Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أزمة الطاقة تختبر التعاون الأوروبي المشترك في "شتاء الغضب"

خلافات عميقة متوقعة وسط غياب البديل مع تراجع المخزون

تبدو المؤشرات إلى الأزمة الطاحنة في فصل الشتاء واضحة تماما حيث تواصل أسعار الغاز الطبيعي الارتفاع   (رويترز)

على الرغم من ارتفاع درجات الحرارة في دول أوروبا حالياً بشكل غير مسبوق، وما أدى إليه من حرائق وحوادث وزيادة هائلة في الطلب على الطاقة، فإن التوقعات بأن يكون فصل الشتاء أشد قسوة على دول أوروبا وبريطانيا، ليس فقط بسبب التغيرات المناخية، وإنما بسبب أزمة طاقة تبدو أكثر احتمالاً ستسفر عن إغلاق مصانع وانهيار شركات وزيادة هائلة في فواتير الاستهلاك المنزلي للغاز والكهرباء.

وخصصت مجلة "إيكونوميست" افتتاحيتها هذا الأسبوع لهذا الموضوع، مع ملف عن احتمالات "شتاء الغضب" في أوروبا نتيجة توقف إمدادات الغاز الطبيعي الروسي وعدم كفاية البدائل لتلبية الطلب المتزايد وتوقع انقسامات بين الدول الأوروبية، تعقد الأزمة أكثر.

وذكرت المجلة أن صدمة الطاقة لأوروبا في فصل الشتاء المقبل ربما تكون اختباراً أشد للتعاون الأوروبي من أزمات سابقة، مثل أزمة اليورو في بداية العقد الماضي وأزمة المهاجرين إلى أوروبا عام 2015.

يهتم الأوروبيون حالياً بموجة الحر الشديدة وتبعاتها، خصوصاً زيادة الضغط على شبكات الكهرباء لتشغيل أجهزة التكييف والتبريد. وما يضاعف من مشكلة الطاقة، توقف إمدادات الغاز الطبيعي الروسي عبر خط "نورد ستريم 1" لأعمال الصيانة التي تنتهي الأسبوع المقبل، لكن فصل الشتاء سيكون أشد وطأة، سواء نفذت أوروبا العقوبات على روسيا وقللت اعتمادها على واردات الطاقة منها، أو استخدمت موسكو الغاز في صراعها مع الغرب وأوقفت الإمدادات.

مؤشرات واضحة

تبدو المؤشرات إلى الأزمة الطاحنة في فصل الشتاء واضحة تماما، خصوصاً في الأسواق، فقد وصلت أسعار الغاز الطبيعي في العقود الآجلة تسليم أشهر الشتاء إلى 184 دولاراً للميغاواط في الساعة، وتواصل الارتفاع.

وعلى الرغم من أن الدول الأوروبية تسعى إلى تأمين الإمدادات من مناطق أخرى، بما في ذلك الغاز الطبيعي من الجزائر ومصر، إضافة إلى الصادرات الأميركية إلى أوروبا، فإن ذلك لا يبدو كافياً لتعويض فقدان الإمدادات الروسية.

وبدأت الحكومات الأوروبية، بخاصة في ألمانيا وفرنسا، تستعد لإنقاذ شركات توزيع الطاقة التي ستنهار وترفع الدول درجات إنذار الطوارئ وتستعد لتقنين استهلاك الطاقة، خصوصاً في الصناعات كثيفة الاعتماد على الغاز والكهرباء، بل إن الأسواق بدأت تحسب حسابها من الآن وتضع تقديرات لأي من الشركات ستنهار مع إغلاق مصانع وتوقف أعمال بسبب أزمة الطاقة.

 

وفي قلب تلك الأزمة، نقص الغاز الطبيعي الذي تعتمد عليه دول أوروبا في إنتاج ربع استهلاكها من الطاقة الكهربائية، فضلاً عن استخداماته المباشرة بكثافة في مصانع الكيماويات والزجاج وغيرها، إضافة إلى استخداماته المباشرة أيضاً في التدفئة والطبخ في البيوت. وتوفر روسيا لأوروبا ما يقارب نصف حاجاتها من الغاز الطبيعي.

ونتيجة السحب من مخزونات الغاز، وصل مستواها في بعض دول أوروبا إلى نسبة 26 في المئة فقط، بينما تحتاج إلى نسبة مخزون فوق 80 في المئة لتتمكن من تلبية الطلب في فصل الشتاء، لذا ألزمت المفوضية الأوروبية دول الاتحاد الأوروبي الوصول إلى هذا المستوى قبل شهر سبتمبر (أيلول)، لكن انخفاض إمدادات الغاز الروسية وزيادة الطلب على الطاقة حالياً يجعلان إعادة ملء المخزونات في غاية الصعوبة.

الغاز والنفط وموقف موسكو

ويختلف الغاز الطبيعي عن النفط في أن الأخير تتم التجارة فيه عالمياً ويمكن شراؤه بسهولة في عقود آجلة أو شراء فوري لنقالات موجودة في عرض البحار. أما الغاز، فإما يتم نقله عبر خطوط أنابيب يجب إنشاؤها أو إعادة برمجتها لأعوام، أو في شكل غاز طبيعي مسال عالي الكلفة والسعر ويحتاج أيضاً إلى بناء مرافئ لاستقباله وإعادة ضخه في شكل غاز.

وتقول "إيكونوميست" إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يدرك أهمية أنه يملك اليد العليا في مسألة الطاقة في أوروبا. فروسيا قد لا يمكنها الاستغناء عن تصدير النفط الذي تشكل عائدات تصديره نحو 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الروسي، بينما عائدات تصدير الغاز الطبيعي لا تشكل سوى 2 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي، بالتالي فإن بوتين قد يرى أن بإمكانه الضغط على أوروبا بوقف صادرات الغاز من دون أن يتضرر الاقتصاد الروسي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع عطل في حقل إنتاج غاز نرويجي قبل أيام، أصبح تأثير خفض الإمدادات الروسية من الغاز الطبيعي إلى أوروبا أكثر وضوحاً. فالأسعار التي تضاعفت سبع مرات تقريباً منذ قبل عام مضى أخذت في الارتفاع أكثر، بل إن عملية إعادة بناء المخزونات الأوروبية من الغاز الطبيعي (يدفن تحت الأرض) تعطلت بما يهدد توافر الحد الأدنى الضروري لعبور أشهر الشتاء.

انقسامات أوروبية

تحذر المجلة في افتتاحيتها من احتمال أن تؤدي أزمة نقص الطاقة إلى مزيد من الانقسامات في أوروبا، التي يواجه اقتصادها بالفعل تباطؤاً في النمو سيزداد ويتحول إلى انكماش شديد نتيجة نقص الطاقة. وستتفجر مشكلات الديون التي بدأت بوادرها، كما في حالة إيطاليا التي تعاني مشكلة أكثر من 100 مليار دولار من الديون.

لكن الأخطر سيكون تصرف الدول الأوروبية بشكل فردي، مما قد يؤدي إلى كارثة في حال سعت كل دولة إلى تأمين الطاقة لنفسها ولو بقطعها عن الآخرين. وتشير "إيكونوميست" إلى ما بدأت بريطانيا تفعله بإعلانها إمكانية قطع خطوط أنابيب الغاز التبادلية مع هولندا وبلجيكا في حال الضرورة، لذا طالبت المجلة  المفوضية الأوروبية بالعمل على تأمين إمدادات الغاز بشكل مشترك، بل وإضافة بريطانيا التي أصبحت خارج أوروبا بعد "بريكست" إلى ذلك التنسيق والتعاون.

والبديل الكارثي هو أن تنكفئ الدول على مشكلاتها من دون تعاون مع الجيران بما يزيد مشكلتها ومشكلة القارة الأوروبية كلها. ويُعدّ ذلك اختباراً لمدى التعاون الأوروبي ربما أكثر من الاختبار الذي تعرضت له القارة في عز أزمة وباء كورونا.

ويتذكر الجميع التظاهرات التي خرجت في إيطاليا وغيرها من الدول الأكثر تضرراً من الوباء تندد ببقية أوروبا التي لم تمد يد العون للإيطاليين في أزمتهم وهم يواجهون ارتفاعاً هائلاً في الوفيات بسبب كورونا، بينما لا تتوافر المستلزمات الصحية الأساسية للحد من انتشار الوباء، وتسعى كل دولة في أوروبا إلى تأمين حاجاتها لنفسها، بل إن البعض حتى استولى على صفقات من الأقنعة والسترات الواقية كان يمكن أن تذهب إلى الدول الأشد تضرراً.

أما الانقسام بشأن الغاز والطاقة، فسيكون أكثر خطراً، وربما يهدد فكرة التعاون الأوروبي من أساسها. وتحذر "إيكونوميست" من أن ذلك قد يكون هدف الرئيس بوتين، بالتالي على أوروبا أن تتحسب من الوصول إلى هذه الحالة من الانقسام.

اقرأ المزيد