Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اجتياح "اختبار العذرية" منصة "تيك توك" يثبت أن المفاهيم الخاطئة عن جنسانية الإناث ما زالت طاغية

مع انتشار مقاطع فيديو على "تيك توك" عن ممارسات مؤذية ومهينة لـ"اختبار عذرية الإناث"، تطرح إلويز هيندي المسألة على الخبراء لتسليط الضوء على ضرورة بذل مزيد من الجهود لوضع حد للأخطاء والأكاذيب المتعلقة بالحياة الجنسية للمرأة

عذرية بريتني سبيرز كانت محل تكهنات الجماهير مع صعود شهرتها أواخر التسعينيات (لاري مارانو/شاترستوك)

أن يحتل مشروع طالب في السنة الثانية في أحد معاهد الفنون صدارة عناوين الصحف، ليس بأمر عادي يمكن أن يحدث كل يوم، لكن في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2013، خرج إلى الصحافة مشروع أعده أحد طلاب مدرسة "سنترال سانت مارتينز" Central Saint Martins في لندن، لتقديم عرض جديد بعنوان "مدرسة الفنون سرقت عذريتي" Art School Stole My Virginity. وادعى كلايتن بيتيت أن مسرحيته ستتوج بمشهد مباشر يقوم خلاله بممارسة الجنس مع شريك له، لأول مرة أمام الناس. وعندما أطلقها في نهاية المطاف في شهر أبريل (نيسان) التالي، أصيب البعض بخيبة أمل. فالجمهور الذي ضم ما يناهز 120 شخصاً اشتروا التذاكر لحضور هذه الفاعلية في لندن، لم يحظ بفرصة مشاهدة العرض المباشر الموعود حول "فقدان العذرية" والذي اقتصر على قيام الطالب بيتيت برسم رموز مختصرة على جسده مثل NSFW (أي "غير مناسب للمشاهدة أثناء العمل"Not safe for work) إضافة إلى استخدام تعابير جنسية إيحائية أخرى، فيما كان مراهق عاري الصدر يقوم بقطع خصل من شعره. بعد ذلك، تم اصطحاب الحضور إلى ردهة خاصة في الطابق السفلي، حيث تمت دعوة جميع الحاضرين إلى إدخال موزة في فاه بيتيت مرات عدة.

وقد سارع كثيرون إلى وصف الأمر برمته على أنه خدعة، ولا يعدو كونه ضرباً من الضروب الفنية المتقنة، بحيث رأى عدد من النقاد أن بيتيت تلاعب بالعقول في الفضاء الإعلامي لمدة 15 دقيقة ليحظى بشهرة خاطفة في صحافة التابلويد [الصحافة الصفراء]. غير أن آخرين رأوا مغزى أكثر أهمية وعمقاً خلف الأداء النهائي. لأنه إذا كانت العذرية هي المسألة المطروحة على الطاولة، فماذا يمكن أن يمثلها أفضل من حدث ليس له وجود في الأساس؟ وإذا كان مشروع الطالب كلايتن بيتيت "مجرد ضجة إعلامية"، فهل يجوز ألا يقال الشيء نفسه حول طريقة التعامل مع قضية العذرية النسائية بحد ذاتها؟

نيس كوبر المتخصصة والمعالجة السريرية في علم الجنس، تحدد مفهوم العذرية بأنه "بنية ثقافية واجتماعية، غالباً ما يتم استخدامه لمحاولة تبرير معتقدات تتعلق بوجوب الامتناع عن ممارسة الجنس أو تفسير بعض أنواع التنشئة الأسرية أو مكانتها المالية". وفي الواقع، لجأ بيتيت إلى تفسير الدافع وراء مشروعه بمصطلحات عديمة مماثلة، عندما عرف العذرية بأنها "أداء تم استخدامه لتقييم مكانة المرأة، وأنه مصطلح للسلوك المغاير وغير المتجانس يستخدم باستمرار لتحديد قيمة شخص ما". وبعد نحو عقد من الزمن، ما زالت الأسئلة التي طرحها مشروع "مدرسة الفنون سرقت عذريتي" قائمة، في ظل انعدام عنوان أفضل. وكما قال بيتيت: "هل مسألة العذرية هي حقيقية؟ أم إنها مجرد كلمة جاهلة تم استخدامها لتحديد قيمة المرأة قبل الزواج؟".

لا يزال في الواقع مدى مفهوم العذرية وصحته وقيمته موضع جدل مستمر. ففي الأسابيع القليلة الأخيرة، أخذ عدد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يتداولون مسألة تزايد انتشار مقاطع فيديو "اختبار العذرية" على تطبيق "تيك توك". يقال إن اختبار العذرية هو أمر شائع في أكثر من 20 دولة، حيث تعد المرأة على أساسه مؤهلة للزواج أو العمل. ويتركز جزء كبير من هذا الاتجاه الحديث في الفيديوهات على الاحتفالات التي تقوم بها "مجتمعات الغجر" Roma Communities في أوروبا الغربية، حيث يتم "التحقق" من عذرية المرأة الشابة من جانب امرأة مسنة محترفة أو ما تعرف بلقب "خونتاورا"Juntaora  [متخصصة بإجراء فحص البكارة للفتيات باستخدام منديل].

ويستند "اختبار العذرية" الخاص هذا إلى الاعتقاد أنه توجد داخل جسد المرأة العذراء ما تطلق عليه تسمية "أوفا" Uva أو (حبة العنب)، وهي بمثابة نتوء شاحب اللون يحتوي على مادة تسمى "هونرا" Honra، يعتقد أنها سائل أصفر ينسكب ويتم فقدانه عند أول حالة جماع مع رجل أو عندما تقوم بهذه المهمة الـ"خونتاورا" خلال حفل الزفاف. وكما يظهر عدد من مستخدمي "تيك توك"، فإن "فض غشاء البكارة" يحصل بلف منديل حول سبابتها ثم دفعه داخل مهبل العروس من أجل "فقع حبة العنب"، أو في اللغة الأكثر شيوعاً "فقع حبة الكرز". ومن ثم يتم عرض البقع السائلة أو "الورود" أمام حشد من الحضور. ويتم تحديد قيمة الفتاة ما قبل الزواج، علانية وبشكل مهين.

وفي عودة إلى مشروع "مدرسة الفنون سرقت عذريتي"، قد يكون من السخرية إلى حد ما، أن تصبح عروض اختبار العذرية في عدد من المناطق في مختلف أنحاء العالم مقبولة من الناحية الاجتماعية أكثر من عروض "خسارة العذرية" المفترضة. على رغم أن هذه الأخيرة تنطوي على أفعال بالتراضي يتوافق عليها أشخاص بالغون، فإن عرضاً واحداً يعد دليلاً على قيمة المرأة، كما أن آخر يمكن أن يشير إلى "انحطاطها". ومع ذلك، فإن "اختبارات العذرية" - سواء شمل "هونرا" honra، أو، كما هي الحال مع "اختبارات السبابتين" لغشاء البكارة - لا يمكن وصفها إلا بأنها حيل أو خدع حمقاء، لأنها تقوم على منظومة من العلوم الكاذبة والمخاوف الخاطئة من النشاط الجنسي الأنثوي.

إن الفكرة الأساسية القائلة بأنه يمكن التحقق من العذرية وانتهاك قدسية الجسد، هي باطلة في الأساس. ففي عام 2018، قامت "منظمة الصحة العالمية" WHO، و"منظمة حقوق الإنسان" التابعة للأمم المتحدة UN Human Rights  و"هيئة الأمم المتحدة للمرأة" UN Women  بدعوة الحكومات إلى حظر اختبارات العذرية على المستوى العالمي، معتبرة أن هذه الممارسة هي "غير ضرورية من الناحية الطبية". بدلاً من ذلك، فإن الهدف من هذا التوجه هو التركيز عملياً على أهمية "نقاء" الأنثى، ونشر ثقافة الخزي والعار حول مشاعر المرأة بالرغبة أو ترسيخ مكانتها، وإرساء القانون القائل إن الجنس هو بمثابة هدية للرجال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سارا راي طالبة دكتوراه في الحقوق في "جامعة أكسفورد"، تركز أبحاثها على العنف ضد المرأة، إلى جانب اهتمامها الخاص بوجوب وضع تنظيم قانوني للممارسات المتعلقة بالأعضاء التناسلية الأنثوية، والقيود التي تربط بين الجسد والعرق والجنس والثقافة. وتقول في هذا الإطار: "بصراحة، إن (العذرية) هي مجرد خرافة. إنها ليست أكثر من فكرة مرتبطة بغشاء لدن عديم الفائدة، قد يكون موجوداً أو غير موجود داخل مهبل المرأة".

على رغم ذلك، توضح راي أن تصوير العذرية على أنها خرافة، لا يقلل من مدى قوة انتشارها في العالم الحقيقي. وترى طالبة دكتوراه الحقوق أنه "لا يجوز الاستخفاف بأسطورة العذرية، لأن المعتقدات القوية في ضرورة الإبقاء على هذه التركيبة الاجتماعية، كانت مسؤولة جزئياً عن التسبب بأضرار نفسية وجسدية خطيرة للفتيات والنساء في مختلف أنحاء العالم".

في الواقع، تماماً كما كانت مقاطع فيديو "اختبار العذرية" تحصد نسبة عالية من المشاهدات والرواج على تطبيق "تيك توك"، فقد انتشرت أخبار عبر عدد من وسائل الإعلام الهندية تحدثت عن أن امرأة تبلغ من العمر 24 سنة في مدينة بيلاوار في ولاية راجستان الهندية، أجبرت على الخضوع لـ"اختبار العذرية" من جانب أهلها، ثم تعرضت للضرب والجلد على يد زوجها وعائلته، بعد أن "فشلت" في الاختبار. وأفادت الشرطة في وقت لاحق للصحافة أن المرأة أبلغت أهل عريسها أن أحد جيرانها قام باغتصابها قبل الزواج.

إن عنفاً من هذا النوع يحدث في كل مكان. وتقول راي: "إننا نعلم الآن أن فتيات ونساء تعرضن لهذا الأذى في بلادنا، داخل عيادات بريطانية، على يد متخصصين في الرعاية الصحية. هن يخضعن لممارستين محددتين تظهر فيهما أسطورة العذرية صراحة: اختبار العذرية وترميم غشاء البكارة"، كما تؤكد. وكان تحقيق سري قد كشف في العام الماضي أن عشرات من المستشفيات الخاصة في المملكة المتحدة كانت تعد بـ"استعادة العذرية" من خلال عملية ترميم غشاء البكارة - وهي جراحة تهدف إلى جعل المرأة تنزف في المرة المقبلة التي تمارس فيها الجنس، وذلك كي تتمكن من اجتياز اختبار العذرية. وقد دان مهنيون في مجال الصحة وناشطون الممارستين على حد سواء، باعتبارهما شكلاً من أشكال العنف ضد النساء والفتيات.

ومع ذلك، هناك دلائل على أن القانون، أقله في المملكة المتحدة، يقر أخيراً بالضرر الذي تسببه خرافة العذرية. وفي وقت سابق من هذ السنة، أضافت الحكومة تعديلاً على "مشروع قانون الصحة والرعاية"Health and Care Bill  يحظر إجراء جراحة ترميم غشاء بكارة أو فحوصات العذرية، ويعتبرهما غير قانونيين. وتصف سارا هذه الخطوة بأنها "نقلة نوعية هائلة بالنسبة إلى الحركة النسوية"، إذ إنها تثبت بشكل واضح أن قانون المملكة المتحدة "يحرم الأفعال والممارسات القسرية ضد الفتيات والنساء، بحيث تحول أجسادهن إلى وسيلة أو أداة جنسية، وتنتقص من قيمة المرأة وتحط من قدرها ومنزلتها".

لكن، إذا كان القانون قابلاً للتحول فماذا عن الثقافة؟ قد لا يكون تغيير القوانين كافياً لإنهاء المعتقدات العلمية الزائفة والضارة في شأن العذرية، ولا التوقعات الاجتماعية لمفهوم "العفة" الجنسية للإناث. وفي هذا الإطار، يقر راي بأنه "من غير المرجح" أن يبدل القانون آراء الناس ومفاهيمهم في الشؤون المتعلقة بالجنس. ومع ذلك، فهو يأمل في أن يكون تجريم اختبارات العذرية وعمليات ترميم غشاء البكارة في المملكة المتحدة "بداية لمناقشات حقيقية وواقعية حول الجنس، ولا سيما منه الإيجابية الجنسية، وكسر المعايير النمطية المزدوجة التي تكرس في طياتها العنف ضد النساء والفتيات".

