Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنان ينجو من انفجار في الجبل والاحتقان مستمر رغم المعالجات الرسمية

كلام لباسيل في ذاكرة المنطقة أثناء الحرب أثار أحقاد الماضي... ومعلومات عن أن الأحداث مدبرة مسبقاً

أرسلان والغريب يتوسطهما أحد المشايخ الدروز في دارة الأول في خلدة جنوب بيروت (رويترز)

كاد لبنان أن يغرق في فتنة طائفية تعيد إلى الأذهان صوراً من حرب انقضت منذ ثلاثة عقود، نتيجة رفض بعض الأطراف السياسية التخلي عن لغة تلك الحرب، والعودة إليها من دون تقدير عواقبها. قد تكون منطقة الجبل ذات التعددية المسيحية - الدرزية نجت يوم الأحد من الانزلاق إلى تلك الصورة البشعة، بعدما اندلعت مواجهة بين أهالٍ من المنطقة (تحديداً في قرية كفرمتى) من مناصري "الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يتزعمه النائب السابق وليد جنبلاط وموكب وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب العضو في تكتل "لبنان القوي" (التابع للتيار الوطني الحر، الحزب الذي أسسه رئيس الجهورية ميشال عون) والمنتمي إلى "الحزب الديمقراطي" الذي يتزعمه النائب طلال أرسلان، على خلفية رفض هؤلاء الأهالي زيارة رئيس "التيار الوطني الحر"، وزير الخارجية جبران باسيل إلى المنطقة، ومجيء "الغريب" لملاقاته ومواكبته في جولته.

 
ضبابية تحيط بالأسباب
 
تعدّدت الروايات حول الأسباب التي أدت إلى تلك المواجهة والتي سقط نتيجتها مرافقان للغريب وعدد من الجرحى، بين اقتناع باسيل ومناصريه بأنها مدبرة للنيل منه، وبين رفض أنصار جنبلاط أي زيارات أو جولات ما لم تتم بـ "مباركة" "زعيم المختارة" (قرية وليد جنبلاط). لكن الأكيد أن ما شهده الجبل الأحد يتعدى هذه الحسابات الضيقة ليعكس احتقاناً كبيراً على مستوى الشارع وخصومة كبيرة بين جنبلاط ومحور باسيل – أرسلان، تعزّزت أكثر بفعل اقتناع جنبلاط بمحاولات ممنهجة ومركّزة لاستهدافه وتحجيمه وتهميش موقعه ودوره في الجبل، تمهيداً لشطبه من المعادلة الدرزية. أما الأخطر الذي لمسه المراقبون خلال يوم المواجهات الدامي الطويل، فتمثّل في غياب الدولة وعجزها عن السيطرة على الوضع ولملمة تداعياته قبل أن تتجاوز بمخاطرها حدود المنطقة التي وقعت فيها.
 
 
شعور بالتحدي
 

وعلى الرغم من أن العلاقات بين "التيار الوطني الحر" و"الحزب التقدمي الاشتراكي"، متوترة جداً وتشهد خلافات عدة وتباعداً كبيراً لا سيما في مقاربة "ملف الجبل" وعودة المهجّرين المسيحيين من أهله إليه (هُجروا إبان المجازر الطائفية التي حصلت عقب مقتل كمال جنبلاط في العام 1977)، منذ شعر جنبلاط بالتحدي الذي يواجهه عند تأليف الحكومة وتقليص حصته إلى وزيرين بدلاً من ثلاث، وإعطاء الوزير الدرزي الثالث إلى النائب أرسلان من ضمن حصة باسيل، فإن الأمور بين الطرفين شهدت مزيداً من التصعيد خصوصاً مع التصويب الدائم لجنبلاط على إدارة الدولة وعلى العهد الذي وصفه أكثر من مرة بـ"الفاشل". وجاءت زيارة باسيل في ظل هذه الأجواء المحمومة وأطلق خلالها مواقف وُصفت بـ "الاستفزازية" مع استعادته بعض ذكريات الحرب في المنطقة، فكان رد الفعل السلبي والدامي الذي لن تتوقف مفاعيله عند هذا الحد بل تنذر بتداعيات خطيرة على مشهد المصالحة المسيحية - الدرزية التي كان عرابها إلى جانب جنبلاط البطريرك الماروني الراحل نصر الله بطرس صفير في العام 2001.
وتبدو الكرة اليوم في ملعب جنبلاط الذي تقع عليه المبادرة للملمة الوضع شعبياً على الأقل، لكنه في المقابل، ينتظر الأجوبة عن "انتفاضته" من كل القوى الحليفة والمتخاصمة معه، ليعيد تموضعه على هذا الأساس. أولاً من "بيت الوسط"، حيث ينتظر من رئيس الحكومة سعد الحريري تعهدات واضحة تحدد مستقبل الأوضاع والتحالفات، وثانياً من رئيس الجمهورية ميشال عون، ضمانات تحد من سياسة العزلة على المختارة ودورها وموقعها حاضراً ومستقبلاً، بما يعيد الاستقرار الأمني إلى الجبل ويعيد التوازن إلى الساحة السياسية بعامة.
 

"التيار الوطني الحر": ما حصل كان مدبراً

 

في أوساط التيار الوطني الحر" اعتقاد بأن ما جرى كان مدبراً ومقصوداً، بعدما بلغتهم إشارات سلبية قبل أيام قليلة، إلى أن ثمة محاولات لمنع حصول زيارة باسيل إلى منطقة عاليه ما لم يتم تنسيقها مع جنبلاط. وبدأت الجولة من بلدة الكحالة بخطاب حمل رسائل انفتاح وصفت البلدة وأهلها بأنهم صلة وصل بين أهل الجبل والبقاع، لكن ما لبثت أن بدأت أنباء تصل إلى موكب باسيل عن انتشار مسلّح لعناصر الحزب التقدمي الاشتراكي في عدد من القرى والبلدات مع دعوات إلى منع مروره. وتبدي الأوسط استغرابها لمثل تعاطٍ كهذا علماً أن باسيل يزور المنطقة بدعوة من مناصرين له فيها، وهو يمثل أكبر كتلة وزارية ونيابية. وتتوقف الأوساط عند بعض المؤشرات اللافتة في رأيها وتحمل دلالات، كاشفةً أنه في الاتصال الذي جرى بين جنبلاط وقائد الجيش العماد جوزف عون، قال الزعيم الدرزي إنه غير قادر على سحب العناصر من الشارع، داعياً الجيش إلى التصرف. وتسأل هل كان الهدف توريط الجيش بعد حصول المواجهة؟
كذلك، تتوقف أوساط التيار الوطني الحر عند اتصال الوزير أكرم شهيب بوزير الدفاع الياس بو صعب، متمنياً عليه أن يواصل باسيل جولته ويزور قرية كفرمتى على الرغم من أن الطرقات كانت مقطوعة بالإطارات المشتعلة والحواجز، لكن باسيل قرر الانسحاب وإنهاء الجولة لسحب فتيل الفتنة ومنع دخول الجيش طرفاً وتلافي حصول أي استفزاز إضافي على مستوى الشارع، علماً أنه كان محاطاً بقوة أمنية كبيرة قادرة على مواكبته حتى بلدة كفرمتى، حيث كان الوزير صالح الغريب يقيم له استقبالاً، لكنه طلب من الأخير العودة إلى بلدته حيث حصلت المواجهة. أما في صوفر حيث تم افتتاح مكتب للتيار الوطني الحر يضم منتسبين جدداً مسيحيين ودروزاً، فأعلن باسيل أن تياره خارج الاصطفافات الطائفية بل يذهب نحو فكر وطني ومشرقي".

 

"ضربة كفّ"
 
على المقلب الآخر، أكد وزير التربية المنتمي إلى الحزب التقدمي الاشتراكي، أكرم شهيب أنه منذ المصالحة التي تمت برعاية البطريرك صفير لم تحصل "ضربة كفّ" في الجبل. وكشف أن "كل الجهود تنصب اليوم من أجل لملمة الوضع وتهدئة النفوس خصوصاً أن أجواء الاحتقان والتشنج والغضب لا تزال سائدة في بعض البلدات والقرى". وأكد رداً على أسئلة "اندبندنت عربية" أن "الحزب التقدمي الاشتراكي لم يمنع ولم يقف في وجه زيارة باسيل، لكن الناس رفضت منطق الكلام عن العنف، وهذا ما لا ترضى به كرامات أهل الجبل، خصوصاً أن هذا الأمر تكرّر في أكثر من مناسبة ومحطة. كل شخص مرحب به وبزيارته المنطقة، وهذه منطقة مفتوحة أمام الجميع، ولكن أن تأتي الزيارة بقوة السلاح ومنطق العنف فهذا لا يمكن أن يقبله أبناء المناطق التي سمعت هذه اللغة. ويلاحظ أن في بعض المناطق كان الترحيب جيداً حيث كان الخطاب جيداً". وعن كلام أوساط التيار الوطني الحر حول محاولات زجّ الجيش، كشف شهيب أن الجيش كان على الحياد ودوره ليس فتح الطرق ومواجهة الأهالي.
 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)



