Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اختلاف بمواصفات الفرقاء لرئيس لبنان المقبل

كتلة التغييريين تنتقل إلى اقتراح أسماء المرشحين وشخصية من "8 آذار" تحجب المساعدات عن البلد

على مجلس النواب اللبناني انتخاب رئيس جديد للجمهورية في مهلة أقصاها 31 أكتوبر المقبل (رويترز)

أشبعت القوى السياسية اللبنانية الفضاء الإعلامي والسياسي بالحديث عن مواصفات رئيس الجمهورية العتيد الذي يفترض انتخابه في مهلة أقصاها 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، لتجنب آفة الشغور الرئاسي التي اعتاد لبنان على الوقوع فيها كل ست سنوات بعد انتهاء ولاية الرئيس الذي سبق، وبات الإيفاء بهذا الاستحقاق الدستوري يحتاج إلى الانتقال للبحث بين الكتل النيابية بالأسماء التي تجسد هذه المواصفات، مع بعض التنازلات لاختيار الأكثرية النيابية الشخص المؤهل لقيادة المرحلة المقبلة المحفوفة بالمخاطر الكبرى على الصيغة اللبنانية.

معسكران ورفع السقف وترقب الطعون

لم يترك معظم الفرقاء أوصافاً في القاموس اللغوي والسياسي إلا القليل، في تحديد شخصية الرئيس المقبل، فرفع بعضهم السقف المطلوب من الشخصية المارونية التي ستتبوأ المنصب المسيحي الأول في البلد، فيما ترك عديد منهم الباب مفتوحاً من أجل التوصل إلى تسوية ما بين معسكرين واسعين يعكسان الانقسام السياسي الذي يعيشه البلد جراء الأزمة السياسية التي تعصف به منذ سنوات، والخلاف على طبيعة السلطة العليا وتوجهاتها الداخلية والخارجية، التي تسببت بالأزمة الاقتصادية المالية غير المسبوقة في تاريخه.

وهذان المعسكران يتوزعان كما هو معروف بين فريق السياديين والاستقلاليين والإصلاحيين والتغييريين الذين يشكلون أكثرية الأحزاب والزعامات السياسية في الطوائف المسيحية والسنية والدرزية من جهة، ويتمتعون بأكثرية 67 نائباً في البرلمان من أصل 128 نائباً، وبين الفريق الممانع الذي يضم الأكثرية العظمى من الطيف السياسي في الطائفة الشيعية  الممثلة بـ "الثنائي الشيعي" ومعه حلفاء وازنون في الطائفة المسيحية وبعض القوى السياسية في الطائفة السنية بقيادة "حزب الله"، ويبلغ عدد نوابه 61 نائباً من جهة ثانية، ويصنف رئيس الجمهورية ميشال عون في عداده. مع الإشارة إلى وجود مراهنة لدى بعض قيادات المعسكر الثاني على أن تصدر أحكام الطعون القانونية المقدمة بنتائج الانتخابات النيابية في مايو (أيار) الماضي، التي نقلت الأكثرية إلى المعسكر السيادي، عن المجلس الدستوري قبل نهاية أكتوبر فتخفض من نواب الأكثرية لدى السياديين وتغير من حسابات الاستحقاق الرئاسي.

مواصفات مناقضة لصفات عون؟

وأظهرت المواصفات التي طرحها قادة الأحزاب المختلفة تباينات ضمن كل من المعسكرين الكبيرين، على الرغم من أن كثيراً من تلك المواصفات شهدت تقاطعاً في المواقف، ولو اللفظية بين بعض الخصوم، لكن اللافت أن بعض الزعامات والمراجع طرح مواصفات تتقصد الإيحاء بألا يكون شبيهاً بمواصفات الرئيس عون المنقضية ولايته الذي كان مريدوه يصفونه بالرئيس القوي.

أبرز المراجع التي ترك سردها لمواصفات الرئيس الجديد دلالات مهمة، هي البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي رأى أن "الرئيس المتجرد هو الرئيس القوي"، ودعا إلى انتخاب رئيس للجمهورية "يستعيد علاقات لبنان العربية ويخرجه من سياسة المحاور"، ما يعني أن المطلوب رئيس نقيض للرئيس عون نظراً إلى تدهور في العلاقة في عهده مع دول الخليج العربي. ولذلك دعا إلى أن "يصب الرئيس الجديد قواه على تعزيز استقلال لبنان وسيادته وهويته الأصيلة من خلال شرعية ملتزمة الدستور والميثاق". وطالب المرشحين بطرح برامجهم أمام الرأي العام.

تناقض ضمن فريق الممانعة

ومن مظاهر تناقض المواصفات داخل كل معسكر، أن رئيس البرلمان نبيه بري المعروف بغياب الكيمياء بينه وبين الفريق العوني، على الرغم من تصنيفهما ضمن فريق الممانعة، ركز على القول "سنقترع للشخصية التي تجمع ولا تطرح ولا تقسم، وللشخصية التي توحد ولا تفرق، وللشخصية التي بقدر ما تحتاج إلى حيثية مسيحية هي أيضاً تحتاج إلى حيثية إسلامية وقبل هذه وتلك الحيثية الوطنية". وفي الوقت نفسه، رد بري على دعوة رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع إلى انتخاب رئيس يتحدى سياسات "حزب الله" والتوجهات التي تنتقص السيادة، فأشار إلى أنه "سنقترع للشخصية المؤمنة بالثوابث الوطنية والقومية القادرة على مجابهة التحدي لا أن تكون هي التحدي لإرادة اللبنانيين".

لكن رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل رد على بري بالقول "الرئيس الماروني يجب أن يكون عنده أولاً حيثية تمثيلية مسيحية وينطلق منها للحصول على الحيثية الإسلامية، وليس كما يريده البعض المتباكي على أهمية الدور المسيحي، بحيثية إسلامية مسقطة عليه من دون أن يمتلكها وبعري مسيحي". ومن المعروف أن باسيل ليس مع دعم ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، الذي يميل حليفه "حزب الله" إلى مساندته من دون الإعلان عن ذلك رسمياً، في انتظار اتضاح مواقف الكتل النيابية كافة، ويتميز موقف فرنجية الذي بقي على خلاف مع الفريق الرئاسي الحالي سنوات عدة، بحديثه عن "الرئيس الاستيعابي المنفتح المستعد لاستيعاب كل خصومه، هو الذي يصل ويحقق، والرئيس الذي يستوعب الناس هو الرئيس القوي"، ويأمل فرنجية أن يؤدي خطابه هذا إلى اجتذاب بعض القوى التي تسعى إلى التوافق، كي تؤيده، ومنها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، على الرغم من اعتباره أنه سيستفز قوى مسيحية أخرى في جبهة السياديين لتحالفه الوثيق مع "حزب الله" والقيادة السورية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما أن فرنجية يأمل من وراء كلامه الاستيعابي الحصول على تأييد بعض النواب السنة، لكن العقبة الرئيسة أمام هذا الخيار تكمن في الموقف الداخلي والخارجي الذي يرفض رئيساً من قوى "8 آذار" التي يقودها "حزب الله" وتوالي المحور الإيراني، ما يعني أن مجيء رئيس ينتمي إلى هذا المحور سيكرس عدم تقديم مساعدات مالية للبنان من أجل الخروج من أزمته الاقتصادية.

لكن "الحزب" الذي يتجنب طرح مواصفات الرئيس العتيد يراهن على عامل الوقت، فيدلي بدلوه عندما يرى أن الظرف الإقليمي والالتزامات من سائر الفرقاء تتيح التصويت لمرشح يطمئن إلى موقفه من الاحتفاظ بسلاحه خلال عهده.

