Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"اهزم القلق بالإنجاب" شعار العرب في زمن الوباء

أسر كثيرة لم تجد إلا في التقارب العائلي بالمعنى الجسدي وسيلة لتمضية زمن الإغلاق ومواجهة عدم اليقين

اعتبارات عديدة تؤخذ في الحسبان لدى مراجعة زيادة المواليد أثناء الوباء أو انخفاضها (أ ف ب)

غريب هو أمر المواليد زيادة ونقصاناً، وغريبة هي الثقافة والعوامل التي تؤدي إلى زيادة غير مطلوبة هنا ونقصان غير مرجو هناك. وحين يتصل الأمر بزمن الوباء والإغلاق والاضطراب، فإن تتبع من أنجب كم طفلاً ولماذا ربما يلقي مزيداً من الضوء على فقه الأولويات وقوة الاعتقادات والغايات من إنجاب مزيد من الأطفال في عنوانه انعدام اليقين.

يقيناً، تعالت أصوات عربية عدة، لا سيما في الدول المنخفضة الدخل، في بدايات ظهور الوباء وفرض سياسات الإغلاق والحظر من أن تؤدي الإقامة الجبرية في البيوت ضيقة المساحة مرتفعة الكثافة الأسرية السكانية محدودة وسائل الترفيه إلى مزيد من السكان في الأسرة الوحدة.

تقارب التكاثر

أسر كثيرة لم تجد إلا في التقارب العائلي -بالمعنى الجسدي الحرفي- وسيلة لتمضية زمن الإغلاق ومواجهة عدم اليقين والقلق الناجمين عن وباء عالمي غير معلوم الهوية أو الآثار. ولأن هجوم "كوفيد-19" كان مباغتاً، ولأنه كان فيروساً مستجداً غير معلوم السمات والآثار، ولأن الحل الأمثل كان الإغلاق الجبري في غالب دول العالم، إذ استيقظت ملايين الأسر ذات صباح لتجد كل أفرادها متلاصقين حرفياً، جاءت الاستجابات مختلفة بحسب الثقافة والأولويات والمعتقدات.

الاعتقاد الأولي لدى خبراء السكان والصحة الإنجابية في بدايات الوباء دار في إطار توقع حدوث طفرة مواليد أو Baby boom لكن ما جرى بعد عامين من الوباء هو أن الطفرة حدثت بالفعل لكن في الدول التي لم تكن في حاجة إلى مزيد من الطفرات، والعكس صحيح، أي إن الدول التي كانت في حاجة إلى طفرة أو تؤهلها أو تسمح لها مواردها بطفرة مواليد شهدت انخفاضاً في أعداد القادمين الجدد إلى هذا العالم.

إغلاق وانخفاض

قبل أيام، نشرت دورية "التكاثر البشري" التي تصدرها "الجمعية الأوروبية للتكاثر البشري وعلم الأجنة" دراسة عنوانها "أثر الموجة الأولى من جائحة كوفيد-19 على معدلات المواليد في أوروبا". ربطت بين الإغلاق في أثناء انتشار الوباء وانخفاض معدلات المواليد في غالب الدول الأوروبية. وأشارت النتائج إلى أن المعدلات الأوروبية تراجعت بنسبة 14 في المئة في شهر يناير (كانون الثاني) عام 2021 مقارنة بالنسبة نفسها في سنوات سابقة.

اختلفت نسبة التراجع بين دولة أوروبية وأخرى. حتى الدول التي لم تشهد أية إغلاقات مثل السويد شهدت تراجعاً، أو إغلاقات قصيرة ومرنة مثل ليتوانيا ورومانيا شهدتا الانخفاض الأكبر بنسبتي 28 و23 في المئة. إنجلترا وويلز سجلتا انخفاضاً نسبته 13 في المئة، و14 في المئة في اسكتلندا. أما فرنسا وإسبانيا فسجلتا انخفاضاً بنسبة 14 و23 في المئة.

أسباب هذا الانخفاض تعود في غالبها –بحسب آراء القائمين على أمر الصحة الإنجابية في هذه الدول– إلى تخوف الأزواج والشركاء من الإنجاب في وقت تعاني فيه الأنظمة الصحية أصلاً ضعف أو عدم قدرة على مواجهة آثار الوباء، وعدم القدرة على توقع ما قد يحدث بعد أيام أو أسابيع، فما بالك بتسعة أشهر وأثنائها.

حمل وإنجاب بكل نشاط

في تلك الأثناء، كانت عمليات الحمل والإنجاب تجري بكل همة ونشاط وثقة وذلك لأسباب مختلفة يتراوح غالبها بين تقارب الأزواج وتمضية الوقت الطويل معاً، مع هامش معتبر من القدرية حيث "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا" إضافة إلى أن "العيل يأتي إلى الدنيا برزقه"، وشح أدوات تنظيم الأسرة وانشغال الطواقم الطبية والصحية في مقتضيات طارئ كورونا، وأخيراً تعرض نساء وفتيات لعلاقات جنسية إجبارية وغير محسوبة.

الحسابات المنطقية تشير إلى أن الإغلاق أثناء الأزمات ووجود الفتيات لوقت أطول مع رجال وشباب في ظروف غير آمنة يؤديان إلى انخراط في سلوك جنسي محفوف بالأخطار. تقرير أعدته منظمة "وورلد فيجين" الخيرية (مقرها بريطانيا) تحت عنوان "صدمات ما بعد كوفيد-19: الحمل في المراهقة يمنع ملايين الفتيات في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من العودة إلى المدرسة" (2020)، رصد خطورة تعرض ملايين الفتيات في دول أفريقية عدة إلى التعرض للعنف والاستغلال الجنسي والانخراط في علاقات جنسية إما محفوفة بالأخطار أو رغماً عنهن، إضافة إلى مشكلة نقص ثقافة الصحة الجنسية والإنجابية من الأصل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتوقع التقرير أن يؤدي إغلاق المدارس أثناء الوباء إلى زيادة حمل المراهقات في تلك المنطقة بنحو 65 في المئة، كما قدر عدد المراهقات الحوامل أثناء فترة الإغلاق المرتبطة بالوباء بنحو مليون فتاة لن يسمح لهن بالعودة إلى صفوف الدرس بعد فتح المدارس، وذلك لوجود لوائح تمنع الطالبات الحوامل من الذهاب للمدارس بعديد من بلدان تلك المنطقة.

ما حدث في تلك المنطقة بأفريقيا لا يختلف كثيراً عما جرى في دول عربية عدة بفعل سياسات الإغلاق أثناء الوباء، لكن تحت تسميات مختلفة للعلاقة الجنسية التي ينجم عنها حمل ومواليد.

حمل بتسميات مختلفة

في لبنان، أشارت دراسة عنوانها "العوامل المتعلقة بحالات الحمل والحمل غير المرغوب بين النساء اللبنانيات أثناء إغلاق كوفيد-19" (2022)، إلى أن الإغلاق يمثل أحياناً تحديات ونقاط ضعف لا سيما في ما يتعلق بالصحة الجنسية والعلاقات بين الزوجين، وهو ما يؤثر بشكل أكبر وأعمق في النساء، هذا التأثير يعود إلى ضعف الأنظمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي بدورها تزيد من حدة الآثار الوبائية.

وأشارت الدراسة إلى أنه أثناء الإغلاق كانت هناك تناقضات كبيرة في الرغبة الجنسية لدى الأزواج في العالم. استخدم البعض الجنس كوسيلة للتكيف والحفاظ على قدر من التواصل وتخفيض حدة القلق. في الوقت نفسه، فقد آخرون الرغبة الجنسية تماماً بسبب الآثار النفسية للإغلاق.

كما وجد أن الإغلاق وتقلص مساحة التواصل مع العالم الخارجي أديا إلى إثارة جميع أنواع العنف، لا سيما العنف ضد المرأة، وهو الظاهرة التي اجتاحت عديداً من دول العالم منذ بداية الوباء، وذلك في ضوء ارتباط العنف في المنزل ارتباطاً وثيقاً بالشريك الذكر وفق دراسات عديدة حول الكوارث الطبيعية السابقة وأثرها في زيادة نسب العنف وأنماطه.

تعويض الخسارة بالجنس

وتؤكد الدراسة أن فقدان أو تأثر الدخل سلباً كثيراً ما يدفع الشركاء الذكور والأزواج إلى الشعور بأنهم فقدوا السيطرة الاقتصادية والمعيشية. وقد يلجأ بعضهم إلى الإقبال الزائد على العلاقة الجنسية لعمل توازن نفسي تجاه شعورهم بالضعف وعدم القدرة على السيطرة على الوضع الاقتصادي للأسرة، وهو ما يؤدي في نهاية الأمر إلى ارتفاع احتمالات حدوث الحمل غير المرغوب فيه.

وإذا أضيف إلى ذلك انخفاض وسائل منع الحمل في حالات الكوارث والأزمات الكبرى تكون الصورة أكثر وضوحاً في شأن ارتفاع نسبة الحمل والمواليد في المجتمعات التي تسود وتنتشر فيها هذه الأنماط من العلاقات من دون حماية اجتماعية مناسبة، أو في الثقافات التي تعتبر العلاقة بين الأزواج والزوجات والمشكلات التي تنشأ بينهم بما فيها التعرض للعنف، وبالطبع ممارسة الجنس، أمراً شخصياً بحتاً، وربما أمراً يتعلق بالزوج وحده يحدده ويقرره ويدلو فيه بدلوه بغض النظر عن أية اعتبارات أخرى.

مفهوم العلاقة الجنسية

اعتبارات عديدة تؤخذ في الحسبان لدى مراجعة زيادة المواليد أثناء الوباء أو انخفاضها. منظومة العلاقة بين الأزواج أو الشركاء ومفهوم العلاقة الجنسية بينهم، وفكرة الإنجاب وهل يجري التخطيط لها ولفترة الحمل أم تترك الأمور للعلي القدير كلية، ومكانة الرعاية الصحية التي تحظى بها المرأة أثناء فترة الحمل وعملية الولادة وما بعدها وصحة المولود وهل تؤخذ مأخذ الجد والأولوية أم إنها مسائل ثانوية هامشية، كل ذلك يلعب أدواراً في انخفاض المواليد أثناء إغلاق الوباء أو زيادة أعدادهم.

أعداد المواليد انخفضت في الدول المتقدمة وزادت في الدول النامية أثناء الإغلاق. بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأميركية شهدت انخفاضاً في أشهر الإغلاق يتراوح بين 300 و500 ألف مولود، كما شهدت إيطاليا انخفاضاً بنحو 400 ألف مولود أقل مما كان متوقعاً في الظروف الطبيعية، بحسب ما قال مدير صندوق الأمم المتحدة للسكان في المنطقة العربية السابق لؤي شبانة في تصريحات صحافية أثناء فترة الإغلاق.

وأشار شبانة إلى قرار عديد من الأزواج في الدول المتقدمة تأجيل الإنجاب لما بعد انتهاء الوباء، وذلك تحسباً لتضرر الخدمات الصحية المقدمة في فترة الحمل والولادة وما بعدها. أما الدول النامية فالوضع كان مختلفاً تماماً، إذ تراجعت قدرة النساء أثناء الإغلاق على الوصول إلى وحدات وخدمات تنظيم الأسرة فزادت الخصوبة والمواليد.

العرب مختلفون

وقال شبانة إن الوضع مختلف في المنطقة العربية، فعلى الرغم من أن الإقليم صغير في المساحة، فإنه عامر بالتغيرات والاختلافات الاجتماعية والاقتصادية. وعديد من الدول العربية شهد زيادة في معدلات المواليد مثل اليمن والصومال وجيبوتي والعراق، كما شهدت دول عدة زيادة في معدلات العنف ضد النساء وتزويج الأطفال الإناث وتشويه الأعضاء التناسلية لهن والمعروف بـ"الختان".

الطريف أن موجات البحث العنكبوتي عن أثر تلقي اللقاحات المضادة لـ"كوفيد-19" على خصوبة كل من الرجال والنساء كانت تجري على قدم وساق عربياً، بل ذهب البعض إلى التحقق من إشاعات مفادها أن اللقاحات الموجودة في الدول الإسلامية، ولا سيما العربية تحوي مادة من شأنها أن تؤثر سلباً في الخصوبة، وذلك ضمن مؤامرة كبرى لخفض أعداد المسلمين والعرب في الدول النامية.

لكن ما حدث هو أن الوباء وإغلاقاته أديا إلى زيادة مواليد الدول النامية، لا سيما العربية، في حين انخفضت أعداد القادمين الجدد في الدول المتقدمة. والمفارقة هي أنه على رغم عودة معدلات المواليد الطبيعية في غالب الدول المتقدمة بعد انتهاء إجراءات الوباء الاستثنائية، فإن المؤشرات تؤكد أن "الخسارة" في معدلات المواليد أثناء إغلاق الوباء لن يتم تعويضها بسهولة، وذلك عكس عديد من الدول العربية التي لم تسمح بالخسارة من الأصل.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات