Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما تأثير الفراغ السياسي بالسودان في دارفور؟

"ما يحدث الآن من خلافات وتفشي خطاب الكراهية ينبئ بانفراد الجيش بالسلطة وتكوين حكومة تصريف أعمال تزيد الأمر سوءاً"

يقول متابعون إن ما حدث من نزاعات في دارفور لم يكن على أسس إثنية أو قبلية إنما كان على أسس اقتصادية (اندبندنت عربية - حسن حامد)

ما يمر به السودان من أزمة سياسية بالغة التعقيد قارب عمرها 11 شهراً بسبب إعلان قائد الجيش عبدالفتاح البرهان تعطيل الشراكة مع المكون المدني، الأمر الذي اعتبرته غالبية قوى المجتمع المدني انقلاباً عسكرياً، ألقى بظلاله على الحياة في مختلف أنحاء البلاد اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً نتيجة للفراغ السياسي المتمثل بعدم اكتمال هياكل السلطة في المركز والأقاليم، لكن كان لهذا التأثير تبعاته المدمرة في إقليم دارفور الذي ظل يشهد من وقت إلى آخر صراعات راح ضحيتها عشرات ونزح آلاف إلى مناطق آمنة داخل الإقليم وإلى دول مجاورة.
فكيف ينظر المراقبون إلى الأوضاع في دارفور؟ وما أثر الفراغ السياسي في هذا الإقليم المنكوب الذي ظل يعيش في دوامة عدم الاستقرار منذ اندلاع الحرب في 2003 التي أدت إلى مقتل 300 ألف شخص، فضلاً عن تشريد أكثر من مليوني مواطن.

تنوع سكاني

يشير الكاتب السوداني عبدالله آدم خاطر إلى أن دارفور تتميز بتنوع سكانها وأثنياتها وتنوع مصادر ثورتها ومناخاتها، مما "جعل أهلها يرتبطون تاريخياً بالإنتاج والحركة، لذلك كانوا إلى حد كبير موجودين بفاعلية وحيوية في نطاق العالم الذي يعيشون فيه سواء محيط غرب أفريقيا وشمالها أو على مستوى وادي النيل أو مجتمع البحر الأحمر شرقاً وصولاً إلى إيران".
ولفت خاطر إلى أن "أثر المستعمر كان قوياً من ناحية سعيه إلى تحجيم أهل دارفور، إذ ساهم في تغيير أحوال وأنماط الحياة التي كانت سائدة آنذاك، من القوة إلى الضعف والتقوقع، ومن الحيوية إلى الإحباط، لكن لم يستسلم إنسان دارفور وظل ثابتاً على القاعدة الاقتصادية والاجتماعية التي نشأ عليها حتى فهم الجميع بأن دارفور ليس هي الرقعة الاستعمارية البائسة، كما أنها ليس المنطقة التي يجب أن تهمل أو يمكن أن يسيطر عليها، بل إنها الرقعة التي يجب أن تبنى باتجاه الحداثة والمدنية والديمقراطية والفدرالية".


دروس مستفادة

وتابع خاطر "في الواقع أن المشروع السوداني الجديد ما زال تحت التكوين، والمناقشات ما زالت مستمرة على المستوى القومي، لكن في كل الأحوال فإن تأثير الفراغ السياسي الذي ضرب البلاد منذ انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في أكتوبر(تشرين الأول) 2021 كان واضحاً على إقليم دارفور، على رغم أنه لم يخل من المبادرات من مختلف طبقات وفئات المجتمع من مثقفين ومهنيين وحتى رجالات المجتمع العادي، وأصبحت هذه المبادرات سمة المجتمع الدرافوري، مما جعل الفاعلين السياسيين يدركون أن دارفور لن يصلح معها إلا النشاط الذي يزيد الإنتاج ويخلق مناخات جديدة للتطور الاقتصادي الاجتماعي".
وأردف "في الحقيقة إن ما يحدث من نزاعات من وقت إلى آخر في هذا الإقليم لم يكن على أسس إثنية أو قبلية إنما كان على أسس اقتصادية، فقوة العمل السياسي كانت تفرض واقع التصادم بقصد الاستفادة من الموارد التي يزخر بها إقليم دارفور، بيد أن المواطنين أنفسهم ضد هذا الاتجاه الذي يتمثل في الاعتداء على الموارد الاقتصادية في مناطقهم".
ومضى الكاتب السوداني يقول "بالتالي فإن هذه الفترة على رغم قسوتها، لكنها ستكون مرحلة لأخذ الدروس المستفادة ومحاولة الانسجام مع الواقع الجديد الذي سيكتمل قريباً بتنظيم انتخابات حرة ونزيهة تقود بكل تأكيد إلى استقرار البلاد. ومن المؤكد أن دارفور ستكون أرض السلام ولن تكون مرتعاً مرة أخرى للنزاعات أياً كانت، ليس فقط لأن المركز تصالح معها من ناحية عملية، لكن هذه هي طبيعة دارفور وقد عادت إليها الأمور كما كانت، ما يبشر بمستقبل عريض خال من الفتن والحروب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


انسداد وتشظي

في السياق أوضح القيادي في "الجبهة الثورية السودانية" حذيفة محي الدين البلول أن "الفراغ السياسي في السودان ألقى بظلاله على الأوضاع السياسية والاقتصادية مباشرة سواء في المركز (الخرطوم) أو بقية الولايات، وبلا شك فإن قرارات 25 أكتوبر هي التي أفرزت هذا الفراغ لأنها فشلت في الالتزام بقراراتها وتطبيقها على أرض الواقع، فالكل يعلم أن هذه القرارات جاءت نتيجة انسداد الأفق السياسي وحال التشظي الذي طاول مكونات الحاضنة السياسية، لكنها كانت ملتزمة في الوقت ذاته بالتحول الديمقراطي والحفاظ على مكتسبات ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018 المجيدة، فضلاً عن تشكيل حكومة مدنية من كفاءات مستقلة غير حزبية تكمل ما تبقى من مهمات الفترة الانتقالية التي من أهمها إجراء انتخابات عامة في نهاية هذه الفترة".
وتابع البلول "بعد استقالة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك نتيجة عدم تمكنه من تشكيل حكومة متوافق عليها من قبل غالبية القوى السياسية بموجب الاتفاق الذي أبرم بينه ورئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان في 21 نوفمبر(تشرين الثاني) 2021، ازداد الوضع تعقيداً لأنه حدث تشظ واختلاف بين القوى السياسية بشكل كبير وأصبحت المواقف بينها متباعدة ولا توجد أية بارقة أمل أو ضوء في نهاية النفق، إذ فشلت حتى يومنا هذا هذه المكونات المدنية من التوافق في ما بينها لتشكيل حكومة مدنية بعد إعلان رئيس مجلس السيادة انسحاب المؤسسة العسكرية من الحوار لإفساح المجال أمام المدنيين للاتفاق في ما بينهم على حكومة تقود البلاد إلى بر الأمان وصولاً إلى إجراء الانتخابات، بالتالي فإن كل السيناريوهات المظلمة تحيط بمستقبل البلاد نظراً إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية".

صراعات مستمرة

وزاد البلول "هذه الأوضاع المأساوية انعكست بشكل مخيف على ولايات دارفور التي تشهد صراعاً مستمراً، كما هناك تذمر وسط أطراف العملية السلمية ناتج من الظروف السيئة التي يعيشها المقاتلون بسبب عدم التزام الدولة بتنفيذ بروتوكول الترتيبات الأمنية الذي نص عليه اتفاق السلام الذي أبرم بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة الدارفورية، في عاصمة دولة جنوب السودان جوبا مطلع أكتوبر 2020، ومن المؤكد أن تردي هذه الأوضاع ستكون له آثار سلبية تجاه مستقبل الإقليم بصفة عامة واتفاق جوبا للسلام بصفة خاصة".
وزاد أنه "في الحقيقة إن مقاتلين كثراً غاضبون من الاستفزازات التي يوجهها قادة القوى السياسية صوب اتفاق السلام وتطالب بإلغائه أو تعديله، وهذا التوجه من شأنه أن يساهم في انفلات الأوضاع الأمنية في إقليم دارفور إذا لم تخرج الحكومة القائمة لتؤكد على الملأ بأنها ملتزمة بما جاء في اتفاق جوبا للسلام، لكن لا بد أن يعي الساسة السودانيون أن ما يحدث الآن من خلافات وتفشي خطاب الكراهية ينبئ بانفراد الجيش بالسلطة وتكوين حكومة تصريف أعمال تزيد الأمر سوءاً، فضلاً عن التراجع عن كل مكاسب الثورة والعودة إلى المربع الأول".

ورأى القيادي في الجبهة الثورية أن "اللائمة في هذه الحالة لن تقع على المكون العسكري الذي سيضطر إلى الانفراد بحكم البلاد، ولكن تتحمل تبعات هذا السيناريو القوى السياسية المدنية التي قادت البلاد للعودة إلى ما قبل ديسمبر 2018، وذلك بتخندقها في مواقفها التي تريد منها الكسب الحزبي والعودة إلى السلطة المفقودة".

المزيد من تحلیل