Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البدينات ملكات الجمال في مجتمع الصحراء بالمغرب

يعتبر جسم الفتاة البض والممتلئ مفتاحا للحظوة الاجتماعية وانتشار ممارسات تروم التسمين استعدادا للزواج

المجتمع البيضاني الصحراوي في المغرب لا يلقي بالا ولا يحتفي في العادة إلا بالمرأة المكتنزة (أ ف ب)

قد تكون رشاقة الجسد معياراً لجمال المرأة عند كثيرين، لكن في مناطق الصحراء بالمغرب يعتبر جسم الفتاة البض والممتلئ إلى حد السمنة مقياساً رئيساً للجمال، بل هو مفتاح الزواج والحظوة الاجتماعية في مجتمع الصحراء أو ما يطلق عليه "المجتمع البيضاني".

وانتشرت في مناطق الصحراء المغربية في وقت سابق ممارسات وطقوس تروم تسمين الفتاة استعداداً للزواج تسمى باللهجة الحسانية "التبلاح" أو "البلوح"، لكن بمرور الأيام بدأت تلك الممارسات تتلاشى لتظهر تقنيات جديدة تهدف بدورها إلى منح الفتاة جسداً سميناً ومكتنزاً لنيل صفة الجميلة.

طقوس

تسمين جسد الفتاة الصحراوية في المغرب يتم وفق أهل وساكني المنطقة عبر طقوس معينة في وجبات الأكل الثلاث وفي طريقة الجلوس، وأيضاً في تناول أعشاب ووصفات معينة تروم منح جسد الفتاة اكتنازاً وسمنة خصوصاً في منطقة الصدر والأرداف.

ويبدأ "البلوح" من تباشير الصباح إلى نهاية اليوم، إذ تلزم سيدة متخصصة في هذه الطقوس الصحراوية التقليدية تدعى "المبلحة"، أو أية سيدة ذات تجربة وحنكة في الأسرة، الفتاة المعنية بشرب حليب الإبل الساخن في وقت الفجر أو بعده بقليل ثم تعود للنوم.

وبعد الاستيقاظ في الصبيحة ذاتها تشرف "المبلحة" على أن تشرب الفتاة المطلوب تسمينها إما استعداداً لزفاف أو لجذب انتباه الرجال، كميات كبيرة من حساء الشعير والتمر وحليب البقر أيضاً.

وفي وجبة الغداء تتشكل أطباق "البلوح" من أصناف دسمة من قبيل لحم الإبل أو لحم الضأن المشوي مرفقاً بصحون من الرز والمعجنات والكسكس، بينما في وجبة العشاء يتعين على الفتاة تناول حساء وتمور بكميات وافية.

وأما الطقس الثاني المصاحب لقائمة وجبات الأكل فيتمثل في طريقة الجلوس، إذ إن هناك طريقة معينة لجلوس الفتاة المراد تسمين جسدها لأغراض ومآرب شتى بأن تجلس طوال النهار على جنبها الأيمن أو الأيسر بشكل متناوب.

وهناك طقس آخر يصاحب "البلوح" لتسمين الفتاة المقبلة على الزواج أو التي تنتظر حظوظ الزواج ونيل نصيبها من الجمال الأنثوي، وهو تناول مشروب من الأعشاب يفرغ محتوى الأمعاء والقولون من طرف السيدة "المبلحة"، بهدف تيسير عملية الأكل بكميات وافرة.

تغيرات المجتمع

الباحث في التراث الشعبي الصحراوي بوزيد الغلى يقول إن "التبلاح" أو "البلوح" كان طقساً تخضع له الفتاة من أجل بلوغ سمات الجمال الذي يطلبه المجتمع البيضاني.

ويضيف الغلى لـ"اندبندنت عربية" أن المجتمع البيضاني الصحراوي لم يكن يحتفي في العادة ولا يلقي بالاً إلا للمرأة المكتنزة لحماً وشحماً، باعتبار أن الجسم الأنثوي المكتنز والسمين يعد معياراً يحدد صفات الجمال ويكثر حظوظ الزواج.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستدرك الباحث ذاته بأن التحولات الاجتماعية والثقافية التي مست المجتمع البيضاني لم تنه الاحتفاء بالسمنة محدداً لجمال المرأة، بقدر ما غيرت ظروف اكتسابها، إذ لم يعد "التبلاح" ممارسة يبادر إليها الناس، وفق تعبيره.

واستطرد الغلى شارحاً، "أصبح تسمين الفتاة لا يمر بالضرورة عبر طقوس التبلاح الشهيرة، بل أضحى يتم عبر تناول أدوية وعقاقير تخلط ببعض الأطعمة والحلويات مثل الشوكولاتة وغيرها".

وشدد المتحدث على أن الحكم على "التبلاح" ينبغي أن يتم عبر وضعه في سياقه الثقافي والاجتماعي"، مبرزاً أن شروط المجتمع وظروفه تغيرت مع الاستقرار في المدن، وبالتالي لم يعد التبلاح طقساً مقبولاً في ظروف الحياة الراهنة المتسمة بالتحولات القيمية السريعة.

التبلاح ليس قسرياً

تقول سلطانة العالية وهي سيدة متخصصة في "التبلاح" لـ "اندبندنت عربية"، إن هذه الممارسة شعبية وتقليدية اشتهر بها المجتمع البيضاني الصحراوي، في أمور تتعلق بالنظرة إلى الجمال الذي تختلف معاييره ومقاييسه من منطقة إلى أخرى.

وأردفت المتحدثة ذاتها بأنها مارست "التبلاح" لفائدة عدد من الفتيات الصحراويات بطلبهن وعن طيب خاطر منهن، نافية في السياق ما يروج بأن الأمر يتعلق بتسمين إجباري أو قسري للفتيات من أجل تزويجهن.

واستطردت المتكلمة شارحة بأنه "من غير المنطقي والمقبول شرعاً ولا اجتماعياً ولا سلوكياً أن يتم إرغام فتاة على قبول التبلاح وإجبارها على أكل أنواع معينة من الطعام بكميات كبيرة".

ووفق "المبلحة" ذاتها، فإن هذه الطقوس تتم بقبول الفتاة وأسرتها أيضاً لأن الأمر لا يعيبها في نهاية المطاف، باعتبار أن النتيجة تكون هي الحصول على جسم مكتنز وسمين يرضي غرور الفتاة وطموحها بأن تحصل على حظها من الثناء والمديح وتقوي حظوظها في الزواج.

وزادت العالية بأن القليلين يعرفون أن "التبلاح" في الحقيقة طقس صحراوي قديم لا يزال يمارس بطرق مختلفة، لكن أصله يعني تكريم الفتاة أو المرأة من خلال العناية بها أكلاً وشرباً وراحة، ولا تمارس المهمات البيتية الشاقة ولا تخرج إلى العمل بل تكتفي باكتساب وزن زائد يضفي عليها جمالاً ورونقاً وحضوراً.

كل الطرق تؤدي إلى "التسمين"

وبتغير السياقات الاجتماعية في المجتمع البيضاني بدأت الفتيات والأسر تنحو إلى "التسمين" بطرق حديثة أخرى غير "التبلاح"، ومن ذلك تناول مواد وأعشاب وأقراص تعمل على منح الجسم سمنة واضحة خصوصاً في مناطق معينة لدى المرأة.

وتعود العالية للحديث عن بعض تلك الوصفات التي تلجأ إليها الفتيات في المجتمع الصحراوي، إذ قالت إن بعضها طبيعية ولا يمكن أن تشكل خطراً على صحة المرأة لأنها مزيج من مواد طبيعية الأصل مثل الحلبة وعرق السوس أو البابونج أيضاً.

وفي المقابل تردف المتحدثة بأنه تحت الطلب المتزايد للحصول على جسم مكتنز فإن الحيل تفتقت عن كثير من الوصفات بعضها غريبة ومجهولة المصدر، يروج المتاجرون فيها بكونها تعمل على تسمين مناطق معينة لدى المرأة.

وزادت المتحدثة عينها بأن هناك فتيات يغامرن بصحتهن من أجل كسب وزن زائد، ومن ذلك استعمال أدوية خاصة بأمراض معينة لكنها تزيد الوزن أو من خلال تناول أقراص "دردك" المعروفة.

وتعتبر أقراص "دردك" أو "التحميلات الصحراوية" من أشهر الوصفات التي أصبحت الفتيات يلجأن إليها بقصد الحصول على جسم مكتنز، غير أن أضرارها وفق متخصصين تفوق منافعها، مما دفع عدداً منهم إلى التحذير من تبعات تناول "دردك" للتسمين.

المزيد من منوعات