Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل من مؤامرة وراء خلافات الحدود العربية؟ 

النزاعات ليست حكراً على دولنا وحدها فهي ظاهرة دولية تطفو على السطح في بعض المناطق وتخمد في أخرى

حرس الحدود الجزائري يقومون بدوريات على طول الحدود مع المغرب (أ ف ب/غيتي)

تعد النزاعات الحدودية بين الدول العربية واحدة من أخطر المشكلات التي تحيق بالوطن العربي وتهدد علاقات البلدان في ما بينها، وعلى الرغم من أن كثيراً منها ظل قائماً إلى يومنا هذا من دون الوصول إلى مرحلة الاشتباك المسلح، لكنها باتت بمثابة القنابل الموقوتة التي ربما تنفجر في أي وقت مثلما حدث بين المغرب والجزائر في 1963 من صراع مسلح ومن ثم غزو العراق للكويت في أغسطس (آب) 1990.

هذه النزاعات والخلافات الحدودية تطرح تساؤلات من أهمها هل هناك مؤامرة غربية هدفها إبقاء الدول العربية مشغولة بنزاعاتها الحدودية؟ ولماذا نجحت بعض الدول العربية في حل خلافاتها الحدودية بطريقة حضارية بينما فشلت أخرى؟ وهل هناك ضرورة في الأساس لإقامة هذه الحدود؟ وما مدى مشروعية تدخل الأمم المتحدة في ترسيم هذه الحدود؟ وما هي الوسيلة الأنجع لحل هذه النزاعات التي تحولت إلى ما يشبه الحرب الباردة بين العرب؟ 
بحسب مراقبين إن مشكلة الحدود في الوطن العربي ليست وليدة الساعة فهي قديمة، لكنها تصاعدت ما يقارب سبعة قرون ولها بعدان أساسيان، أحدهما على صلة بحدود الدول العربية مع بعضها البعض والآخر يتعلق بحدود الدول الأجنبية وإن كانت جذورها ترجع إلى فترة الاستعمار الأجنبي الذي أوجد نزاعات الحدود السياسية بين البلدان العربية ودول أخرى مجاورة لها بدءاً من انتهاء الدولة العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى. 

ظاهرة دولية 

يشير وزير الخارجية السوداني الأسبق إبراهيم طه أيوب إلى أنه "يمكن الإقرار أن النزاعات الحدودية ليست حكراً على الدول العربية وحدها، فهي ظاهرة دولية تطفو على السطح في بعض المناطق وتخمد في بعضها. وتاريخياً ظلت هذه الظاهرة ملازمة للدول المتخلفة في حين أن الدول المتحضرة تجاوزتها منذ فترة طويلة، إذ لا تزال الدول المتخلفة ترزح تحت نيران النزاعات الحدودية ويحاول البعض تجنب الحديث عنها مثل النزاع الواقع بين الهند والصين على حدودهما في جبال الهيمالايا المشتركة. أما الأسباب الواضحة لهذه النزاعات بين الدول العربية، فهي أسباب سياسية من فعل الحكومات المختلفة التي لا تستند إلى أي شرعية قومية مثل ما هو حاصل بين السودان ومصر حول مثلث حلايب ونتوء وادي حلفا، وبين العراق والكويت وبين العراق والسعودية وبين السعودية والدول الأخرى المطلة على الخليج العربي وبين عمان واليمن أو بين اليمن والسعودية، ثم بين المغرب والجزائر والقائمة تطول". 

ويضيف "كل هذه النزاعات تؤثر بالطبع في استقرار الدول والعلاقات الثنائية بينها، لكنها في المقابل تعطي الفرصة للحكومات المختلفة للجوء إلى هذه الخلافات في الوقت المناسب عندما يشتد تململ شعوبها لسبب أو لآخر. والأمر المريح أن هذه المواقف لا تؤثر في العلاقات بين شعوب الدول المتنازعة كما نراه بين الشعبين السوداني والمصري أو بين الشعبين الإثيوبي والسوداني وإن كان مثل هذا النزاع يؤدي إلى الكره بين بعض الشعوب". 

نظرية المؤامرة 

 

ويتابع أيوب "في الغالب الأعم نلجأ دوماً إلى نظرية المؤامرة عندما نشاهد ما يحدث في بلادنا وأعتقد أن تقسيم بعض الحدود، بخاصة في المشرق العربي كان بفعل القوى الغربية ولكننا لا نتذكر أن هذه الدول غادرت المنطقة منذ عقود عدة ولم تتمكن الحكومات الوطنية من ترميم ما خربه الغربيون. فمن الحكمة أن ننظر مرة أخرى إلى حدودنا ونتذكر على سبيل المثال أن الحدود بين السودان وإريتريا لا نزاع حولها لأنها حددت بين قوتين أجنبيتين هما بريطانيا وإيطاليا والأمر ذاته ينطبق على حدود السودان المشتركة مع تشاد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

وحول ضرورة إقامة هذه الحدود، قال "إن هذا السؤال يقودنا إلى السؤال الأهم وهو هل كانت إقامة هذه الدول ضرورية في المقام الأول؟".
وفي ما يتعلق بمدى مشروعية تدخل الأمم المتحدة في ترسيم الحدود، يوضح وزير الخارجية السوداني الأسبق "جاء إنشاء الأمم المتحدة لحل النزاعات وإقامة الأمن الدولي واستدامته وليس لتحديد الحدود بين الدول"، مؤكداً أن أفضل الحلول لهذه النزاعات الحل الثنائي إن أمكن وإلا فاللجوء إلى محكمة العدل الدولية وباتفاق الدولتين المتنازعتين كما رأينا فى حل النزاع بين ليبيا وتشاد حول مثلث أوزو.
ويضيف "ربما كان السبب وراء نجاح بعض الدول في حل الخلافات الثنائية على حدودها المشتركة فقر المنطقة المتنازع عليها للموارد الطبيعية أو المعدنية أو الزراعية. أما في حال وجود موارد محددة داخل بعض الأقاليم المتنازع عليها، فيكون التوافق والحلول الوسطى مستحيلين كما الحال حول النزاع المصري السوداني حول حلايب أو الخلاف السعودي العراقي حول الرميلة الجنوبية الغنية بالنفط". 

 

تهديد الاستقرار 

 

في السياق ذاته، يقول أستاذ العلاقات الدولية ورئيس مركز الجمهورية الجديدة للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة حامد فارس، "تعتبر النزاعات الحدودية من أهم القضايا المؤثرة في استقرار وسلامة الأمن الوطني والإقليمي للمنطقة العربية وهي نتاج ميراث ثقيل يعود إلى الحقبة الاستعمارية، فضلاً عن وجود نزعة ورغبة توسعية لدى بعض الأطراف العربية، بالتالي لها تأثير سلبي خطير في الأمن القومي العربي بل إنها سبب رئيس في تهديده نتيجة صراع بين الأطراف المتنازعة، مما يؤدي إلى تصعيد حدة التوتر الذي ربما يسفر عن نشوب حرب عسكرية من أجل إنهاء هذه النزاعات الأمر الذي يضعف الجبهة العربية ويفتت لحمة شعوبها ويدخل الدول العربية في مشكلات وأزمات لا عائد من ورائها إلا تهديد أمن المنطقة واستقرارها وخدمة أجندات بعض القوى الإقليمية الأخرى التي تهدف إلى زيادة حدة النزاعات، مما ينتج واقعاً مؤلماً يحقق أهدافها بتقسيم المنطقة العربية وخلق شرق أوسط جديد غير قادر على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية المتزايدة".
ويرى أنه "لا أحد ينكر دور الاستعمار في العمل على تأجيج الصراعات العربية- العربية لخدمة مصالحه، لذلك لا بد من تسليط الضوء على دور الاستعمار في العمل على زرع الفتنة من خلال إيجاد صراعات حدودية تكون هي السبب وراء اشتعال الأوضاع بالمنطقة في أي وقت وتكون مهددة لأمنها بشكل كبير من خلال الحدود السياسية التي وضعتها على اعتبار أنها ظاهرة سياسية يتم الاتفاق عليها بين دولتين أو أكثر لتحديد النقاط التي تبدأ منها وتنتهي عندها سيادة وسلطة وملكية وقوانين دولة بالنسبة إلى جيرانها، ومن هنا تظهر المنازعات الحدودية التي تعد أبرز المشكلات الدولية الموجودة". 
ويضيف فارس "في السابق كانت الحدود توضع بواسطة الدول المستعمرة أو عبر فرض القوة والنفوذ من الدولة الأقوى على الدول المجاورة لها. أما في المنطقة العربية تحديداً، فنجد أن الخلافات الحدودية ظهرت بقوة عقب انتهاء الخلافة العثمانية وبدء الاستعمار الغربي للدول العربية، بالتالي ورثت البلدان العربية حدودها من الحقبة الاستعمارية وأدى ذلك إلى محاولة بعض الدول العودة بالحدود لما قبل الاستعمار، وتشبث البعض الآخر بالحدود الموروثة مما تسبب بتوترات ثنائية تحولت في بعض الأحيان إلى مواجهات مسلحة أودت بحياة كثيرين كنتيجة مباشرة لتدخل الاستعمار في ترسيم الحدود على خلاف الدول الأوروبية التي اتجهت إلى إلغاء الحدود بينها".
ويتابع أستاذ العلاقات الدولية "وكي لا تتسبب هذه النزاعات في تشكيل حروب استراتيجية مستقبلية، أرى أنه من الأنسب أن تلغى الحدود بين الدول العربية مثلما فعلت أوروبا، إضافة إلى إلغاء التأشيرات مما ستكون له آثار إيجابية كبيرة في مجمل الأوضاع بالمنطقة العربية سواء سياسياً أو اقتصادياً أو ثقافياً أو اجتماعياً".
ويلفت إلى أن ميثاق الأمم المتحدة يؤكد ضرورة التوصل إلى حلول سلمية في النزاعات الحدودية التي تهدد السلم والأمن الدوليين والتي ربما تؤدي إلى حدوث مواجهة مسلحة، إذ يجب على كل عضو في الأمم المتحدة أن ينبه مجلس الأمن أو الجمعية العامة إلى أي نزاع من شأنه تهديد الأمن والسلم الدوليين وعليه أن يتخذ ما يراه ملائماً من إجراءات وطرق سلمية تؤدي إلى إنهاء هذا النزاع بالطرق السلمية التوافقية، لكن نلاحظ أن الأمم المتحدة لا تقوم بدورها المنوط بها بل تتقاعس في كثير من الأحيان عن إيجاد تسوية سياسية لكل الأزمات الموجودة أو التي عرضت عليها، ولم تستطع أن تقوم بدورها الفاعل والجوهري في حل القضايا الخلافية الحدودية وسط اختفاء دور المجتمع الدولي بالنسبة إلى إيجاد حل لأي أزمة تؤثر بشكل كبير في السلم والأمن الدوليين".

أشهر النزاعات 

وبالنظر إلى هذه النزاعات نجد على سبيل المثال أنه منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي تتنازع مصر والسودان على منطقة حلايب وشلاتين الحدودية. كما اندلع صراع مسلح بين المغرب والجزائر عام 1963 بسبب مطالبة الرباط بمنطقتي بشار وحاسي بيضة باعتبارهما منطقتين مغربيتين، لكن الجزائر ظلت ترفض مطلب المملكة وانتهى الصراع المسلح بعد أيام من اندلاعه ببقاء بشار وحاسي بيضة منطقتين جزائريتين.

فيما يتنازع العراق والكويت على منطقة خور عبدالله الواقعة بين جزيرتي بوبيان ووربة الكويتيتين وشبه جزيرة الفاو العراقية وما زال موضوع السيادة على هذا الممر المائي مثار جدل كبير في الدولتين.
في المقابل فجرت منطقة الجرف القاري الحدودية بين ليبيا وتونس نزاعاً معقداً، لكن من دون الوصول إلى الصراع المسلح. ومع ذلك لجأت تونس إلى محكمة العدل الدولية نهاية سبعينيات القرن الماضي من أجل بت سيادة على المنطقة التي تحتوي على آبار نفطية واتفق البلدان عام 1988 على إنشاء شركة للنفط مشتركة بينهما لتقاسم خيرات المنطقة.
ونشب خلاف بين تونس والجزائر حول تبعية النقطة 233 الحدودية بين البلدين وطالبت الأولى بالمنطقة بعد استقلال الدولتين عن المستعمر الفرنسي على اعتبار أنها كانت جزءاً من الأراضي التونسية قبل الاستعمار، لكن الجزائريين تمسكوا بالنقطة الحدودية وبعد أعوام من الخلاف انتهى الأمر بإقرار تونس بأن النقطة 233 جزائرية، لكن مع استغلال المنطقة بشكل مشترك من الطرفين.
اقرأ المزيد

المزيد من تقارير