Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لا ألغاز ولا مفاجآت في "التوجه نحو الشرق"

لن يتحقق الاستقرار إن بقي الصراع العربي الإسرائيلي بلا تسوية والصراع العربي الإيراني بلا حل

إيران استثمرت كثيراً من إمكاناتها المحدودة في طموحاتها اللامحدودة لمواجهة أميركا بأكثر مما استثمرت روسيا والصين (أ ف ب)

ملالي إيران يلعبون بدهاء بين الغيب والواقع، الغيب المقدر له تغيير الواقع، والواقع المتصل بالغيب والعامل على تمهيد طريقه، وكل شيء في ممارسة السياسة من توظيف العداء إلى طلب الصداقة ومن العنف إلى الحوار، في خدمة مشروع إمبراطوري قديم بعباءة سوداء جديدة.

قبل أعوام أطلقت طهران شعار "التوجه نحو الشرق" كمخرج من عزلة عربية ودولية وعقوبات أميركية، كان الشرق بالنسبة إليها روسيا والصين كمركزي قوة في مواجهة القوة الأميركية ومشاريعها وبابين اقتصاديين لاتفاقات وصفقات تجارية واستثمارية.

أما بالنسبة إلى وكلائها، لا سيما في لبنان والعراق واليمن وسوريا وغزة، فإن الشرق هو إيران أولاً، ثم تأتي روسيا والصين. وأما بالنسبة إلى الدول التي على صداقة مع أميركا، فإن التوجه نحو الشرق هو خيار إضافي لتنويع العلاقات وسط "الانكفاء" الأميركي عن الشرق الأوسط للتوجه إلى الشرق الأقصى، حيث "الثروة والقوة" في رأي واشنطن أيام الرئيس باراك أوباما، ولن يبدل ذلك اعتراف الرئيس جو بايدن بالخطأ والرجوع عن "الانكفاء".

قرار الرئيس فلاديمير بوتين بالدخول العسكري المباشر في حرب سوريا قاد إلى تكبير الدور الروسي وتوسيع حضوره في المنطقة. كان المستفيد الأول منه هو إيران التي عجزت عن حماية النظام السوري المهدد بالسقوط "خلال أسبوعين"، كما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.

لكن موسكو التي احتاجت إلى دور طهران العسكري على الأرض في الحرب، بدت بعد نهاية العمليات القتالية الكبيرة مستعدة لصفقة مع أميركا وإسرائيل الراغبتين في إخراج إيران من سوريا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بينما بعد حرب أوكرانيا تبدل الموقف، صارت موسكو في حاجة أكبر إلى طهران، بحيث تطورت العلاقات بين العاصمتين استراتيجياً واقتصادياً. لا بل جرى تضامن بين القوى اليسارية وبين "حزب الله" الديني وأحزاب أخرى سنية في "جبهة" للدفاع عن الحرب الروسية والتوجه نحو الشرق ورفض الوجود الأميركي "غرب آسيا".

لكن المشكلة هنا في المنطقة بصرف النظر عن التوجه نحو الشرق أو الغرب، فلا أميركا وروسيا ولا الصين يمكن أن يحققوا استقراراً في الشرق الأوسط إن بقي الصراع العربي-الإسرائيلي بلا تسوية، والصراع العربي-الإيراني بلا حل، والطموحات التركية للهيمنة على سوريا والعراق بلا ردع.

أميركا كما يرى والي نصر في مقال نشرته "فورين أفيرز" تحت عنوان "الكل ضد الكل"، لا تستطيع تخفيف كل المخاطر في الشرق الأوسط، وهي تحاول إعادة التوازن الذي هزته بغزو العراق، لكن في ظروف متغيرة.

ومن دون ترتيب أمني جديد فإن الفوضى والصراع سيكونان أمراً حتمياً اليوم، الصين تبقى اهتماماتها اقتصادية، وإن بدأت البحث عن مكاسب استراتيجية عبر "دبلوماسية القروض"، وإغراق أي بلد بالقروض من أجل مشاريع طموحة، ثم الاستيلاء على المشاريع لعجز البلد عن سداد الديون. وروسيا محدودة القدرة على تقديم مساعدات حتى لأقرب البلدان إليها.

أما إيران فاستثمرت كثيراً من إمكاناتها المحدودة في طموحاتها اللامحدودة لمواجهة أميركا بأكثر مما استثمرت روسيا والصين، وبهذا جعلت نفسها أقل أمناً، وسوف تستمر في نزف مصادرها الوطنية لتمويل الميليشيات الإقليمية والصراعات الخارجية.

حسب الخبير كريم سادجادبور، فإيران في وضع اقتصادي صعب جداً، والتهديد يأتي من الداخل جراء الفقر وغضب الناس، حيث شعار التظاهرات الأخيرة "انسوا سوريا وفكروا فينا، إنهم يكذبون بالقول عدونا أميركا، عدونا هنا". كما يرى أن إيران "تبني قوتها فوق أراض 85 في المئة من شعوبها تحت خط الفقر في العراق وسوريا ولبنان".

الشرق لم يعد شرقاً، والغرب لم يعد غرباً، وذهبت أيام كان الشاعر البريطاني روديارد كيبلينغ يقول، "الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا".

المزيد من تحلیل