Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تشكل حرب أوكرانيا عتبة النهاية لـ"الأمم المتحدة"؟

إخفاق المنظمة في ملفات عدة لم يعد جديداً لكن الفشل في احتواء الصراع الحالي سيؤدي إلى كارثة

يشير البعض صراحة إلى إخفاق المنظمة وضرورة إيجاد مخرج ولو بتنظيم دولي جديد (أ ف ب)

ربما لم يكن الانعقاد السنوى للدورة العادية لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة محل جدل وتساؤلات مثلما هي الحال هذا العام أكثر من أي عام سابق منذ انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفياتي. والملاحظ أن هذه التساؤلات كانت عنوان كثير من اللقاءات والندوات الفكرية والإعلامية أخيراً، فضلاً عن مداخلات كثير من الساسة والدبلوماسيين. وفي الحقيقة فإن هذا النقاش ملتبس بشدة ويغفل كثيراً من الحقائق والخلفيات حول هذه القضية.

معضلة مزمنة

عولت البشرية كثيراً منذ إنشاء الأمم المتحدة على أن تشكل هذه المنظمة الدولية ما يشبه إطاراً ومحفلاً عالمياً لضبط السلم والأمن الدوليين والوصول بالمجتمع الدولي إلى عالم أكثر عدالة وأقل خطراً، وألا تتكرر الحروب العالمية التي اعتبرت أكبر كوارث التاريخ البشري لما سببته من خسائر غير مسبوقة في الأرواح لم يعرفها العالم من قبل بسبب تقدم أسلحة الدمار وامتدادها بشكل غير مسبوق للمدنيين في دول العالم وليس فقط أطراف المعسكرات المتحاربة، بل إنها امتدت أيضاً إلى مستعمرات سابقة للدول الأوروبية التي أساءت استخدام أراضيها وشعوبها واقتصاداتها لخدمة أهداف الحربين العالميتين.

ومن ثم ارتبط إنشاء المنظومة الأممية بكثير من الأحلام والتطلعات المختلفة، مثل تحقيق السلم والأمن للدول الأوروبية التي خاضت هذه الحروب ومعها الولايات المتحدة واليابان، خصما الحرب العالمية الثانية، وحتى المستعمرات التي شاركت طوعاً أو قسراً في هذه الحروب على أمل تحقق عالم أكثر مثالية، والكل كان يبحث عن عالم أقل فوضى وعنفاً وأطماعاً، عالم تحكمه المعايير، وبالغ بعضهم في الحلم بأن تصبح هذه المنظمة تمهيداً لحكومة عالمية تنهي الصراعات والمظالم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن لم يكن هذا ممكناً أصلاً، فالميثاق الذي أسسته هذه الدول للمنظمة قام على بعدين رئيسين، هما احترام سيادة الدول، والتسليم بمكانة خاصة للدول الخمس المنتصرة عسكرياً وهي الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وفرنسا وبريطانيا والصين، التي توقع العالم صعودها، وتمثلت هذه المكانة في ما عرف بحق "الفيتو" أو نقض قرارات مجلس الأمن، وهو الجهاز الرئيس المنوط به مهمة حفظ السلم والأمن الدوليين. وبعبارة أخرى، وضعت بذرة الخلل في النظام الجديد منذ البداية.

وبانشقاق القوى المسيطرة بين الكتلتين الرأسمالية والشيوعية تبين الخلل والاستقطاب الدوليين، وهو ما تمثل كما هو معروف في شلل مجلس الأمن خلال الحرب الباردة والعجز عن تحقيق السلم والأمن الدوليين إلا في حالات بسيطة عندما توافق العملاقان واشنطن وموسكو مثلاً ضد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، واللجوء لقرار الاتحاد من أجل السلم من الجمعية العامة للأمم المتحدة بسبب "الفيتو" البريطاني الفرنسي، أو نتيجة تفاهمات كما حصل في بعض قرارات صدرت في شأن الصراع العربي - الإسرائيلي، وحتى هذه لم يتم تطبيقها بشكل ينهي الصراع.

وفى مرحلة تالية عرف العالم هيمنة وصدارة الولايات المتحدة على المنظومة الدولية، وهنا كانت إنجازاتها ونجاحها الجزئي مرتبط بما تتركه واشنطن للأمم المتحدة، وما تقرر الانفراد بالتعامل معه، وشهدنا نجاحات جزئية في كثير من القضايا مثل كمبوديا، وفشلاً في أخرى مثل رواندا وحروب البلقان، واستمرار الفشل المزمن في ملف الصراع العربي - الإسرائيلي.

أدوار عدة

مع كل ذلك، فإن ما لا ينبغي نسيانه أن المنظمة لعبت أدواراً لا يمكن الاستغناء عنها في متابعة قرارات مهمة تتعلق بالسلم والأمن الدوليين، وبخاصة في مهام مراقبة الهدنة والانتقال من حال الحرب إلى السلام منذ ابتكار فكرة قوات حفظ السلام بين مصر وإسرائيل عام 1956، وهنا لسنا في محل تفصيل علمي لأعداد هذه القوات المنتشرة في كثير من مواقع الصراعات حول العالم، وحتى الصراعات التي أخفقت فيها كرواندا والصراع العربي - الإسرائيلي، وهو دور لا يمكن الاستهانة به أو التقليل من أهميته وخطورته في كثير من حالات الصراعات والتوترات في العالم.

من ضمن أكبر إشكالات تقييم الأمم المتحدة في العالم العربي إخفاقها المستمر في معالجة القضية الفلسطينية، ما صبغ صورتها بالشكل السلبي عند قطاعات عريضة من المتعاطفين مع المعاناة الفلسطينية، وعلى رغم أن أغلبهم أيضاً يدين الدور الأميركي بشكل خاص في الانحياز لإسرائيل وإعاقة قدرة المنظمة على لعب دور أكثر إيجابية، فإنهم لا ينتبهون إلى الدور المهم والمحوري لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التابعة للمنظمة منذ حدوث النكبة الفلسطينية، ومن المفارقات أن أهم مموليها الولايات المتحدة التي يبدو أنها تعوض بتمويلها للمنظمة ما تسببه للشعب الفلسطيني من معاناة، وهو تعويض غير كاف ولا يقاس بأي شكل بالضرر الذي تسببه بمواقفها الداعمة والمنحازة لإسرائيل، لكن أدوار الأمم المتحدة أكبر بكثير من هذه الوكالة سابقة الذكر، فقد لعبت دوراً مهماً في تصفية الاستعمار التقليدي في عقوده الأولى. وبعدها لعبت دوراً محورياً في تأسيس الحوكمة الدولية لعالم يزداد اعتماده المتبادل وتتكون مصالح ضخمة نتاج ذلك تمس كل شعوب الأرض، والقائمة طويلة ولا حصر لها، فمن أبرزها أدوار منظماتها ووكالاتها الفرعية كمنظمات الصحة العالمية والأغذية و"اليونيسكو" والتجارة الدولية، وغيرها، فضلاً عن عشرات المحافل الكبرى لمعالجة القضايا والمرافق الدولية كقانون البحار، والسكان والمرأة والطفولة، وتغير المناخ الذي يمثل أحد أكبر التحديات الكبرى التي تواجه البشرية، ولأننا لسنا في معرض دراسة علمية متكاملة، فإننا نكتفي بالقول إن قائمة أدوار المنظمة الدولية ومجالات عملها من الضخامة بمكان.

ما جدواها؟

اليوم، ومع الإخفاق المتوقع والممتد في الأزمة الأوكرانية وتصاعد التهديدات بمواجهة يخشى أن تتحول إلى دمار شامل، يشير البعض صراحة إلى إخفاق المنظمة وضرورة إيجاد مخرج ولو حتى بتنظيم دولي جديد، وفي الحقيقة فإن هذا الإخفاق طبيعي في ضوء طبيعة المنظمة، ومتكرر في كل حال أو أزمة يكون فيها أحد أطراف حق النقض هو المعني بالصراع.

ويجب أن نضيف أن هذه المنظمة مع أدوارها المتسعة أصبحت مترهلة للغاية، ولديها بيروقراطية ليست منزهة عن اتهامات الفساد والأسراف والتخبط، ودعوات إصلاحها مطروحة منذ عقود، وتراوح نفسها فتتقدم حيناً وتنتكس أكثر، بل وبمرو الوقت يزداد ترهلها والتساؤلات حول العائد الذي تحققه في كل الملفات، ليس فقط حفظ السلم والأمن الدوليين، بل وقضايا جوهرية كالإغاثة والحوكمة الدولية.

والحقيقة أن تقديم كشف حساب شامل حول إخفاقات المنظمة ومشكلاتها قد يكون صادماً ومخيفاً لكثيرين حول العالم، ومع كل ذلك فإن القول بإعادة صياغة أوضاعها ما زال بعيداً وقد يكون أكثر خطورة على العالم في ظل حال السيولة والتحولات الراهنة.

أما السيناريو الآخر، وهو أننا مقبلون على حرب عالمية جديدة ستتيح إعادة ترتيب العالم، فهو احتمال شديد التبسيط، وربما الخطورة، فانفلات الصراع قد يعيد البشرية عقوداً وربما قروناً للخلف، ومشكلة هذا السيناريو أيضاً أن الكبار في العالم يريدون بقاء النظام الحالي للمنظمة، بينما الطامحون الجدد من دول راغبة في توسيع العضوية الدائمة في مجلس الأمن لا يريدون أيضاً إحلال هذا النظام المختل، ومعنى هذا أنه ما زال سابقاً لأوانه تصور إحلال بديل بعد، وربما تؤدي الحرب الأوكرانية إذا أمكن احتواؤها إلى بعض التحسينات الضئيلة، أما إذا لم يتم ذلك فإن الناتج ليست بالضرورة تحسينات ضئيلة، بل ربما كارثة، في ضوء عدم نضج عوامل التطوير، وأيضاً حال الارتباك والتشوه التي يعانيها معظم مجتمعات العالم حالياً بما في ذلك الدول المتقدمة.

المزيد من تحلیل