Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عيد المصريين بـ"لون أوكرانيا" وأضحيتهم بـ"التشارك"

الدولار يتخطى حاجز الـ19 جنيهاً ويقف منتشياً مستقوياً فارداً عضلاته وفارضاً قواعده

هذا العام شهد زيادة في إقبال المصريين على منظومة التشارك في الأضحية (أ ف ب)

هذه المرة، اختار المتسول المحترف الشاب مفتول العضلات الذي يجول شوارع منطقة "الكوربة" في مصر الجديدة (شرق القاهرة)، أن يمد يده في وجوه المارة مطالباً إياهم بثمن كيلو لحم، مذيلاً المطالبة البروتينية الحيوانية بالعبارة الكلاسيكية المزمنة، "كل سنة وأنت طيب".

"كل سنة وأنت طيب" الجملة الأكثر تداولاً وتردداً وتجادلاً وتجاذباً وتسبباً في الشد والجذب هذه الآونة. وعلى القدر نفسه من ارتباط عيد الأضحى بحزمة من الشعائر الدينية من حج وصلاة وصوم يوم عرفة وغيرها، بقدر ما يرتبط بحزمة موازية من الطقوس الاجتماعية والترفيهية والغذائية التي تتأرجح بشدة منذ سنوات، هذا التأرجح نجم مرة عن غلاء الأسعار، وأخرى بسبب أحداث سياسية وقلاقل أمنية اعترت البلاد، وثالثة نتاج وباء ألغى صلاة العيد وأوقف الزيارات وأغلق الباب الفسح. كل ذلك اعتاده المصريون ومروا به مرة واثنتين وثلاث، لكن أن تلقي روسيا وأوكرانيا بظلالهما غير الوارفة على جموع المصريين في العيد، فهذا هو جديد هذا العام.

المتسولون المحترفون

هذا العام، حافظت جموع المتسولين المحترفين على عادة الخروج إلى الشوارع والنواصي، وأمام سلاسل محلات السوبر ماركت الكبرى والجزارين ومحلات الحلوى الراقية في تمركز استراتيجي مدروس وتمحور تكتيكي معروف يهدف إلى ابتزاز المشاعر الدينية، والدق على أوتار الخوف من الحسد و"العيون الراشقة" في الكساء والغذاء وما يصاحبها من مخاوف تمني زوال النعمة.

متسول الكورية مفتول العضلات المطالب بثمن كيلوغرام من اللحم فتح باباً من النقاش الاقتصادي الأوكراني بين متسوقي العيد والمترددين على المقاهي والمطاعم في المنطقة التجارية التي تعج بالمصريين من كل الفئات والقطاعات. المؤكد هذا العام أن ظلال حرب وروسيا في أوكرانيا ألقت بظلال على استعدادات واحتفالات وقدرات المصريين الخاصة بعيد الأضحى المبارك.

منذ شهر فبراير (شباط) الماضي، وكل زيادة في الأسعار واختفاء فجائي لدواء ورسوم إضافية في فواتير أو خدمات، تتردد حرب روسيا في أوكرانيا كسبب رئيس وعامل محدد وطوق نجاة من اتهامات الجشع والاستغلال.

وجبة قوامها اللحوم

الفئات الأقل حظاً والأكثر فقراً اعتادت انتظار عيد الأضحى من كل عام لتحظى بوجبة قوامها اللحوم، ومعها قدر من "أكسسوارات البهائم"، أو "الحلويات" من مخ وكبد و"لحمة راس" وذيول وكوارع (أرجل) وغيرها من أجزاء الذبائح.

وعلى الرغم من أنه جرى العرف الاقتصادي على اعتبار ميزان المدفوعات ومؤشرات الإنتاج والثقة في الأسواق والأسعار والأجور والتوظيف وسوق العمل وغيرها ضمن أبرز قياسات الأداء الاقتصادي في دولة ما، فإن كم الذبائح وكثافة تجوال الجزارين على البيوت وعدد الأكياس البلاستيكية السوداء المحمولة في الأيدي جميعها مؤشرات بالغة الأهمية على قوة الأداء الاقتصادي الشعبي، على الأقل فيما يختص بالبهائم والخراف وأكسسواراتها ومدى توافرها.

توافر اللحوم الحية أو المذبوحة ليس المعضلة هذا العام. المعضلة تكمن في قدرة المصريين على الشراء، ومن ثم التضحية، بالتالي توسيع قاعدة متناولي اللحوم ومشتقاتها في العيد.

الدولار القوي

الدولار المستقوي على المصريين المقتدرين منهم والمحتاجين يقف في أيام العيد منتشياً مستقوياً فارداً عضلاته فارضاً قواعده. سلسلة من الضربات القاصمة أصابت الجنيه المصري منذ تحرير سعر الصرف في عام 2016، وذلك ضمن إجراءات الإصلاح الاقتصادي شديد المرارة. وبعد أن ظن المصريون أن أقسى وأقصى المراحل قد مرت، إذ بشبح حرب روسيا في أوكرانيا يصيبهم بصدمة إضافية، فبعد أيام من اندلاع شرارتها تراجع سعر صرف الجنيه المصري مجدداً وظل على حاله طيلة الأشهر الماضية، ليقترب الدولار من حاجز الـ19 جنيهاً مصرياً مع دخول العيد.

طقوس العيد، من صلاة في الأماكن المخصصة من قبل وزارة الأوقاف المصرية واحتفالات تقليدية بالبالونات بالملونة ومظاهر فرحة ستظل مرتبطة بالأعياد، سواء غزت روسيا أوكرانيا أو قرر "كوفيد-19" أن يطل برأسه مجدداً بعد فترة كمون أو مضى الدولار قدماً في استقوائه على الجنيه، لكن الفرحة تتلون بألوان المجتمع وأجوائه واهتماماته ومخاوفه، وكذلك حلوله غير التقليدية لتجاوز الأزمات بأقل خسائر ممكنة وأكبر فائدة، ولو معنوية، ممكنة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

التشارك في الأضحية

هذا العام شهد زيادة في إقبال المصريين على منظومة التشارك في الأضحية. المنظومة التي بدأت تنتشر في سنوات الإصلاح، وفي أقوال أخرى الضغط الاقتصادي، توسعت قاعدتها وذاع صيتها. عدد من الأقارب أو الأصدقاء أو الجيران، وأحياناً عبر تطبيقات يتشارك فيها مضحون لا تربطهم معرفة مسبقة، صاروا يتقاسمون سعر الأضحية، لذلك يرجح البعض أن يشهد هذا العام زيادة في عدد المضحين وثباتاً في أعداد المنتفعين.

المنتفعون من لحوم الأضاحي لم يسعدوا كثيراً بالنبش هذه الأيام في اجتهادات أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر سعد الدين الهلالي، الذي أفتى قبل نحو ست سنوات بجواز أن تكون الأضحية بطاً أو إوزاً أو دجاجاً، لمن لم يستطع إلى الخروف أو العجل أو غيرها من المواشي سبيلاً.

وكان الهلالي الذي يثير غضب المتمسكين بتلابيب عدم الاجتهاد ورفض التجديد، قد أجاز ذبح الطيور بديلاً عن المواشي في عيد الأضحى، ما دامت كاملة النمو ولا يوجد فيها علة، وذلك حال عدم توافر المقدرة المالية لغير ذلك.

وقتها، سارعت دار الإفتاء المصرية إلى نفي صحة الفتوى، مشيرة إلى أن الأضحية يجب وحتماً ولا بد أن تكون من الأنعام.

"نعمة وفضل"، بحسب ما يؤكد كثير من المحتاجين ممن يمنون أنفسهم ببروتين العيد. فعلى الرغم من ترجيح عدم رفض المحتاج لدجاجة أو بطة أو إوزة مهداة له، وعلى الرغم من تأكيد أنها نعمة كبيرة وفضل عظيم، فإن الأفضلية والأولوية تبقيان لصالح البروتين الحيواني المتعثر تحت وطأة غلاء الأسعار وجنون الدولار وتمدد قائمة المتشاركين في البهيمة الواحدة، أو عزوف البعض عن التضحية هذا العام.

هذا العام، درجات حرارة الجو القائظ ونسبة الرطوبة المرتفعة تتآمر مع الوضع الاقتصادي للنيل من المحتفلين بالعيد. فبعد عقود طويلة من اعتبار "فسحة السينما" احتفالاً معترفاً به لدى كثيرين بالعيد، تطل أسعار التذاكر المبالغ فيها هذه الأيام لتهدد بإقصاء فئة ليست قليلة من "زبائن العيد". هؤلاء الزبائن الذين يجدون في قاعة العرض المكيفة وعبوة الفيشار اللذيذ مع مشروب بارد طريقة مثلى للاحتفال بالعيد مع الهروب من درجة الحرارة الشديدة سيضطر كثير منهم إلى التخلي عنها. تتراوح أسعار التذاكر بين 60 و120 جنيهاً مصرياً (3.18 و6.36 دولار أميركي)، وهو ما يعني أن أسرة تتكون من خمسة أفراد ستدفع بين 300 و600 جنيه مصري (بين 16 و32 دولاراً أميركياً) من دون فيشار أو مشروب، وهو ما سيعجز عنه كثيرون.

العودة إلى البلدة

كثيرون سيعودون إلى بلداتهم في مدن وقرى مصر المختلفة التي نزحوا منها صوب القاهرة والإسكندرية وغيرهما من المدن الكبرى للعمل والدراسة. المؤشرات تقول إن أعداداً متزايدة باتت تجد في "قضاء العيد في البلد" ضرباً مطلوباً ومحموداً لأكثر من عصفور بحجر واحد. إعادة توثيق الروابط الأسرية، واعتبار العودة إلى القرية أو المدينة فسحة واحتفالاً بالعيد للصغار، مع توفير قدر لا بأس به من مصروفات الاحتفال بالعيد. وعلى الرغم من العادات والتقاليد التي تحتم عودة النازحين والمهاجرين داخلياً إلى مسقط رأسهم محملين بخيرات المدينة، فإن تحميلاً واحداً لا ثاني له خير وأوفر من إهدار يومي للنفقات ولزوم الفسح طيلة أيام عطلة العيد.

عطلة العيد البالغ عدد أيامها تسعة أيام متصلة مدعاة لسعادة الصغار وهلع الكبار في ظل الظروف الاقتصادية الحالية. المشي على الكورنيش أو تناول طبق كشري أو التزاحم على الكنبة المواجهة للتلفزيون لم تعد وسائل مناسبة للاحتفال بالعيد. سقف مطالب الصغار يرتفع، والحد الأقصى لقدرة الكبار على التلبية ينخفض، وحتى المصيف ولو لأيام معدودة بات أمراً شاقاً. مشقة المصيف تدفع البعض، لا سيما عبر عروض النقابات المهنية وإلى حد ما من خلال شركات السياحة التي تأثرت سلباً بسبب حرب روسيا في أوكرانيا وقبلها الوباء وأثناءها آثار الإصلاح الاقتصادي، إلى اللجوء إلى المصيف بالقسط في أيام العيد.

الحصول على قسط من الراحة في أيام العيد، وربما قدر من الترفيه أمر يختلف من شخص لآخر بحسب موقعه في الهرم الاقتصادي. قاعدة الهرم ومنتصفه تتبادل الأدوار وفي حالة حراك وتغير بسبب الضغوط الاقتصادية متعددة الروافد. أما قمة الهرم فلا تخلو من "الهضبة". حفل "الهضبة" عمرو دياب يتحدث عن نفسه. في أحد منتجعات الساحل الشمالي يحيي دياب حفلاً غنائياً في مناسبة العيد تتراوح أسعار تذاكره بين 1250 وعشرة آلاف جنيه مصري (بين 66 و530 دولاراً أميركياً). سعر التذكرة الواحدة يتراوح بين راتب شهر كامل لفئة أصحاب الأجور الدنيا وبين شهر كامل لأصحاب الأجور القصوى.

أقصى ما يمكن عمله في عطلة العيد للقاعدة العريضة من المصريين يتراوح بين وليمة من الفتة واللحم بعد زيارة مقتضبة للجزار، وفسحة منخفضة التكلفة في رحاب ميدان التحرير بعد تجميله وتجديده أو على الكورنيش، حيث ممشى "أهل مصر" المجاني، وزيارة عائلية، أو تمشية في مركز تجاري، أو ما شابه من أنواع الترفيه ذي التكلفة الاقتصادية المحدودة وقدرة الإسعاد المعقولة لحين مرور أيام العطلة الكثيرة والممتدة.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات