إقامة النصب التذكارية ظهرت في بعض الدول العربية خلال فترة الاحتلال الأجنبي لها، لكن ذلك بدأ في التوسع بعد حصول تلك الدول على استقلالها.
ويتفاوت وجود النصب التذكارية في الدول العربية، فمنها تشهد انتشاراً واسعاً لتلك النصب، في حين أننا نلحظ غياباً لتلك التماثيل في دول أخرى، وبعضها بدأ بإقامتها خلال السنوات الأخيرة بهدف تخليد ذكرى شخص أو معركة أو تضحيات جيوش تلك الدول أو تعبيراً عن عراقة تاريخها.
ولم تسلم النصب التذكارية من الصراعات السياسية التي يشهدها العالم العربي، فبعضها تعرض إلى الإزالة وتم تدمير البعض الآخر أو نقله.
نصب سوريا
وفي العاصمة السورية دمشق أقيم نصب ساحة المرجة عام 1907 بتكليف من الدولة العثمانية، وذلك بعد فتح خط سكك حديد الحجاز المنطلق من دمشق إلى مكة والمدينة المنورة.
وهو عبارة عن عمود مرتفع ضخم مزخرف بطريقة معبرة، وقاعدته من حجر البازلت الأسود وفي أعلاه مجسم لجامع سراي في إسطنبول، وتلتف حوله أربع لوحات رخامية مكتوبة بخط النسخ.
وحول العمود أسلاك ترمز للاتصال البرقي بين دمشق والمدينة المنورة، وإلى دعم لعمليات مد سكك الحديد للخط الحديدي.
نصب يوسف العظمة الذي شيد عام 1938 بتمويل من المغتربين السوريين في البرازيل، يعتبر أحد أشهر النصب التذكارية في دمشق، إذ يظهر فيها وزير الحربية السوري شاهراً سيفه وسط العاصمة دمشق.
لكن الاشتباكات التي وقت عام 2012 تسببت في تدميره فاستبدل بتمثال آخر للعظمة غامداً سيفه.
كما يتوسط دمشق نصب السيف الدمشقي في ساحة الأمويين، الذي أقيم عام 1958، ويعد من أكبر واجهات الزجاج المعشق في العالم.
وهو يرمز إلى أمجاد تاريخ سوريا وشموخها اللذين يربطان ماضيها العريق بإنجازات حاضرها.
وفي لبنان، أقيم في الذكرى الـ75 لاستقلال البلاد النصب التذكاري للاستقلال في ساحة وزارة الدفاع الوطني في العاصمة بيروت.
ويرمز النصب إلى الصلابة، التي تجسدها يد عسكري تقبض بقوة على عصا العلم اللبناني، والاتحاد مع الأرز الخالد رمز قوة لبنان ومناعته.
تكثر النصب في العراق
وتنتشر النصب التذكارية في العراق بكثرة، ويعتبر نصب الحرية أقدمها، الذي أسس عام 1958 وهو عبارة عن سجل مصور صاغه الفنان العراقي جواد سليم عن طريق الرموز.
ويحتوي النصب على 14 قطعة من البرونز في إشارة إلى ثورة الـ14 يوليو (تموز) عام 1958، ويتضمن الفنون والنقوش البابلية والآشورية والسومرية القديمة، إضافة إلى رواية ثورة 14 يوليو 1958.
ويظهر في وسط نصب الحرية جندي يكسر قضبان السجن تعبيراً عن القوة والإصرار.
وفي عام 1971، افتتح نصب "كهرمانة" في شارع السعدون، وهو يجسد مشهداً من أسطورة "علي بابا والأربعون" لصاً المأخوذة من كاتب "ألف ليلة وليلة".
كما يوجد في بغداد "نصب الشهيد" الذي بني عام 1983، تخليداً لذكرى الجنود العراقيين الذين قتلوا في الحرب العراقية- الإيرانية.
ويتكون النصب من القبة، والراية التي تمثل الضحية العراقي، والينبوع الذي يمثل ديمومة التضحية.
وإلى جانب هذين النصبين هناك "قوس النصر" في ساحة الاحتفالات الكبرى في بغداد وهو عبارة عن سيفين ضخمين متقابلين تمسكهما يدان، وتحتهما خمسة آلاف خوذة لجنود إيرانيين.
وأقيم النصب أثناء الحرب العراقية- الإيرانية، ورمم عام 2011، وذلك بعد محاولة الحكومة العراقية إزالته.
ومن المعالم التاريخية في العراق، نصب "إنقاذ الثقافة العراقية" أقيم في حي المنصور في بغداد، وهو عبارة عن عمود أسطواني من الحجر مكسور وآيل إلى السقوط إلى جانب مجموعة من الأيادي المحيطة به تعبيراً عن محاولتها دعمه.
الأردن وفلسطين
وفي الأردن، وتخليداً لمعركة الكرامة مع إسرائيل في مارس (آذار) من عام 1968، أقيم نصب تذكاري لضحايا المعركة عام 1976 في الشونة الجنوبية.
ويتألف النصب من تمثال برونزي يمثل الجندي العربي في حالة الاستعداد الكامل، موجهاً نظره نحو فلسطين ونقشت عليه أسماء ضحايا معركة الكرامة.
أما في فلسطين فيعتبر النصب التذكاري لقبر الجندي وسط مدينة غزة من النصب القليلة في الأراضي الفلسطينية.
وأقيم عام 1957 ودمره الجيش الإسرائيلي عند احتلاله للمدينة عام 1967، قبل أن تعيد السلطة الفلسطينية بناءه عام 2000.
ويتكون من قاعدة خرسانية بارتفاع مترين، يعلوها تمثال لجندي يرتدي بزة عسكرية ويحمل سلاحاً في يده اليمنى، في حين يشير بإصبع السبابة من يده اليسرى باتجاه القدس.
وفي مصر أقيم عام 1975 نصب "الجندي المجهول" بمدينة نصر في القاهرة، بطلب من الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، تخليداً للمصريين الذين فقدوا أرواحهم في حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973.
وبني النصب على شكل الهرم رمزاً لفكرة الخلود في حضارة المصريين القدماء على ارتفاع 33 متراً وعرض 13 متراً عند قاعدته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ودفن في النصب جثمان السادات إثر اغتياله في الموقع نفسه في السادس من أكتوبر 1981.
أما في ليبيا، فيوجد في عاصمتها طرابلس الغرب تمثال "الفارس" ويقع في "ميدان الشهداء"، ويعود إنشاؤه إلى عهد الاحتلال الإيطالي لليبيا.
ويقابله عمود آخر يحمل تمثال السفن كرمز لأهمية طرابلس الجغرافية على مستوى حوض البحر الأبيض المتوسط.
وفي تونس أقيم عام 1982 النصب التذكاري لـ"الجندي المجهول" في السيجومي تخليداً لضحايا "الحركة الوطنية التونسية".
ويقام عند النصب الاحتفال السنوي لذكرى الذين سقطوا، ويشكل إحدى محطات زيارات الزعماء الأجانب في تونس، وتجاوره أضرحة زعماء تونسيين أعدم أغلبهم أثناء الثورة المسلحة على الاحتلال الفرنسي بين 1952 و1954.
كما يوجد في العاصمة تونس تمثال الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة، الذي أعاده الرئيس التونسي السباق الباجي قائد السبسي عام 2016 إلى موقعه الأصلي في الشارع الحبيب بورقيبة، بعد إزالته من قبل الرئيس التونسي الأسبق زين العادين بن علي.
وفي ساحة الحبيب بورقيبة يقف أيضاً النصب التذكاري للمؤرخ ابن خلدون، رافعاً رأسه وبين يديه كتاب، وتم نحته عام 1978.
نصب الخليج التذكارية
وفي الجزائر، أقيم عام 1982 النصب التذكاري لضحايا الاستقلال على هضبة تشرف على العاصمة الجزائر بارتفاع يصل إلى 92 متراً.
وبني النصب على شكل ثلاث أوراق نخيل تتحد في منتصف الارتفاع، وعند بداية كل ورقة يوجد تمثال يرمز إلى إحدى حقبات حرب التحرير الثلاث.
ويحتوي النصب على المتحف الوطني للاستقلال، ويقع بالقرب من حديقة التجارب العلمية العامة ومتحف الفنون.
والعام الحالي، دشن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون نصباً تذكارياً يضم لائحة طويلة بأسماء "أصدقاء ثورة الجزائر"، من الشخصيات العامة والمثقفين والمناضلين الذين أسهموا مادياً أو سياسياً في الانتفاضة و"إسناداً لنضالات الشعب الجزائري".
وفي المغرب، يندر وجود نصب تذكارية في المملكة، عدا ضريح السلطان محمد الخامس في العاصمة الرباط، الذي أقيم تقديراً لجهوده في تحقيق الاستقلال وبناء المملكة المغربية الحديثة.
وفي اليمن يشكل صرح "الجندي المجهول" أبرز النصب التذكارية في البلاد، ويتوسط ميدان السبعين في العاصمة صنعاء.
ويخلد النصب الذي وضع حجر أساسه عام 1982 أرواح الضحايا، ويرمز لثورة 26 سبتمبر (أيلول) 1962.
وفي مارس (آذار)، تعرض نصب تذكاري تركي للهدم في صنعاء على يد الحوثيين، بعد 13 سنة على إقامته تخليداً للجنود الأتراك الذين قضوا في اليمن إبان الوجود العثماني.
ومع أن حسين العزي أحد قيادات الحوثيين اعتبر أن الهدم "عمل فردي"، إلا أنه دعا إلى "عدم الاستياء" من هدم النصب، "لأنه يذكر بالجانب السلبي من تاريخ الشعبين، وهو جانب الدم والحروب والأوجاع الكبيرة".
وأشار العزي إلى أن النصب التركي "يستفز مشاعر الأسر اليمنية التي ضحت من أجل بلدها في تلك الحقبة من التاريخ".
هذا وبدأت دول الخليج العربي خلال السنوات الماضية بإقامة النصب التذكارية.
ففي دولة الإمارات العربية المتحدة، أقيم عام 2016 بالعاصمة أبو ظبي نصب "واحة الكرامة" لتخليد ضحايا دولة الإمارات الذين قدموا أرواحهم في خدمة البلاد منذ عام 1971.
ويقع النصب التذكاري على مساحة 46 ألف متر مربع مقابل مسجد الشيخ زايد الكبير.
ويتكون النصب من 31 لوحاً ضخماً من الألومينيوم يستند كل منها على الآخر في إشارة إلى الوحدة والتضامن.
وفي البحرين، شيد أكبر نصب تذكاري مرسوم في العالم بتنفيذ عدد من فناني جمعية الإسكافي لتجميل البحرين.
وتعكس كل واجهة من واجهات النصب الأربع حقبة زمنية مرت على تاريخ البحرين جسدوا خلالها الشواهد التي مرت على البلاد.