مؤتمر صحافي لأرسلان
 

في موازاة ذلك، نشطت مساعي التهدئة، حيث تحرّك رئيس المجلس النيابي نبيه بري متوسطاً، كما استقبل رئيس الجمهورية النائب أرسلان والوزير الغريب. واستبق زعيم الحزب الديمقراطي زيارته إلى قصر الرئاسة في بعبدا بكلام هجومي تصعيدي هاجم فيه جنبلاط وشهيب. وقال إن "المحرّض وصاحب الفتنة هو نائب الفتنة الذي يجلس على طاولة مجلس الوزراء ولا يحترم أبسط قواعد العيش المشترك وسلامة المواطنين وسلامة أهله وناسه، ما حصل فتنة مخطط لها وتم التحريض عليها قبل يومين من قبل "أوباش" قطاعي طرق لا يمكنهم تحمل الرأي الآخر". وتساءل أرسلان "هل الجبل هو من ضمن حكم الدولة أو خارج حكم الدولة؟!، هل يحتاج الناس إلى تأشيرات للدخول إلى الجبل أو أن أهل الجبل يحتاجون إلى تأشيرات للتنقل داخل قراهم؟ وليكن معلوماً للجميع أن لحمنا ليس طرياً وليس هناك أكبر من دارة خلدة لا لدى الدروز ولا لدى غيرهم"، مشيراً إلى أن "التوجه الإقطاعي والسلبي والتلطي وراء الناس لا يدل على الرجولة بل الجبن"، لافتاً إلى أن "مَن يحلّل دم دروز إدلب وجبل العرب وجبل الشيخ والجولان ليس مستغرباً أن يحلّل دمنا". ورأى أن "ما يحصل أمر معيب وهو استهتار بكرامات الناس ومرفوض، ونحن لن نتعايش معه، وإذا أرادت الدولة أن تفرض هيبتها ووجودها فأهلاً وسهلاً بها، وإن لم ترغب في ذلك، فنحن نعلم كيف "نفيّي على ضيعتنا بكعبنا" (تعبير عامي معناه أننا نعرف كيف نحمي أنفسنا بأنفسنا). وسأل أرسلان "هل يليق بمَن يدعي أنه الزعامة الكبرى، أن يشارك في اجتماع حصل برعاية الرئيس نبيه بري في عين التينة مع القوى السياسية وتم التداول فيها خلال كل الاجتماع حول المطالبة بحصة بمعمل فتوش في ضهر البيدر؟ أين حقوق الدروز هنا؟". وطالب أرسلان "بتحويل ملف أحداث الأحد إلى المجلس العدلي".

 

مجلس الدفاع: قرارات حاسمة

 

على الصعيد الرسمي، عقد المجلس الأعلى للدفاع اجتماعاً برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصر بعبدا، وتناول ما شهدته قرى عاليه من أحداث دامية، واتخذ "قرارات حاسمة بإعادة الأمن إليها من دون إبطاء أو هوادة وتوقيف المطلوبين وإحالتهم على القضاء، على أن تتم التحقيقات بسرعة بإشراف القضاء المختص".
وأكد عون خلال الاجتماع أن "ركائز الجمهورية هي ثلاث: حرية المعتقد وحق الاختلاف وحرية الرأي والتعبير عن الرأي". وطالب الأجهزة القضائية والأمنية بـ "استكمال الإجراءات اللازمة والضرورية وفقاً للأصول والأنظمة المرعية الإجراء والقيام بالتوقيفات اللازمة". ودعا رئيس الحكومة سعد الحريري من جهته الجميع إلى "التهدئة"، مشدداً على "ضرورة المعالجة السياسية اللازمة وعدم إقحام الأجهزة العسكرية والأمنية بالخلافات السياسية".
وبعدما عرض المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان بالتفصيل مجريات الأحداث الأمنية والإشكالات التي وقعت ونتائجها. واستعرض قائد الجيش العماد جوزف عون المعلومات المتوافرة لدى الجيش والإجراءات التي اتُخذت لمعالجة الوضع، وبعد التداول في النقاط التي طُرحت خلال الاجتماع أصدر المجلس بياناً أشار فيه إلى أنه "في ضوء ما حصل في عدد من قرى قضاء عاليه في محافظة جبل لبنان، وأدى إلى سقوط ضحايا واستهداف وزراء ونواب في تجوالهم وتنقلهم والتعبير عن آرائهم بحرية، وقطع الطرق الداخلية والعامة، وفي ضوء ضرورة الحفاظ على العيش الواحد في الجبل ورفض أي شكل من أشكال العنف الدامي، اتخذ المجلس الأعلى للدفاع قرارات حاسمة بإعادة الأمن إلى المنطقة التي شهدت الأحداث الدامية ومن دون إبطاء أو هوادة وتوقيف كل المطلوبين وإحالتهم على القضاء، على أن تتم التحقيقات بسرعة بإشراف القضاء المختص، وذلك وأداً للفتنة وحفاظاً على هيبة الدولة وحقناً للدماء البريئة وإشاعة لأجواء الطمأنينة لدى المواطنين والمصطافين والسياح، في ظل توافق سياسي يظلل الأمن في كل بقعة من لبنان ويحصنه. وأبقى المجلس الأعلى للدفاع قراراته سرية وفقاً للقانون".
اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي