Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

6 روايات تقدم صورة عن واقع السرد الألماني

 طغيان هاجس الهوية في القائمة القصيرة لجائزة الكتاب الألماني 2022

جائزة الكتاب الألماني تمنح في معرض فرانكفورت (غيتي)

لعل القائمة القصيرة التي أعلنتها لجنة تحكيم جائزة الكتاب الألماني، للروايات المرشحة لنيل الجائزة تمثل المشهد الروائي الراهن الذي يقدم صورة واضحة عن الحركة الروائية الراهنة في ألمانيا وفي اللغة الألمانية، على رغم أن بعض الروائيين لا يتقدمون إلى هذه الجائزة، التي سيُعلن اسم الفائز بها، في السابع عشر من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل خلال افتتاح معرض فرانكفورت الدولي للكتاب.

هذا العام تنافست 202 رواية كانت قد صدرت عن 124 داراً للنشر. وبعد إعلان القائمة الطويلة، التي ضمت 12 رواية، في 23 أغسطس (آب) المنصرم، بقيت ست روايات في السباق لنيل الجائزة الأشهر والأكثر تأثيراً لدى القراء والمكتبات في الدول الناطقة بالألمانية. وهذه الروايات الست هي:

1 – رواية "جِن" للكاتبة والصحافية الألمانية، من أصول تركية، فاطمة آيديمير (ولدت عام 1986)- دار كارل هانزه. 2 – رواية "بالجوار" للكاتبة والصحافية الألمانية كريستسن بيلكاو (1974)- دار لوخترهاند. 3 – رواية "أكاذيب حول أمي" للكاتبة الألمانية دانييلا دروشير (1977) -دار كيبين هوير وفيتش. 4 – رواية "المغفل" للكاتب الألماني/ التشيكي يان فاكتور (1951 في براغ)- دار كيبين هاور وفيتش. 5 – رواية "كتاب السلالة" للكاتب الألماني كيم ديل هورازين (يتم تقديمه على أنه من مواليد عام 2666)- دار دومونت يوليو (تموز) 2022. 6 – رواية "شبيتسفيغ" للكاتب والصحافي الألماني إيكهارت نيكل (1966)- دار بيبر.

سؤال الهوية مجدداً

ما يربط بين معظم هذه الروايات هو طرح سؤال الهوية مجدداً، من خلال البحث عن الجذر أو السلالة، أو من خلال العلاقة بين البشر وبين الفن والحياة، أو في معنى العودة إلى مسقط الرأس بعد غياب لعقود. فرواية "جن" تقدم فيها فاطمة آيديمير ذلك السؤال المعني بالأصل وبمسقط الرأس. فبطل روايتها حسين يلماز يحقق حلمه أخيراً، بعد أن عمل في ألمانيا ثلاثين عاماً، تزوج خلالها وأنجب أطفالاً، وهو أن يعود إلى إسطنبول، ويشتري شقة خاصة له ولعائلته التي ستلحق به. يشتري حسين تلك الشقة، ولكنه يموت بسكتة قلبية مفاجئة. والعائلة، التي خرج أبناؤها من كنفها، تلحق به بعد سماع خبر موته لتقوم بدفنه هناك.

كان حلم حسين أن يجمع شمل عائلته في بيت في مسقط الرأس. وهم يجتمعون هناك بالفعل، وتقوم كل شخصية بسرد فصل من الكتاب، على طريقة بناء رواية "الصخب والعنف" للأميركي وليم فوكنر.

الشخصيات، الأم والأبناء، مختلفة عمراً وفكراً، ومختلفة كذلك في النظر إلى معنى الهوية والإيمان بها، لكنهم متفقون حول مفهوم فقدان ما كان يجمعهم. لذلك تطفو هذه الرواية على بحر من المفاهيم المتعلقة بالهوية والأصل والجنس، وكذلك بالتمييز والعنصرية، ومعنى العائلة وفقدانها.

هذه الرواية هي العمل الثاني لفاطمة، التي فازت روايتها الأولى "كوع" بجائزة كلاوس مايكل كوهن للعمل الأول عام 2017، وفي العام التالي فازت هذه الرواية بجائزة فرانز هيسيل.

الحياة اليومية

تبدأ رواية كريستين بيلكاو "بالجوار" بمشهد غريب؛ وهو اختفاء عائلة فجأة من منزلها. ويذهب الجيران لتفقد العائلة وتفقد منزلها المهجور، ولكن الجيران ينغمسون مجدداً في حياتهم اليومية، وينسون تلك العائلة.

تسرد كريستين حياة شخصيتين تعيشان وطأة تفاصيل الحياة اليومية، ومعنى الجمود والتغيير، ومعنى أصل الأشياء. يوليا، الفنانة التي تشتغل بالخزف، تعثر على حبيب، ولكنها تكتشف أنها لا تنجب أطفالاً. أستريد هي طبيبة وأم لثلاثة أبناء، وتفكر في أن تحصل على تقاعد لتستعيد حياتها الشخصية. وهكذا تمضي الرواية بين العيادات الطبية والنفسية، وسرد الحياة اليومية، وبؤس العيش من أجل الآخرين.

لا تبرع بيلكاو فقط في بناء شخصياتها وسرد تفاصيل تتعلق بأسئلة وجودية، على حد تقييم لجنة التحكيم، بل تسحب القارئ إلى تلك الأرض الرخوة، التي تجعله يفكر كذلك بمعنى حياته الشخصية ضمن التزامات نحو الآخرين.

البحث عن الجذور

بدأ كيم ديل هورايزن حياته الأدبية بالشعر والمسرح، وفي روايته "كتاب السلالة" المرشحة لجائزة الكتاب الألماني يقدم شخصيته الرئيسية "كيم" التي تبدأ بها الرواية، وهي جدة تعاني الخرف، فتقوم باستعادة ماضيها الذي بدأ كطفلة تعاني من فهم جسدها. هل هي ذكر أم أنثى؟. وعندما تكبر تبقى تعاني من جسدها، هل هي رجل أم امرأة؟ وخلال ذلك تبحث عن جذر جسدها. عن سلالة الجسد وسلالة الروح. ولكنها تجد حلاً في عيش الشخصيتين معاً، جسدياً وجنسياً وروحياً.

تطرح هذه الرواية أسئلة كثيرة تخص الجذر والهوية والأصل، ليس في ما يتعلق فقط بالإنسان، بل كذلك في ما يتعلق بالطبيعة والعلاقات بين البشر وأرواحهم. مستخدماً سرداً قصصياً وشعرياً، ومعتمداً على مونولوجات طويلة تبدو كاعترافات في عيادة طبيب نفسي. إنها رواية تجريبية وجريئة. يقول تقرير لجنة التحكيم. ثم يضيف، إنها رواية تبدو فظة وفاحشة في لحظة ما، ورقيقة ومكثفة في اللحظة التالية، مستخدمة مستويات مختلفة ومدهشة في السرد، وكذلك في وجهات النظر.

بطش الذكورة

تقدم دانييلا دروشر موضوعاً شيقاً وصادماً كذلك في روايتها الجديدة "أكاذيب حول أمي". الرواية تجري في ثمانينيات القرن المنصرم في قرية ألمانية، يكون الأب فيها موظفاً حكومياً ومن الطبقة الوسطى، ويريد الارتقاء بمركزيه، الوظيفي والاجتماعي. ولكنه يجد أن زوجته تقف عقبة في تحقيق ذلك. فهو يعاني من هوس يتمثل في أن زيادة وزن زوجته هو المسؤول عن كل ما يُحرمه من التقدم الوظيفي والترقي الاجتماعي!. التصادم اليومي بين الزوجين ترويه طفلتهما في هذه الرواية، للإجابة عن أسئلة من نوع: هل هذه المرأة الجميلة والعنيفة سمينة بالفعل؟ هل هي بحاجة لإنقاص وزنها بشكل عاجل لكي يصعد الزوج سلالم الوظيفة والمجتمع؟

خلال هذا العنف اليومي والهوس في التفاصيل اليومية، الساخرة والمضحكة في كثير من الأحيان، تبقى الأم تناضل للوقوف ضد الأنانية الذكورية وبطشها، وتتمسك برأيها وشخصيتها، حتى لو أدى ذلك إلى تبديد ثروتها وانهيار العائلة. رواية تحفر في علم الإجتماع والنفس، على حد قول لجنة التحكيم. ولو أنها مروية من وجهة نظر طفلة صغيرة تشعر أنها تسكن حافلة على طريق مليء بالمطبات والضجيج.

الفن وهويته

إيكهارت نيكل يبرع في روايته "شبيتسفيغ"، يقول تقرير لجنة التحكيم. ثم يضيف، إنه يبرع في الحديث عن الفن وجمالياته وأسئلة هويته من خلال سعة اطلاع مبالغ فيها في بعض الأحيان.

الرواية تبدأ على لسان الرواي، الفنان المعروف، بأنه كان فناناً مبتذلاً! وهي عبارة عن سرد وحوارات بين الراوي وصديقه المقرب "كارل". اعترافات ووجهات نظر حول الفن وتفاصيله، والحياة التي دارت خلال تلك المرحلة. فنان يجرب كل شيء، من دون معاناة، حتى لو ارتكب جريمة قتل. من دون معاناة أو ندم، ولكن بوعي شديد وتأمل مخلص في العلاقة بين الفن والحياة، وكيفية تغيير أحدهما للآخر، محاولاً الإجابة، أو فهم، الأسئلة الجمالية. سعة الاطلاع، التي نوهت بها لجنة التحكيم، تجعل بعض مقاطع الرواية مثل محاضرات في الفن والجمال، وتحول القارئ إلى طالب لدى الراوي.

تاريخ ألمانيا

في روايتها "جن" قدمت فاطمة آديمير جزءاً من تاريخ ألمانيا في مرحلة العمال الوافدين الذين أعادوا بناء ألمانيا بعد دمار الحرب العالمية الثانية. بينما يقدم جان فاكتور تاريخ ألمانيا الديمقراطية وكذلك تاريخ ألمانيا الغربية، قبل توحيدهما في عام 1990، في روايته الجديدة "المغفل".

في هذه الرواية يقدم فاكتور شخصيته الرئيسية بأنه دارس لعلوم الكمبيوتر في براغ. وينتقل إلى برلين، في أيام ألمانيا الديمقراطية، وينقاد نحو العقيدة الألمانية المتشددة آنذاك. يروي عنه وعن زوجته وطفله الذي يموت، بسرد محزن وفكاهي وساخر، عن شخص عاش الاشتراكية الواقعية في براغ، ثم عاش التشدد ذاك في برلين. عن شخص جعل من نفسه أبله بقرار شخصي منه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

روايات ست تتنافس، لتنال إحداها جائزة الكتاب الألماني البالغ قيمتها 25 ألف يورو، بينما ينال أصحاب الروايات الخمس الأخرى مبلغ 2500 يورو لكل واحد. الفوز بجائزة الكتاب الألماني يُدخل الرواية في خانة الكتب الأكثر مبيعاً مباشرة، البيست سيلر، كما حال الأعوام السابقة. وبعض الروايات الست دخلت قائمة الأكثر مبيعاً بالفعل. فراوية "جن" كانت في المركز 12 بعد صدورها بقليل، لكنها تراجعت حالياً إلى المركز 36.

رواية "أكاذيب حول أمي" احتلت المركز 14 في القائمة، لكنها سرعان ما تراجعت في الأسابيع اللاحقة. وكانت هذه حال رواية "بالجوار" التي وصلت المرتبة 34 في قائمة الأكثر مبيعاً، ولكنها سرعان ما خرجت من تلك القائمة. أما رواية "شبيتسفيغ" فظهرت مرة في المرتبة 33 للأكثر مبيعاً قبل أن تختفي من القائمة. ولكن الفوز بجائزة الكتاب الألماني يدفع الكثير من القراء لشراء الرواية، وكذلك الكثير من المكتبات والمراكز الثقافية، من أجل إقامة أمسيات قراءة وتوقيع للفائز، كما حصل مع رواية "امرأة زرقاء" للكاتبة الألمانية أنتيا شتروبل التي نالت الجائزة في العام الفائت.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة