Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيرلندا الشمالية تودع تريمبل "رجل التصالح" مع التاريخ

تأرجح بين التشدد والبراغماتية وقدم مثال السياسي القادر على الدفع نحو التسوية في أزمنة الانقسام الحاد

أكسبه دفعه نحو السلام أعداء في صفه إذ اعتبر عدد من الوحدويين أنه خان القضية (أ ف ب)

فقدت إيرلندا الشمالية رئيس وزرائها السابق ديفيد تريمبل الذي وافته المنية عن 77 سنة، بعد مسيرة أنجز خلالها اتفاق سلام تاريخياً وقدم مثال السياسي القادر على الدفع نحو التسويات في أزمنة الانقسام الحاد.

وفي وقت متأخر من ليل الإثنين، الـ 25 من يوليو (تموز)، أعلن حزب "ألستر الوحدوي" الذي انتمى إليه تريمبل وفاة رئيس الوزراء السابق الحائز جائزة نوبل للسلام تقديراً لدوره في إبرام اتفاق عام 1998، والذي وضع حداً لثلاثة عقود من النزاع في البلد المنضوي تحت راية المملكة المتحدة.

وقال الحزب في بيان إن تريمبل "توفي بسلام، الإثنين، بعد فترة وجيزة من المرض"، من دون تقديم تفاصيل إضافية في هذا الشأن.

المتأرجح بين التطرف والاعتدال

ويطوي هذا الرحيل حقبة من التاريخ المعاصر لإيرلندا الشمالية، حيث قاد تريمبل حزبه البروتستانتي المؤيد لتعزيز الروابط مع لندن إلى مفاوضات شاقة مع الجمهوريين الكاثوليك، توجت بـ "اتفاق الجمعة العظيمة" الذي وضع حداً لزهاء ثلاثة عقود من التوتر الطائفي الدموي.

وفي العام ذاته تشارك تريمبل جائزة "نوبل" للسلام مع نظيره الجمهوري جون هيوم لدورهما في إبرام اتفاق سلام أنهى نزاعاً أودى بحياة 3500 شخص.

ووفق كاتب سيرته أندرو روث كان تريمبل مثل شخص "يقدم أداء على حبل مشدود، وأذهل متابعيه بقدرته على التأرجح بين الطائفية البروتستانتية المتطرفة والوسط المعتدل".

وولد ويليام ديفيد تريمبل في الـ 15 من أكتوبر (تشرين الأول) 1944 لعائلة من الطبقة الوسطى في بانغور بإيرلندا الشمالية، وعرف في طفولته بطباعه الخجولة وشغفه بالقراءة والدراسة، وتم قبوله في جامعة الملكة في بلفاست حيث نال شهادة في الحقوق عام 1968، ودخل نقابة المحامين في السنة التالية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

انخرط تريمبل في المعترك السياسي عام 1975 ممثلاً لمنطقة جنوب بلفاست في الحكومة الإقليمية عن حزب "فانغارد (الطليعة) الوحدوي التقدمي"، ولدى انقسام الحزب بسبب تحالف محتمل مع المنافسين الجمهوريين، اصطف تريمبل مع مؤيدي الاتفاق مما أعطى إشارة إلى أن قناعاته الوحدوية باتت تترافق مع نزعة تسوية براغماتية.

وفي عام 1978 انضم إلى حزب "ألستر الوحدوي"، وفي 1990 كان ضمن الجمع الذي قام من على سطح مقر الحزب في بلفاست بالتشويش على زيارة رئيس الوزراء الإيرلندي جون هوهي.

وفي العام ذاته انتخب نائباً في البرلمان البريطاني عن الحزب الذي أصبح زعيماً له بعد خمس سنوات، وكتب الصحافي جون مالن إن "القوميين نظروا إلى تريمبل على أنه وحدوي صاحب موقف لا يحيد قيد أنملة".

وعلى الرغم من التركة الثقيلة للنزاع كان تريمبل أول زعيم وحدوي يدخل مفاوضات مع "شين فين"، الجناح السياسي للجيش الجمهوري الإيرلندي، وقاد الوحدويين خلال مفاوضات امتدت ثمانية أشهر وتوجت بـ "اتفاق الجمعة العظيمة" الذي أرسى حكومة إقليمية تشاركية وأنهى العمليات العسكرية وشبه العسكرية لكل الأطراف.

وخلال الفترة التي سبقت طرح الاتفاق على الاستفتاء وضع تريمبل رصيده الوحدوي لدعم الحملة الهادفة إلى نيل الموافقة الشعبية عليه.

رجل الدولة لا يعاند التاريخ

ظهر على المسرح مع هيوم خلال حفل موسيقي في لحظة ينظر إليها على أنها مفصلية في جعل فوز الاتفاق في الاستفتاء أمراً شبه مؤكد، لكن مساندته للسلام لم تنه بغضه الشخصي حيال القوميين، وينسب إليه وصفه زعيم "شين فين" جيري أدامز الذي يعتقد أنه كان أيضاً من أفراد الجيش الجمهوري، بأنه "أكثر شخص مقزز التقيته في حياتي".

وأكسبه أيضاً دفعه نحو السلام أعداء في صفه، إذ اعتبر عدد من الوحدويين أنه خان القضية التي ناضلوا من أجلها، وعلى الرغم من كل ذلك أصبح تريمبل أول رئيس وزراء لإيرلندا الشمالية وفق الصيغة الحكومية الجديدة، وتشارك مع هيوم جائزة "نوبل" للسلام عام 1998.

اعتبر بعد نيله الجائزة أن "وحدويي ألستر وخشية من أن يصبحوا معزولين على الجزيرة، بنوا بيتاً صلباً لكنه كان شديد البرودة للكاثوليك"، مضيفاً "بدا لنا أن القوميين الشماليين على الرغم من تمتعهم بسقف فوق رأسهم يريدون أن يحرقوا هذا البيت".

ولم تكن المهمة سهلة في البيت المشترك فغالباً ما تواجهت السلطتان التنفيذية والتشريعية على خلفية تعهد الجيش الجمهوري الإيرلندي بنزع سلاحه، وهي مهمة أنجزت عام 2005.

وترك تريمبل منصبه في 2002 مع بدء تعليق عمل السلطة التشريعية على خلفية شبكة تجسس مزعومة مرتبطة بالجيش الجمهوري الإيرلندي تنشط في البرلمان، وبعد ثلاثة أعوام من ذلك خسر مقعده في برلمان المملكة المتحدة لكنه نال رتبة في مجلس اللوردات حيث انتقل لصف حزب "المحافظين" عام 2006.

وأقر عام 2019 بأنه اضطر إلى تغيير آرائه في شأن زواج المثليين بعد ارتباط ابنته بصديقتها الحميمة، في خطوة إضافية عكست قدرة رجل دولة على تغيير مسار مواقفه لتتناسب مع تبدل مجرى التاريخ.

اقرأ المزيد

المزيد من الأخبار