طاولت إشاعات عدة على مدى أعوام مبنى ماسبيرو العريق الواقع على كورنيش النيل في قلب القاهرة تتعلق بإعادة هيكلته ونقل العاملين فيه إلى موقع آخر أو إغلاق بعض قنواته أو تقليل عدد موظفيه ولم يحدث شيء وبقي المبنى وقنواته على حالهما من دون أي تغيير.
وأخيراً انطلقت في مصر إشاعة مفادها بأن المبنى سيتم إخلاؤه وتحويله إلى فندق عالمي و"مولات تجارية" وأماكن سياحية وسيخصص موقع آخر في العاصمة الإدارية الجديدة الجاري إنشاؤها حالياً ليضم العاملين في المبنى والقنوات التي تبث منه، إلا أن الهيئة الوطنية للإعلام سارعت إلى نشر بيان صحافي نفت فيه الأمر وأشارت إلى أن ذلك مجرد إشاعة وأن المقر الحالي لمبنى ماسبيرو قائم كما هو ومستمر في تقديم خدماته الإعلامية بشكل طبيعي باعتباره رمزاً حضارياً وتراثياً، وأضافت أنه سيكون لها مقر في العاصمة الإدارية الجديدة بالفعل شأنها شأن كل المؤسسات الحكومية لممارسة أعمالها من تغطيات إعلامية ونقل مباشر لجميع الأحداث والفعاليات التي ستشهدها العاصمة الإدارية وناشدت وسائل الإعلام ومرتادي مواقع التواصل الاجتماعي تحري الدقة قبل نشر هذه الأخبار.
مثلث ماسبيرو
لا ينفصل تطوير ماسبيرو والإشاعات التي تتعلق به عن عملية تطوير شاملة في المنطقة المحيطة بالمبنى التي تعرف بمثلث ماسبيرو حيث تم إخلاء مناطق سكنية متهالكة كانت حول المبنى وتعويض أهلها بوحدات في مناطق أخرى أو وحدات في المنطقة ذاتها بعد إعادة بنائها، كما يشمل المشروع إقامة أبراج سكنية وإدارية ومناطق ترفيهية وأماكن خاصة بالأعمال والتسوق ضمن مشروع لتطوير القاهرة الخديوية.
تاريخ مبنى ماسبيرو
المبنى العريق ذو الـ30 طابقاً يحمل اسم "غاستون كاميل شارل ماسبيرو"، عالم المصريات الأشهر في العالم الذي عاش على أرض مصر أكثر من 35 عاماً وكان مديراً لمصلحة الآثار المصرية وحظي بهذا التكريم من القاهرة بعد وفاته بما يزيد على 40 عاماً بأن أطلقت اسمه على واحد من أهم المباني التي جرى إنشاؤها خلال هذه الحقبة حيث تم افتتاح مبنى ماسبيرو عام 1960 ويحتفل هذا العام بمرور 62 سنة على تشييده باعتباره أقدم مؤسسة إذاعية تديرها الدولة في المنطقة العربية وأفريقيا وافتتح في شهر يوليو (تموز) بموازاة الذكرى الثامنة لثورة عام 1952 وبدأ ماسبيرو إرساله بقناة واحدة لمدة ست ساعات يومياً لتتوالى من بعدها القنوات فيصل بعد ذلك إلى ذروة تألقه ويصبح علامة من علامات الإعلام العربي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع مرور الأعوام توالى افتتاح القنوات وظهرت القنوات المحلية التي تعنى بمناطق أو محافظات معينة في مصر ومن بعدها أطلقت القناة الفضائية المصرية عام 1990 وكان ذلك حدثاً مهماً للمقيمين خارج البلاد بصورة أكبر، بحيث مكنتهم في هذا الوقت من متابعة إعلام مصري إذ لم تكن فكرة القنوات الفضائية منتشرة في ذلك الحين، وبحلول عام 1998 أطلق القمر الاصطناعي المصري "نايل سات" وما صاحبه من مجموعة قنوات متخصصة مثل النيل للأخبار والدراما والمنوعات وغيرها، مما شكل وقتها تحولاً كبيراً ونقلة نوعية في البث التلفزيوني ولاقى نجاحاً كبيراً.
وفي الأعوام الأخيرة تعرض ماسبيرو لأزمات بحكم تغير الوضع على الساحة الإعلامية والحاجة الماسة للتطور في ظل المنافسة الشرسة من القنوات الفضائية ووجود خيارات عدة أمام المشاهد وازدهار قنوات خاصة تقدم محتوى بإمكانات كبيرة لا تستطيع القنوات الحكومية ذات الموازنات المحدودة مجاراتها حتى في حال توافر الكفاءات البشرية المتميزة، ويظهر هذا جلياً في التغطيات الخبرية وقنوات الأخبار التي تحتاج إلى إمكانات كبيرة وسرعة في نقل الحدث، وأعلن في الفترة الأخيرة عن قيام شركة المتحدة للخدمات الإعلامية بالإعداد لإطلاق قناة إخبارية جديدة تحت اسم "قناة القاهرة" لتنافس في مجال قنوات الأخبار وتقدم محتوى على مستوى عال أثارت جدلاً هي الأخرى، فبعضهم أيد الفكرة بينما آخرون رأوا أنه كان من الأولى تطوير قناة قائمة بالفعل مثل "قناة النيل للأخبار".
