Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونس تسعى لوقف "تسونامي" الواردات

الحكومة تعزز الإجراءات الحمائية للحد من استيرد البضائع الكمالية وتبحث اختلال التوازن التجاري مع تركيا

غلاء الأسعار يجبر التونسيين على تقليص الاستهلاك (اندبندنت عربية)

بلغ العجز التجاري لتونس خلال الأشهر التسعة الأولى من 2022 نحو 19 مليار دينار (5.9 مليار دولار)، ومن المتوقع أن يصل إلى مستوى 22 مليار دينار مع أواخر العام الحالي، بمعدل واردات بقيمة 1500 مليون دينار (نحو 500 مليون دولار) شهرياً.

وبات الوضع الاقتصادي مقلقاً ومحرجاً جداً لتونس، التي شهدت عديداً من الصعوبات المالية، وتعمقت أكثر مع اندلاع النزاع الروسي- الأوكراني منذ فبراير (شباط) من هذا العام، ما أدى إلى انتفاخ كبير بفاتورة الاستيراد، وخصوصاً المواد الطاقية والغذائية التي أدخلت البلاد في دوامة مع تواضع أداء الصادرات وتراجع إنتاج أهم رافعات الاقتصاد، لا سيما الفوسفات وتراجع العائدات السياحية.

وبحسب معطيات إحصائية من وزارة التجارة التونسية تمثل واردات الطاقة نحو 32 في المئة من العجز التجاري، بينما تسهم واردات مواد التجهيز بـ16 في المئة، والمواد الغذائية بـ12 في المئة، وواردات الاستهلاك بـ5 في المئة.

وأمام خطورة الوضع واختلال الميزان التجاري الآخذ في الازدياد بما قد يؤثر على احتياطي تونس من العملة الصعبة وتعطل جهاز التصدير وتواصل الصراع السياسي الحاصل واستعداد البلاد إلى تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2022، تصاعدت الدعوات بوجوب ترشيد الواردات والاستغناء عن استيراد بعض الكماليات والمنتجات غير الضرورية والإبقاء على استيراد المواد الأساسية على غرار الحبوب والمحروقات والأدوية والمواد نصف المصنعة لغرض الاستثمار.

تدخل الرئيس

الأمر استوجب تدخل الرئيس التونسي قيس سعيد، الذي أكد الأسبوع الماضي خلال اجتماعه برئيسة الحكومة نجلاء بودن ضرورة تقليل استيراد المواد الكمالية للحد من اختلال الميزان التجاري مع عدد من البلدان التي تضر بالمالية العمومية ولا تنتفع بها إلا الجهات المصدرة.

تدخل سعيد يعكس مدى المنعرج الذي دخلت فيه تونس بارتفاع مفزع لحجم الواردات في ظل الصعوبات الاقتصادية والضغط من المواطنين بضرورة توفير المنتجات الأساسية التي أضحت تنفد في ظرف فترة زمنية وجيزة.

وتشهد البلاد خلال هذه الأيام اضطراباً لافتاً في توفر المواد البترولية إثر تعطل إبرام صفقات مع مزودين عالميين بسبب الصعوبات المالية.

إجراءات جديدة

وأعلنت المديرة العامة للتجارة الخارجية بوزارة التجارة التونسية درة البرجي أنه تم اعتماد إجراءات تنظيمية وفنية للحد من واردات بعض المنتجات الكمالية، مثل اشتراط تسجيل المصدرين الأجانب قبل القيام بالتصدير لتونس مع اشتراط تقديم شهادات الجودة والسلامة والصحة المهنية صادرة عن جهات معتمدة ومعترف بها دولياً للحد من واردات السلع الرديئة وغير المطابقة للمواصفات واشتراط التزود مباشرة من المصنع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكشفت البرجي، لـ"اندبندنت عربية" أنه تم اعتماد نظام مراقبة مسبقة على عمليات استيراد منتجات استهلاكية وقع ضبطها بقائمات مختلفة.

كما سيتم اشتراط مراجعة القيمة المرجعية عند الاستيراد على مجموعة من المواد الاستهلاكية مع التشدد عند التثبت في شهادات المنشأ من المناطق التفاضلية.

وتقرر وفق مشروع قرار مشترك بين ثلاث وزارات (الصناعة والتجارة والزراعة) اطلعت عليه "اندبندنت عربية"، فرض هذه الإجراءات الجديدة للحد من الواردات حرصاً على ضمان جودة المنتجات الموردة وحفاظاً على سلامة المستهلك، إذ سيتم فرض استيراد هذه المنتجات بصفة مباشرة من المصنع المنتج لها ببلد التصدير.

استهداف سلسلة من المنتجات

كما يتطلب الأمر فتح سندات تجارة خارجية لاستيراد المنتجات، وفق هذا القرار المشترك، منها "استظهار المورد بفاتورة تحمل تأشير المصالح المتخصصة للهياكل العمومية التالية: وزارة التجارة وتنمية الصادرات ووزارة الصناعة والمناجم والطاقة والهيئة الوطنية للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية".

ومن بين هذه المواد المعنية بالقرار الجديد العطورات ومياه التجميل ومستحضرات الشعر والصابون والمواد العضوية النشطة وأواني المائدة من الخزف الصيني ومعجون الأسنان ومستحضرات العناية بالفم والأسنان وغيرها.

وتستثنى من أحكام هذا القرار جملة من العمليات ضبطها البلاغ منها واردات الدولة والمؤسسات والمنشآت العمومية والجماعات العمومية المحلية والواردات من المواد الأولية والمواد نصف المصنعة لفائدة القطاع الصناعي والخدمات ذات الصلة وقطاع الصناعات التقليدية، إلى جانب المواد الأولية ونصف المصنعة والتجهيزات وقطع الغيار الموردة من قبل الصناعيين واللازمة لنشاطهم.

ظرف اقتصادي صعب

وأوضحت البرجي أن الظرف العالمي الصعب انعكس على الواقع المحلي، حيث كان للنزاع الأوكراني- الروسي عديد التأثيرات على الاقتصاد التونسي، خصوصاً على مستوى المبادلات التجارية ووضعية الميزان التجاري وعلى تزويد السوق المحلية بالمواد الأساسية.

وأضافت أن الانعكاسات السلبية تمثلت أساساً في "تفاقم العجز التجاري نتيجة عجز ميزان الطاقة وارتفاع أسعار المحروقات بالسوق العالمية، وهو ما انعكس بدوره على المالية العمومية بسبب ارتفاع كلفة استيراد منتجات الطاقة وكلفة دعم المحروقات في تونس".

كما ارتفعت تكلفة استيراد الحبوب بالنظر إلى عدم استقرار الأسعار العالمية لهذه المادة مع صعوبة التزود باعتبار أن الدولتين طرفي النزاع تعتبران أهم مزودين لتونس، حيث توفر كل من روسيا وأوكرانيا نحو نصف واردات البلاد من الحبوب و20 في المئة من الواردات من الزيوت النباتية.

نتائج محدودة

وبحسب البرجي، اعتمدت تونس في السنوات الأخيرة حزمة من الإجراءات لترشيد التوريد منذ بداية تفاقم العجز التجاري، ومنها مراجعة التعاليم الديوانية الموظفة على المنتجات الاستهلاكية والكمالية والمنتجات التي لها مثيل مصنوع محلياً.

غير أن النتائج التي تم تحقيقها بقيت محدودة بالنظر إلى محدودية مساهمة واردات المنتجات الاستهلاكية في العجز التجاري الحاصل، الذي يعود بالأساس إلى ارتفاع عجز ميزان الطاقة، إضافة إلى تزامن الإجراءات التي تم تفعيلها مع تدهور سعر صرف الدينار التونسي مقابل العملات الأجنبية، وهو ما أسهم في تنامي واردات المواد الاستهلاكية بالأسعار الجارية في حين أنه تم استيراد الكميات نفسها أو أقل في بعض الأحيان.

 

ولقد تم في قانون المالية لسنة 2022 اتخاذ إجراءات لترشيد الاستيراد، لكن المسؤولة أقرت أن الإجراءات المتخذة لم تعط النتائج المنتظرة منها لتظل الأوضاع على حالها، فقد تم من خلال الفصل 57 من قانون المالية لسنة 2022 مراجعة التعليمات الديوانية الموظفة على المنتجات الاستهلاكية والمنتجات التي لها مثيل مصنوع محلياً، غير "أن التعليمات الجديدة تنطبق فقط على الواردات من الدول التي لا تجمعها مع تونس اتفاقيات تبادل حر، أما الواردات في إطار الاتفاقيات تبقى خاضعة للمتفق عليه، وهو ما يؤدي إلى محدودية تأثير هذا الترفيع، بخاصة أن أكثر من 60 في المئة من حجم المبادلات تتم مع الدول التي تجمعنا معها اتفاقيات تفاضلية" توضح درة البرجي.

وعما إذا سيتضمن مشروع قانون المالية للعام المقبل إجراءات أخرى لوقف نزيف عجز الميزان التجاري بينت المديرة العامة للتجارة الخارجية، أن الإجراءات التي يتم تضمينها بقانون المالية تكون إجراءات تعريفية، بينما الإجراءات المزمع الشروع فيها هي إجراءات فنية وتنظيمية لا تتطلب تضمينها في قانون المالية.

اختلال التوازن مع تركيا

وعن تقدم المفاوضات بين تونس وتركيا من أجل تعديل الاتفاق التجاري في ظل توسع العجز لفائدة تركيا، قالت المسؤولة إنه "في إطار محور استراتيجية تنمية الصادرات هناك عملية تقييم تقوم الوزارة بها لجميع اتفاقيات التبادل الحر لمعرفة تأثيرها على الاقتصاد التونسي، ومن بينها اتفاقية التبادل الحر مع تركيا، خصوصاً في ظل وجود عجز تجاري مع هذا البلد بسبب اختلال المبادلات".

 على هذا الأساس تم عقد اجتماع على مستوى الخبراء من البلدين لمناقشة عديد المسائل التي تهم العلاقات التجارية ومن أهمها اختلال توازن الميزان التجاري بين البلدين لصالح تركيا وذلك منذ دخول الاتفاقية حيز النفاذ وذلك على الرغم من تفعيل الفصل 17 من اتفاقية التبادل الحر بين تونس وتركيا، الذي مكننا من التشديد في التعليمات الديوانية على مجموعة من المنتجات الاستهلاكية ذات المنشأ التركي (القائمة 2 الملحقة بالاتفاق)، حيث لم يشمل هذا الإجراء سوى 20 في المئة من مجمل واردات المنتجات الاستهلاكية.

وتعالت أصوات عديد من الخبراء والسياسيين بوجوب مراجعة الاتفاقية التجارية بين تونس وتركيا، نظراً إلى كونها أثرت بشكل كبير على اختلال الميزان التجاري لتونس، وخصوصاً توريد العديد من المنتجات التي يعتبرها المتخصصون غير ضرورية وأضرت بالنسيج الصناعي التونسي وإهدار العملة الصعبة.

يذكر أن بداية العلاقات التجارية التونسية التركية تعود إلى تاريخ 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 2004 عندما وقع البلدان اتفاقية التجارة الحرة.

وبحلول سنة 2005، أصبحت جميع المنتجات الصناعية معفاة بالكامل من الرسوم الجمركية، كما نصت الاتفاقية على أن عدداً من المنتجات الفلاحية معفاة إلى حدود سقف معين مثلاً بالنسبة للتمور التونسية معفاة إلى حدود خمسة آلاف طن

ونصت أيضاً اتفاقية التبادل التجاري الحر على أنه يمكن لكل طرف الترفيع تدريجياً في المعاليم الجمركية لتعديل الميزان التجاري وحماية اقتصاده وبعض الصناعات المحلية والمنتجات الوطنية وفعلياً ومنذ عام 2006 بدأت المبادلات التجارية التونسية التركية في مجالات محدودة.

وتطور واردات تونس من تركيا من 1544 مليون دينار (482.5 مليون دولار) سنة 2015 إلى 3562 مليون دينار (1113 مليون دولار) في أغسطس (آب) من 2022، بينما زادت صادرات تونس باتجاه تركيا من 206 ملايين دينار (64.3 مليون دولار) سنة 2015 إلى 501 مليون دينار (156.2 مليون دولار) في أغسطس من هذه السنة، بحسب بيانات إحصائية من وزارة التجارة التونسية.

اقرأ المزيد