Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"البيزوطاج" في المغرب... طقوس عسكرية تحولت إلى ممارسات جامعية

أصبحت تتسم بالغرابة أو العنف والإساءة والتجاوزات الأخلاقية

ممارسات "البيزوطاج" في إحدى الجامعات الفرنسية (أ ف ب)

تراجعت بشكل لافت طقوس واحتفالات استقبال الطلبة القدامى لأولئك الجدد في عديد من المعاهد والمدارس العليا في المغرب، والتي تعرف باسم "البيزوطاج" (Bizutage)، مع بداية بدء العام الدراسي الجامعي الجديد في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي.

وفي الوقت الذي شهدت فيه بعض المؤسسات الجامعية الخاصة، من معاهد ومدارس عليا، احتفالات استقبال الطلبة القدامى لزملائهم الجدد في "الحدود المقبولة"، منعت معاهد جامعية أخرى بشكل صارم أية ممارسات أو احتفالات تدخل في إطار "البيزوطاج".

انحراف الاحتفالات

مصطلح كلمة "البيزوطاج" في الأساس له معنى عسكري يعود إلى عالم الجندية، إذ كان الجنود القدامى يستقبلون نظراءهم الجدد باحتفالات غير اعتيادية، من أجل إدماجهم نفسياً في "أجواء الجندية" المتسمة بصعوبتها وصرامتها ومتطلباتها البدنية.

وبمرور الوقت "انحرف" مسار احتفالات "البيزوطاج" لتتحول إلى ممارسات تتسم بالغرابة أو العنف والإساءة والتجاوزات الأخلاقية، الشيء الذي دفع عدداً من الأصوات إلى المطالبة بمنعها أو على الأقل مراقبتها في الفضاءات الدراسية العليا.

وفي سنوات سابقة، كان الطلبة الجدد يستقبلون من قبل القدامى إما بتلقي الصفعات، أو بالركض خلفهم لرشقهم بالطماطم، أو البيض، أو الماء، أو إرغام الطلبة الذكور على ارتداء ملابس نسائية، وغيرها من الممارسات.

وخفت وهج احتفالات "البيزوطاج" في المدارس والمعاهد العليا والجامعات الخاصة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، في الوقت الذي ما زالت مؤسسات تعليمية جامعية تحتفظ بهذه الممارسات ضمن الشروط والحدود المقبولة.

أسباب الانحسار

وفي هذا الصدد، يقول المسؤول الإداري والتربوي في أحد المعاهد العليا بالعاصمة الرباط محمد بنعشي إن تراجع أنشطة "البيزوطاج" في كثير من المؤسسات الجامعية عند بداية كل عام جامعي يعود إلى سببين رئيسين.

الأول، وفق المتحدث ذاته، يتمثل في تداعيات جائحة كورونا، بالنظر إلى أنه خلال سنتين متتاليتين، لم يكن مسموحاً للطلبة إقامة اجتماعات ولقاءات أو احتفالات، نزولاً عند الشروط والاحترازات الصحية الوقائية خشية عدوى الوباء.

أما السبب الثاني فهو بناءً على تعليمات وجهها وزير التعليم المغربي شكيب بن موسى في السنة الدراسية الجامعية الماضية إلى مديري المعاهد والمدارس العليا بحظر أنشطة واحتفالات "البيزوطاج".

وتابع المصدر عينه بأن هذا المنع الحكومي الرسمي كان له أثر واضح في السنة الدراسية التي تلت "المذكرة الوزارية"، إذ انخفضت ممارسات "البيزوطاج" في كثير من المعاهد العليا.

وتابع أنه على رغم هذا المنع فإن عدداً من الطلبة القدامى في بعض المدارس العليا يحرصون على إقامة احتفالات للطلبة الجدد ضمن القوانين و"الكرامة الإنسانية"، بدعوى تسهيل إدماجهم في الحياة الجامعية الجديدة عنهم، بانتقالهم من أجواء الثانوية إلى فضاء التعليم العالي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان وزير التعليم المغربي قد أوصى في "مذكرة رسمية" بمنع هذه الاحتفالات بالكامل، جراء "الأضرار الجسدية والنفسية التي قد تخلفها على بعض المتعلمات والمتعلمين"، واصفاً إياها بكونها "ممارسات غير تربوية".

مؤيدو "البيزوطاج"

وتتوزع المواقف حيال احتفالات "البيزوطاج" بين مرحب ومؤيد لهذه الطقوس، بدعوى أنها تيسر اندماج الطالب الجديد في المعهد أو الجامعة، وبين رافض ومنتقد لأن هذا "البيزوطاج" تحول إلى "ممارسات سادية" بين الطلبة.

وفي جانب المؤيدين لاحتفالات "البيزوطاج"، يقول سعد جبار، طالب متخرج في معهد الزراعة في العاصمة الرباط، إنه شارك في كثير من "احتفالات (بيزوطاج) لم تتجاوز اللياقة، باستثناء بعض التصرفات الطائشة هنا أو هناك"، وفق تعبيره.

وأردف الطالب ذاته بأنه "لا يمكن إلصاق تهم الفوضى وممارسة العنف والسلوكات غير الأخلاقية إلى (البيزوطاج) أو إلى جميع الطلبة القدامى في أي معهد أو مدرسة عليا كانت، لأن من يقومون بذلك إنما هم قلة قليلة من الطلبة، فيتم إلصاق هذه الممارسات المخلة بالجسم الطلابي الواعي في مجمله".

ويرى الطالب المتخرج أنه يمكن السماح لاحتفالات "البيزوطاج" بشروط وقوانين، على رأسها عدم الإساءة بالطلبة الجدد بدعوى تسريع اندماجهم، مشدداً على أن "الاندماج يمكن أن يكون باحتفالات طلابية شبابية من دون إحداث الفوضى أو التسبب في ترويج اتهامات".

ويؤيد فكرة متابعة طقوس "البيزوطاج" أخصائيون نفسيون، منهم الأخصائي المغربي جواد مبروكي، الذي سبق له التصريح بأن "احتفالات (البيزوطاج) إيجابية للطلبة الجدد شرط أن تتم من دون تجاوزات، وبأنه من الجانب النفسي (البيزوطاج) الذي يحترم كرامة الإنسان، يسهم في إنجاح عملية التحول، سواء من فترة المراهقة إلى النضج أو من مرحلة الثانوي إلى الجامعي".

رافضون لـ"البيزوطاج"

وأما الرافضون لممارسات "البيزوطاج" فيستندون إلى عدد من الأحداث والوقائع المثيرة والمسيئة التي شهدتها فضاءات بعض المعاهد والمدارس العليا، والتي أثارت جدلاً واسعاً في وقتها بلغ حد قرار المنع.

هند العبار، طالبة في مدرسة خاصة عليا في العاصمة الرباط، تعرضت قبل سنتين لممارسات "البيزوطاج"، قالت إن ما حصل شكل لها "صدمة لم تخطر لها على بال"، وما زالت تعاني آثارها النفسية إلى حد الآن، على حد قولها.

وعادت الطالبة هند إلى تلك الواقعة عندما انطلقت الدراسة، وقرر عدد من الطلبة في السنة الثانية بالمؤسسة الجامعية الخاصة، إقامة احتفالات "بيزوطاج" للطلبة الجدد، حيث كان التراشق بالطحين أو القذف بالطماطم وغيرها من الممارسات.

وتابعت "شاهدت عدداً من الطلبة والطالبات أيضاً يتوجهون نحوي من أجل أن يضعوا أحمر الشفاه وأدوات التجميل بطريقة كوميدية على وجهي، فرفضت ذلك، لكن ما كان منهم سوى أن صبوا على جسدي دلو ماء، ثم بدأت الأيادي تلطمني في كل جانب بسبب رفضي الانسياق لـ(البيزوطاج)".

واستغربت الطالبة عينها كيف أن ممارسي "البيزوطاج" يزعمون أنها طقوس من أجل إدماج الطلبة الجدد في "الأجواء الجامعية"، بينما هذه الممارسات مبنية على "البلطجة" والعنف والصراخ و"الإذلال".

وما زال المغاربة يتذكرون قبل ثلاث سنوات مقطع فيديو أثار حينها جدلاً واسعاً بسبب ما حصل لطالبة هندسة تدعى بثينة الفارسي، عندما تحول "البيزوطاج" إلى عنف وعراك، ما أفضى إلى سقوطها مغمى عليها، كما تعرضت لكدمات وجروح.

المزيد من منوعات