منذ إعلان الاتفاق المبدئي بين رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح ومجلس الدولة خالد المشري، في المغرب على عدد من النقاط المهمة لتجاوز الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد حالياً، ومن بينها توحيد السلطة التنفيذية، ولا حديث يشغل الوسط السياسي أكثر من الأنباء المتواترة عن مصادر متنوعة عن تشكيل حكومة جديدة للخروج من نفق الانقسام الحكومي.
وكان الطرفان أعلنا خطة لتوحيد الحكومة قبل نهاية العام من دون الكشف عن تفاصيلها، مما اعتبر إشارة واضحة لرغبتهما في الذهاب إلى خيار الحكومة الثالثة، مع استحالة توحيد الحكومتين المتنازعتين حالياً في بنغازي وطرابلس، ورفض المشري الاعتراف بقرار البرلمان الخاص بتشكيل حكومة فتحي باشاغا في مارس (آذار) الماضي.
تصريحات تعزز الشكوك
على رغم حديث مصادر برلمانية عدة عن إمكان تشكيل حكومة جديدة قبل نهاية العام الحالي بالاتفاق مع مجلس الدولة، فإن رئيس البرلمان عقيلة صالح تجنب حتى الآن الحديث عن هذه النقطة بالتحديد، خصوصاً أنه عراب قرار تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة فتحي باشاغا، إذ دافع عن شرعيتها وشرعية قراره بشراسة طوال الأشهر الماضية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل عززت تصريحات كثيرة لرئيس مجلس الدولة خالد المشري الشكوك في شأن صحة المعلومات المتداولة عن اتفاق مبدئي بينه وبين صالح في المغرب على إنهاء النزاع الحكومي بين باشاغا ورئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة، عبر اللجوء إلى تشكيل حكومة توافقية بالتشاور بين المجلسين.
وفي أحد هذه التصريحات ألمح المشري إلى قرب رحيل محافظ المركزي ورئيسي الحكومتين في بنغازي وطرابلس عن مناصبهما في وقت قريب، قائلاً إن "الصديق الكبير تكفيه فترة 11 عاماً في منصبه، وحكومة الوحدة الوطنية لا تستطيع إجراء الانتخابات ولا تسيطر على كل البلاد، وهناك شبهات كثيرة جداً تحوم حولها فعدد كبير من وزرائها إما استقالوا أو في السجون ولديهم مشكلات قانونية".
وبخصوص حكومة فتحي باشاغا، قال المشري "هي حكومة غير توافقية، وفي نظرنا أن تشكيلها تم بطريقة فيها نوع من المغالبة، وبصرف النظر عن رئيسها فإنها حكومة غير متوازنة، لذلك دعونا إلى اختيار حكومة جديدة قادرة على إنجاز الاستحقاق الانتخابي".
تأكيد مصادر مطلعة
وأكدت مصادر مطلعة ومقربة من طرفي اتفاق المغرب، أن تشكيل حكومة جديدة كان جزءاً من الاتفاق بين عقيلة صالح وخالد المشري، ومن بين هذه المصادر المستشار السابق في مجلس الدولة صلاح البكوش الذي أوضح أن "هدف رئيس مجلس النواب عقيلة صالح والدولة خالد المشري من وراء اتفاق المغرب هو تقاسم المناصب السيادية، ومن ثم تقاسم الوزارات بحكومة انتقالية جديدة".
ورأى أن "صالح والمشري يسعيان لاستبدال محافظ المصرف المركزي الحالي، وإزاحة رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة لتحقيق هذه الأهداف".
وقال البكوش إن "مجلسي النواب والدولة فشلا من قبل في استكمال لقاءات رعتها البعثة الأممية حول القاعدة الدستورية المنظمة للانتخابات، لكنهما انتقلا إلى المغرب وتغاضيا عن الهدف الرئيس بالتوافق حول تقاسم المناصب التنفيذية".
وصرح عضو مجلس الدولة صلاح ميتو بأن هذا الخيار يدرس حالياً داخل مجلسه. وقال إن "التوافق على حكومة جديدة موحدة ليس بالأمر السهل، لأن هناك تبايناً في وجهات نظر الأعضاء في شأن مخرجات لقاء وفدي مجلسي الدولة والنواب في المغرب".
وأضاف "من الواضح في حال تم التوافق على الحكومة، أنه سيتم إنجاز المناصب السيادية".
طموح المشري
في السياق قالت مصادر متطابقة من بينها عضوا مجلس النواب حالياً علي التكبالي وبدر النحيب والسابق محمود عبدالعزيز، إن رئيس مجلس الدولة خالد المشري يطمح لرئاسة الحكومة الجديدة، وبدأ فعلياً في تسويق نفسه لرئاسة الحكومة المزمع تشكيلها قريباً.
