قبل أربعة أشهر وسط الوحل والدماء والغبار الذي خلفه الانسحاب الروسي من [بعض مناطق] أوكرانيا، مررنا مصادفة على بلدة اكتشفنا أن رجالاً قد اختطفوا وعذبوا واحتجزوا وفي بعض الحالات اختفوا فيها.
كانت هذه البلدة هي تروستيانتس الواقعة في منطقة سومي على الحدود مع روسيا، وقد احتلتها القوات الروسية لمدة شهر. وفي محطة السكك الحديد بالبلدة المحاطة بمنظر أشبه بتضاريس سطح القمر شكلته الدبابات المركونة وصناديق الذخيرة الفارغة، أخذنا الناجون إلى غرفة تعذيب تحت الأرض أسفل محطة الركاب حيث كانوا محتجزين، وكانت آثار دمهم لا تزال تلطخ الجدران.
وبحسب السكان وقوات الشرطة فإنه على الرغم من نجاة أشخاص عدة من هذه التجربة، لا يزال هناك العديد من الأشخاص الآخرين الذين "اختفوا" خلال تلك الفترة وهم لا يزالون في عداد المفقودين.
وكان من المثير للدهشة خلال الأشهر التي تلت ذلك أن أحد المختفين ظهر من جديد في مبادلة للسجناء، وكان بحوزته أخبار عن الآخرين الذين أيضاً اختطفوا من مناطق في أنحاء أوكرانيا واحتجزوا معه في زنزانة في روسيا، وقد تمكنا من العثور على أقارب زملائه في الزنزانة، الذين لم يتمكن من العثور عليهم، وتزويدهم بأخبار عن ابنهم المفقود للمرة الأولى.
وخلال الشهر الماضي كنا نحاول اقتفاء أثر المدنيين الأوكرانيين الذين اختفوا خلال حرب الرئيس بوتين في أوكرانيا، وفي حالتين من تلك الحالات قمنا بوصل الناجين بأولئك الذين لا يزالون يبحثون عن ذويهم، مما يضمن حصول تلك العائلات على معلومات جديدة عن أحبائهم المفقودين، وقد تابعنا العائلات والمسؤولين والجمعيات الخيرية والأطباء الشرعيين في تلك العملية المرعبة في محاولة لمعرفة ما جرى للأبناء والبنات والأزواج والزوجات والآباء الذين غادروا بيوتهم ذات يوم من دون أن يعودوا حتى الآن.
وتتعامل السلطات الأوكرانية حالياً مع 12 ألف حالة اختفاء لمواطنين أوكرانيين، ويقول المسؤولون والمواطنون المشاركون في عمليات التفتيش هذه إن الأمر قد يستغرق سنوات لمعرفة ما حدث، وإنهم قد لا يصلون إلى معرفة الحقيقة في بعض الحالات، إذ يمكن أن يكون هؤلاء الأشخاص موتى أو لا يزالون محاصرين تحت أطنان من الأنقاض أو مدفونين في ما لا يحصى عدده من القبور الموقتة التي تظهر كندب على وجه البلاد.
كذلك من الممكن أنهم قد اُبتلعوا في سلسلة من السجون التي تكتنفها السرية بعض الأحيان في روسيا والمناطق المحتلة في أوكرانيا، وأحد تلك السجون هو السجن الذي كان الرجل من تروستيانتس معتقلاً فيه داخل روسيا، وهناك سجن آخر في أولينيفكا جرى تفجيره يوم الجمعة في هجوم أسفر عن مقتل 50 أسير حرب أوكرانياً وجرح 73 آخرين، وذلك وفقاً لوزارة الدفاع الروسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتبادلت أوكرانيا وروسيا إلقاء اللوم على بعضهما بعضاً، إذ اتهمت روسيا أوكرانيا بقصفه بمنظومة صواريخ مدفعية عالية الحركة أميركية الصنع (هيمارس)، لمنع الجنود من التحدث عن الجرائم المزعومة التي تتهمهم موسكو بارتكابها، وأنكرت القوات المسلحة الأوكرانية مسؤوليتها قائلة إن المدفعية الروسية استهدفت السجن لإخفاء سوء المعاملة والتعذيب والجرائم المرتكبة المزعومة هناك.
وقال وزير الخارجية دميترو كوليبا يوم الجمعة إن روسيا ارتكبت جريمة حرب، ودعا إلى إدانة دولية.
ومنذ ذلك الحين دعت موسكو الأمم المتحدة والصليب الأحمر إلى التحقيق في الموقع، ولقد أنكر الكرملين مراراً وتكراراً وبشدة أنه يحتجز الناس تعسفياً أو يستخدم التعذيب، واتهم كييف بتنظيم "عملية تزوير وحشية" في المناطق التي تحررت أخيراً من احتلال قواته لها لتشويه سمعة روسيا.
وأياً كان ما حدث في أولينيفكا فإنه أسوأ كابوس للعائلات التي تعتقد أن أبناءها وبناتها محتجزون هناك.
لقد تحدثت إلى شقيقة أحد أسرى الحرب قالت إنها كانت تنقب في قنوات "تيليغرام" الروسية التي تعرض مقاطع فيديو لتبعات الانفجار، لمحاولة معرفة ما إذا كانت جثة شقيقها بين الجثث التي تعرض هناك.
وقالت امرأة أخرى، وهي تعتقد أن زوجها محتجز هناك، إنها كانت تنتظر عبر هاتفها المكالمة التي تخشاها أكثر من أي مكالمة أخرى، تلك التي تبلغها بموته.
وتقول روسيا إنها أرسلت إلى الأمم المتحدة قائمة بأسماء الضحايا، ومن المرجح أن بعض هذه العائلات ستعلم للمرة الأولى بمصير أحبائها المختفين،
وسننشر هذا الأسبوع مقالة تبحث في خفايا أولينيفكا نتحدث فيها إلى الناجين من هذا السجن السري، وأولئك الذين يعتقدون أن أحباءهم ربما لا يزالون محتجزين هناك، ولكنهم لا يعرفون على وجه اليقين، وهو جزء من سلسلة عن المفقودين الذين اُبتلعوا في أتون الحرب.
ويشكل اختفاء المدنيين واحدة من العواقب الرهيبة لأي صراع، ولكن في أوكرانيا تبدو هذه الظاهرة واسعة الانتشار ومتعمدة في بعض الحالات.
ونأمل أن يلقي هذا العمل الضوء على العواقب الرهيبة لهذه الحرب وأن نشجع على إطلاق سراح من يحتجزون تعسفاً أو بصورة غير قانونية.
نُشر في اندبندنت بتاريخ 31 يوليو 2022
© The Independent