Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تفتح المباحثات بين تونس و"النقد الدولي" باب التمويل؟

متخصصون يؤكدون صعوبة الاتفاق وتساؤلات عن كيفية توفير الحكومة نفقاتها حتى نهاية 2022

قامت بعثة من صندوق النقد الدولي بزيارة تونس لمناقشة الدعم المالي المحتمل لبرنامج السياسات والإصلاحات الاقتصادية الذي وضعته سلطات البلاد (رويترز)

وصفت بعثة صندوق النقد الدولي إلى تونس، في بيان نشر على الموقع الإلكتروني للصندوق، المناقشات بين الجانبين بالمثمرة بشأن اتفاق جديد في إطار "تسهيل الصندوق الممدد" لدعم السياسات والإصلاحات الاقتصادية للسلطات، ورحبت البعثة في البيان الموقع باسم الألماني بيورن روترز، بانفتاح الحكومة والشركاء الاجتماعيين تجاه الحوار البناء بشأن تنفيذ برنامج إصلاحي مراعٍ للاعتبارات الاجتماعية وداعم للنمو، وقالت البعثة في بيانها، إن الخبراء "سيواصلون المناقشات على مدار الأسابيع المقبلة بهدف التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء".

وأكد عدد من المتخصصين في الشأن الاقتصادي بتونس، أن هذا البيان يعد رسالة ضمنية جاء في شكل لغة دبلوماسية على أن المفاوضات بين الطرفين لم تحرز تقدماً لافتاً، بدليل عدم الإعلان عن التوصل إلى اتفاق مثلما كان متوقعاً في الفترة الماضية، وفي المقابل، رأى جانب آخر من المتخصصين أن البيان كان إيجابياً وحمل في طياته رسائل طمأنة تناولها صندوق النقد الدولي لأول مرة على غرار دعوة المجموعة الدولية إلى مساندة تونس والإقرار بتداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية.

تقدم مهم في البرنامج الاقتصادي

وقامت بعثة من "الصندوق" بقيادة الألماني بيورن روترز بزيارة إلى تونس خلال الفترة الممتدة من الرابع إلى 18 يوليو (تموز) 2022 لمناقشة الدعم المالي المحتمل لبرنامج السياسات والإصلاحات الاقتصادية الذي وضعته السلطات التونسية، وتأمل تونس منذ أكثر من سنة في الحصول على قرض من الصندوق بقيمة أربعة مليارات دولار لتمويل الموازنة وتنزيل جملة من الإصلاحات الاقتصادية لكن المحادثات تعثرت أكثر من مرة، وتضمن البيان، الذي أصدره روترز، أن "السلطات التونسية تحقق تقدماً مهماً في برنامجها الاقتصادي، مع مراعاة التنسيق الجيد بين الوزارات والهيئات على أساس رؤية مشتركة سليمة، ومن الضروري الآن الإسراع في وتيرة تنفيذه".

وفي المقابل، أقرّ بأن "الاقتصاد التونسي يعاني من التأثير الاقتصادي للحرب في أوكرانيا التي تمثل صدمة خارجية كبيرة تضاف إلى جائحة (كوفيد-19)، وأن هذه الضغوط تزيد من مواطن الضعف الهيكلية الأساسية القائمة في الاقتصاد".

 تحديات

ولاحظ روترز وجود تحديات تكتنف آفاق المدى القريب في ظل ترجيح تباطؤ النمو، بينما يؤدي ارتفاع الأسعار الدولية في الطاقة والغذاء إلى زيادة التضخم المرتفع من الأساس وزيادة العجز المالي والخارجي فضلاً عن الديون، ما يؤكد الحاجة لاتخاذ تدابير عاجلة بغية تقليص هذه الاختلالات، وأكد المتحدث في بيانه أن "خبراء الصندوق يدعمون أولويات برنامج السلطات للسياسات والإصلاحات الاقتصادية، ومن المهم البِناء على التقدم الذي تحقق في تحسين العدالة الضريبية وتوسيع نطاق تغطية شبكات الأمان الاجتماعي، وتحقيق تحول في أداء المؤسسات العامة التي تتكبد خسائر، واحتواء النفقات العامة الجارية".

شبكة الأمان الاجتماعي

وبيّن أن احتواء النفقات العامة الجارية يتطلب الحد من نمو فاتورة الأجور في القطاع العام خلال السنوات المقبلة، والإلغاء التدريجي لدعم الطاقة عن طريق زيادات منتظمة في الأسعار تحقق الربط بين الأسعار المحلية والعالمية للنفط والغاز الطبيعي، وشدد صندوق النقد الدولي على "ضرورة تحقيق تقدم عاجل في الجهود الجارية لتقوية شبكة الأمان الاجتماعي وتوسيع تغطيتها لتعويض تأثير ارتفاع الأسعار المدارة للسلع عن طريق التحويلات النقدية إلى الأسر الضعيفة، وتخفيف بعض الأعباء عن الطبقة المتوسطة".

يشار إلى أن البنك الدولي توقع في آخر تقرير له أن يزداد الفقر في تونس بنسبة 2.2 في المئة في السنوات المقبلة.

تطويق التضخم

من جانب آخر، لاحظ روترز أن البنك المركزي التونسي بدأ تشديد سياسته النقدية لحماية القدرة الشرائية للمواطنين في مواجهة التضخم المرتفع والمتسارع، مضيفاً، " نحن نؤيد ضرورة استمرار هذا الإجراء في الفترة المقبلة"، ويعني هذا ضمنياً أن "الصندوق" طلب من البنك المركزي التونسي مزيداً من الترفيع في نسبة الفائدة الرئيسة لتطويق نسبة التضخم الآخذة في الصعود لتبلغ 8.1 في المئة مع نهاية يونيو (حزيران) الماضي، يشار إلى أن معظم البنوك المركزية في العالم قد رفعت في مناسبات متتالية نسبة الفائدة الرئيسة في خطوة لكبح جماح التضخم بسبب تداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية.

وفاق وطني

وتحدث روترز في بيانه عن "انفتاح الحكومة والشركاء الاجتماعيين تجاه إقامة حوار بناء حول تنفيذ برنامج اقتصادي مراعٍ للاعتبارات الاجتماعية وداعم للنمو، ونأمل أن يتمكن الشركاء الاجتماعيون والأطراف المعنية المهمة الأخرى من الاتحاد حول هذا المسعى"، وأضاف، "التأييد الواسع سيكون ضرورياً لإنجاز المهمة العاجلة المتمثلة في تخفيض الاختلالات الاقتصادية الكلية، وتعزيز الاستقرار ودعم النمو المنشئ للوظائف الذي يشكل مطلباً أساسياً لتفعيل إمكانات الاقتصاد التونسي الهائلة بما يصب في صالح كل المواطنين". وخاضت البعثة لقاءات مع محافظ البنك المركزي مروان العباسي، ولفيف من الخبراء العاملين معهم، كما أجرت البعثة مناقشات مع ممثلي الاتحاد التونسي العام للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، وكنفدرالية مؤسسات المواطنة التونسية (منظمة أعراف ثانية)، والمجتمع المدني.

بيان إيجابي

ورحب عبد القادر بودريقة الأستاذ الجامعي ورئيس حلقة الماليين التونسيين بفحوى بيان بعثة صندوق النقد الدولي، لافتاً إلى أنه كان إيجابياً للغاية انطلاقاً من لغة البيان ووصولاً إلى مضمونه الذي تطرق إلى مسائل عدة وصفها بالمطمئنة والإيجابية، وأكد أن صندوق النقد الدولي غيّر من موقفه من تونس في علاقة بالتزامها في تنزيل الإصلاحات الاقتصادية، لافتاً إلى أن "الصندوق" يتحدث لأول مرة عن الشركاء الاجتماعيين وانخراطهم في جملة الملفات الاقتصادية والاجتماعية علاوة على التطرق كذلك إلى البرنامج الإصلاحي الذي عرضته الحكومة بأبعاده الاجتماعية، ومن خلال تحليله لبيان بعثة "الصندوق" إلى تونس، قال بودريقة، إن بعثة الصندوق تحدثت لأول مرة عن تسقيف الآفاق الزمنية بإمكانية مواصلة المباحثات في الأسابيع القليلة المقبلة متوقعاً أن يتم التوصل إلى اتفاق مبدئي في غضون شهر سبتمبر (أيلول) المقبل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما لفت إلى أن صندوق النقد الدولي اعترف بالتداعيات الكبيرة للحرب الروسية- الأوكرانية على تونس مثل عدد آخر من الدول، وأن البعثة طلبت من المجموعة الدولية مساندة البلاد، معتبراً أنه لأول مرة تقريباً، يتم التحدث عن المساندة ومعاضدة جهود تونس في إصلاحاتها.

وعن أسباب تغير لغة "الصندوق" مع تونس وفق ما تضمنه البيان الأخير، أوضح المتحدث أن هناك جهوداً من الحكومة التونسية لتنزيل سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية العاجلة، مشيراً إلى تسجيل حركية لافتة في الأشهر الثلاثة الأخيرة في إقرار جملة من القرارات ذات البعد الاقتصادي، ولئن بيّن عبد القادر بودريقة أن بلوغ اتفاق بين تونس وصندوق النقد الدولي خطوة إيجابية، فيجب عدم اعتباره نقطة الوصول بل بداية جديدة لاتخاذ القرارات والإجراءات الاقتصادية الصائبة لتصحيح جملة من الإشكاليات الاقتصادية العالقة، ودعا الحكومة إلى وجوب إرساء برنامج اقتصادي دامج يسمح بخلق مواطن الشغل والثروة وتحقيق نسب نمو عالية للقضاء على البطالة والتقليص من حجم المديونية، معرباً عن أمله في أن يكون الاتفاق بين تونس وصندوق النقد الدولي الأخير من نوعه والدخول في مرحلة تنموية جديدة.

تعثر المفاوضات مجدداً

وتعليقاً على بيان بعثة صندوق النقد الدولي، خص مصدر من الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية النافذة في تونس)، على دراية بملف المفاوضات "اندبندنت عربية" بتصريح، كشف فيه أن البيان يحمل لغة دبلوماسية لطيفة ومهذبة ويفهم منه أن الطرفين لم يوفقا باتفاق حول مجمل الملفات والإصلاحات المطلوبة من تونس، وقال المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن وفد صندوق النقد الدولي، الذي قدم إلى تونس بمسؤولين كانت لديهم القناعة بإمكانية التوصل إلى اتفاق بشأن الإصلاحات التي تعتزم البلاد تنزيلها على أرض الواقع، غير أن البيان الصادر عن البعثة الذي جاء فيه أن المفاوضات ستستمر في الأسابيع المقبلة يترجم فشل المفاوضات، في نظره.

وتابع المتحدث الذي شارك في المفاوضات باسم المركزية النقابية أن وفد "الصندوق" دعا ضمنياً الحكومة إلى إيجاد اتفاق مع الشركاء الاجتماعيين وفي مقدمها الاتحاد العام التونسي للشغل، مضيفاً، "من الناحية السياسية، مفتاح نجاح المفاوضات مقترن بجلوس الحكومة مع اتحاد الشغل وإيجاد التوافقات الضرورية"، وخلص المصدر نفسه بالتأكيد على أن الوقت ليس في صالح تونس في ظل ما تشهده من صعوبات اقتصادية كبيرة ستقلص بشكل كبير جداً من هامش تحركها بخاصة على المستوى الخارجي لتعبئة الموارد الضرورية في ظل ما تعرفة البلاد من إشكاليات مالية لتمويل موازنة العام الحالي.

صعوبات اقتصادية منتظرة

ولم يختلف تحليل عز سعيدان المتخصص في الشؤون المالية عن تفسير المصدر النقابي نفسه بأن المفاوضات بين تونس وصندوق النقد الدولي قد فشلت بدليل البيان الصادر، مساء الثلاثاء 19 يوليو، لكن سعيدان أبرز أن بيان بعثة "الصندوق" جاء في شكل لغة دبلوماسية بمواصلة المفاوضات في الأسابيع المقبلة، ما يعني، وفق رأيه، أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين، معتبراً، في الوقت نفسه، أن الخلاف بين الطرفين انحصر في ثلاثة ملفات أساسية تتمثل في إصلاح كتلة الأجور من الناتج الداخلي الخام التي تعد من أرفع الكتل في العالم (في حدود 15 في المئة حالياً)، ويتعلق الملف الثاني بإصلاح منظومة الدعم معتبراً أن الإصلاح لا يمكن ربطه بإلغاء الدعم عبر الترفيع في الأسعار بل في حسن توجيهه نحو مستحقيه من الفئات الاجتماعية محدودة أو ضعيفة الدخل، أما الملف الثالث، فهو إصلاح الشركات الحكومية التي قال عنها سعيدان، إنها تعرف خسائر متراكمة وصلت إلى مستوى ملياري دولار.

وأشار إلى أن المحادثات لم تفض إلى إيجاد أرضية أو صيغة لتفاهم حول مجمل هذه الملفات الحارقة في ظل رفض الاتحاد العام التونسي للشغل طريقة الإصلاح التي تعتزم الحكومة تنزيلها، ورجح المتحدث أن الفشل الضمني للمحادثات بين تونس وصندوق النقد الدولي يعود في جانب منه إلى الوضع السياسي الاستثنائي الذي تعيشه البلاد بعدم وجود سلطة حقيقية في البلاد قادرة على القيام بالإصلاحات الاقتصادية الضرورية، واستشهد سعيدان بتصريح جيري رايس المتحدث الرسمي باسم صندوق النقد الدولي، منذ بضعة أسابيع، بتأخر تونس في إنجاز الإصلاحات الضرورية، وأنه يتعين القيام بها سواء تم التوصل إلى اتفاق مع الصندوق من عدمه، وختم سعيدان تصريحه، "بالتساؤل عن الطريقة التي ستؤمن بها تونس تمويل نفقاتها في ما تبقى من هذا العام".

ويبقى الأمل إجمالاً قائماً، في الأسابيع المقبلة، التي ستفرز تطورات مهمة على أثر انتهاء تونس من التصويت على استفتاء لتبني دستور جديد للبلاد قد يغير الموازين.

اقرأ المزيد