أفاد مكتب رئيس الوزراء السريلانكي، الاثنين 11 يوليو (تموز)، بأن الحكومة بأكملها ستستقيل بمجرد التوصل إلى اتفاق لتشكيل حكومة تضم جميع الأحزاب في إطار مساعي السلطات لحل أزمة سياسية ناجمة عن أزمة اقتصادية عميقة.
تسليم مسؤوليات
وقال مكتب رئيس الوزراء رانيل ويكرمسينغ، الذي عرض بالفعل تقديم استقالته في وقت سابق، "كل الوزراء الذين شاركوا في المناقشات اتفقوا على أنه بمجرد التوصل إلى اتفاق لتشكيل حكومة تضم جميع الأحزاب، سيكونون مستعدين لتسليم مسؤولياتهم إلى تلك الحكومة".
وظل المحتجون متمركزين في مقر إقامة الرئيس غوتابايا راجاباكسا على شاطئ البحر، وكذلك مقر رئيس الوزراء رانيل ويكرمسينغ، حيث سيطروا عليهما، السبت، لمطالبة الزعيمين بالتنحي.
مسيرة سلمية
واجتاح آلاف المحتجين العاصمة السريلانكية، وبدلاً من المسيرة السلمية المخطط لها، اخترق المتظاهرون حواجز الشرطة، واستولوا على القصر الرئاسي، وبحسب ما ورد، تم إجلاء الرئيس جوتابايا راجاباكسا قبل فترة وجيزة من محاصرة المحتجين لمنزله.
الحركة الاحتجاجية
وقال زعماء الحركة الاحتجاجية في سريلانكا، الأحد، إنهم سيحتلون مقري إقامة الرئيس ورئيس الوزراء حتى يغادرا منصبيهما في نهاية المطاف. جاء ذلك غداة موافقة الرجلين على الاستقالة ليتركا البلاد في مأزق سياسي.
وقالت الكاتبة المسرحية روانثي دي تشيكيرا في مؤتمر صحفي بموقع الاحتجاج الرئيسي في كولومبو "على الرئيس أن يستقيل وعلى رئيس الوزراء أن يستقيل وعلى الحكومة أن ترحل".
وأضافت بينما يحيط بها زعماء آخرون يساعدون في تنسيق الحركة ضد الحكومة، أن الحشود لن تخرج من المقار الرسمية للرئيس ورئيس الوزراء حتى ذلك الحين.
وعلى الرغم من عودة الهدوء إلى شوارع كولومبو، الأحد، تجول السريلانكيون طوال اليوم في القصر الرئاسي الذي تعرض للنهب. ووقف أفراد من قوات الأمن، بعضهم يحمل بنادق هجومية، خارج المجمع دون أن يمنعوا الناس من الدخول.
وقالت ب.إم تشاندراواتي (61 عاما) بينما ترافقها ابنتها وأحفادها لرويترز وهي تجرب أريكة وثيرة في غرفة نوم بالطابق الأول "لم أر مكانا كهذا في حياتي".
وأضافت "يعيشون في رفاهية زائدة بينما نعاني نحن. لقد خدعونا. أردت أن يرى أبنائي وأحفادي أنماط الحياة الفاخرة التي كانوا يستمتعون بها".
وعلى مقربة استرخى مجموعة من الشبان على سرير مغطى ذي أربعة أعمدة، واحتشد آخرون على المنعطفات لتجربة جهاز جري مقام أمام نوافذ كبيرة مطلة على مروج منسقة.
غموض وموقف أميركي
ولا يزال الوضع غامضاً في سريلانكا حيث وافق الرئيس غوتابايا راجابكسا على الاستقالة هذا الأسبوع، بعد إجباره على الفرار من قصره الذي اجتاحته الحشود في أعقاب تظاهرات ضخمة في كولومبو بسبب الأزمة الكارثية التي ضربت البلاد، في وقت حضت الولايات المتحدة، الأحد 10 يوليو، قادة البلاد المستقبليين على "العمل سريعاً" لاستعادة الاستقرار الاقتصادي وتهدئة السخط الشعبي.
وقال متحدث باسم الخارجية الأميركية من بانكوك التي يزورها الوزير أنتوني بلينكن، إن الحكومة السريلانكية الجديدة يجب أن "تعمل سريعاً من أجل تحديد وتنفيذ الحلول التي من شأنها (توفير) استقرار اقتصادي طويل الأمد وتهدئة استياء شعب سريلانكا حيال تدهور الأوضاع الاقتصادية، خصوصاً نقص الكهرباء والغذاء والوقود".
وفي وقت يستعد راجاباكسا للتنحي، دعت الولايات المتحدة البرلمان السريلانكي إلى مواجهة هذا المنعطف في ظل "الرغبة بتحسين وضع الأمة وليس وضع حزب سياسي في حد ذاته"، وفق المتحدث باسم الخارجية.
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، اعتبر بدوره أن القيود التي تفرضها روسيا على صادرات الحبوب الأوكرانية قد تكون ساهمت في الاضطرابات في سريلانكا، معبراً عن القلق من أنها قد تتسبب بأزمة أخرى. وقال بلينكن للصحافيين في هونغ كونغ، "نرى تداعيات هذا العدوان الروسي في كل مكان. قد يكون قد ساهم في الوضع في سريلانكا، نشعر بالقلق إزاء انعكاساته في أنحاء العالم".
رئيس الوزراء مستعد للاستقالة
واستقال شخصان مقرّبان من الرئيس، هما رئيس الخدمة الصحافية سوديوا هيتياراشي ووزير الإعلام باندولا غوناوردانا، الذي استقال أيضاً من منصبه على رأس الحزب الرئاسي.
ودعا رئيس الوزراء السريلانكي رانيل ويكرمسينغ، التالي في خلافة راجابكسا، على الفور إلى اجتماع طارئ للحكومة بحثاً عن "حل سريع" للأزمة، داعياً قادة الأحزاب السياسية للانضمام إلى هذا الاجتماع، ومبدياً استعداده للتنحي لإفساح المجال أمام حكومة وحدة وطنية.
لكن هذا الموقف لم ينجح في تهدئة المحتجّين الذين اقتحموا منزل رئيس الوزراء وأضرموا النار فيه.
وتمكّن الرئيس راجابكسا البالغ 73 عاماً، من الفرار قبل دقائق من دخول مئات من المتظاهرين قصره، الذي كان مخصصاً عادةً لحفلات الاستقبال ولكنه انتقل إليه في أبريل (نيسان) بعد اقتحام منزله الخاص.
وأطلق الجنود الذين يحرسون المقر الرسمي النار في الهواء لردع المتظاهرين حتى تمّ إجلاء الرئيس، واستقلّ ساكنو القصر سفينة حربية متوجّهة إلى المياه الإقليمية جنوب الجزيرة. إلّا أن مصدراً دفاعياً أشار إلى أن من المفترض أن يصل راجابكسا الأحد إلى قاعدة ترينكومالي البحرية في شمال شرقي الجزيرة.
الجيش يدعو للهدوء
وبعد منتصف ليل السبت، دعا رئيس الأركان الجنرال شافيندرا سيلفا، عبر شاشات التلفزيون، إلى الهدوء، مؤكداً أن "هناك إمكانية لحل الأزمة سلمياً ودستورياً".
وأفاد مستشفى كولومبو الوطني، وهو المستشفى الرئيسي في العاصمة، باستقبال 105 أشخاص بعد احتجاجات السبت، فيما لا يزال 55 يتلقّون العلاج الأحد. ومن بين الجرحى سبعة صحافيين. وقالت المتحدثة باسم المستشفى بوشبا سويسا، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن "شخصاً في حالة خطيرة جداً بعد إصابته بطلق ناري".
وحذرت الولايات المتحدة من الهجمات على المتظاهرين والصحافيين، منتقدة في الوقت نفسه أعمال العنف السبت.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، إن "الشعب السريلانكي له الحق في رفع صوته سلمياً، ونحن ندعو إلى التحقيق الكامل واعتقال أي شخص متورط في أي حوادث عنف مرتبطة بالاحتجاج ومحاكمته".
رئيس البرلمان يؤكد تنحي راجاباكسا
وأعلن رئيس البرلمان السريلانكي ماهيندا يابا آبيواردينا، أن الرئيس راجاباكسا سيتنحى عن منصبه، الأربعاء المقبل، تحت وطأة الضغوط الشعبية.
جاء هذا الإعلان بعد تصعيد مأساوي للاحتجاجات السلمية المناهضة للحكومة، والمستمرة منذ شهور، على أزمة اقتصادية حادة تخنق البلد الذي يبلغ عدد سكانه 22 مليون نسمة.
ولم يصدر الرئيس نفسه أي تصريح حتى الآن.
وقال رئيس البرلمان، في بيان مصور، إن راجاباكسا أبلغه أنه سيتنحى عن منصبه الأربعاء. وأضاف آبيواردينا، "اتخذ (الرئيس) قرار التنحي في 13 يوليو لضمان تسليم سلمي للسلطة... لذلك أطلب من الناس احترام القانون والحفاظ على السلام".
وأثار إعلان قرار تنحي الرئيس أجواء احتفالية في بعض أنحاء كولومبو.
والأحد، أعلن المتظاهرون الذين يحتلّون القصر الرئاسي أنهم لن يغادروا حتى يستقيل الرئيس فعلياً. وقال الزعيم الطلابي لاهيرو ويراسيكارا للصحافيين، "معركتنا لم تنتهِ بعد"، مضيفاً "لن نتخلّى عن هذه المعركة حتى يغادر بالفعل".
وأفاد نشطاء طلابيون بأنهم عثروا على 17.8 مليون روبية (نحو 48800 دولار) في غرفة راجابكسا وسلّموها إلى الشرطة.
وقال مكتب رئيس وزراء سريلانكا، في بيان، السبت، إنه مستعد للاستقالة لفسح المجال لتشكيل حكومة تضم جميع الأحزاب، على الرغم من أنه لم يتضح على الفور إذا ما كان ذلك أو الإجراءات التي اقترحها رئيس البرلمان ستحل هذه الأزمة.
اقتحام القصر الرئاسي
ولم يتمكن أفراد الجيش والشرطة من التصدي لحشود المحتجين الذين رددوا شعارات تطالب الرئيس راجاباكسا بالتنحي في ذروة غضب شعبي متصاعد إزاء أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها البلاد منذ سبعة عقود.
وأظهر بث مباشر على "فيسبوك" من داخل منزل الرئيس مئات المحتجين، الذين لف بعضهم الأعلام حول جسده، وهم يحتشدون في الغرف والممرات ويرددون شعارات مناهضة لراجاباكسا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأظهرت مقاطع فيديو بعض المتظاهرين يسبحون في حوض السباحة داخل منزل الرئيس، بينما جلس آخرون على الفراش والأرائك. وشوهد البعض يفرغ خزانة ذات أدراج في مقاطع انتشرت على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي.
وتجول المئات في الأراضي المحيطة بالمقر الذي يعود إلى الحقبة الاستعمارية، حيث شوهد عدد قليل من أفراد الأمن.
وقال مصدران في وزارة الدفاع، إن الرئيس راجاباكسا نُقل من المقر الرسمي، الجمعة، حفاظاً على سلامته قبيل الاحتجاج الذي كان متوقعاً. ولم يتسن تأكيد مكان الرئيس على الفور.
وقال مكتب رئيس الوزراء، إن المتظاهرين اقتحموا منزل فيكريمسينجي الخاص وأضرموا فيه النيران. ولم ترد حتى الآن تقارير عن وقوع إصابات جراء الحريق.
وقال مصدر حكومي لوكالة "رويترز"، إن رئيس الوزراء نُقل أيضاً إلى مكان آمن.
وقالت مصادر طبية، إن ما لا يقل عن 39 شخصاً، بينهم شرطيان، أصيبوا خلال الاحتجاجات المستمرة ونقلوا إلى المستشفيات.
محادثات مع الأحزاب
وأجرى فيكريمسينجي محادثات مع العديد من قادة الأحزاب السياسية لتحديد الخطوات التي يجب اتخاذها في أعقاب الاضطرابات.
وأعلن مكتبه، في بيان، "أبلغ فيكريمسينجي قادة الأحزاب بأنه مستعد للاستقالة من منصب رئيس الوزراء وفسح المجال أمام حكومة تضم جميع الأحزاب لتولي السلطة".
في غضون ذلك، دعا زعماء العديد من أحزاب المعارضة الرئيس راجاباكسا إلى التنحي.
وقال زعيم "حزب حرية سريلانكا" والرئيس السابق مايثريبالا سيريسينا قبل أن يعرض فيكريمسينجي تقديم استقالته "يتعين على الرئيس ورئيس الوزراء الاستقالة على الفور. إذا لم يحدث ذلك، ستتفاقم الاضطرابات السياسية".
أزمة اقتصادية
وترزح سريلانكا، وهي جزيرة تقع في المحيط الهندي، تحت وطأة نقص حاد في النقد الأجنبي أدى إلى تقليص الواردات الأساسية مثل الوقود والغذاء والدواء، مما دفع البلاد إلى أسوأ أزمة اقتصادية منذ استقلالها في عام 1948.
ووصل التضخم إلى مستوى قياسي بلغ 54.6 في المئة في يونيو (حزيران)، ومن المتوقع أن يصل إلى 70 في المئة في الأشهر المقبلة. ما تسبب في تفاقم معاناة المواطنين.
وتأتي الأزمة بعد أن ألحقت جائحة "كوفيد-19" أضراراً بالغة بالاقتصاد المعتمد بشدة على السياحة، وقللت من تحويلات العاملين في الخارج، وذلك بالتزامن مع تراكم ديون حكومية ضخمة وارتفاع أسعار النفط وفرض حظر على استيراد الأسمدة الكيماوية العام الماضي، وهو ما تسبب في الإضرار بقطاع الزراعة.
مع ذلك، يلقي كثيرون اللوم في الأزمة على الرئيس. وتطالب احتجاجات منذ مارس (آذار) اتسمت بالسلمية إلى حد بعيد باستقالته.
وتفاقم الاستياء في الأسابيع الماضية بعد أن توقفت شحنات الوقود عن الوصول إلى الدولة التي تعاني من ضائقة مالية. ما أدى إلى إغلاق المدارس وتقليل كميات البنزين والديزل المخصصة للخدمات الأساسية.