استبشر الشارع السوري خيراً إثر الكشف عن حقول نفط جديدة شمال العاصمة دمشق وجنوبها وسط أزمة وقود تشتعل بين الحين والآخر، ويبدو أن العمل يجري على عجل بغية وضع هذه الآبار الجديدة في الخدمة، حيث تستكمل الشركة السورية للنفط إجراء دراساتها من مسوحات جيو- فيزيائية بعد تحديد المواقع.
ويتوقع المدير العام للشركة، فراس قدور، القيمة الكبيرة للاستثمارات والجدوى الاقتصادية والفائدة منها، ويخمن بالمقابل تكلفة إتمام عمليات الحفر بين عشرة إلى 15 مليون دولار، لكن على أية حال سيخفف البترول المكتشف حجم خسائر دمشق من حرب قضت على ذروة إنتاجها اليومي، إذ وصل في مرحلة ما قبل الحرب أي قبل عام 2011، إلى نحو 385 ألف برميل يومياً ليهوي إلى 8 آلاف برميل.
الحرب والصفقة الرابحة
ومع هذا التطور الجديد يرجح خبراء اقتصاديون في مجال الطاقة تفرد حليف دمشق الروسي بالحصول على الاستثمار الجديد بعد استحواذه على مشاريع الطاقة، بينما يحاول جاهداً عدم الانكفاء للخلف على حساب التوسع الإيراني في سوريا الذي أخذ ينقل قوة نفوذه الضاربة من جنوب البلاد إلى شرقها في أعقاب الضربات المتلاحقة للطيران الإسرائيلي.
ويستبعد المتخصص في الاقتصاد السياسي والأكاديمي، محمد الحاج عثمان، في حديثه لـ"اندبندنت عربية" منح الحكومة السورية استثمار الآبار الجديدة للحليف الإيراني لأسباب متعددة، أبرزها ألا تكون ذريعة لقصفها من جانب تل أبيب.
ويعتقد عثمان أن دمشق "مضطرة للاعتماد على روسيا في استخراج ثروتها الباطنية لأسباب كثيرة منها حرصها على ضمان وقوع المنشآت في مأمن من أي تهديد خارجي وداخلي، وفي الوقت ذاته ليس بمقدور الشركات العاملة في مجال الطاقة توفير الأساليب الفنية والتقنية كما السابق، فضلاً عن تكلفة تنقيب البئر الواحد وتبلغ بين خمسة 5 إلى ستة ملايين دولار".
ويرى المراقبون للشأن الاقتصادي أن اللجوء لروسيا هو الخيار الأفضل في هذه المرحلة بخاصة أن الشركات الروسية استحوذت في شهر مارس (آذار) من العام الماضي على استثمار التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي قبالة السواحل السورية، ونالت شركتان حقوق هذا الامتياز وهما "كابيتال ليميتيد" و"إيست ميد عمريت".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول عثمان إن السلطة السورية ستسعى إلى مراضاة موسكو بإشراكها في سوق الطاقة علاوة على عدم وجود منافس دولي، ويوضح "تخلي دول الاتحاد الأوروبي والدول العربية عن علاقاتها مع دمشق لأسباب سياسية منذ الحراك الشعبي في عام 2011 دفعها إلى توطيد التعاون مع الحليفين الإيراني والروسي، ليس في الجانب العسكري فحسب، بل بالاعتماد على دعمهما اقتصادياً".
كما لا يستبعد في الوقت ذاته دخول الصين قريباً صوب السوق السورية من بوابة إعادة الإعمار لتشكل منافساً قوياً لموسكو، حيث يعمل اللاعبون الدوليون على الأرض بتقاسم الثروات، الأمر الذي يغطي تكاليف المجهود الحربي خلال عقد من الزمن في الصراع الداخلي.
المعلومات الأولية ترجح دخول روسيا معترك التنقيب في جنوب البلاد كما حدث في غربها وعلى قبالة السواحل في (البلوك1) مقابل طرطوس حتى الحدود البحرية الجنوبية السورية واللبنانية بمساحة تصل لـ2250 كيلو متراً مربعاً و(البلوك2) يمتد من شمال طرطوس إلى جنوب بانياس بمساحة 2199 كيلو متراً مربعاً، ولعشرات السنوات ذهبت الاستثمارات لشركات روسية.
والاعتماد السوري على الشركات الروسية ليس بجديد بخاصة في فترة النزاع المسلح، فقد دخلت موسكو عام 2015 بقوة في ميدان المعارك إلى جانب الجيش النظامي وحالت دون توسع جيوب فصائل المعارضة.
وفي عام 2019 استحوذت شركات روسية مثل "ميركوري" و"فيلادا" على عقود وقعتها مع وزارة النفط، بينما حصلت شركة "ستروي ترانس" على امتياز يضاًاستخراج الفوسفات من جنوب مدينة تدمر وسط البلاد، إضافة إلى تأجير مرفأ طرطوس لشركة "أس تي جي اينجينيرينغ" الروسية لمدة 49 عاماً.
خسائر في زمن النكبات
قدر إنتاج النفط لعام 2021 بنحو 31.4 مليون برميل بمتوسط إنتاج يومي 85.9 ألف برميل يصل منها 16 ألف برميل للمصافي، وفق تصريحات وزير النفط السوري، بسام طعمة، في حين بلغت خسائر القطاع النفطي أكثر من 62 مليار دولار بحسب بيانات الوزارة.
ومع هذا يفيض شرق البلاد بخاصة دير الزور بالبترول، ويعد حقل "العمر" أحد أكبر الحقول النفطية وتسيطر عليه حالياً قوات سوريا الديمقراطية (قسد) إلى جانب حقل "التنك" الواقع في بلدة الشعيطات التي كانت قبل عام 2017 واقعة تحت نفوذ تنظيم "داعش"، وبعد تحريرها من قبل التحالف الدولي وضعت "قسد" يدها على أضخم الحقول النفطية بمساعدة الولايات المتحدة، وتضم حقول رميلان في الحسكة ما يناهز 1322 بئراً إضافة لأكثر من 25 بئراً للغاز.
وفي المنطقة الشرقية ذاتها تدير روسيا حقلي "الورد" و"التيم"، بينما الحليف الإيراني يتموضع في حقلين هما "الحمار" و"الحسيان"، وينتج حقل "التيم" وحده 2500 برميل يومياً.
وإزاء هذه الخريطة الجغرافية التي ترسم نفوذ المصالح الأجنبية وتقاسم الثروات الباطنية يبدو للمراقب الاقتصادي أن العمل السياسي قد يطول، فالأرض باتت مرتعاً للشركات الأجنبية وتبدو موسكو الأوفر حظاً في الاستحواذ على الاستثمار في أراض تسيطر عليها السلطة إلا إذا تمكنت الحكومة من قطع أشواط شاسعة في مجال الطاقة والثروات الباطنية تقنياً وفنياً، وهو من الصعب حدوثه بعد الدمار الذي لحق بمنظومتها النفطية على مدى سنوات الحرب.