وانطلاقاً من ذلك، برزت علامة "شي سبوت" SheSpot التجارية المرتبطة بـ"السلامة الجنسية للمرأة" والتي أسستها كاليلا بولتن وهولي جاكسون، اللتان تقران بأهمية تعديل "مشروع قانون الصحة والرعاية" لكنهما "ما زالتا تشعران بأن هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به للتخلص كلياً من المعتقدات القديمة حول الجنس والعذرية". وبعد إطلاق علامة SheSpot في عام 2021. تقول جاكسون إنها كثيراً ما "فوجئت بمدى عمق جذور وصمة العار التي تخلفها هذه المفاهيم الجنسية الخاطئة في نفوس النساء اللاتي تتعامل معهن، من مختلف الأعمار". وتضيف: "لا تزال هناك محرمات متطرفة في ما يتعلق بمتعة الذات على وجه الخصوص". ففي البحوث التي أجرتها هاتان المؤسستان، "أصغتا لروايات عدة من جانب شركاء ذكور يعبرون عن انزعاجهم من زوجاتهم أو صديقاتهم اللاتي يمارسن العادة السرية خارج إطار الشراكة الجنسية"، الأمر الذي يبدو، بالنسبة إلى جاكسون "امتداداً لمعتقدات قديمة عفا عنها الزمن في شأن العذرية، وتكريساً للمفهوم القائم على أن ممارسة الجنس هي بمثابة إهداء للرجال".

وتوازياً ترى إيلينا زاهاروفا الرئيسة التنفيذية والمؤسسة المشاركة لتطبيق "بوربور" Purpur للجنس والعلاقات، أن القضية الأساسية تكمن في الافتقار إلى الاهتمام أو الاحترام للمتعة عندما يتعلق الأمر بالتربية الجنسية. ومن وجهة نظرها، لا يزال ينظر إلى الجنس على أنه "مجرد تفاعل جسدي حميم بين الناس، وليس محاولة للتواصل أو المتعة". وتتفق جاكسون وبولتن في الرأي من حيث إن "نقصاً في المعرفة في ما يتعلق بالممارسة الصحية للجنس والمتعة، إضافة إلى تزايد استهلاك المحتوى غير الخاضع للرقابة على شبكة الإنترنت"، لا بد من أن يؤديا إلى "بلبلة أكثر وتعقيد" للأمور بالنسبة إلى الشباب. وتستنتجان أن هذا المزيج السام هو الذي "يكرس تلك الأفكار المسيئة المتعلقة بالجنس والعذرية، ويعزز الانتشار الواسع لمقاطع فيديو (تيك توك) المروجة لاختبارات العذرية".

نيس كوبر مؤسس شركة استشارية للعلاقات الجنسية "ذي سيكس كونسلاتنت" The Sex Consultant يؤكد من جانبه أن من بين أبرز التحديات القائمة لتغيير المعتقدات الثقافية المترسخة حول المفاهيم المتعلقة بالعفاف والمتعة، إنما يتمثل في الكفاح ضد الخوارزميات ذات المنهجية المحافظة، مشيراً إلى أن "خوارزميات تطبيق (تيك توك) توصم على نحو مؤسف المنشورات الجنسية الإيجابية بناءً على أحكام مسبقة، لا بل قد تعمد إلى إزالتها، والاحتفاظ بالمشاركات التي تركز على وجهات النظر السلبية والمواقف الوصمية إزاء الجنس مثل اختبار العذرية".

لكن في المقابل، ما زالت هناك عوامل تدعو إلى التفاؤل. ويقول كوبر: "إن التربية الجنسية في المملكة المتحدة تبتعد عن التعليم القائم على التزام العفة، بحيث بات ينصب التركيز أكثر على ممارسة الجنس بالتراضي وتطبيع السلوك الجنسي الصحي بدلاً من تعييره واعتباره تصرفاً شائناً". ويأمل كوبر في أن يسهم وضع منهج تعليمي أكثر انفتاحاً وإيجابية تجاه الجنس - يقوم على احترام العلاقات الجنسية والتركيز على أهمية المتعة والتوافق - مقترن بتغيير في القانون ذات الصلة، في مقاومة المنحى التصاعدي للمعتقدات النمطية السائدة والمحتوى غير الخاضع للرقابة على الإنترنت، ويتوقع أن تصبح "أمور مثل اختبار العذرية أقل شيوعاً وأكثر اندثاراً مع مرور الوقت".

في نهاية المطاف، قد يكون من الحري إثارة مزيد من النقاشات المحمومة في هذا الشأن، وتحريك الرأي العام، وتشجيع طلاب مدارس الفنون على عرض مزيد من الأعمال الإيجابية المؤيدة لهذه القضية، على أن يتم التركيز من البداية إلى النهاية على مبادئ القبول والراحة والمتعة، بدلاً من بث الصدمة والخزي والمفاهيم الخاطئة.

نشر في "اندبندنت" بتاريخ 21 سبتمبر 2022

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات