاسة الحكومة وتأمين الخدمات. أما بالنسبة إلى العونيين فحتى لو قاموا ببناء برج إيفل في مدينتنا وتأمين الكهرباء 24/24 لن نقبل منهم أي شيء، ولن ننسى كيف طالب الرئيس عون مع حزب الله في إحدى المرات بنسف الطائف والكلام عن عقد اجتماعي أو مؤتمر تأسيسي لتغيير الدستور بناءً على مصالحهما الشخصية".

بدوره لفت المحلل السياسي خلدون الشريف إلى أن "عهد ميشال عون هو عهد منبوذ ومكروه في الشارع الطرابلسي". أما بالنسبة إلى التشكيك في حكومة تصريف الأعمال فيقول إن "الدستور حدد دور حكومة تصريف الأعمال ضمن صلاحيات ضيقة، فكيف تتوسع صلاحياتها؟". وتابع "بناءً على ذلك أعتقد أن الرئيس ميقاتي يمكن أن يؤلف حكومة قبل انتهاء أكتوبر، لأنه يعتبر أنه في حال لم تؤلف الحكومة فإن موضوع تصريف الأعمال هو موضوع انقسام لبناني والمسيحيون كلهم لن يقبلوا أن تحل حكومة تصريف أعمال مكان رئاسة الجمهورية. لذلك نرى نصر الله وميقاتي يضغطان على ميشال عون ليقبل بحكومة مؤلفة من 24 بدل 30 وزيراً، أي من دون ستة وزراء دولة".

المزيد من تحقيقات ومطولات