Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أطفال وسكان غزة لا ينامون... "الزنانة" الإسرائيلية تحرمهم الراحة

الطائرات المسيرة تحلق بشكل مستمر فوق القطاع وضجيجها يؤرق الفلسطينيين

طائرة مسيرة إسرائيلية تحبق قرب الحدود مع غزة (أ ف ب)

كثيراً ما تسأل بيسان زميلاتها في مدرستها الثانوية شمال مدينة غزة إن تمكنوا من النوم الليلة الماضية مع أزيز الطائرات المسيرة الإسرائيلية، التي لا تغادر سماء قطاع غزة وتؤرق عديداً من سكانه.

على مدى الساعة تحلق الطائرات الإسرائيلية من دون طيار، التي يسميها الغزيون "الزنانة" بسبب الضجيج الذي يحدثه صوتها، والتي يمكن مشاهدتها من أي مكان في القطاع الساحلي الضيق والمكتظ جداً بالسكان.

ومنذ عقد ونصف العقد تفرض إسرائيل حصاراً مشدداً براً وبحراً وجواً على القطاع الذي تبلغ مساحته نحو 360 كيلومتراً مربعاً، ويسكنه 2.3 مليون فلسطيني يشكل اللاجئون نحو ثلثيهم.

"الصداع" قادم

وفي المنزل الصغير الذي تبدو جدرانه متصدعة والذي يبعد أقل من 200 متر عن شاطئ البحر في حي "المرابطين" شمال غزة لم تعد بيسان تتحمل أزيز "الزنانة". كلما اقترب المساء تخفت أصوات أبواق السيارات والباعة المتجولين.

تشير بيسان بيديها إلى "زنانة" في الجو وتقول "أحاول في الليل مراجعة دروسي وامتحاناتي، لا أستطيع القراءة بسبب هذا الضجيج المزعج والمؤرق".

وتضيف "أضطر أحياناً إلى وضع الوسادة على رأسي كي لا أسمع أزيزها". وتتابع "شعور مختلط من الخوف والرعب والصداع".

وتشعر بيسان أن "الزنانة موجودة باستمرار معي في غرفة نومي، لا يغادر بيوتنا القلق والخوف، أحياناً أقول لأمي انظري (الصداع) قادم".

على مدى 24 ساعة

وخلال الحرب بين حركة حماس وإسرائيل في مايو (أيار) 2021، التي استمرت 11 يوماً، حلقت الطائرات المسيرة 6000 ساعة في أجواء القطاع، وفقاً لبيانات الجيش الإسرائيلي.

وفي أغسطس (آب) الماضي اندلعت مواجهة عسكرية دامية بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي استمرت ثلاثة أيام، سجل الجيش خلالها أكثر من ألفي ساعة طيران.

وبعيداً من أوقات الحرب والتصعيد، تحوم المسيرات الإسرائيلية في المتوسط نحو أربعة آلاف ساعة شهرياً فوق القطاع، بحسب الجيش.

وقال قائد قاعدة بالماهيم الإسرائيلية التي تنطلق منها مسيرات، عمري درور "طائراتنا التي يتم التحكم فيها من بعد تجمع المعلومات على مدى 24 ساعة" فوق غزة.

لا نوم ليلاً أو نهاراً

وتقول ريم (42 سنة)، والدة بيسان، بينما تجلس على كرسي وسط غرفة تداعى أحد جدرانها "تعبت من كثرة محاولاتي تهدئة أطفالي الخمسة الذين يخشون أزيز المسيرات". وتضيف "أنا أساساً خائفة مثلهم، كيف أوفر لأولادي الطمأنينة؟". ويبعد منزل العائلة أقل من 200 متر من موقع تابع لكتائب القسام، الجناح العسكري لـ"حماس".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتتابع ريم "الأولاد ينامون بشكل متقطع، نستيقظ، ننام، ثم نستيقظ، وهكذا...".

وما إن يشعر أبو حسن (60 سنة) بأن مسيرة ما تحلق على ارتفاع منخفض فوق حي تل الهوى الذي يقطنه جنوب غربي غزة، حتى يتبادر إلى ذهنه أنها ربما تحضر لهجوم وشيك.

ويقول "الزنانة لعنة، كلما سمعنا صوتها عرفنا أن الحرب أوشكت". ويوضح "أشعر أنها تعيش معنا، لا نوم بالليل ولا بالنهار".

"سجن وعجز"

في عيادتها بمبنى "برنامج غزة للصحة النفسية" تستقبل المتخصصة النفسية إيمان حجو أسبوعياً عشرات الحالات التي تعاني صدمات أو اضطرابات نفسية بسبب الحرب.

وتعبر عن حزنها لأنه "لا توجد دراسات متخصصة بعلاج الآثار النفسية التي يعانيها الأطفال والشباب بسبب الزنانة".

وتقول حجو التي لا تخفي أنها تعاني قلقاً وأرقاً دائمين بسبب المسيرات الإسرائيلية، إن "الزنانة أصبحت جزءاً من حياتنا، هم (الإسرائيليون) يتعمدون ذلك، ضجيج صوتها يبقي الناس في توتر وعصبية وقلق".

وتضيف حجو بشيء من الغضب أن القطاع "سجن محكم من الأرض والبحر، والزنانات أبقت سماء غزة مغلقة بلا أفق ولا أمل". وتتابع "في غزة تشعر بأن تفكيرك وعقلك ومشاعرك كلها في سجن، إنه الشعور بالعجز".

ويقول زميلها الطبيب النفسي سامي عويضة "يحتاج الأطفال إلى الشعور بالأمان للنمو، ولكن مع وجود الزنانة في السماء لا يمكن لهذا الشعور أن يزدهر".

"الزنانة تأكل معي"

وحاول الشاعر الغزاوي مصعب أبو توهه أن يستحضر في مجموعته الشعرية الأخيرة باللغة الإنجليزية "الخطر" المتمثل بالطائرات الإسرائيلية من دون طيار فوق غزة.

وكتب "عندما تستقر ضجة الطائرات من دون طيار على عائلتي وأصدقائي، فإنها تضع حداً للعب والضحك".

ونشر وزير الثقافة في السلطة الفلسطينية عاطف أبو سيف رواية بعنوان "الزنانة تأكل معي"، توثق يوميات حرب 2014 في غزة.

ولا تخفي المتخصصة النفسية حجو، وهي شابة في الـ30 من عمرها، أنها تفكر أحياناً بالهجرة "بحثاً عن حياة مريحة"، لكنها تضيف "عندما تغلق الدنيا في وجهي أتوجه إلى السماء بالصلاة والدعاء، هذا كل ما أملك".

اقرأ المزيد

المزيد من الشرق الأوسط