Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النقد البيئي يدرس الطبيعة في الأدب من خلال عدسة خضراء

كتاب أكاديمي سعودي يمهد الطريق نظريا ويتناول روايات عدة

العلاقة بين الأدب والبيئة (صفحة إيكولوجيا - فيسبوك)

النقد البيئي فرع حديث العهد من فروع النقد الأدبي آخِذٌ في التبلور، منذ تسعينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة الأميركية، ويشكّل تتويجاً لسياق تاريخي بدأت إرهاصاته الأولى مع حركات حماية البيئة، في ستينيات القرن نفسه، واهتمّت الأوساط الأدبية والثقافية به، على شكل مقالات فردية في السبعينيات ودراسات أدبية بيئية في الثمانينيات، حتى إذا ما أزفت التسعينيات، تمظهر الاهتمام بهذا الحقل المعرفي في: مواد تدريسية، دورات تدريبية، نشرات إخبارية، قضايا صحفية، واختصاصات جامعية. على أن أول من استخدم مصطلح "النقد البيئي" هو الأميركي ويليام روكيرت في العام 1978، في مقالة له بعنوان "الأدب وعلم البيئة: تجربة في النقد البيئي".

من هذه الشرفة، نطلّ على كتاب "النقد البيئي / مفاهيم وتطبيقات"، الصادر عن وحدة السرديات في جامعة الملك سعود ومؤسّسة الانتشار العربي، لمجموعة من الباحثين والأكاديميين، بتحرير أبو المعاطي الرمادي ومعجب الزهراني. وهو كتاب يقدم معرفة نظرية / تطبيقية بهذا الحقل المعرفي الجديد الآخذ في التبلور، من خلال ثلاثة بحوث نظرية، وأربعة دراسات تطبيقية. والمفارق في هذه البحوث والدراسات إحالتها إلى المراجع نفسها، تقاطعها في الكثير من الأفكار، والخروج بنتائج متقاربة.

عرض بانورامي

 

في القسم النظري من الكتاب، المُعَنْوَن بـ "مفاهيم نظرية"، يقدّم الباحث السعودي معجب الزهراني، في معرض الدخول إلى النقد البيئي، عرضاً بانورامياًّ للموضوع. يتناول: تعريفاته، هدفه، حقل دراسته، آليات اشتغاله، جذوره التاريخية، أبرز رواده، مصطلحاته، فضاءاته، وحقول اهتمام نقّاده. وهذا العرض هو مجرّد مدخل إلى هذا الفرع النقدي الجديد الذي يمثّل مرحلة انتقالية في النقد العالمي، على حدّ إشارته. والمفارق فيه خُلُوُّه من أي مساهمة عربية. ونخلص من هذا العرض إلى أن النقد البيئي يهتم بدراسة العلاقات بين الأدب والبيئة أو دراسة الأشياء الطبيعية في الأدب من خلال عدسة خضراء. ويهدف إلى "تقييم النصوص والأفكار من حيث تماسكها وفائدتها، بوصفها ردوداً على الأزمات البيئية"، كما ينقل عن الباحث الأميركي ريتشارد كيردج (ص 15). ويعمل في حقل دراسة "البعد الثقافي للأزمات البيئية". وتعود جذوره إلى القرن الثامن عشر حين وضع الأميركي رالف إمرسون مقالاً تأمّلياًّ في تأثير العالم الطبيعي عام 1836. وأبرز روّاده الأميركيون شيريل غلوتفيلتي، لورنس بويل، وسكوت سلوفيك. البريطاني جريج جاردارد، والتركية سيربيل أوبرمان.

منظور ما بعد حداثي

الفصل الثاني في القسم النظري يعود لهذه الأخيرة، وقد ترجمه إلى العربية أحمد صبرة، وتتناول الباحثة النقد البيئي من منظور ما بعد حداثي، ممهّدة له بعرض أهم تعريفات النقد البيئي، وأبرز مشكلاته، وأهم الكتب التي عالجت الموضوع من زوايا مختلفة. وفي سياق البحث، تتوقّف أوبرمان عند مصطلح التمثيل وعلاقته بالمرجع من منظور ما بعد حداثي، وتفنّد مقولات نقاد ما بعد الحداثة القائلة بأن المرجع هو نص ولا أسبقية أنطولوجية له، وتأخذ على تلك المقولات سقوطها "في بلاغة التكوينية الاجتماعية أو اللغوية بوصفها حقيقة يمكن الوثوق بها عن حالة الطبيعة" (ص 42)، وقيامها "على فكرة عدم التجانس التي تجعلها متواطئة مع المبادئ الإيكولوجية للتنوع، والترابط والعلائقية" (ص 43).

 

وتخلص إلى  أن "التحليل النقدي البيئي للنصوص الأدبية في منظور ما بعد الحداثة في نفسه متعدّد المعاني، متعدّد البؤر، ينفتح على استراتيجيات جديدة في القراءة، ويأخذ في اعتباره صراع وجهات النظر، ويفجّر ويشارك في القضايا البيئية مع اهتمام جاد بالطرق التي كتبت بها" (43 و44). وهكذا، يقوم  هذا الفصل على النظر الفكري والتحليل النظري بينما يكتفي الفصل الأول بالعرض البانورامي التاريخي، وهو ما يتناسب مع وظيفته كمدخل للموضوع.

أُسس ومفاهيم

الفصل الثالث والأخير من القسم النظري يتمحور حول مفاهيم النقد البيئي والأسس التي يقوم عليها، وهو للباحثة المصرية وداد محمد نوفل. وفيه تضع الدراسات الأدبية البيئية في إطارها التاريخي، وتتوقف عند مجموعة من التعريفات والمصطلحات والاتجاهات، وتدرس البيئة في تعالقها مع العالم والنص والمكان. وتخلص الباحثة إلى القول بتأخر الأدب في تناول البيئة عن سائر العلوم الإنسانية، فالدراسات الأدبية البيئية بدأت في الثمانينيات من القرن الماضي، ونمت في التسعينيات، دون أن ينفي ذلك وجود اهتمامات أدبية فردية بدأت في السبعينيات دون أن تتبلور في إطار جامع لها. وتخلص إلى تعدّد تعريفات النقد البيئي إلى حدّ التناقض فيما بينها، وتعدّد المصطلحات بتعددّ واضعيها فتقول غلوتفيلتي بالنقد الإيكولوجي ويقول بويل بالنقد البيئي، ولكل منهما تبريره وتفسيره، وتعدّد الاتجاهات الإيكولوجية بين النسوي والتقني والكائني والظاهراتي وغيرها.

 

وتخلص إلى وجود علاقة ترابط بين البيئة والنص والعالم، وعلاقة قوية بين البيئة والمكان تمخّضت عمّا يسمّى بـ"الجغرافيا الثقافية". على أن ما يميّز هذا البحث عن سابِقَيْه هو إشارة الباحثة إلى المساهمة العربي في تعريف النقد البيئي من خلال الباحث المصري أبو الفضل بدران والباحث المغربي جميل حمداوي، ومزاوجته بين التأريخ والتحليل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

القسم التطبيقي من الكتاب يقتصر على الرواية دون سائر الأنواع الأدبية؛ فيقرأ الباحث المصري أبو المعاطي الرمادي في رواية "البحريات" للروائية السعودية أميمة الخميس من منظور إيكولوجي. وتقرأ الباحثة التونسية بسمة عروس من المنظور نفسه في رواية "الموت يمر من هنا" للروائي السعودي عبده خال. وتقرأ الباحثة السعودية ميساء الخواجا في رواية "طوق الحمام" للروائية السعودية رجاء عالم. ويقرأ الباحث المغربي أحمد المنصور، متّكئاً على منظوري ميخائيل باختين وجاك لاكان، في رواية "مدن تأكل العشب" للروائي السعودي عبده خال. والملاحظ في هذه القراءات مزاوجتها بين النظري والتطبيقي إلى حدّ طغيان الأول على الثاني في القراءة الأخيرة على تطبيقيّتها، وتمحورها حول الأدب الروائي السعودي على تعدّد جنسيات القراء، وامتياحها من المراجع نفسها، وخلوصها إلى نتائج مختلفة.

أنواع الحضور

في هذا السياق الأخير، يخلص أبو المعاطي الرمادي إلى أن الحضور البيئي في رواية "البحريات" لأميمة الخميس يتمظهر في: المفردات والعتبات والشخصيات والهوية والقيم. وتخلص بسمة عروس إلى توزّع البيئة في رواية "الموت يمر من هنا" لعبده خال على بيئات أدبية وسردية ونباتية واجتماعية. وتخلص ميساء الخواجا إلى أن الحضور البيئي في رواية "طوق الحمام" لرجاء عالم ينطلق من الإيمان بوحدة الوجود، ويعيد تشكيل الوعي البيئي، ويبرز دور المرأة / الطبيعة محرّكاً للأحداث مستجيباً لبعض مفاهيم البيئة النسوية.  ويخلص أحمد المنصور إلى أن حضور البيئة في رواية "مدن تأكل العشب" لعبده خال هو حضور روحي في الثقافة والشخصيات واللغة والحدث، وحضور نفسي يساعد على التذكّر، وحضور عفوي في خيال الراوي "يفيض في وجدانه من تلقاء نفسه" (ص 193)، وحضور تصوّري تتحوّل فيه الأرض من أداة إنتاج إلى ذات، فالبيئة "قوة فاعلة تدخل في حبكة الرواية وأحداثها ولغتها"، على حد تعبيره، وليست مجرد فضاء روائي (ص 200).

وفي الخلاصة أن كتاب "النقد البيئي / مفاهيم وتطبيقات" يتناول فرعاً نقدياًّ حديث العهد في شجرة النقد العالمي، يزاوج بين النظرية والتطبيق، يجمع بين الفائدتين المعرفية والتعليمية، يسد ثغرة في المكتبة النقدية العربية، ويستحق القراءة.

اقرأ المزيد

المزيد من كتب