واتهم عبدالعزيز المشري بأنه "حاول التسويق بكل قوة في مختلف المجالس ليكون رئيس حكومة، وهذا سبب معاداته لفتحي باشاغا لأنه يريد مكانه".
وقال البرلماني السابق إن "التسجيل المسرب لعضو البرلمان الحالي بدر النحيب الذي تحدث فيه عن عرض المشري نفسه لرئاسة الحكومة، يؤكد هذه الحقيقة لأن المشري يدرك أن رئاسة مجلس الدولة لا تشكل شيئاً".
من جانبه نفى خالد المشري تماماً صحة التسجيل الذي استشهد به النائب السابق محمود عبدالعزيز، قائلاً "لم أقدم لأي شخص عرضاً لتولي منصب رئيس الحكومة، ونشر هذا التسجيل الآن الغرض منه الربط بينه ولقاء الرباط الأخير مع عقيلة صالح والتشويش عليه".
الكاتب والباحث السياسي فرج زيدان أكد أن الاتفاق على حكومة جديدة هو جزء رئيس في اتفاق المغرب، الذي قال إنه "تم برعاية أميركية واتصالات مع مصر وتركيا".
واعتبر زيدان أن "هذه التفاهمات تشير إلى قرب تشكيل حكومة مدنية بعيداً من حكومة عبدالحميد الدبيبة منتهية الولاية".
حل أم مشكلة جديدة؟
واختلفت ردود الأفعال وسط المهتمين بالشأن السياسي حول مسألة تشكيل حكومة ثالثة للخروج من الخلاف المعقد بين حكومتي عبدالحميد الدبيبة وفتحي باشاغا، بين من اعتبرها حلاً مرضياً ينهي الانقسام التنفيذي، ومن وصفها بالمشكلة الجديدة التي ستوسع الانقسام.
اعتبر عضو مجلس الدولة صفوان المسوري فكرة وجود حكومة ثالثة "قفزة في الهواء". وقال إن "الطموح السياسي يغري بعض الشخصيات لتقديم فكرة ترؤس حكومة ثالثة، ولا توجد مقومات حقيقية تدعم فرص نجاح هذه الحكومة الثالثة".
تشكيل حكومة ثالثة بالتوافق بين البرلمان ومجلس الدولة سيعطي لهذه الحكومة شرعية أكبر من حكومتي باشاغا والدبيبة، ويمنحها غطاء قانونياً ينهي الصداع على الشرعية بين الحكومتين الحاليتين، لذا فهو حل منطقي بحسب الصحافي الليبي معتز الفيتوري.
الفيتوري حذر من أن "استمرار حكومتي باشاغا والدبيبة لن يتسبب سوى في مزيد من الانقسام المؤسساتي، وكلما طال بقاؤهما زادت الهوة اتساعاً، لذا فمن العقلاني البحث عن بديل لكليهما معاً لتجاوز هذا المأزق".
اتفاق تركي جديد
في الوقت الذي كان اتفاق الرباط ومآلاته وآليات تنفيذه الشغل الشاغل لليبيين، وقع رئيس حكومة الوحدة في طرابلس ووزير دفاعها عبدالحميد الدبيبة، اتفاقي تعاون عسكري جديدين مع وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، اعتبرا رداً ضمنياً على المساعي الحثيثة من قبل البرلمان ومجلس الدولة لإقصائه من المشهد.
ونص الاتفاق الأول، بحسب بيان صحافي صدر عن المكتب الإعلامي للدبيبة، على "رفع كفاءة قدرات الطيران الحربي بالاستعانة بالخبرات التركية في هذا المجال"، فيما تضمن الثاني بروتوكولات تنفيذية للاتفاق الأمني الموقع من قبل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق عام 2019.
وأضاف البيان أن "توقيع الاتفاقين جاء بعد مباحثات بين الدبيبة وآكار في إسطنبول حيال أوجه التعاون بين البلدين في مجالات مختلفة".
ورأت أطراف معارضة لرئيس الحكومة الليبية أن هذا الاتفاق الجديد ليس سوى "بروتوكول حماية" لجأ إليه لحماية حكومته من كل الخصوم المحليين الذين زاد عددهم بعد انضمام خالد المشري إلى صف البرلمان الراغب في إزاحته من المشهد. ورأت فيه أطراف محايدة خطوة جديدة تعقد المشهد وترفع وتيرة الخلاف بين الأطراف المحلية وحلفائها الدوليين والإقليميين.