Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أسوأ كارثة بيئية في العالم  - تجفيف بحر آرال - تتكرر الآن في أفريقيا

قررت الحكومة الإثيوبية خلال العقد الماضي المضي في بناء سد ضخم لتوليد الطاقة الكهرومائية في موقع صنفته اليونسكو تراثاً عالمياً. قد يتسبب المشروع في كارثة إيكولوجية وتشريد آلاف السكان المحليين.

(أدى استكمال سد جيب 3، وهو أطول سدود في أفريقيا ، إلى القضاء على الفيضان السنوي وخفض تدفق أومو بشكل جذري، والذي ينتج معظم مدخلات المياه العذبة في بحيرة توركانا (ميمي أببياهو

يشمل حوض أومو تركانا، الذي يضم مساحات شاسعة من إثيوبيا وجنوب السودان وكينيا، أحد أقدم مناطق العالم المعروفة بأنها كانت مهد الجنس البشري أو "الهومو سيبينز"، والتي تعد الآن أحد أكثر أماكن التنوع الإثني تميزاً في العالم. في الجزء الأسفل من وادي أومو وحده، أنتج تاريخ متنوع من التقاء الثقافات ثماني مجموعات إثنية متخلفة، تتحدث العديد من اللغات بدءاً من الأفرو آسيوية وحتى النيلو صحراوية.

وفي أحد تجمعات الماشية على ضفاف نهر أومو القديم، ناشدني أحد شيوخ قبيلة "مُرسي" أن "أروي قصتنا حتى يعرفها الآخرون قبل أن نموت جميعاً في الصحراء". وعند نهاية النهر في بحيرة توركانا، كان الصيادون المحليون يرددون: "ستجدون عظامنا في الصحراء". تستغل الدولة الإثيوبية قصة محيط حوض أوموتوركانا باسم "التنمية"، بينما تسحق الحقوق الإنسانية لمواطنيها.

السد والملعون

خلال العقد الماضي، قررت الحكومة الإثيوبية المضي قدماً في بناء سد ضخم لتوليد الطاقة الكهرومائية على نهر أومو، والمعروف باسم جيب 3. ومن دون أي تشاور جدي مع المجتمعات التي ستتأثر بالمشروع، استولت الدولة على أراضي الرعي والمياه العذبة أيضاً، مهددة مواردها الحيوية وتراثها المحلي.

وقد حدث كل ذلك رغم أن المنطقة اعتبرت موقعاً للتراث العالمي، وفق اليونسكو منذ العام 1980. وكما قال ريتشارد ليكي، عالم  الأنثروبولوجي والسياسي الكيني المحافظ: "هذه الأحداث مقلقة للغاية".

استكمال سد جيب 3، وهو أكثر سدود أفريقيا ارتفاعاً حتى الآن، قضى على الفيضان السنوي وخفض تدفق نهر أومو بدرجة كبيرة، هو الذي ينتج 90 في المئة من المياه العذبة في بحيرة توركانا. وهذا ما خفض، بالتالي، الرواسب والمواد الغذائية الحيوية التي تحتاجها الزراعة التقليدية والمراعي الوجودة على ضفاف النهر أيضاً، بالإضافة إلى مواطن الأسماك.

أكثر من 30 في المئة من المياه المتدفقة إلى البحيرة ستحول إلى مشاريع الري التجارية. وقد تكون النتيجة انخفاض مستوى المياه في البحيرة مقارنة بمستوى بحر آرال في وسط آسيا، الذي تقلص بأكثر من الثلثين منذ الستينيات بسبب الجفاف، الذي وصف بأنه "أسوأ كارثة بيئية في العالم". ومن أجل تمهيد الطريق أمام المزارع التجارية، التي يخطط لإنشائها في وادي نهر أومو، ستصادر عشرات الآلاف من الهكتارات وسينزح الآلاف من السكان المحليين.

تنمية بأي ثمن

الحاجة إلى رؤية "التنمية" على أنها مسألة أكثر من مجرد زيادة في إجمالي الناتج المحلي هو أمر قد ترسخ بالفعل. وقال الخبير الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل أمارتيا سين، في مؤلفه "التنمية كحرية"، إن التنمية المستدامة يجب أن تكون مبنية على الحصول على نصيب شامل من الضرورات الاجتماعية والاقتصادية، وكذلك الحقوق السياسية والمدنية. فالمجتمعات المتعددة، الموجودة في حوض أومو تركانا، عانت من تقليص منظم لأبسط حقوقها الأساسية.

الاتفاقيات الدولية التي وقعتها الحكومة الإثيوبية، مثل الميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1993 والميثاق الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تقتضي منها حماية وتعزيز حقوق الأقليات الثقافية، وضمان "حق الجميع في المشاركة في الحياة الثقافية".

ومنذ العام 1948، وقعت إثيوبيا على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها أيضاً. وتنص المادة الثانية من الإتفاقية على عدم تدمير أي "مجموعة  قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية". وقد عرّف رافائيل ليمكين، الذي صاغ كلمة "إبادة جماعية"، بشكل واضح الحاجة للحماية من "تفكك المؤسسات الثقافية والاجتماعية والسياسية، المشاعر القومية، الدين والوجود الاقتصادي للمجموعات الوطنية".

من الصعب ألا نستنتج أن ما نراه في أومو هو تجاهل الحكومة الإثيوبية لإلتزاماتها. فسياساتها التنموية لا تعمل على تغيير وتحويل التراث والأراضي فحسب، بل تعمل على تدمير الأنظمة المركبة للحياة المستدامة، التي استمرت آلاف السنين. والأكثر ظلماً، في ما يحدث، أن المجتمعات المحلية هي التي ستتحمل التكلفة البيئية، بينما ستستفيد الشركات الدولية والمركزية من الأرباح.

وفي هذه الأثناء، ستتحول قرون من الحكمة الجماعية الخاصة بتنويع الثروة الحيوانية والزراعة بالاعتماد على السيول وآليات تبادل الثروة الحيوانية إلى مجرد فائض لا لزوم له.

هذا لا ينفي أن التنمية، بالمعنى الذي حدده سين، هي ضرورة وجديرة بالثناء. لكن يجب علينا أن ندرك أن مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق قد يكون لها عواقب بعيدة المدى في ما يخص أساليب الحياة والهوية الثقافية لأولئك الذين سيجبرون على النزوح من أراضيهم.

المشاريع التي تهدف إلى زيادة النمو الاقتصادي من دون الأخذ في الاعتبار العدالة الاجتماعية والحقوق الفردية لا تستحق اسم "التنمية". التنمية يجب أن تفيد السكان المحليين، ولكي يحدث ذلك، لا يجب الاستماع إليهم فحسب، بل منحهم دوراً محورياً في أي نقاش يخص مستقبل أراضيهم وسبل عيشهم.

حوض أومو تركانا فريد من نوعه وثمين، فهو يعد مهد وبوتقة جنسنا البشري. إننا جميعاً نتقاسم مسؤولية تراثنا وتاريخنا، ومستقبلنا أيضاً.

© The Independent

المزيد من بيئة