Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هذا ما جناه التغير المناخي على المزارع الفلسطيني

المحاصيل نضجت في غير أوانها وفقدت صلاحيتها للتصدير وشكاوى من غياب الدعم الحكومي وضعف التمويل

أراض زراعية تعاني الجفاف والتصحر في الضفة الغربية جراء ارتفاع درجات الحرارة وقلة هطول الأمطار (اندبندنت عربية)

على غير الموعد المعتاد، يستمتع أحفاد أبو جميل صلاحات (66 سنة) من مدينة قلقيلية، شمال الضفة الغربية، بأكل ثمار الغوافة منذ نهاية يوليو (تموز) الماضي، على الرغم من ضآلة حجمها وخفة وزنها، فيما يغرق المئات من المزارعين الفلسطينيين الآخرين بتخوفاتهم حول مستقبل محصولهم الزراعي هذا العام، الذي لم ينضج بعد، بينما تسابق مئات المزارعين من المنطقة ذاتها في طرح محصولهم في الأسواق قبل موعد النضوج المعتاد في سبتمبر (أيلول) المقبل، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى تغيير جذري في مسار حياة كثير من المزارعين الصغار، ممن يعتاشون من هذه المحاصيل الموسمية التي تُطرح مرة واحدة فقط خلال السنة بأوقات محددة.

تغيرات ملحوظة

الأراضي الفلسطينية ليست استثناءً في ما يخص ظواهر التغير المناخي، إذ تشهد كغيرها من دول العالم تغيراً ملحوظاً في المناخ، وتتضافر عوامل مثل ارتفاع درجة الحرارة وزيادة معدلات الجفاف وانخفاض معدلات مياه الأمطار، لتشكل تهديداً صريحاً للإنتاج الزراعي، وصارت الثروة الزراعية في فلسطين، بحسب خبراء، مهددة أكثر من أي وقت مضى.

مدير الإرشاد والتنمية بوزارة الزراعة الفلسطينية صلاح البابا يؤكد أن الارتفاع الشديد في درجات الحرارة يؤثر على نمو النبات، فالثمار تفقد صلاحيتها للتصدير نتيجة صغر حجمها أو نموها بأحجام كبيرة لدرجة اعتبارها مشوهة. ويشير إلى أن المحاصيل الصيفية تحتاج إلى كثير من مياه الري، والمحاصيل الشتوية تحتاج إلى جو بارد، كما أن بعض النباتات لا تحتمل الزيادة في ملوحة التربة، وأخرى تتعرض للدمار نتيجة قصر وقت هطول الأمطار.

ويرى البابا أن ارتفاع درجات الحرارة فوق معدلاتها بنحو سبع درجات مئوية أثر سلباً على كثير من المحاصيل، إذ لم تتوفر احتياجاتها الملائمة من ساعات البرودة، خاصة العنب والتين والتفاح والإجاص واللوزيات، لذلك قد يفاجأ المزارعون بمشكلات في لون الثمار، وحجمها، أو في مواعيد الإزهار والنضج، مما ينعكس سلباً على كميات الإنتاج، إذ إن الأمطار المتأخرة تؤثر على إنتاج الثروة النباتية، من خلال ظهور الأمراض الفطرية، إضافة لآثارها على نمو الثمار نتيجة تدني درجات الحرارة، ما ينعكس على موعد النضج، فضلاً عن تكسير فروع بعض الأشجار بسبب الرياح الشديدة، ما يؤدي لتراكم الخسائر الاقتصادية.

من جهته، يقول مدير دائرة الأرصاد الجوية الفلسطينية يوسف أبو أسعد، "مع تنامي ظاهرة الاحتباس الحراري وما يرافقها من ارتفاع في درجة حرارة كوكب الأرض، نشهد اتساعاً في ظاهرة التصحر، وزيادة في ملوحة التربة واضطراباً في بداية المواسم الماطرة وعدم انتظام في كمية الأمطار الهاطلة، فتارة انحسار للأمطار، وتارة أخرى هطول كميات مهولة منها، أو ما يطلق عليه نوبات المطر الغزيرة، وأصبحنا نرى فيضانات غير متوقعة في بلدان لم تعتد على هذه الظواهر، ما يترك نتائج مدمرة، لا سيما على المزارعين والقطاع الزراعي، ويزيد من التحديات التي يواجهها المزارع الفلسطيني البسيط الذي كان يعتمد على أمطار منتظمة ومواعيد ثابتة للزراعة"، منوهاً إلى "ضرورة البدء بنقاشات داخلية جادة على المستويات السياسية والعلمية والتقنية والمجتمعية، من أجل تبني سياسة عامة وواضحة لمحاولة دراسة آثار التغيرات المناخية وآليات التكيف معها".

تجارب شابة

يشكو المزارعون الشباب عدم تلقيهم الدعم الكافي من الجهات الرسمية، بخاصة توعيتهم وتدريبهم على آليات وطرق التأقلم المناسبة مع التغيرات المناخية الحالية والمتوقعة، ومن حيث مواعيد الزراعة المناسبة والأصناف والعمليات الزراعية من ري وتسميد ومكافحة الأمراض، لا سيما في المناطق الفقيرة والمهمشة.

الشابة لين سعادة (25 سنة)، التي تملك دفيئات بلاستيكية للورد منذ سنوات عدة، تؤكد أن موجات الحر الشديدة التي ضربت فلسطين، ولا تزال، تؤثر على تفتح الأزهار بشكل سريع، وتغير من لونها وحجمها، وهو ما تسبب بتكدس الإنتاج في مشتلها وزيادة الأمراض وظهور الحشرات على بعضها، ونتيجة لتلك التقلبات المناخية، تكبدت سعادة خسائر كبيرة، "من دون أي التفات حكومي محلي لتعويضها"، بحسب تعبيرها، في حين أكد الشاب سامر عوض الله (34 سنة) صاحب مشروع حديث لتربية النحل، أن "موجات الحر الشديدة، دفعت النحل لبذل مجهود مضاعف لتوفير درجات حرارة مناسبة للخلية التي يربيها، الأمر الذي أدى لتناقص الإنتاجية، فالنحل يمد نفسه بالطاقة لفعل ذلك بالتغذي على الخلايا الشمعية لعدم قدرته على الخروج في الحر الشديد للبحث عن الغذاء، كما أن زيادة نسب الرطوبة أخيراً حولت جو الخلية من الداخل رطباً جداً، وتكاثف البخار على جدرانها والأقراص الشمعية، ونجم عن ذلك تجمد عنقود النحل وتأثر الإنتاج بشكل ملحوظ، على الرغم من كل إجراءات العناية السنوية بها".

ميزانيات شحيحة

بحسب بيانات رسمية تم تحديد التمويل الضعيف للقطاع الزراعي باعتباره أحد العوامل الحاسمة التي حالت دون تحقيق الأهداف المحددة للاستراتيجية الوطنية للقطاع الزراعي، فنظراً إلى ظروف مالية صعبة تعانيها الحكومة الفلسطينية، خصصت معظم نفقات الموازنة للنفقات التشغيلية وبشكل خاص للرواتب والأجور. ولذا، فإن ما ينفق سنوياً من ميزانية الحكومة على التنمية والتطوير الزراعي والإرشاد يبقى محدوداً وفي حده الأدنى، الأمر الذي يحد من قدرة الوزارة على تنفيذ خططها التطويرية.

وبلغت الموازنة لوزارة الزراعة عام 2018 نحو 102 مليون شيكل فقط (31 مليون دولار)، ويشكل هذا المبلغ أقل من 1 في المئة من إجمالي الميزانية العامة. ومن المثير للاهتمام أن المكون التطويري لميزانية الوزارة ضئيل للغاية، إذ تشكل الرواتب والأجور 74 في المئة من مجمل الميزانية، وتعتمد الوزارة على المنح من أجل تنفيذ المشاريع التطويرية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى صعيد الثروة الحيوانية، يشير متخصصون إلى أن تقلبات الطقس الأخيرة في الأراضي الفلسطينية بين ارتفاع الحرارة وانخفاضها، وارتفاع نسب التصحر والجفاف، أثرت في إصابة الحيوانات بالأمراض كالرشح، لا سيما في قطاع الدواجن، إضافة إلى خسائر كبيرة قطاع الماشية. فخلال الأشهر الأخيرة، فقد مربو المواشي أكثر من ألفي رأس في الضفة الغربية، نتيجة تفشي فيروس الحمى القلاعية بالتزامن مع قرار من السلطات بوقف عمليات تلقيح الحيوانات.

ويؤكد المدير التنفيذي لاتحاد جمعيات المزارعين الفلسطينيين عباس ملحم أن التراجع في أعداد الثروة الحيوانية في فلسطين وصل 50 في المئة، حيث تراجعت من مليون وثمانمئة وخمسين ألف رأس إلى ثمانمئة وخمسين ألفاً فقط، مشيراً إلى لضرورة ممارسة الضغوط على الجهات الرسمية، من أجل تبني سياسات وتشريعات وقوانين أكثر استجابة لحقوق المزارعين، لحماية الاقتصاد الفلسطيني. وطالب ملحم بتطبيق التأمين الزراعي الذي أنشئ عبر صندوق المخاطر والتأمينات الزراعية في عام 2015، موضحاً أن أهميته تكمن في حماية المزارع من أي خسائر مهما كانت، ومشيراً إلى أنه لا يوجد حتى الآن مخصصات مالية لمؤسسة الإقراض الزراعي.

ضعف التمويل

وفقاً لتقارير الأمم المتحدة المناخية، فإن متوسط درجة الحرارة في فلسطين ارتفع بمقدار 1.4 درجة مئوية خلال الفترة 1950-2017، علماً بأن الثلاثين سنة الأخيرة سجلت الجزء الأكبر من تلك الزيادة، ويتوقع ارتفاعاً إضافياً في متوسط درجة الحرارة في فلسطين بمقدار 0.9 درجة مئوية بحلول عام 2050.

وعلى أثر ذلك، شكلت السلطة الفلسطينية اللجنة الوطنية لتغير المناخ، ومنذ عام 2016 وضعت مجموعة من المبادئ التي على أساسها تم طرح خطة العمل الوطنية للتكيف مع ظاهرة التغير المناخي بجوانب عدة، منها الأمن المائي والغذائي، والزراعة، والطاقة، وبلغت القيمة الإجمالية للخيارات المقترحة للقطاع المائي والزراعي للتكيف المناخي بحسب الدراسات والأرقام ما يعادل 3.2 مليار دولار لمدة عشر سنوات، فإن خيارات التمويل باتت تنحصر في دعم الدول المانحة.

وتشير الاستراتيجية الوطنية كما هو معلن عبر الصفحة الرسمية لوزارة الزراعة إلى أن النقص في التمويل يعتبر أحد أهم العوامل التي تؤثر سلباً على كفاءة وفاعلية خدمات الإرشاد الزراعي الحكومي في فلسطين، حيث لا يتم تخصيص مصادر مالية كافية لنشاطات الإرشاد الميدانية، ناهيك بنقص المخصصات المالية لأغراض تدريب المرشدين أو المشاهدات الزراعية في محطات التجارب، والتي تعد من أهم أدوات الإرشاد.

الحكومة الهولندية التي تعد أكبر داعم مالي لاتحاد لجان العمل الزراعي دعمت منذ عام 2013 برنامج إدارة موارد الأراضي والمياه للفلسطينيين، والذي شمل استصلاح الأراضي وإعادة تأهيلها، وإدارة نظم الري وإمدادات المياه، والتكيف مع التغير المناخي، لكن مع بداية العام الحالي، أعلنت وقف تمويل اتحاد لجان العمل الزراعي الفلسطيني، الذي يعد أكبر مؤسسة للتنمية الزراعية في فلسطين، وذلك على أثر تصنيف إسرائيل هذه المؤسسة و6 مؤسسات فلسطينية أخرى ضمن "المؤسسات الإرهابية"، ما يؤثر سلباً وبشكل مباشر على عشرات الآلاف من الأسر ذات الدخل القائم على الأنشطة الزراعية.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي