Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تكاليف المدارس تجبر الأهل على تغيير خططهم التعليمية في مصر

موجة نزوح إلى المدارس الحكومية بعد الزيادة المفاجئة في مصروفات نظيرتها الخاصة ولا بدائل تناسب متوسطي الدخل

تواجه الأسر المصرية أزمة في تدبير مصروفات المدارس بعد الارتفاع الطارئ وغير المتوقع (أ ف ب)

لا شك في أن ارتفاع نسب التضخم الاقتصادي أجبر المواطن العالمي على اكتساب مهارات إجبارية، للقفز على الأزمات التي تلاحقه في جميع مناحي الحياة، فالتسوّق بات عملية مرهقة للغاية، وبحاجة إلى الحساب الدقيق لتقييم المخاطر والحاجات، وعمل مواءمات وتوازنات، وتعلم البحث طوال الوقت عن بدائل، لأن السلعة المعتادة في كثير من الأوقات لم تعد متوافرة، وحتى إذا توافرت فقد أصبحت بسعر أكبر بكثير من قيمتها بفعل أمور كثيرة.

لكن ما بديل التعليم، ما بديل المستقبل؟ وكيف يمكن تغيير الخطط الدراسية بشكل مفاجئ وإجباري؟ هي أسئلة تتزامن مع الموسم الدراسي 2022 - 2023، الذي يشكل عبئاً قاسياً على الأهل بأغلب مستوياتهم، إنه وقت الاستشارات المريرة التي جعلت العوائل تتخذ قرارات مصيرية، وإجراءات لم تكن لتفكر بها أبداً في ما يتعلق بالقرارات الدراسية الخاصة بالأبناء.

فإذا كان من السهل على الأبوين الاستغناء عن تفاصيل الرفاهية في أثناء استعدادهم للعام المدرسي، والنزول بالطموحات وشراء مستلزمات بأسعار أقل بجودة متوسطة، لكن كيف سيمكن تدبير هذا الارتفاع الطارئ وغير المتوقع في مصاريف العملية التعليمة ذاتها بأساساتها، التي تطلبها المدارس الخاصة بأنواعها من دون تهاون أو احتمالية في التخفيض، وكل ما يحدث أنه يجري تقسيط المبلغ على دفعات تأتي سريعاً بفاصل زمني صغير وغير مسموح بالتقاعس في السداد بالمرة.

اختيارات متعددة ضاقت فجأة!

تتسع شرائح التعليم في مصر وتتشعب، فهناك الحكومي الذي ينقسم ما بين التجريبي والعربي، وهناك الخاص أو ما يسمى اللغات، وهناك الدولي بأنواعه، سواء أكان على النظام الأميركي أو البريطاني أو حتى الألماني أو الفرنسي، وهناك ما هو مزيج بين الدولي والقومي، فالاختيارات متنوّعة، حيث كانت العائلات متوسط الدخل لديها متسع من المدارس تختار من بينها مبتعدة عن المدارس الحكومية ذات الكثافة الطلابية العالية في الفصول.

لكن التضخم الاقتصادي الذي بدأ منحناه في الارتفاع منذ أشهر، ولا يزال في طريقه إلى القمة جعل الأسعار تقفز في جميع الخدمات، لتصعد مصروفات السنة الدراسية بالمدرسة الخاصة المتوسطة، لتوازي تقريباً ما كان يدفع في مثيلتها التي تتبع نظاماً تعليماً دولياً معروفاً أنه اختيار مرتفع التكلفة. فالأولى متوسط أسعارها كان يتراوح بين 750 إلى 1200 دولار أميركي، لكن في سنة التضخم هذه، التي انقلبت فيها الخطط، وتبدّلت فيها الأحوال، ارتفعت الأسعار لتقارب الألفي دولار في بعض الأوقات، وهو مبلغ كان يمكن من خلاله أو بإضافات بسيطة أن يكفي لمصروفات سنة تعليمية في بداية المرحلة الابتدائية بمدرسة دولية، وهي شريحة مختلفة تماماً في ما يتعلق بالدخل. هنا جاء وقت القرارات الصعبة التي قامت بها بعض الأسر سريعاً لأن الأمر لم يكن ممهداً له، فالمتوقع أن تزداد المصروفات في كل عام بشكل تلقائي بنسبة 7 في المئة تقريباً، لكن الأمر تجاوز تلك النسبة بكثير.

فبعيداً من قائمة المستلزمات الدراسية، مثل الدفاتر والأقلام والأدوات التي ارتفعت أسعارها من 20 إلى 40 في المئة، بحسب شعبة الأدوات المكتبية في مصر التي هي على الرغم من كل الضغوط يمكن التحايل عليها وحل أزمتها، لكن تقف الأسر عاجزة عن هذا الارتفاع الضخم في المصروفات الدراسية الذي يصاحبه كذلك ارتفاع في أسعار السيارات التي تنقل الطلبة يومياً من وإلى المدرسة والعكس بنسبة تصل إلى 40 في المئة بعد تحريك أسعار المحروقات.

جودة متوسطة بمصاريف باهظة

شذا خالد، أم لطفلين كانا في مدرسة خاصة، ذات نظام مزدوج حيث يقضي ابناها وكلاهما في المرحلة الابتدائية يومهما في فصل كثافته العددية أقل كثيراً من نظيره الرسمي، ويدرسان المناهج الحكومية مع زيادة بعض المواد لتقوية اللغة الثانية وهي الإنجليزية مثلما هي عادة أغلب المدارس الخاصة. لكن كل ذلك أصبح من الماضي فقد اضطرت الأم لأن تتخذ قراراً بنقل الطفلين إلى مدرسة تجريبية، لافتة إلى أنها قامت وزوجها بعمل دورة كبيرة من الزيارات للمكاتب الإدارية بوزارة التربية والتعليم، كي تتمكّن من الحصول على الموافقة بنقلهما في التوقيت المناسب، لافتة إلى أنها كانت محظوظة لأن عائلات أخرى فشلت في أن تنجز تلك المهمة نظراً إلى ضيق الوقت، مؤكدة أنها لم تكن لتتخذ هذا القرار أبداً. لكن لم يعد هناك حل آخر نظراً لأن راتبها وكذلك راتب زوجها لا يزالان في المستوى نفسه، بينما أصبحت المدرسة في غير المتناول بالنسبة لهما.

ما يضايق الأم الشابة هو أنها نقلت الطفلين من دون تمهيد إلى عالم مختلف بالنسبة لهما بعد أن كونا صداقات على مدار أعوام واعتادا على نظام تعليمي معين، وهو أمر تصفه شذا خالد، التي تعمل في مجال المبيعات بشركة خاصة، أقسى عليها من فكرة تبديل المناهج، لأنها ترى أنها يمكن أن تقوم بتقوية اللغة عند ابنيها باجتهادها الشخصي وبالمتابعة معهما، لكن الجانب النفسي بالنسبة لهما قد تضرر بحسب ما توضح الأم.

موسم الخيارات الصعبة

بالطبع هذا الارتفاع في المصروفات يكون تأثيره أكبر حينما يتعلق بالمراحل التعليمية الإعدادية والثانوية، حيث إنه بخلاف التكاليف الأساسية للدراسة، هناك مصاريف إضافية تتعلق بالدروس الخصوصية، وحتى هناك أنشطة واختبارات بعينها تكون بمقابل مادي منفصل. وهو الأمر الذي يجده محمود كامل الذي يدير محلاً تجارياً لبيع الملابس، يمتلك أحد فروعه، مبالغاً فيه تماماً بالنسبة له، حيث إنه وجد نفسه في ورطة، فلديه ابنة في الصف الأول الإعدادي والثاني في الثالث الإعدادي، وكلاهما في مدرسة دولية ارتفعت مصاريفها هذا العام بمقدار 50 في المئة، وكذلك تكلفة "الباص" زادت بالمقدار نفسه، حيث قال إنه لم يأخذ وقتاً طويلاً في التفكير فقد قرر نقل الفتاة لتقضي الثلاثة أعوام الخاصة بالمرحلة الإعدادية في مدرسة حكومية، وبعدها سينقلها مرة أخرى للمدرسة الدولية، لتحصل على شهادة الثانوية العامة منها، لتكون فرصها في التعليم الجامعي أوسع، بحسب رأيه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بينما لم يتمكن من اتخاذ مثل هذا الإجراء مع الابن الأكبر، باعتباره أنه سينتقل للمرحلة الثانوية بعد عام واحد، وعليه سيتحمل المصروفات الضخمة مضطراً، لكنه سيستغني عن الاشتراك في خدمة النقل التي تتيحها المدرسة، على أن يوصله بنفسه.

وهذه الحيلة بشكل عام تقوم بها كثير من الأسر منذ سنوات طويلة، حيث يسجلون أبناءهم في مدارس حكومية لا تتجاوز مصاريفها الأساسية السنوية الخمسين دولاراً أميركياً، وخلال فترة دراستهم بها، يقوم الأهل بإعدادهم عن طريق منحهم دروساً إضافية في اللغات. وبعد أن يصلوا للمرحلة الثانوية ينقلونهم إلى مدارس دولية، ليحصلوا على شهادتها، وهو تصرف يوفر على الأسر آلاف الدولارات خلال مراحل التعليم من الروضة وحتى الإعدادية، وهي تتراوح بين 9 إلى 11 عاماً.

ادخار لمرحلة أكثر صعوبة

الباحثون عن نظام تعليمي مختلف عن الحكومي الرسمي وأمنوا لأبنائهم بصعوبة مكاناً في مدارس تلائم ظروفهم المعيشية وتتراوح بين المتوسطة والجيدة والمتميزة، تلقوا ضربة موجعة هذه السنة، فبحسبة بسيطة فإن متوسط تكلفة السنة الدراسية متضمن المصروفات وثمن الكتب والأدوات المكتبية ووسيلة النقل اليومية، في مدرسة معقولة سيصل إلى 2500 دولار، وهو رقم مثلاً يتجاوز ستة أشهر من دخل "ع. ب"، الذي يعمل محاسباً، مؤكداً أنه كان يتمكّن من سداد مصروفات مدرسة ابنه عن طريق عمل "الجمعيات"، وهي طريقة للادخار معروفة بمصر يشترك بها مجموعة من الأشخاص عن طريق دفع مبلغ شهري، يتقاضاه مجموعاً كل منهم بحسب الدور، لكن في رأيه أن المشكلة لم يعد لها أي حل في تلك الظروف، نظراً إلى أن تكلفة الدراسة ارتفعت ومعها تكاليف بقية بنود المعيشة، بالتالي لم يعد قادراً بالمرة على الوفاء بما كان يفعله من قبل، لافتاً إلى أنه اضطر إلى نقل طفله وهو في الصف الخامس الابتدائي إلى مدرسة أقل في المستوى آملاً في تحسّن الأوضاع مستقبلاً، مضيفاً أنه في أسوأ الأحوال، وإذا لم يتمكن من تغيير المدرسة يمكنه أن يدخر الأموال لابنه لتساعده على المرحلة الجامعية، بخاصة أن ظروف التعليم الجامعي في مصر حالياً أصبحت في أغلبها تتجه إلى الجامعات الخاصة ذات التكلفة العالية مع أزمة التنسيق.

وهي نقطة أصبحت تؤرق الأهالي في السنوات الأخيرة، بخاصة أن نظام الامتحانات في حلته الجديدة في المرحلة الثانوية بات يشكّل أزمة للكثيرين، بالتالي تأتي الدرجات على غير المتوقع، فيجد الطالب نفسه أمام خيارين أصعب من بعضهما بعضاً، إما أن يدرس مجالاً لا يطمح إليه بجامعة حكومية ذات مصاريف بسيطة، أو يلتحق بجامعة خاصة تتيح له دراسة تخصص يحقق له أحلامه.

لكن مع مصروفات دراسية أكبر بكثير تبدأ عادة بألف و500 ألف دولار أميركي، وقد تصل إلى 7 آلاف دولار، بحسب مجال الدراسة، بالتالي أصبح التخطيط لمستقبل الأبناء في الدراسة الجامعية يتضمن هذا البندـ فقد كانت الجامعات الخاصة فيما قبل اختياراً بعيداً من أغلب العائلات، لكنه الآن أصبح أساسياً، وهي معضلة تعليمية ذات شجون أخرى.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات