مع احترار الكوكب، بوسع الأشجار أن تزود المدن بكثير من الفوائد من خلال امتصاص الكربون من الجو وتقديم الظلال الضرورية خلال أشهر الصيف الحارة.
ولكن، وجدت دراسة حديثة بأن المدن حول العالم أصبحت محيطاً قاسياً بالنسبة إلى عديد من أصناف الأشجار، ويمكن أن يصبح أشد قسوة مع تفاقم الأزمة المناخية.
وتضيف الدراسة بعداً جديداً على التحديات التي يواجهها المخططون المدنيون والمسؤولون المحليون في ما يتعلق بإبقاء المدن مكاناً مرحباً وممتعاً للنباتات والإنسان على حد سواء.
وكتب مؤلفو الدراسة "نشدد على أهمية اتخاذ الإجراءات الفورية في ما يتعلق بحالات الطوارئ المناخية لضمان استمرار الغابات المدنية وثباتها".
ونظر الباحثون في أكثر من 3000 صنف من الأشجار في 164 مدينة مختلفة من الولايات المتحدة إلى جنوب أفريقيا وصولاً إلى الصين.
وتبين أن أصناف الأشجار المختلفة التي تطورت ونمت في أماكن مختلفة من العالم، ستحتاج إلى حاجات مختلفة للحفاظ على صحتها. وقد تفضل بعض الأشجار، كتلك التي تعيش عادة في الغابات المطيرة على سبيل المثال، ظروفاً مناخية حارة ورطبة، فيما قد تفضل أنواع أخرى كالأشجار من المناطق الجبلية مساكن باردة وجافة.
وبحث الفريق في مستويات درجات الحرارة وظروف هطول الأمطار التي يفضلها كل صنف من الأشجار ومن ثم قارنوا ذلك مع درجات الحرارة والمتساقطات حالياً وفي نماذج مستقبلية تشهد تغيراً مناخياً. ونشرت النتائج يوم الإثنين في مجلة "نايتشور كلايمات تشاينج" Nature Climate Change.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حالياً، تعيش 56 في المئة من أصناف الأشجار في مناطق مع درجات حرارة لا تتلاءم مع تلك الأصناف، بينما تعيش 65 في المئة من الأصناف في أماكن نسبة المتساقطات فيها غير مثالية.
بيد أن ذلك لا يعني بأن تلك الأشجار ستموت، فقد أشار مؤلفو الدراسة إلى أن المدن قد تتخذ خطوات كري بعض الأشجار أو إلى أن أصناف الأشجار قد تكون أكثر مرونة وباستطاعتها الاستمرار حتى وإن لم تكن تكبر وتنمو.
ومع ازدياد الأزمة المناخية سوءاً، قد توضع هذه المرونة على المحك بشكل أكبر. ووجد الباحثون أنه بحلول عام 2050 وضمن سيناريو يشهد كمية معتدلة من انبعاثات غازات الدفيئة في المستقبل، ستكون 76 في المئة من أصناف الأشجار الحضرية تعيش خارج نطاق درجات الحرارة المفضلة و70 في المئة ستعيش خارج نطاق معدل المتساقطات التي تحتاج إليها.
وبحسب وكالة حماية البيئة الأميركية، ستكون المدن بحاجة إلى مزيد من الأشجار مع الاحتباس الحراري وليس العكس. وبسبب كل الأسفلت والأسمنت والزجاج في المدينة، من شأن المناطق المدنية أن تصبح أكثر حراً من المناطق المحيطة بها خلال الصيف وقد يبلغ الفارق سبع درجات فهرنهايت أو أربع درجات مئوية.
ومع تحول فصول الصيف إلى حارة بشكل كبير، من المحتمل أن يصبح هذا الفارق أكثر قسوة لسكان المدن بيد أنه بوسع الأشجار أن تساعد.
فيمكن أن تكون المساحات المظللة بالأشجار في المدن أقل برودة بدرجة 45 فهرنهايت (25 درجة مئوية) مقارنة بالمساحات غير المظللة خلال يوم صيفي شديد الحر.
نتيجة لذلك، قد تكون المناطق التي تتمتع بمساحات خضراء أكبر أكثر برودة من المناطق التي تفتقر إلى المساحات الخضراء والأشجار بشكل كبير. ووجد تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" عام 2019 بأن درجات الحرارة تلك في بعض المدن الأميركية في يوم حار قد تتفاوت بنسبة 15 درجة فهرنهايت (ثماني درجات مئوية) بين المساحات المظللة بالأشجار وتلك غير المظللة.
وأشارت وكالة حماية البيئة إلى أنه إضافة إلى تبريد حرارة المدينة، بوسع الأشجار أن تساعد في تصفية جريان مياه الأمطار وامتصاص ثاني أكسيد الكربون وتقدم مسكناً للحيوانات كالطيور التي تسكن في المدينة وتعتبرها موطنها.
وبهدف ضمان استمرار المدن على جني هذه الأنواع من الفوائد من الأشجار، يقترح مؤلفو هذه الدراسة الجديدة بأن يفكر الأشخاص المسؤولون عن إدارة "الغابات المدنية" في ما سيبدو عليه المناخ بعد عقود من اليوم عندما يقررون كيف يزرعون الأشجار ويعتنون بها.
نشر في "اندبندنت" بتاريخ 20 سبتمبر 2022
© The Independent