نتيجة شعور رؤساء وزراء بريطانيا السابقين بالملل وافتقادهم بهرَجة السلطة وجوهرها، ورغبتهم في العودة إلى الساحة، فإنهم لا يستطيعون وقف تدخلاتهم. لكن لمَ عليهم فعل ذلك؟
تواجه تيريزا ماي أزمة حيث دخلت في مشادات مع جان - كلود يونكر ووجهت "كلاماً قاسياً" لتوني بلير قائلة له إنه أهان المنصب الذي شغله في يوم من الأيام، هذه كلها تصرفات لا تنتمي إلى السلوك الراقي الذي يتمتع به شخص قوي، ومستقر، ومتصالح مع نفسه ومدرك لما يقوم به.
إنها بحاجة إلى أن تهدأ، وتنظر إلى الأمور من زاوية معينة. فتصرف رؤساء الوزراء السابقين كان في كثير من الأحيان سيئاً جداً. ويجب أن لا تشعروا بالدهشة حسبما أعتقد: فلو لم يكن لديهم اعتقاد بأن بوسعهم القيام بعمل جيد في إدارة الحزب والبلاد، لما تمكنوا البتة من الوصول إلى 10 داونينغ ستريت في أي حال. فهم يميلون لغرور كبير، كما ترون.
ويُعتبر المحافظون الأسوأ في هذا الجانب. فديفيد كاميرون يتجول في مكان ما، وقد ابتعد عن حشر أنفه في بعض الأمور، لكن في النتيجة لم تكن لديه الكثير من الخيارات سوى أن يطأطئ رأسه جراء تدني شعبيته. وبرغم ذلك، تجرأ قبل مدة على عرض فكرة عودته وزيراً للخارجية. وكما قلت، هذا غرور كبير.
أما أكثر الأشخاص الذين كانت لديهم نزعة الغرور الفائق فكانت مارغريت تاتشر، كأقرب شيء لإلهة خالدة لدى المحافظين. فبعد أن أخرجها نواب حزبها من السلطة في عام 1990، أمضت بقية حياتها السياسية في تحطيم حكومة خلفها جون ميجور والتسبّب بمتاعب.
وصوّتت ضد حزبها في العديد من المناسبات في شأن أوروبا، بطبيعة الحال، ولكن أيضاً في شأن الحرب في البوسنة، وأبدت رأيها في كين كلارك على أنه وزير خزانة ممتاز بقولها إنه"وزير خزانة عُمالي ممتاز". كما دعمت مايكل بورتيلو ليحل محل ميجور بشكل فوري تقريباً، ثم عززت موقف بلير وساعدته في إنهاء حكم المحافظين الذي استمر 18 عاماً وكانت بدأته عام 1979.
وفي التسعينات، جُلب بعض النواب الشباب المتحمسين والمشكّكين في التوجهات الأوروبية ليروها لكي تُقوي عزيمتهم للتصويت ضد معاهدة ماستريخت. وأخبرت أحدهم، وهو جون ويتينغديل، أن مشكلته كانت في أن دماغه ليس متصلاً بعموده الفقري. وأبناء تاتشر أولئك، لا يزالون يخوضون حرباً أهلية باِسمها، مدفوعين بذكراها وكأنها شبح الليدي ماكبيث.
هكذا لخص جون ميجور الوضع، كما أن لحضورها بعد وفاتها أهمية بالنسبة لزمننا الحالي: "كان حدثاً فريداً في تاريخ حزبنا: أن تشجع رئيسة وزراء سابقة علناً نواباً أساسيين في حزبها، وكان الكثيرون منهم يكنون لها احتراماً كبيراً، على قلب سياسة خلفها... فقد كان دعم تاتشر لهزيمة مشروع قانون ماستريخت هو الذي ساعد على أن يتحول ذلك إلى مهمة شبه مستحيلة لنوابنا المكلفين ضمان تصويت بقية النواب مع الحزب".
فمن بضعة جوانب إذن، يبقى تأثير تاتشر ملموساً بقوة في 10 داونينغ ستريت. لم تزل ماغي تُطاردهم.
بدورها، كانت تاتشر نفسها قد عانت على يد الرجل الذي أطاحته حين كان قائداً، وهو تيد هيث. فمنذ عام 1975، عندما عانى إذلال تعرضه للهزيمة على يد امرأة، حتى تقريباً اليوم الذي توفي فيه، استمر هيث بحملة لا هوادة فيها من العداء ضدها - وقد قال عنها إنها ذات "عقلية ضيقة" في شأن أوروبا، وأنها كانت قاسية بشكل غير مبرر. على الأقل، إن بلير هو أكثر تأدباً منه.
وكان على تاتشر أيضاً أن تتحمل الإهانات والتصريحات المتعالية لرئيس وزراء سابق آخر، هو هارولد مكميلان، الذي لم يعتبرها كثيراً، والأمر كذلك بالنسبة لهيث (جيد ليكون الشخص الرقم 2، وليس قائداً).
وعندما كانت تاتشر تتصدى لإضراب عمال المناجم في الثمانينات، قدّم مكميلان للمضربين بقيادة سكارغيل - "العدو الداخلي" وفقاً لتاتشر - هذه التحية العاطفية والمُغيظة في آن واحد: "ينفطر قلبي وأنا أرى - وفي الوقت نفسه لا أستطيع التدخل - ما يجري في بلانا اليوم".
كما انتقد خصخصة الصناعات للتعويض عن خفض الضرائب، أي بيع الفضة العائلية. وعندما وجدت حكومة العمال نفسها في عام 1976 تعيش أزمة اقتصادية شديدة، قدم سوبرماك (ماكميلان) نفسه بكل رحابة صدر لرئاسة حكومة وحدة وطنية. فقد كان خارج السلطة منذ 13 عاماً، وكان حينذاك يبلغ الثانية والثمانين من العمر.
ونتيجة شعور رؤساء وزرائنا بالملل وافتقادهم بهرجة السلطة وجوهرها، ورغبتهم في العودة إلى الساحة، فإنهم لا يستطيعون مقاومة التدخل. ولكن لمَ عليهم فعل ذلك؟ إن لديهم الكثير من الآراء والخبرة التي يُمكنهم تقديمها، ويمكننا أن نقبل بذلك أو نرفضه على أي حال.
وهم التقوا معاً يوم تخليد ذكرى شهداء الحربين العالميتين. وبرغم أن ذلك يتم في بعض الأحيان في جو غير مريح، في ظل المنافسات والمعارك التي احتدمت في ما بينهم، فإنهم يمثلون كنزاً وطنياً. نحن - بالإضافة إلى خليفتهم تيريزا ماي، يجب أن نُقدر ونستمع لما لديهم أن يقولوه. ميجور، بلير،غوردون براون وديفيد كاميرون: فلندعهم يتكلمون. ويجب أن لا يكون ذلك مبعثاً على الضيق: إنهم رجال الأمس، بينما هي التي تتولى زمام الأمور الآن. أليس كذلك؟
© The Independent