Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صراع الفصائل الشيعية يحاصر البصرة

الاشتباكات الأخيرة بينت هشاشة الوضع الأمني في العاصمة الاقتصادية للعراق ومطالب بنزع أسلحة الميليشيات

البصرة تشهد بين الحين والآخر أزمات أمنية ناجمة عن الصراع بين الفصائل الشيعية (أ ف ب)

لم تشهد محافظة البصرة العراقية منذ سقوط نظام صدام حسين في عام 2003 استقراراً كاملاً، بسبب الصراع بين الفصائل الشيعية المدعومة من إيران على المحافظة وثرواتها والأنشطة الاقتصادية التي تشكل عصب الاقتصاد العراقي وديمومة إيرادات الدولة.

البصرة التي يصدر العراق عبرها نحو 95 في المئة من نفطه البالغ نحو ثلاثة ملايين و380 ألف برميل، فضلاً عن أنها تشكل أكثر من 80 في المئة من إنتاجه، تشهد بين الحين والآخر أزمات أمنية ناجمة عن الصراع بين الفصائل الشيعية أو بين عشائرها في محاولة من هذه الأطراف للحد من نفوذ الدولة.

وعود كثيرة

وعلى الرغم من الوعود الكثيرة التي قدمتها الحكومات العراقية المتعاقبة لضبط الأمن في المحافظة، إلا أنها تحولت إلى مستقر لعديد من الفصائل والجماعات المسلحة التي تتخذ بعضها من القصور الرئاسية التي بنيت في عهد نظام صدام حسين مقار لها.

كما أثرت بشكل كبير في التنمية الاقتصادية لهذه المحافظة وعدم استفادتها القصوى من الموازنات والتخصيصات المالية التي تبلغ سنوياً أكثر من ملياري دولار، إذ لا تزال أزمة المياه تضرب المدينة بسبب الملوحة المرتفعة في مياه شط العرب القادمة من الخليج وعدم اتفاق البصرة وبغداد على إقامة مشروع واسع لتحلية المياه.

ويبدو أن آثار الاشتباكات التي شهدتها المنطقة الخضراء قبل أيام بين أنصار التيار الصدري والفصائل الشيعية، انتقلت إلى البصرة وبشكل قوي عندما اغتيل قيادي بارز في ميليشيات سرايا السلام التابعة للتيار الصدري من قبل مجموعة مسلحة، ذكر التيار الصدري أنها تابعة لميليشيات عصائب أهل الحق، الأمر الذي أدى إلى ردود من أنصار التيار استهدفت مكاتب للعصائب وفصائل أخرى في المدينة.

وضع هش

وبينت الاشتباكات هشاشة الوضع الأمني الذي تعيشه العاصمة الاقتصادية للعراق وعدم قدرة قوات الجيش والشرطة على أداء دورهما بسبب التدخلات السياسية والحزبية.

وأظهرت من جديد قوة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بعد أن قررت العصائب وكتائب الإمام علي غلق مكاتبهما في المدينة، تخوفاً من حدوث صدامات مع التيار، بعد الاتهامات الواسعة لهما ولميليشيات أخرى بالوقوق وراء قتل أكثر من ٢٥ من أنصار التيار الصدري في اشتباكات المنطقة الخضراء.

وكان مجلس النواب العراقي قد صوت في أبريل (نيسان) عام 2017 على تحويل محافظة البصرة إلى عاصمة اقتصادية للعراق.

وينص القانون على تحويل محافظة البصرة بحدودها الإدارية إلى منطقة حرة للتبادل التجاري وإنشاء مناطق تنموية اقتصادية لتكون جاذبة للاستثمار من قبل الشركات العالمية الاستثمارية، وإنشاء أمانة عاصمة يكون تمويلها من الموازنة الاتحادية، وإنشاء مدينة حكومية يكون داخلها مكاتب الوزارات كافة، وإنشاء هيئة عليا لإدارة الموانئ والمطار وتفعيل القناة الجافة لربط دول المشرق.

السلاح المنفلت

وعزا النائب السابق عن محافظة البصرة وائل عبداللطيف سبب عدم استقرار الأوضاع الأمنية في محافظة البصرة، إلى استمرار الصراع بين الجماعات المسلحة وانتشار السلاح المنفلت.

وقال عبداللطيف إن "هناك موقفاً سابقاً ما بين العصائب والتيار، كون كثيرين انشقوا من التيار بعد رحيل محمد صادق الصدر وبقيت أزمة عقائدية"، مشيراً إلى أن سبب الأحداث الأمنية الأخيرة في محافظة البصرة هو الاعتداء على أحد أفراد سرايا السلام، بالتالي تم تأجيج الموقف نتيجة قتل من دون ذنب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف أن "هذا الموقف أشعل فتنة في المحافظة لا سيما في ثلاث مناطق محددة، وأعتقد أن الموقف انتهى، إلا أننا سنبقى على حذر طالما أن السلاح منفلت وتحمله ما يسمى المقاومة الإسلامية التي لا تملك الشرعية".

