Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مخرج كوري مرموق يحذر من كثرة العنف والعري في الأفلام

يعتقد أنها تضايق الجمهور ويعتبرها المحفز على أسلوبه الفني المختلف

حتى مجرد تدليك راحة يد شخص ما بمرهم قد يغدو مثيراً جنسياً (أورغانك بابليستي)

في عام 2001، قبل أن يباشر تصوير فيلم "منطقة أمنية مشتركة" الذي يتمحور حول جنود وطدوا الصداقة في ما بينهم عبر الحدود الفاصلة بين الكوريتين الشمالية والجنوبية، ما يتعارض تماماً مع ما ينص عليه "قانون الأمن القومي"، شرب بارك تشان ووك نخباً. "كان من الممكن أن أزج في السجن،" يوضح لي بشكل عفوي كأنه شخص عادي يحاول تذكر اليوم الذي ذهب فيه إلى السينما، لكن في ذلك الوقت كانت الحاجة ملحة إلى قليل من ترياق الشجاعة.

لا يخفى هذا أمر على معجبي المخرج الكوري ومن يتعاطفون معه. فمن أراد مشاهدة أفلام بارك تشان ووك يحتاج من دون شك إلى مشروب قوي أو إثنين وإلا فإنه لن يقوى على استيعاب كامل الأثر المترتب عليها. إذ يصنع بارك البالغ من العمر حالياً 59 عاماً أفلاماً تترك بصمة في صناعة السينما، نذكر من بينها مثلاً فيلم "الزميل القديم" OldBoy (2014) الذي حقق له الانطلاق العالمي الأول الذي يتضمن المشهد الشهير لاستنشاق البطل المنهك أخطبوطاً حياًّ (نال الفيلم الجائزة الكبرى في "مهرجان كان السينمائي")، وفيلم "الخادمة" The Handmaiden (2016) الذي أشيد به عالمياً واعتبر تحفة استثنائية في مجال الإثارة الجنسية، مع احتوائه على مشاهد جريئة بما يكفي لتبرير عنوانه.

وتجدر الإشارة إلى أن هذين الفيلمين وأفلام بارك الأخرى التي لا تقل عمقاً عن آخر إبداعاته هي التي كرست بارك مخرجاً متفرداً شغوفاً برذاذ الدم والتعري الأمامي الكامل، ومحل تقدير خاص من قبل المخرج كوينتين تارانتينو.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والحال كذلك فإن عمله الأخير "قرار المغادرة" Decision to Leave يأتي بمثابة صدمة، ويفتقر الفيلم الذي أكسب بارك جائزة أفضل مخرج في "مهرجان كان" هذا العام إلى مشاهد الجنس والعنف المحببة إلى قلبه، وتدور حوادثه في مدينة بوسان حول المحقق الدمث هاي جون (بارك هاي إيل) الذي يحتفظ بمناديل مبللة في جيبه، وعلى خلفية وفاة أحدهم إثر سقوطه من منحدر عال يوعز إلى هاي جون في التحقيق مع أرملة المتوفى الجميلة سيو راي التي أتقنت الممثلة تانع وي تجسيد غموضها المؤثر، بوصفها الأفضل في مجالها والأشهر في كسر المحرمات عن دورها في فيلم "شبق حذر" Lust, Caution للمخرج أنغ لي في 2007.

من الناحية النظرية تجمع حبكة "قرار المغادرة" ما بين فيلمي Basic Instinct "غريزة أساسية" وVertigo "الدوار"، لكن توقيع بارك عليها يعطيها انعطافة مختلفة، ولأنني لا أرغب في أن أفسد عليكم خاتمة مبهرة بكل ما للكلمة من معنى، فسأكتفي بإيراد أن "قرار المغادرة" يشكل خير بينة على أن أفلام بارك أكثر من مجرد إراقة للدماء، فبطريقة أو بأخرى استطاع المخرج من دون أصابع مبتورة هنا ومؤخرات عارية هناك، أن يقدم أحد أكثر الأفلام إثارة في مسيرته، ويثبت للعالم أن العنف والجنس ليسا الأساس الوحيد الذي تستند إليه أفلام بارك تشان ووك.

في هذا الصدد يوضح بارك أن قراره التنصل من هذه الميول قرار واع وقد اتخذه واضعاً المشاهدين نصب عينيه على أساس أن "كثيراً من العنف والعري قد يضايق الجمهور ويهيمن على انطباعه عن الفيلم"، إذ يعرف بارك ويفهم إلى حد ما أنه قد يتعذر على المشاهدين التنبه إلى الجوهر المدوي لأعماله إذا كانت محاطة، على غرار حالها غالباً، بأجساد ناعمة وعظام مكشوفة، ولهذا نراه في "قرار المغادرة" يشرح الفيلم ويقطعه لإزالة الفائض الذي يحجب الرؤية عن القلب. "حاولت التخلي عن أكبر قدر ممكن من المؤثرات كي يتمكن الجمهور من التركيز على الأشياء الصغيرة مثل ارتعاش العين وقراءتها"، فالمعلوم أنه في الأفلام التي تخلو من اللحظات الصاخبة تغدو حتى اللحظات الأكثر هدوءاً مدوية تماماً، ومن هذا المنطلق يصح اعتبار "قرار المغادرة" الذي لا يظهر فيه ولو عناق واحد، فيلماً في غاية الإثارة من نوع الإثارة التي عودنا عليها الرجل المبدع الذي يقف وراء فيلم "الخادمة"، ففي إطار عمل فني تقتصر قمة التوتر الجنسي فيه على مشهد تبادل مرهم الشفاه من نوع "تشابستيك"، ووفق بارك ​​"فحتى وضع مرهم على يد شخص ما قد يصبح مثيراً جداً".

 

ويضيف، "لنتخيل فيلماً يعتمد على اللقطات المقربة دون سواها، ففي فيلم كذلك ما لم تكن هناك لقطة مقربة أكثر جرأة من قريناتها فلن يشعر الجمهور بأي شيء حيال هذه اللقطات المقربة جميعاً، والعكس صحيح بالنسبة إلى الفيلم الذي يأخذ لقطات من مسافة معينة، فبمجرد تحوله إلى لقطة متوسطة غير متوقعة، حتى لو لم تشمل سوى منطقة الصدر، يشعر الجمهور بوقع المشهد كأنه لقطة مقربة جداً للعينين أو ما شابه ذلك".

لنأخذ مثلاً المشهد الذي يظهر فيه هاي جون وسيو راي في المقعد الخلفي لسيارة الشرطة وهما مقيدان ببعضهما بعضاً و"يتشاركان النفس ذاته، ألن يحركنا منظرهما ويجعل قلوبنا تخفق بسرعة أكبر؟"

أتخيل أن المجازفة التي خاضها بارك قد أينعت ثمارها، فالآراء حيال "قرار المغادرة" إيجابية والأهم من ذلك أنها تمنح الأساس العاطفي للفيلم اهتماماً قلما حصدته أعمال بارك السابقة، وحينما سألته عن مدى شعوره بالخجل من وصوله إلى هذه المرحلة وتحقيقه كل هذا النجاح بفضل تغيير أسلوبه في الإخراج ابتسم وأجاب، "لا أشعر بأي ندم".

من الصعب تخيل أن باستطاعة بارك اللامع واللطيف الصمود طويلاً في وجه قسوة المشاهد التي يستعرضها في كل أفلامه، خلا فيلم "قرار المغادرة"، وفي اعتقادي أن داخل الحقيبة السوداء البالية المرمية عند قدميه حزمة من المناديل المبللة، وزيه المتعدد الطبقات يتألف من سترة من الكتان باللون الأزرق الداكن وقميص باللون الأزرق الداكن وبنطال رمادي وجوارب رمادية، مثالي لفصل الخريف، وقد رد على أسئلتي بإجابات مسهبة تارة مع تحديقه إلى البعيد وتارة أخرى أثناء إمساكه بصدره في محاولة للتعبير جسدياً عما يشعر به، وفيما كان المترجم ينقل لي إجاباته يرتشف بارك القهوة السوداء من دون أن يغفل ولو لحظة واحدة عن الطريقة التي تستعمل للتعبير عن كلماته.

