Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بين لهيب الشمس وبلل المطر: المظلة حامية الرؤوس على مر العصور

اعتبر الرومان والإغريق المظلات أكسسوارات نسائية واعتقدوا أن أي رجل يحمل مظلة "مخنث" ما لم يكن يحمي رأس امرأته بها

كل من يعيش أو سبق له العيش في أية بقعة من أرخبيل بريطانيا العظمى يدرك أهمية أن يكون المرء متأهباً على الدوام لمواجهة الأجواء المختلفة (أ ف ب)

يقال إن الطقس الإنجليزي مثل مزاج المرأة لا يمكن التنبؤ به!

كل من يعيش أو سبق له العيش في أية بقعة من أرخبيل بريطانيا العظمى الواقع قبالة الساحل الشمالي للقارة الأوروبية يدرك أهمية أن يكون المرء متأهباً على الدوام لمواجهة الأجواء المختلفة التي قد تعني أحياناً المرور بالفصول الأربعة في يوم واحد.

وعلى رغم أننا لم نصل بعد إلى البداية الرسمية للخريف المتفق عليها بتاريخ 23 سبتمبر (أيلول)، إلا أن الاستعداد للأمطار المباغتة بات ضرورة حتمية. هذا لا يعني أن احتمال التعرض للبلل غير موجود خلال الصيف (وأقول للفنان وائل كفوري، في بريطانيا معقول أن تمطر في أغسطس/ آب ويوليو/ تموز وسبتمبر/ أيلول، وحتى في نهاية يوم وصلت فيه درجات الحرارة المرتفعة إلى رقم غير مسبوق).

ولا يمكن للمتحدث بالعربية الذي يعيش في هذا الجزء من الأرض إلا أن يشعر بالتناقض في كل مرة يقوم فيها بفتح مظلته (أو شمسيته) كي تقيه من المطر أو البرد، بدل من أن يستظل بها من أشعة الشمس. أسأل نفسي دائماً لماذا لا نسميها مطرية، أليس اسماً منطقياً أكثر؟

اختراع أقدم مما نتصور

على كل فإن حال الحاجة إلى هذه الأداة التي ظهرت بشكل متزامن في أربع من أقدم الحضارات على وجه البسيطة، كانت للوقاية من الشمس والمطر على حد سواء.

وفقاً لموقعي "الموسوعة البريطانية" و"المكتبة البريطانية"، كان أول استخدام مسجل لمظلة واقية من الشمس قبل حوالي 4 آلاف سنة في مصر وبلاد الرافدين واليونان والصين، واستخدم المصريون القدماء مظلات مصنوعة من تشكيلات بسيطة من أوراق النخيل والبردي والريش المثبتة على عصا، وسرعان ما تطورت إلى أداة يستخدمها النبلاء والزعماء الدينيون والملوك، ويصور العديد من اللوحات الهيروغليفية الموجودة في الآثار المصرية القديمة مشاهد من حياة الملوك تظهر فيها مظلات فوق رؤوسهم.

كان الوضع مشابهاً في مملكة آشور، حيث يحق للملوك فقط الاحتماء من أشعة الشمس المحرقة في الشرق الأوسط بمظلات متقنة الصنع، وفي الصين بدأت صناعة المظلات الأولى من الحرير والورق التي كانت على هيئة أعمال فنية حقيقية، ولهذا السبب كان استخدامها مقتصراً على التجار الأثرياء والعائلات النبيلة وأفراد العائلة المالكة، وكان لحاء أشجار التوت والخيزران يستخدم في صناعة قبضة المظلة وهيكلها الذي يغطى بحرير يزينه الفنانون الصينيون بتصاميم مختلفة من التنانين والمناظر الطبيعية والحيوانات والزهور ومشاهد وكتابات من الأساطير.

أما في اليونان القديمة وروما فكان ينظر إليها على أنها أكسسوار نسائي فاخر، وتذكر المصادر التاريخية أن النساء اليونانيات والرومانيات كن يمتلكن مظلات يمكن فتحها وإغلاقها، وغالباً لم تقم السيدات النبيلات بحملها ولكن العبيد والخدم، ولذلك اعتبر الرجال المظلات على أنها عنصر نسائي فقط، وانتشر اعتقاد عند الإغريق أن أي رجل يحمل مظلة بغرض حماية رأسه من أشعة الشمس هو مخنث، باستثناء من كان يحملها لحماية رأس امرأته، واستمر هذا الاعتقاد حتى في العصور الوسطى وكان البديل للرجال هو ارتداء القبعة، ولم تستخدم المظلة من قبلهم إلا في القرن الـ 18.

ولم يحتج المصريون والآشوريون إلى جعل المظلات واقية من المطر واستخدام مواد مقاومة للماء، لكن هذا التطوير جاء على أيدي الصينيين في القرن الـ 11 قبل الميلاد، إذ بدأ النبلاء والملوك باستخدام المظلات الحريرية والمضادة للماء.

وفي تلك الأوقات كانت المظلات مرتبطة بطبقة أصحاب البشرة الشاحبة التي لم تمسها الشمس، ولتمييز أنفسهم عن بقية السكان حمل الأعضاء الملكيون الصينيون مظلات حمراء أو صفراء اللون فقط، بينما استخدم البقية مظلات زرقاء، ومع مرور القرون انخفضت كلفة صناعة المظلات الصينية، إذ يبدو أن للصينين باعاً طويلاً في خفض الكلفة ورفع الإنتاجية، مما أتاح استخدامها من قبل عامة السكان وحتى الذكور.

وعلى رغم أن المظلات البلاستيكية والقماشية وذات المقابض الخشبية هي الأوسع انتشاراً في يومنا هذا، إلا أن المظلات الصينية التقليدية لا تزال تحظى باحترام كثيرين، وإنتاجها مستمر في مقاطعتي فوغيان وهونان حيث تصنع الملايين منها كل عام.


عودة المظلة وشعبيتها 

بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس الميلادي اختفى استخدام المظلة بالكامل تقريباً من أوروبا، إلا أنه مع وصول عصر النهضة عادت شعبيتها بين النبلاء والملوك في أواخر القرن الـ 16 والقرن الـ 17 في فرنسا وإيطاليا وإنجلترا، وكانت تصنع من الحرير وغيره من المواد باهظة الثمن التي لم توفر حماية دائمة من المطر، ولكن شكلها وتصميمها المعزز بتكنولوجيا حديثة أتاحا سهولة الفتح والإغلاق، وكانا يشبهان إلى حد كبير تلك التي كانت تستخدمها النساء الرومانيات واليونانيات.

وعبر القرون انتشرت المظلات على مهل في جميع أنحاء أوروبا وأميركا الشمالية، لكن ارتباطها بالإناث ظل وثيقاً حتى منتصف القرن الـ 18، إذ تغير هذا أخيراً عندما تجرأ الرحالة وفاعل الخير البريطاني جوناس هانواي على الظهور في الأماكن العامة حاملاً مظلة في جميع المناسبات تقريباً، لكن تقبل استخدام الرجال للمظلات لم يحدث إلا في تسعينيات القرن الـ 19 عندما بدأت صناعتها بكثافة وباتت متاحة للجميع.

تطور المظلة عبر الأزمنة

ومع مرور العقود مكن التطور التقني من صناعة المظلة كما نعرفها في العصر الحديث، ويرجع الفضل في أخذ المظلة شكلها الحالي إلى المخترع البريطاني صمويل فوكس الذي حولها عام 1852 إلى واحدة من الاختراعات الأكثر عملية في العالم، ومن أبرز التحديثات التي طرأت عليها هو التعديل في حجمها ليصبح لدينا ما يعرف بمظلات الجيب على يد الهولندي هانز أوفت عام 1928، وإدخال الأميركي برادفورد إي فيليبس تقنية الطي عام 1969.
وفي عام 1880 طور شخص أميركي يدعى روبرت دبليو باتن كان مشهوراً بتصرفاته الغريبة، ما سماه "القبعة المظلة"، إذ ألصق الجزء العلوي من المظلة التقليدية بغطاء للرأس، لكن اختراعه لم يحظ بشعبية كبيرة لقلة عمليته.
تستمر التطورات في تكنولوجيا المظلات والتصنيع في التحسن حتى يومنا هذا مع تقديم العديد من براءات الاختراع كل عام، إذ سجل مكتب براءات الاختراعات الأميركي 3 آلاف براءة اختراع متعلقة بالمظلة بحلول عام 2008، منها على سبيل المثال لا الحصر مظلة يمكنها تحمل رياح العواصف التي تصل سرعتها إلى 100 كيلومتر في الساعة من دون أن تنقلب من الداخل للخارج، ومظلة لحماية راكبي الدرجات الهوائية من رذاذ الوحل الناجم عن دوران العجلة الخلفية وثانية أمامية شفافة تمنع البلل ولا تحجب الرؤيا، ومظلة على شكل فقاعة تحمي مرتديها من المطر بالكامل، زوج من المظلات الصغيرة يثبت فوق فردتي الحذاء لوقايتهما من البلل، ومظلة لحقيبة الظهر وأخرى بمقبض معكوس تحتمي تحتها الكلاب الأليفة أثناء سيرها إلى جانب أصحابها.

ويوجد في لندن أقدم متجر مظلات في أوروبا والأشهر في العالم، ويبيع محل "جيمس سيمث آند صنز" المظلات الأنيقة منذ أكثر من 200 سنة، ولا تزال المظلات تستخدم في الاحتفالات الدينية للكنيسة الكاثوليكية كجزء من الشعارات البابوية والكنائس الأرثوذكسية الشرقية لتكريم شخص مهم أو شيء مقدس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


أنواع المظلات

- المظلة الكلاسيكية: هي النوع الأكثر شيوعاً من المظلات الحديثة القابلة للطي، وتكون مصنوعة عادة من عمود خشبي أو معدني، مثبت على مقبض خشبي أو بلاستيكي أو من العاج أو العظم، ويحمل هيكلاً مغطى بقماش من البوليستر أو نسيج قماشي ليفي دقيق.

- المظلة الأوتوماتيكية: يسمح تصميمها الآلي بفتحها وإغلاقها بيد واحدة بالضغط على زر موجود على المقبض، وعادة ما يكون حجمها صغيراً.

- مظلة الجيب: ذات وزن خفيف وبحجم صغير مثالي لسهولة حملها في جيوب السترات والحقائب.  

- مظلات الرياح: غالباً ما يكون استخدام المظلات العادية غير مجد في الطقس السيئ والأمطار الغزيرة والرياح العاصفة، لذلك يكون هذا النوع المتين هو الأنسب عندما تصل سرعة الرياح إلى حوالى 80 كيلومتراً في الساعة.

- المظلات الفنية: يقوم مصممو الأزياء المعاصرون بصناعة مظلات مخصصة للأعمال الفنية وعروض الأزياء، وغالباً ما تكون مصنوعة من مواد نادرة وثمينة وتحمل تصميمات معقدة، وقد تكون صالحة للاستعمال "العادي" في بعض الأحيان لكن بالتأكيد لا يستطيع الأشخاص "العاديون" تحمل كلفتها، ويصل سعر أغلى مظلة في العالم مصنوعة من جلد التمساح إلى 50 ألف دولار، وهي من تصميم دار "أنجيلو غالاسو" الإيطالية للأزياء.

- المظلات الورقية: على رغم عدم فائدته العملية، لا يزال هذا النوع الذي ظهر قبل أكثر من 2000 عام في الصين يحظى بقيمة كبيرة كرمز ديني وتقليدي، وليس كأداة في ثقافات العديد من الدول الآسيوية.  

 - المظلات الشمسية الكبيرة: توجد غالباً في المناطق العامة والشواطئ وتهدف إلى حماية مستخدميها من الحرارة وأشعة الشمس وتمكينهم من الاسترخاء والاستمتاع بوقتهم من دون التعرض لأضرار الأشعة فوق البنفسجية.

من أين جاء اسم المظلة؟

في اللغة العربية يعد الاسم واضح الدلالة، ووفقاً لقاموس المعاني فالمظلة أو الشمسية ما يستتر ويستظل به من الشمس أو المطر وغيرهما، وفي حين أن كلمة شمسية الأكثر شيوعاً في اللهجات العامية أو الدارجة بقيت محدودة الاستعمال للتعبير عن أداة للحماية، فإن كلمة المظلة اتخذت مدى أوسع يتخطى الاستخدام المادي، إذ يستعان بها للدلالة على نطاق تستظل تحته الأفكار والرؤى والمؤسسات وأحياناً الدول ذات القواسم المشتركة.
لكن كلمة umbrella المستخدمة بالإنجليزية ومشتقاتها مثلOmbrello  الإيطالية Sombrilla والإسبانية فهي مستمدة من الكلمة اللاتينية "umbra" وتعني الظل أو المُظلل، وورد أول استخدام لها في قاموس أوكسفورد في عام 1610.
والكلمة الأخرى Parasol المتداولة باشتقاقاتها المختلفة parapluie بالفرنسية وparaply  بالسويدية، فهي لاتينية أيضاً ومكونة من شقين para وتعني الوقاية من و sol وهي الشمس.
وحين تفاجئك السماء بمطر مباغت وتمد يدك إلى حقيبتك لتشهر مظلتك من غمدها في الوقت المناسب فتجدها على أهبة الاستعداد لحمايتك، ولا يسعك إلا الشعور بالامتنان وهو يقطر في داخلك تجاه أسلافنا على هذا الاختراع الذي لا يزال يحسن من أسلوب حياتنا ويساعدنا في العيش بسهولة وراحة أكبر تحت أشعة الشمس الملتهبة وبلل أمطار الشتاء والصيف.

المزيد من تحقيقات ومطولات