وتابع عبد اللطيف أن الدولة لم تستطع حصر السلاح بيدها، على الرغم من تعهد ستة رؤساء وزراء يحملون صفة القائد العام للقوات المسلحة، باستثناء فترة حكم إياد علاوي "من يونيو (حزيران) 2004 إلى مايو (أيار) 2005"، مشيراً إلى أن علاوي جمع مجموعة من الأسلحة وأنفق خمسة ملايين دولار، إلا أنه فشل والذين تعاقبوا على الحكم لم يحققوا أية نتيجة.

وأشار إلى أن السلاح المنفلت موجود سواء عند الفصائل أو العشائر على الرغم من وجود قانون الأسلحة الذي يحكم بالمؤبد على من يستعمل سلاحاً متوسطاً أو ثقيلاً غير مرخص، معتبراً أن المشهد بات "سائلاً" وأصبحت الدولة عاجزة عن تحديد موقف أمني سليم يعيشه المواطن العراقي.

تصفيات آسيا

وشدد على أهمية محافظة البصرة كونها العاصمة الاقتصادية للعراق، مؤكداً أن للوضع الأمني والاشتباكات تأثيراً في إقامة الأنشطة داخلها، إذ تسبب ذلك بقرار الاتحاد الآسيوي لكرة القدم بنقل تصفيات آسيا من البصرة إلى مكان آخر، مشيراً إلى أن المدينة بحاجة إلى معالجة جادة للأوضاع التي تعيشها.

ومنذ عام 2008 شهدت البصرة إنشاء سلسلة من الملاعب الرياضية هي الأكبر على مستوى العراق وللمرة الأولى منذ 40 عاماً، منها المدينة الرياضية التي تضم ملعبين أحدهما يتسع لـ65 ألف متفرج وآخر لـ10 آلاف، وتعمل حالياً على إنجاز ملعب الميناء الجديد الذي يتسع لـ30 ألف متفرج بعد هدم الملعب السابق قبل عقد من الزمن.

وأقر عبداللطيف بأن الدولة العميقة التي تمثل الفصائل المسلحة والمافيات أقوى من الدولة العلنية الموجودة على الواقع داخل العراق ومعززة بجيوش إلكترونية وبذباب إلكتروني، مبيناً أن هذا الأمر أدى إلى إضعاف سلطة الدولة وإطلاق يد سلطة الأحزاب والفصائل على حساب مؤسساتها.

وتابع النائب البصري السابق أن الوضع الحالي الناجم عن الانفلات بتوزيع السلاح الذي نتج من هزيمة الجيش العراقي في عام 2003 يجب أن ينتهي، داعياً العشائر والفصائل المسلحة وفصائل المقاومة إلى توفير بيئة آمنة للمواطن العراقي.

صراع طبقات

ويتحدث مدير مركز العراق للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل عن وجود صراع في محافظة البصرة بين الطبقة المسحوقة التي تعاني الظلم والطبقة الفاسدة المدعومة من الميليشيات والكتائب المسلحة.

وقال فيصل إن "المجتمع العراقي في البصرة يتعرض لمشكلات عميقة منذ عام 2003 إلى الآن، فالمحافظة التي تقدم للموازنة العراقية أكثر من 90 في المئة عبر مبيعات النفط، إضافة إلى الموارد الناتجة من واردات الموانئ، فضلاً عن مصانع البتروكيماويات والزراعة، لم يتغير وضعها الاقتصادي والتنموي ولا تزال تعاني الفقر والبطالة والجوع وانعدام السكن اللائق والمياه الملوثة".

وأوضح فيصل أن البصرة تشهد صراعاً طبقياً اجتماعياً بين طبقة الفقراء المسحوقين الذين يشكلون قاعدة أساسية في التيار الصدري، وما بين الطبقة الأرستقراطية التي تمتلك قوة عسكرية تهدد المجتمع المدني.

وتابع فيصل أن الصراع سيستمر من دون إيجاد حلول جدية للمشكلات الكبرى التي تراكمت خلال 19 عاماً، والأخطاء الفادحة التي ارتكبتها الأحزاب الولائية التي دمرت الاقتصاد العراقي والزراعة والصناعة وانعكست بصورة واضحة على الطبقة المسحوقة في البصرة، لافتاً إلى أن هذا التفاوت الطبقي الخطير سيؤدي إلى استمرار الانتفاضات والاحتجاجات وأعمال العنف.

المزيد من العالم العربي