ولد بارك في سيول أثناء الحكم العسكري لكوريا الجنوبية عام 1963 وكان الابن الأكبر بين ولدين، ترعرع في كنف الكنيسة الكاثوليكية وشارك في الذبيحة الإلهية كل أسبوع، وفي أحد الأيام اقترح كاهن الرعية على أمه أن ترسله إلى مدرسة دينية كي يصبح رجل دين صالح، لكن هذا لم يحصل وبارك اليوم رجل ملحد، وإذا سألته عن قراره بالتخلي عن الكنيسة لا يبدي تأثراً يذكر، ومع ضحكة يروي "لقد نشأت في عائلة كاثوليكية لذا لم تكن الكثلكة خياري ولم يكن الأمر كأنني استنرت وأدركت ضرورة أن أتخلى عن معتقدات عائلتي، وكل ما في الأمر أنني كبرت في السن، فإما أن أواصل ما كنت أفعله أو أسلك طريقاً مختلفاً، وأفترض منذ البداية أنني لم أكن قوي الإيمان وكان من السهل علي أن أقرر عدم الاستمرار في عباداتي".

وعلى رغم هذه القطيعة فقد أثر الدين عميقاً في أفلام بارك "لا شعورياً بالطبع"، بحسب تعبيره.

"تربيت على أن أكون حساساً تجاه مفاهيم عدة على غرار مفهوم الخطيئة أو الشعور بالذنب والاعتراف بالخطايا وفداء أرواحنا وخلاصها"، وكذلك افتتن بالفن الكاثوليكي. ومنذ صغره اعتاد بارك أن يسمع موسيقى موزارت في القداديس ويسرح نظره في أعمال إل غريكو وهيرونيموس بوش التي تصور رؤيتهما الحية لجحيم الخطائين وهم يمتطون السكاكين العملاقة ويتسللون عبر أوتار القيثارة، "وأنا واثق من أن كل هذه الأمور أثرت في روحي وذوقي".

لقد اشتغل والد بارك أستاذاً في الهندسة المعمارية ومتخصصاً في الألوان ("يمكن للجمهور أن يلمس تأثير ذلك والدور الحاسم للألوان في أفلامي") ورساماً هاوياً، ولطالما اصطحب بارك وشقيقه إلى صالات العرض بانتظام، ومن جانب والدته كان جد بارك الأكبر جامعاً عظيماً للقطع الفنية. "لم يكن عظيماً!" يصحح بارك لمترجمه ضاحكاً، "الأمر وما فيه أن بين أفراد أسرتي محبون كبار للفن عموماً".

وفي عام 2011 عمل مع شقيقه بارك تشان كيونغ، وهو فنان إعلامي، على تصوير فيلم قصير بعنوان "الصيد الليلي" Night Fishing على هاتف آيفون، وآنذاك أحب بارك فكرة الانضمام إلى شقيقه كي يتشبها بالأخوين كوين ويشكلا معاً ثنائياً إخراجياً تحت اسم "باكينغ شانس" PARKing CHANce، لكن الفكرة لم تلق ترحيباً كبيراً لدى شقيقه.

وفي سياق الحديث يخبرني بارك أنه التحق بـ "جامعة سوغانغ" المرموقة بسيول لدرس الفلسفة في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، أي تزامناً مع الاضطرابات السياسية والمظاهرات الطلابية، وهناك انخرط في مجال التصوير الفوتوغرافي وانضم إلى نادي الأفلام الخاص بالجامعة الذي كان يعرض أشرطة فيديو مهربة لأفلام أجنبية، وفي تلك الآونة بدا من غير المعقول لبارك أن الأفلام الكورية ستغدو معياراً للسينما، على غرار حالها الآن، وكذلك بدا له أن من السذاجة حصول فيلم كوري على جائزة أوسكار لأفضل فيلم.

 

"لم أتخيل يوماً أن الحضارة الشعبية ​​الكورية ستتجاوز حدود كوريا وتأسر قلوب الجماهير في أنحاء العالم كافة"، فحينما بدأ بارك في صناعة الأفلام كانت طموحاته متواضعة بشكل لا يصدق، "ظننت أنه سيكون من الرائع إذا تمكنت من تقديم فيلم مقبول مقارنة بالولايات المتحدة أو المملكة المتحدة".

وبحلول الوقت الذي فتح فيه فيلم "زميل قديم" عيون المجتمع الدولي على إبداع بارك وسحره، كان بارك بالفعل اسماً كبيراً في بلده والفضل يعود في ذلك إلى شريط "منطقة أمنية مشتركة".

ويستذكر بارك "كان عليّ أن أتسلح بتصميم قوي وشجاعة كبيرة لأنجح وأتألق"، ويشرح أيضاً الكيفية التي ينتهك فيها فيلمه السياسي المثير قانون الأمن القومي في كوريا الجنوبية الذي لا يزال إلى الآن يحظر التمثيل "الإيجابي" للشعب الكوري الشمالي.

في طفولته تعلم بارك اعتبار الكوريين الشماليين "شياطيناً ووحوشاً"، وخلال سنوات دراسته لم يتوان عن المشاركة المنتظمة في "مسابقات خطابة ومسابقات رسم ملصقات ومسابقات صنع شعارات تهاجم كوريا الشمالية بوجه خاص".

هناك شعور قوي جداً بأن (الكوريتين الشمالية والجنوبية) تنتميان لبعضهما بعضاً وأنّا شعب واحد، وهذا الشعور متجذر في عقلنا الباطن

وفي منحى آخر وأثناء اشتغال بارك على تصوير فيلم "منطقة أمنية مشتركة"، كان قانون الأمن القومي "ينفذ بصرامة" بحسب كلماته، وصحيح أن المجال كان مفتوحاً "لتفسير مواد [هذا القانون] لكن بين هذه المواد مادة واضحة تنص بشكل أساس على أن يعاقب بالسجن كل من يحاول وصف [كوريا] الشمالية بإيجابية"، وإذا ما أردنا تفسير كلمة "إيجابية" فكيف نفعل ذلك؟ ما الذي يعنيه بالتحديد وصف الشمال بإيجابية؟" يطرح بارك هذه التساؤلات ليعود بعدها ويقر بأن الحكومة لو أرادت معاقبته على صناعة الفيلم لفعلت ذلك بالاستناد إلى أسس قانونية، ولكن على رغم كل الصعاب والخطر الحقيقي بدخول السجن، أحرز فيلم "منطقة أمنية مشتركة" نجاحاً تجارياً ساحقاً توج بارتقائه إلى مرتبة الفيلم الأكثر ربحاً في كوريا حينها.

"في النهاية وبكل تأكيد لم يحدث أي شيء"، يروي بارك، "وإلى حين صدور الفيلم كانت العلاقة بين كوريا الشمالية والجنوبية قد تحسنت، لا سيما بعد القمة التي انعقدت بينهما آنذاك وخلقت أجواء تقدمية إيجابية تجاه الشمال".

وفي ظل هذه التطورات خشي بارك أن يُعتبر شريط "منطقة أمنية مشتركة" مصنوعاً "بالاستفادة من الأجواء الإيجابية بدلاً من امتلاكه الشجاعة لصنع الفيلم في المقام الأول"، وكانت خشيته هذه أكبر بكثير من خوفه من الاعتقال، يضيف بارك ضاحكاً.

وبعد "منطقة أمنية مشتركة" ظهر على الساحة السينمائية نوع جديد من الأفلام، "يمكن القول إن هذا النوع مميز بحيث يجمع بين الكوريين الجنوبيين والشماليين، وتميزه هو السبب حالياً وراء صدور فيلم يستند إلى هذه الفرضية كل عام"، ولربما يسخر بعضهم من أهمية "منطقة أمنية مشتركة" ويرون فيه مجرد إثبات على إمكان جني أموال طائلة من قصة معينة، لكن بارك يعتقد أن هناك شيئاً أعمق من ذلك بكثير.

وبرأيه "فما يظهره هذا النوع الجديد من [الأفلام] هو أن الشعب في كوريا الجنوبية، وأنا واثق من أن الأمر نفسه ينطبق على شعب كوريا الشمالية، على رغم الاختلافات في ما بينهما على مستوى الأيديولوجية أو النظام وعلى رغم التوتر العسكري بين دولتيهما، يريدان أن يكونا يداً واحدة، فثمة شعور قوي جداً بأننا ننتمي إلى بعضنا بعضاً وبأننا شعب واحد، وهذا الشعور متجذر في عقلنا الباطن، وكلما زادت عدائية الدولتين زادت رغبتنا كأفراد في إحقاق المصالحة".
وعند هذا الحد يشير بارك إلى نجاح الأفلام والبرامج التلفزيونية الكورية مثل المسلسل الرومانسي الشهير "افتتاني بك فجأة" Crash Landing on You تأكيداً على كلامه، "كل هذا ينبع من رغبتنا في أن نكون متحدين".

وليس من قبيل المصادفة أن تتطرق معظم الأفلام والبرامج التلفزيونية الكورية التي تتفوق خارج الحدود إلى موضوع واحد يتمثل في الصراع الطبقي، لكن ربما يكون التعبير الأفضل عن تلك الأفلام هو أنها تشبه الحرب الشاملة، وبوجود أفلام مثل شريط "طفيلي" Parasite الحائز جائزة أوسكار للمخرج بونغ جون هو، وبرامج تلفزيونية مثل "لعبة الحبار"Squid Game  للمخرج هانغ دونغ هيوك، تستحضر صورة قاتمة ودموية للرأسمالية المتأخرة على نطاق قلما طرحته الأفلام الأميركية أو البريطانية من دون أن ننسى بالطبع فيلم "متعاطف مع السيد منتقم" Sympathy for Mr. Vengeance الذي أطلقه بارك عام 2002 ويتعامل مع الموضوع الطبقي بصراحة أكبر، مع العلم أنه إذا ما نظرتم بتمعن فسترونه [الموضوع الطبقي] حاضراً في جميع أعمال بارك، محركاً السرديات بهدوء وعلى طريقته الخاصة.

وبالنسبة إلى بارك فثمة سببان منطقيان للاهتمام بالصراع الطبقي، يتمثل الأول في "بروز الطبقية في كوريا أكثر من أي دولة أخرى، وصحيح أنها قضية عالمية لكن كوريا بنظري حال خاصة بسبب ما شهدناه من نمو اقتصادي مكثف وإهمالنا لنظام الرعاية الاجتماعية، ويظهر الدليل على ذلك اليوم في ضعف نظام الرعاية الاجتماعية لدينا، باستثناء التأمين الطبي الشامل واتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء إلى حد كبير".

ويتجسد السبب الثاني في الإنترنت، فوفق بارك "معدل انتشار الإنترنت ضخم في كوريا، وخلال عصر ما قبل الإنترنت كان الفقراء يخالطون بعضهم بعضاً ويعتبرون أنه واقعهم من حال الدنيا ولا يدرون كيف تسير الأمور خارج مجتمعاتهم، أما اليوم فإنهم على علم ودراية تاميّن بما يفعله الأثرياء وكيف يستمتعون بأوقاتهم وكيف يعيشون حياتهم، مما يسبب لهم ألماً كبيراً. أوليس شعور الافتقار إلى شيء ما مقارنة بالآخرين الذين يمتلكون كثيراً من الأشياء هو ما يسمى بالحرمان النسبي؟"

يطرح بارك هذا السؤال ثم يتنهد بعمق ويردف "لقد أمسى الوضع أكثر صعوبة في كوريا اليوم، لذا نرى مزيداً من الفنانين الحساسين جداً تجاه هذه القضية، وبما أن أميركا والمملكة المتحدة تشهدان مثل هذه الاشياء أيضاً فإنها تكاد أن تكون عالمية".

ومن وجهة نظري فما كان الحديث مع بارك ليكتمل لو لم أسأله عن "زميل قديم"، إذ يتذكر الكل المرة الأولى التي شاهد فيها هذا الفيلم والشعور الذي انتابه حينما تكشف الحبكة، ولا خلاف على أن "زميل قديم" هو أكثر أفلام بارك شهرة، لكن هل هو أفضلها؟

يطلق بارك ضحكة كبيرة بحنجرة مفتوحة ويجيبني، "لا يمكنني ترتيب أطفالي بهذه الطريقة"!

إذاً، يتمثل أقصى ما يستطاع قوله في أن "زميل قديم" فيلم مميز بالنسبة إلى بارك، إذ علمه درساً مهماً مفاده أن "الحصول على الإجابة الصحيحة يستوجب طرح السؤال الصحيح". وبالتالي، فحينما ابتُلي بطل "زميل قديم" بهوس خاطئ لم يكن السؤال يتمحور حول سبب سجنه مدة 15 عاماً، بل عن السبب وراء إطلاق سراحه. ويضيف بارك "صدقي أو لا تصدقي، الإجابة الصحيحة في السؤال الصحيح".

أطلقت شركة "موبي" فيلم "قرار بالمغادرة" Decision to Leave في دور السينما بتاريخ الـ 21 من أكتوبر (تشرين الأول).

© The Independent

المزيد من سينما