Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تتحول الأسواق الناشئة إلى ساحة انفجار تعثر سداد الديون؟

تحذيرات من مديونيات بقيمة 237 مليار دولار أصبحت على المحك

ارتفاع وتيرة الديون يهدد الأسواق الناشئة بالتخلف عن السداد (رويترز)

حذر تقرير حديث من أن ارتفاعات متتالية في الأرقام المتعلقة بتعثر سداد الديون العالمية يهدد بإقحام الأسواق الناشئة في سلسلة تاريخية من التخلف عن السداد، وتشير التوقعات إلى أن الرقم المتعلق بتعثر سداد الديون يصل إلى 250 مليار دولار.

وكانت سريلانكا أول دولة تعلق سداد المدفوعات المستحقة لحاملي سنداتها الأجانب هذا العام، إذ كانت مثقلة بكلف الغذاء والوقود الباهظة التي أثارت احتجاجات وفوضى سياسية، وبعدها بفترة قصيرة حذت روسيا حذوها خلال يونيو (حزيران) الماضي بعد أن أصبحت عالقة في شبكة من العقوبات.

وكشف التقرير أن التركيز في الوقت الحالي يتحول إلى السلفادور وغانا ومصر وتونس وباكستان، وهي دول من المرجح أن تكون عرضة للتعثر في السداد، ونقل التقرير تحذيرات خبراء اقتصاديين عدة من تعثر تلك الأسواق في ظل ارتفاع كلفة تأمين ديون الأسواق الناشئة من خطر عدم السداد إلى أعلى مستوياتها منذ الحرب الروسية في أوكرانيا. وفي هذا الإطار يقول المتخصص في ديون الأسواق الناشئة طويلة الأجل كارمن راينهارت إن "أخطار الديون وأزماتها ليست افتراضية مع الدول منخفضة الدخل، ونحن نعاني بشكل كبير منها بالفعل".

تخارجات مستمرة من الأسواق الناشئة

وبخلاف أزمة الديون المتوقعة، أظهرت بيانات حديثة من معهد التمويل الدولي أن الأسواق الناشئة عانت للشهر الرابع على التوالي تخارج محافظ الاستثمارات الخارجية خلال يونيو الماضي، وتعتبر هذه الخسائر المتتالية أطول سلسلة خسائر خلال سبع سنوات، في وقت تثير فيه مخاوف الركود والتضخم قلق المستثمرين.

وشهد يونيو الماضي عمليات تخارج محافظ غير المقيمين بقيمة بلغت نحو 4 مليارات دولار، مقارنة بقيمة التخارج التي بلغت 5.1 مليار دولار خلال مايو (أيار) الماضي، على النقيض من تدفقات دخلت الأسواق الناشئة بقيمة بلغت 55.8 مليار دولار في يونيو 2021.

ويتشابه سيناريو التخارج الحالي مع سلسلة من عمليات التخارج على مدى أربعة أشهر انتهت في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2015، وبلغ صافي عمليات التخارج خلال الأشهر الأربعة الماضية 27.8 مليار دولار، بحسب معهد التمويل الدولي.

وقال الخبير الاقتصادي بمعهد التمويل الدولي جوناثان فورتون، "نعيش في خضم معدل فائدة عالمي وصدمة تضخم زائد، إذ ارتفعت عائدات السندات الحكومية طويلة الأجل بشكل حاد في الاقتصادات المتقدمة مما أدى إلى صعوبة الأوضاع المالية والضغط على النمو وزيادة المخاوف من المخاطرة، وهذه الآلية تؤثر بالسلب في تدفقات الأسواق الناشئة".

وكانت عمليات التخارج في يونيو الماضي والتي بلغت قيمتها 19.6 مليار دولار من محافظ الأسهم في الأسواق الناشئة، باستثناء الصين، هي الأكبر في شهر منذ مارس (آذار) 2020، عندما أصيبت الأسواق بالذعر مع بدء فرض إجراءات العزل العام بسبب جائحة كورونا.

ديون بـ 237 مليار دولار على المحك

في مذكرة بحثية حديثة كشفت وكالة "بلومبيرغ إيكونوميكس" عن ارتفاع عدد الأسواق الناشئة ذات الديون السيادية المتداولة عند مستويات متعثرة العوائد، إذ تشير إلى أن المستثمرين يعتقدون أن التخلف عن السداد احتمال حقيقي بأكثر من الضعف خلال الأشهر الستة الماضية.

وتعد هذه الدول الـ 19 مجتمعة موطناً لأكثر من 900 مليون شخص، وبعضها مثل سريلانكا ولبنان يعاني تعثراً في السداد، وفعلياً أصبحت 237 مليار دولار من الديون على المحك بالنسبة إلى حاملي السندات الأجانب، وهي سندات أصبحت واقعة الآن في دائرة التعثر، وهذا يضيف نحو 17 في المئة من 1.4 تريليون دولار من الأموال السيادية في الأسواق الناشئة التي لديها ديون خارجية مستحقة مقومة بالدولار أو اليورو أو الين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وذكر التقرير أنه لطالما أظهرت أزمات العقود الأخيرة أن الانهيار المالي لحكومة واحدة قد يخلق تأثير الدومينو المعروف باسم العدوى في لغة الأسواق، إذ يسحب المتداولون المتقلبون الأموال من الدول التي تعاني مشكلات اقتصادية مماثلة، مما يؤدي إلى تسريع انهيار اقتصاداتها.

وكانت أسوأ تلك الأزمات كارثة ديون أميركا اللاتينية خلال الثمانينيات، فيما يقول مراقبو الأسواق الناشئة إن اللحظة الحالية لديها بعض الشبه بتلك الأزمة. ومثلما حدث يلجأ الاحتياط الفيدرالي الأميركي فجأة إلى رفع أسعار الفائدة بوتيرة سريعة في محاولة لكبح التضخم، مما يؤدي إلى رفع قيمة الدولار وبالتالي صعوبة سداد الدول النامية لخدمة سنداتها الخارجية.

وتميل الدول الواقعة تحت الضغط الأكبر إلى أن تكون دولاً أصغر لديها سجل حافل في أسواق رأس المال الدولية، بينما يمكن للدول النامية الكبرى مثل الصين والهند والمكسيك والبرازيل أن تتباهى بموازنات عمومية خارجية قوية إلى حد ما، ومخزونات من احتياطات العملات الأجنبية.

لكن هناك قلقاً واسع النطاق في الدول الأكثر ضعفاً حيال ما سيحدث، إذ تنشأ نوبات اضطرابات سياسية حول العالم مرتبطة بارتفاع كلف الغذاء والطاقة لتلقي بظلالها على مدفوعات السندات المرتقبة في الدول المثقلة بالديون مثل غانا ومصر التي يقول بعضهم إنهما سيكونان أفضل حالاً باستخدام الأموال لمساعدة المواطنين.

ومع استمرار ضغط الحرب بين روسيا وأوكرانيا على أسعار السلع الأساس، وارتفاع أسعار الفائدة العالمية وتأكيد الدولار الأميركي قوته، فمن المرجح أن تتحمل بعض الدول عبئاً لا يطاق.

تسارع وتيرة بيع السندات في الأسواق الناشئة

البيانات تشير إلى أن ربع الدول التي يتتبعها مؤشر "بلومبيرغ" المجمع لديون الأسواق الناشئة بالدولار الأميركي يجري التعامل معها بوصفها تعاني ضائقة، وتعرف عموماً بأنها عوائد تزيد على 10 في المئة عن عوائد سندات الخزانة ذات الاستحقاق المماثل.

وسارعت عدد من الأسواق الناشئة إلى بيع السندات الخارجية خلال فترة انتشار الوباء عندما كانت حاجات الإنفاق مرتفعة وكلف الاقتراض منخفضة، وبعد أن شددت البنوك المركزية في الأسواق المتقدمة العالمية سياستها المالية دفع هذا الأمر تدفقات رأس المال بعيداً من الأسواق الناشئة وتركها مع كلف باهظة، وأدى ذلك إلى تخارج مديري الأموال الأجانب من الاقتصادات النامية، إذ قاموا بسحب نحو 4 مليارات دولار من سندات الأسواق الناشئة والأسهم خلال يونيو بحسب معهد التمويل الدولي، ليسجلوا بذلك تدفقات خارجة للشهر الرابع على التوالي، إذ أثرت الحرب الروسية في أوكرانيا والتضخم على معنويات المستثمرين.

وفي الوقت نفسه قال رئيس الأبحاث في "فرانكلين تمبلتون إنفستمنت سوليوشنز" جين بودكامينر، إنه "يمكن أن يكون لهذا تأثير طويل المدى من شأنه تغيير طريقة تفكيرنا في الأسواق الناشئة، بخاصة الأسواق الناشئة في الاستراتيجية".

الأزمة أعنف في غانا وتونس ومصر

في السياق، خفض القائمون على تقويم الائتمان تصنيف السلفادور الواقعة في أميركا الوسطى مع تراجع سنداتها الدولارية مدفوعة بسياسات الرئيس نجيب بوكيلي التي أحياناً ما يصعب التنبؤ بها، كما أدى اعتماد "بيتكوين" كعملة قانونية وتحركات حكومة بوكيلي لتوطيد السلطة، إلى إثارة القلق في شأن قدرة السلفادور واستعدادها للإبقاء على إطلاع بالالتزامات الأجنبية، بخاصة بالنظر إلى عجزها المالي الواسع وسندات بقيمة 800 مليون دولار مستحقة في يناير (كانون الثاني) المقبل، فيما تأتي غانا وتونس ومصر ضمن المقترضين الأقل تواتراً والأقل تصنيفاً مع احتياط منخفض يستخدم كهامش أمان.

وتحذر وكالة "موديز إنفستورز سيرفيس" من أنها ستكون عرضة لارتفاع كلف الاقتراض، وتمتلك الحكومات الأفريقية كميات منخفضة نسبياً من الاحتياطات الأجنبية لتغطية مدفوعات السندات المستحقة حتى عام 2026، مما قد يصبح مشكلة إذا لم يتمكنوا من تجديد سنداتهم المستحقة بسبب الكلفة المتزايدة للاستفادة من أسواق الديون الخارجية.

وتسعى غانا إلى الحصول على ما يصل إلى 1.5 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، بينما لدى مصر نحو 4 مليارات دولار من الديون الخارجية المستحقة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 و3 مليارات دولار أخرى مستحقة في فبراير (شباط) 2023.

كما استأنفت باكستان للتو محادثاتها مع صندوق النقد الدولي، إذ نفذت دولاراتها في ظل حاجتها إلى 41 مليار دولار على الأقل خلال الأشهر الـ 12 المقبلة لسداد ديونها وتمويل الواردات.

وعلى غرار الأحداث في سريلانكا خرج المتظاهرون إلى الشوارع احتجاجاً على فرض السلطات لعملية قطع التيار الكهربائي لمدة تصل إلى 14 ساعة من أجل الحفاظ على الوقود.

وأيضاً تواجه الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية محنة بعد أحدث حالات التخلف عن السداد التسعة التي حدثت عام 2020 أثناء الركود الناتج من تفشي وباء كورونا، ومن المتوقع أن يصل التضخم إلى 70 في المئة بحلول نهاية العام، مما يزيد الضغط على السلطات للحد من هرب الدولارات من الاقتصاد للسيطرة على سعر الصرف.

وأدت الحرب إلى استكشاف المسؤولين الأوكرانيين إعادة هيكلة الديون، بخاصة أن خيارات التمويل في الدولة الممزقة من الحرب معرضة لخطر النفاد، بحسب مصادر مطلعة على الأمر.

وأشارت البلاد أيضاً إلى أنها تحتاج ما بين 60 و65 مليار دولار هذا العام لتلبية متطلبات التمويل، وهي مليارات أكثر مما تعهد حلفاؤها به حتى الآن.

ويكافح صناع السياسة في كييف للحفاظ على الموازنة، إذ يتصدى الجيش للحرب الروسية التي دمرت اقتصاد أوكرانيا وأوقف صادرات الحبوب الرئيسة في البلاد وشردت أكثر من 10 ملايين شخص.

اقرأ المزيد