التطوير سمة من سمات العصر
المذيع خيري حسن، قارئ نشرة التاسعة في القناة الأولى بالتلفزيون المصري التي كانت من رموز ماسبيرو في أوج تألقه وحالياً مسؤول الإشراف على لجنة تقييم المذيعين في قطاع أخبار المتحدة المزمع انطلاقه خلال الفترة المقبلة، قال لـ"اندبندنت عربية" عن مشاريع التطوير إن "عمليات التطوير أمر لا بد منه والآلة الإعلامية لا بد من أن تتطور لتواكب الحدث وتواكب متطلبات العصر والمنافسة الشديدة وهناك خطة تطوير متكاملة للأخبار والبرامج في الفترة المقبلة في ماسبيرو، فالإعلام واحد من أهم أعمدة الدولة والمشكلة الحالية التي يعانيها ماسبيرو هي نقص الإمكانات المادية فالمبنى مثقل بالديون التي تعوق التطوير ومن وجهة نظري يمثل هذا المشكلة الأساسية لأن العامل البشري في ماسبيرو متميز ومدرب وكثير من أبناء ماسبيرو حققوا نجاحات كبيرة عندما عملوا في قنوات أخرى وعاد كثير منهم لماسبيرو في النهاية باعتباره بيتهم الأساس".
يضيف حسن أن "المشاهد المصري دائماً ما يثق بالإعلام الحكومي لأنه يعلم أنه يقدم المعلومة من مصدرها ويجد المسؤولين دائماً في القنوات الرسمية، وعندما يحدث تضارب في المعلومات من قنوات أخرى قد تكون توجهاتها غير داعمة لمصر فإنه يعود للإعلام الرسمي للبحث عن الحقيقة. وقناة القاهرة المقرر انطلاقها قريباً ستكون مكملة لقناة النيل للأخبار وليست منافسة فليس هناك ما يمنع وجود أكثر من قناة تعنى بالشأن ذاته".
وعن قيمة ماسبيرو على المستويين الإعلامي والتاريخي يشير حسن إلى أن "ماسبيرو هو رمز من رموز الإعلام العربي وليس المصري فقط وتجربته رائدة ومتميزة وإنتاجه من البرامج على مدى الأعوام له قيمة كبيرة كما أنه مدرسة خرج منها إعلاميون في كل التخصصات. وماسبيرو كان مزاراً للحكام ولزوار مصر عندما يأتون إلى القاهرة، ففي مركز التراث شاهدت صورة لأنديرا غاندي أثناء زيارتها لعبدالناصر في مصر وقد حرصت على زيارة مبنى ماسبيرو باعتباره من أهم معالم القاهرة التي ينبغي قصدها".
سجال على مواقع التواصل
الإشاعات المنطلقة أثارت سجالاً على مواقع التواصل الاجتماعي بين فريق يرى أن قيمة ماسبيرو تتجاوز فكرة القنوات واستوديوهات البث على الرغم من قيمتها فماسبيرو كان ملتقى لكبار النجوم وشاهداً على أحداث سياسية واجتماعية كثيرة ولأنه رمز من رموز مصر ينبغي تطويره بخطط تعنى بالشكل والمضمون وإن كثيراً من العوامل متوافرة بالفعل مثل العامل البشري وأماكن التصوير ولكنها تحتاج إلى إدارة مبدعة تفكر بنظرة تواكب العصر، بينما يعتبر فريق آخر أن بعض المفاهيم التي يتمسك بها ماسبيرو أصبحت غير ملائمة لطبيعة العصر مثل القنوات المحلية على سبيل المثال فالجميع متجه الآن إلى القنوات الفضائية وأن ما كان يصلح في الثمانينيات أو التسعينيات من القرن الماضي لا يصلح الآن لاختلاف المتغيرات فلماذا لا يتم دمجها في قناة واحدة تقدم إنتاجاً متميزاً؟
ودعا بعضهم إلى العمل على استخدام نقاط القوة مثل قناة "ماسبيرو زمان" التي تقدم روائع إنتاج ماسبيرو في العصر الذهبي وحققت نجاحاً طاغياً في مصر، فلماذا لا يتم استغلال هذه القناة وتطويرها والتسويق لها بشكل أكبر؟ وطلب آخرون افتتاح مركز للتدريب على أعلى مستوى في المبنى العريق ليصبح مدرسة لفنون الإعلام الجديد تستقبل متدربين من مصر والعالم العربي أو لتجهيز استوديوهات على أعلى مستوى وتأجيرها للقنوات أسوة بمدينة الإنتاج الإعلامي فتحقق بالتالي دخلاً للمبنى.
الأفكار والمقترحات عدة ومختلفة والمبنى الذي يضم نحو 25 ألف موظف في جميع القطاعات ربما تراهم الدولة عبئاً كبيراً ويعتقد آخرون بأن عددهم ضخم، يمكن أن يتحول إلى قوة كبيرة تصبح لها علامة فارقة في المشهد الإعلامي العربي بدلاً من انتظارها لمصير مجهول.