Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التباكي الغربي

أزمة الطاقة جعلت أوروبا تطوح بعيداً بما تعانيه الكرة الأرضية من الاستخدام المفرط للوقود الأحفوري

أوروبا تتنفس النفط وأوكسجينها الغاز منذ أوائل القرن الـ 20 ومذ ذاك تحولت مسألة الوقود الأحفوري إلى لعبة الحرب والسلام (أ ف ب)

"لا حاجة بنا لابتياع تذاكر سينما لمشاهدة أفلام الرعب، إذ يكفي أن نفتح التلفاز ونشاهد الأخبار".

كان هذا تعليق الكاتبة بريوني جوردون حول واقع حال "ميديا الغرب" منذ سنوات، واليوم زاد الطين بلة، فقد احتشد قطاع كبير من الشعوب الأوروبية في صعود لا مثيل له لشعبوية كاسحة دفعت باليمين المتطرف إلى المقدمة في السويد، مما يجعل للزعيم اليميني جيمي أوكسون وحزبه تأثيراً مباشراً في السياسة السويدية للمرة الأولى في تاريخ السويد المعاصر.

يحدث هذا بينما القادة السياسيون الأوروبيون يبثون الخوف، وهو الخيط المشترك الذي يربط تحركاتهم السياسية، فيتباكون على حال قارتهم مع الشتاء القارس والظلام الدامس الذي سيعم بلدانهم إثر حرب أوكرانيا وقطع الدب الروسي بوتين إمدادات الغاز، وصولاً إلى شح النفط في العالم مما أدى لارتفاع كلف الكهرباء.

إن أوروبا تتنفس النفط وأوكسجينها الغاز منذ أوائل القرن الـ 20، ومذ ذاك ومسألة الوقود الأحفوري المسألة الرئيسة التي سرعان ما تحوّلت إلى لعبة الحرب والسلام، وقد كان وقود الغرب هذا مسألة خارجية وداخلية في كل دول الغرب، ومن هنا فهو مسألة متعلقة بالديمقراطية، وبخاصة الانتخابات التي جعلت النفط والغاز على رأس قائمة الأحزاب والمرشحين من جهة، وتحويل الأزمات الداخلية إلى مسألة خارجية أيقونتها النفط ثم الغاز من جهة أخرى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والشيء بالشيء يذكر، فأشهر الوقائع المماثلة هي أزمة النفط التي بدأت في الـ 15 من أكتوبر (تشرين الأول) 1973، عندما قام أعضاء منظمة الدول العربية المصدرة للبترول (أوابك) بإعلان حظر نفطي من أجل دفع الدول الغربية نحو إجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة في حرب 1967.

(أوابك) أعلنت أنها ستوقف إمدادات النفط إلى الولايات المتحدة والبلدان الأخرى التي تؤيد إسرائيل، وفي الـ 26 من نوفمبر (تشرين الثاني) 1973 عقدت قمة عربية في الجزائر قررت أن تترك المجال لكل دولة لتخفض من إنتاجها النفطي كما شاءت، وفي الـ 27 من نوفمبر أعلن الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون قانون توزيع النفط في حالات الطوارئ، ثم في الـ 17 من مارس (آذار) أعلن وزراء نفط الدول العربية باستثناء ليبيا نهاية الحظر المفروض على الولايات المتحدة.

عندئذ غدا الشرق الأوسط، وبخاصة دوله النفطية العربية حائط مبكى لزعماء الغرب الذين أظهروا العرب كمصاصي دماء ومسببي دمار الحضارة البشرية، وبات قطع النفط المحدود مشروعاً للانهيار العالمي بعد سقوط حضارة الغرب.

لقد اتخذت "الميديا" الغربية من تلك المسألة ذريعة لنشر الخوف، فيما انبرى الزعماء لبث القلق على مستقبل الوجود البشري من تهديد عرب الـ "بترودولار"، وأطلقت على العرب جملة تسميات شنيعة، فقام مفكرون وكتّاب بتأليف كتب تحرض ضدهم، وأنتجت السينما الأميركية ما أنتجت بالخصوص.

وباختصار تحولت حال التباكي بقدرة قادر إلى حرب عنصرية شعواء مما أسهم في خلق قاعدة التطرف الديني بالمنطقة في ما بعد.

هذا سلوك سياسي وثقافي يمنع النقاشات السياسة الجادة، فالجمهور الذي يحس بأنه تحت طائلة هجوم شرير يدعم كل سياسة تبنى على عدم التفاهم أو التفاوض مع مصدر الشر، فالشر يجب أن يقاتل حتى النهاية، كما يشير إلى ذلك الشعار الشهير "إما نحن أو هم"، وهكذا يستعمل الخوف كأداة سياسية لتجنب النقاش السياسي وتفادي الخيارات السياسية الصعبة.

ومما يكشف عن أن العقلانية الأوروبية قشرة تسلخها أية أزمة مهما صغرت، وأن اللاعقلانية لب قارة الحرب/ أوروبا، فاللاعقلانية تتمثل في نشر القلق وتشويه الواقع والترويج للخوف من المستقبل، وهذه المقاربة تشوب أوروبا عند كل أزمة فتكون السماد المقوي لليمين ولمتطرفيه بخاصة، فالحرب الأوروبية الكبرى الأولى كانت الأرض الخصبة للفاشية والنازية، ثم الحرب الكبرى الثانية، وكأن الوضع المميز للرخاء في القارة هو الأرض الرخوة التي تنبت الخوف وتعمم القلق، بخاصة أن القادة السياسيين يحرزون دورهم كقادة من القاعدة الشعبية التي يتملقونها ويتزلفون إليها، وعادة ما يكون التزلف بالوعود بمزيد من الرخاء، أما من أين وكيف يأتي هذا الرخاء فالمسألة لا تخص تلك القاعدة، بل كثيراً ما تقوم "الميديا" وحتى بعض المفكرين بتمويه تلك المسألة.      

ومع هذا التباكي بات من لزوم ما يلزم تناسي ثقب الأوزون، فارتفاع درجات الحرارة الذي ساد العالم جعل صيف أوروبا جحيماً، وعليه فالألزم إعادة استخدام الفحم الحجري وتشغيل المحطات النووية كما في ألمانيا التي لديها احتياط من الوقود تجاوز احتياط العام الماضي.

إن التباكي الغربي يطوح بعيداً بما تعانيه الكرة الأرضية من الاستخدام المفرط للوقود الأحفوري، وما تواجهه من خطر الجوع، وقد عم الجفاف أوروبا، فما بالك بالقارة المعوزة أفريقيا التي حولت إلى قارة يتعارك الأقوياء فيها على إعادة استعبادها، فيغطي التباكي الغربي اللاعقلاني الشمس بالغربال ليس إلا.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل