Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إلى أين تنتهي المواجهة بين السلطة والمعارضة في تونس؟

تحركات "جبهة الخلاص" في الخارج تستفز الرئيس ومؤيدوه ينصحونه بالنأي عن "السجال الكلامي"  

عندما أطاح بالبرلمان العام الماضي بدأ قيس سعيد تنفيذ إصلاحات سياسية ودستورية شملت تغيير الدستور (رويترز)

بلغت المشادات الكلامية بين السلطة في تونس والقوى المعارضة ذروتها بعد مشاركة معارضين في اجتماعات تحضيرية لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قبيل انعقاده الثلاثاء، الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني)، في تطورات تشي بأن المواجهة بين الطرفين قد تأخذ مسارات أخرى في المرحلة المقبلة، بخاصة مع بدء العد التنازلي للانتخابات البرلمانية المقرر تنظيمها في 17 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

وشن الرئيس قيس سعيد هجوماً حاداً على المعارضة بعد مشاركتها في الاجتماع المذكور، لافتاً إلى أن "تلك المعارضة تم طردها من مدينة الرقاب التابعة لولاية (محافظة) سيدي بوزيد مهد الثورة، لتنتقل إلى جنيف السويسرية"، في إشارة إلى "جبهة الخلاص الوطني" المعارضة، وهي تكتل يتألف من عدد من أحزاب المعارضة.

وتأتي هذه الجولة من التصعيد المتبادل في وقت ينتقد سعيد باستمرار المعارضة التي تتهمه في المقابل بتنفيذ "انقلاب" عندما أطاح بالبرلمان العام الماضي، وبدأ تنفيذ إصلاحات سياسية ودستورية شملت تغيير الدستور في استفتاء تم في 25 يوليو (تموز) الماضي، إذ عادت تونس إلى نظام حكم رئاسي، وتم تهميش دور البرلمان في الدستور الجديد بشكل كبير.

اغتيال الحريات

هجوم قيس سعيد على المعارضة خلال اجتماع مع وزير الداخلية توفيق شرف الدين، بدا وكأنه يستهدف "جبهة الخلاص" التي حاولت حشد الشارع أخيراً في محافظة سيدي بوزيد لعرقلة خطط الرئيس التونسي، وخصوصاً الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في ديسمبر المقبل.

ونفذت الجبهة احتجاجاً الأحد في سيدي بوزيد، التي فجرت الانتفاضة ضد الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي عام 2011، لكن سعيد اتهمها بالفشل في تعبئة التونسيين قائلاً إن تحركاتها قوبلت بالرفض من قبلهم "حيث تم طردها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل قال رئيس الجبهة أحمد نجيب الشابي إن "هناك محاولات متكررة من الرئيس قيس سعيد شخصياً لاغتيال الحريات من خلال محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وهو أمر مناف لكل المبادئ القانونية، كما هدم المجلس الأعلى للقضاء ولجنة مكافحة الفساد والهيئة العليا المستقلة للانتخابات وأغلق مجلس النواب المنتخب انتخاباً حراً من قبل الشعب".

وتابع الشابي لـ"اندبندنت عربية" أن "الجبهة بالفعل كانت مشاركة في اجتماعات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، لكن بدعوة من أطراف تونسية، ومثلتنا أكثر من شخصية سواء عضوا الجبهة رضا بلحاج وشيماء عيسى أو غيرهما".

"جبهة الخلاص الوطني"

وشدد على أن "الشيء الذي تقوم به الجبهة مهم، بما أن الأمم المتحدة تجمع كل الدول ومنها تونس، وهي تسائل هذه الدول عن مدى احترامها لحقوق الإنسان، بالتالي فإن صوت المجتمع المدني أصبح مهماً ورئيساً في الشأن العام، ونحن بصدد الدفاع عن الديمقراطية وهذا واجب ولا يمس السيادة الوطنية ولا الاستقلال الذي نحن شديدو الحرص على احترامهما".

وتم إعلان تأسيس "جبهة الخلاص الوطني" التي تنضوي تحت لوائها أحزاب سياسية عدة على غرار حركة "النهضة" الإسلامية وحركة "أمل" وحزب "قلب تونس" ونشطاء سياسيون وحقوقيون، في مايو (أيار) الماضي، في محاولة للتصدي لما تصفه بـ"انقلاب" الرئيس سعيد في 25 يوليو 2021 وإطاحته البرلمان والحكومة السابقة.

معارضة لتدمير البلد

وجاءت تصريحات سعيد مساء الإثنين في استباق لاجتماع مجلس حقوق الإنسان الذي انعقد الثلاثاء وتطرق إلى الوضع في تونس، إذ دعت قوى غربية السلطات التونسية إلى احترام حرية التعبير في خطوة قد تعكس ضغوطاً خارجية على تونس في هذا الإطار.

وردت رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن، في كلمتها على انتقادات المعارضة والدول الغربية، بتأكيد أن "التعذيب ليس سياسة الدولة في بلادها بل مجرد حالات معزولة" وفق قولها.

ولم تفوت بودن الفرصة لشن هجوم على البرلمان المنحل، إذ قالت إنه "لم يضف للتونسيين شيئاً سوى الإحساس بالانسداد واليأس، كما تحول إلى ساحة للعنف المادي والنفسي، وهو ما دفع الرئيس سعيد إلى اللجوء للدستور وتفعيل الفصل 80 منه في 25 يوليو 2021".

وسارعت قوى سياسية موالية للرئيس سعيد إلى انتقاد تحركات المعارضة في الخارج، مما ينذر بجولات جديدة من المواجهة بين الطرفين، بخاصة مع اقتراب الانتخابات التشريعية التي ستفرز برلماناً جديداً مكوناً من غرفتين، مجلس نواب ومجلس أعلى للجهات والأقاليم.

واعتبر المتحدث باسم "حزب التيار الشعبي" محسن النابتي، أن "المعارضة التونسية بتحركاتها الحالية بصدد استنساخ تجارب المعارضة العراقية والسورية والليبية التي استقوت بالخارج ضد بلدها، وهي معارضة لتدمير تونس فقط، والتونسيون جربوا الأحزاب التي تدعي المعارضة الآن وفشلت". وأوضح النابتي أن "صورة المعارضة التونسية في جنيف لن تكون إلا في مصلحة الرئيس قيس سعيد والمسار الذي يقوده، لأنها تعكس أولاً فشل هذه المعارضة شعبياً في الداخل، وثانياً وهو الأهم تذكر التونسيين بالمعارضات العربية التي تسببت بتحطيم دولها". وأكد أن "حزبه يدعو رئيس الجمهورية إلى الابتعاد عن السجال الكلامي مع المعارضة، فعلى المستوى السياسي هو قام بتغيير كبير، لكن يجب التركيز على الاقتصاد وصنع حلم للتونسيين في غد أفضل، وفي تعليم أفضل وفي اقتصاد وتنمية".

تدمير متبادل

ويثير التصعيد الأخير بين السلطة في تونس والمعارضة، المشتتة بشكل كبير، تكهنات واسعة النطاق في شأن المسارات التي قد تأخذها هذه المواجهة بين الطرفين، خصوصاً أن الرئيس سعيد لم يبعث بإشارات في شأن إمكانية التهدئة مع القوى المعارضة له والعكس صحيح.

والمعارضة التونسية منقسمة على نفسها، إذ ترفض أحزاب عدة التحالف مع "جبهة الخلاص" على غرار "الحزب الدستوري الحر" بقيادة عبير موسي، نظراً إلى أن "حركة النهضة" من مكونات الجبهة، وهي حزب قاد الحكم في العقد الأخير بتونس.

كما ترفض أحزاب سياسية معارضة أخرى مثل "العمال" و"التيار الديمقراطي" التحالف مع "جبهة الخلاص" و"الدستوري الحر" معاً، وهو ما أضعف تحركات المعارضة التونسية لعرقلة خطط الرئيس سعيد الذي ستكون الانتخابات البرلمانية محطة جديدة وحاسمة بشكل كبير في المسار الذي بدأه.

وقال الباحث السياسي مولدي القسومي إن "التصعيد بين قيس سعيد والمعارضة هو الآن في ذروته، وفي اعتقادي أن المواجهة بينهما تمثل تدميراً متبادلاً، باعتبار أنها تقوم على إلغاء كل طرف للآخر".

سجالات

وأردف القسومي أن "انتقاد الرئيس سعيد اجتماعات المعارضة على المستوى القانوني لا يمكن تبريره، بخاصة أن المواثيق الدولية تعطي لأي تونسي شأنه شأن أي مواطن آخر الحق في أن يتناول وضع حقوق الإنسان في الأمم المتحدة أو غيرها من الهيئات، لكن على المستوى السياسي فالرئيس ينتهج الخطاب نفسه شأنه شأن الجبهة". وشدد على أن "من الصعب الآن التكهن بما سيقدم عليه الرئيس قيس سعيد أو الجبهة من تحركات في سياق المواجهة بينهما".

وتأتي هذه الجولة الجديدة من السجالات بين سعيد والمعارضة في وقت تتأهب تونس لانتخابات تشريعية هي المحطة التالية من خريطة طريق وضعها الرئيس من أجل إعادة تشكيل المشهد السياسي من جديد.

المزيد من تقارير