التباينات ضمن الفريق السيادي

في الجهة المقابلة وضمن المعسكر السيادي، برز تباين حول بعض المواصفات التي أشار إليها جنبلاط الذي فتح حواراً مع "حزب الله" من موقع "الاختلاف" كما يقول، فهو دعا إلى رئيس "لا يشكل تحدياً لأحد وألا يكون استفزازياً"، وترددت معلومات أن هذه الصفة أدت إلى نقاش بين جنبلاط وبين وفد قيادي من "الحزب" التقى به فتبلغ بأن "حزب الله" ليس مع دعم النائب باسيل للرئاسة، من دون أن يخوض في أي نقاش معه حول الأسماء الأخرى المطروحة، كما أن جنبلاط دعا إلى رئيس يكون شبيهاً بالرئيس الراحل الياس سركيس الذي تولى المنصب بين 1976 و1982 (وهو من المدرسة الشهابية المعتدلة) "يستطيع إعادة مد جسور التواصل مع الخارج"، ويعبر جنبلاط عن هذه المواصفات انطلاقاً من اعتقاده أيضاً بأنه لا بد من الحوار مع "حزب الله" في شأن الاستحقاق الرئاسي، من دون أن يعني القبول بالمرشح الذي يدعمه أو سيسانده.

إلا أن رئيس حزب "القوات" جعجع  لا يرى أن "ما يسمى بالرئيس التوافقي يمكن أن يدفع الأمور باتجاه الحل، والدليل تجربتنا خلال العقود الماضية"، ويعتقد جعجع بالنسبة لـ"حزب الله" أنه "لا يمكن أن نجد حلاً وسطاً بين المصلحة الوطنية العليا وأيديولوجية ورؤيوية وفهم هذه المصلحة من قبل هذا الحزب الذي يعد جزءاً لا يتجزأ من المشروع الإيراني"، مؤكداً أن "كل دعوة ترمي إلى أن نتفاهم مع محور الممانعة على الرئيس مرفوضة". وسأل "إذا لم نأت برئيس يتحدى سياسات جبران باسيل وحزب الله فكيف سيتم الإنقاذ؟"، لكنه عاد ليقول "هذا لا ينفي أنه يجب أن يكون الرئيس المقبل قادراً على التواصل مع كل الفئات اللبنانية، ولكن إذا فشلت جهوده عليه اتخاذ وتنفيذ القرارات اللازمة من أجل إخراج البلاد من الأزمة وصون سيادتها واستقلالها والانتظام العام للمؤسسات فيها، وهذا ما لا يمكن للرئيس التوافقي القيام به".

لرئيس يقول "كفى"

ويلاقي نواب مستقلون وبعض الكتل الأخرى موقف جعجع أبرزهم حزب "الكتائب" الذي قال رئيسه النائب سامي الجميل "نريد رئيساً يقول كفى ويضع حداً لتأجيل المشكلات، ولا نقبل أن نعيش يوماً إضافياً كالسنوات الست التي مرت"، وأشار إلى أن "مسعى الاتفاق على اسم واحد لرئاسة الجمهورية يتوقف على قدرة المعارضة على التعالي عن المصالح الشخصية والحسابات الضيقة"، نافياً التباينات داخل المعارضة حول مواصفات الرئيس المقبل يؤتمن على سيادة البلد، إصلاحي وقادر على العمل وجامع لكل اللبنانيين وأن يكون ضامناً لسيادة لبنان، والتشدد في بعض صفات الرئيس ضمن هذا المعسكر دفع النائب الكتائبي نديم الجميل نجل الرئيس الراحل بشير الجميل في الذكرى الأربعين لاغتياله إذ قال "إما رئيس صنع في لبنان، أو لا رئيس، وهذه مسؤوليتنا كلنا".

أما المواصفات التي طرحتها كتلة النواب التغييريين الـ 13، فعددتها داعية إلى أن يكون فوق الأحزاب والأطراف والاصطفاف، وملتزماً الدستور، ومتسلحاً بثقافة القانون وواعياً انتماء لبنان العربي وعلاقاته الجوهرية مع الدول العربية، وإيمانه المطلق بالقضية الفلسطينية والتزاماته الدولية، كما طالب هؤلاء بأن "يستعيد الصلاحيات السيادية الأمنية والدفاعية والمالية والاقتصادية للدولة".

مع ترقب الأسابيع القليلة المقبلة، فإن التحدي أمام القوى السيادية يكمن في التوافق على اسم الرئيس، خصوصاً أن كتلة النواب التغييريين الـ 13 التي قامت على مدى أسبوع كامل بمشاورات حول مواصفات الرئيس العتيد تنوي الانتقال إلى جولة مشاورات أخرى الأسبوع المقبل تطرح خلالها اسمين أو ثلاثة من أجل الاختيار بينها.

المزيد من تحلیل