في ضوء الانتخابات الرئاسية الموريتانية 2019 التي انطلق شوطها الأول، السبت في 22 يونيو (حزيران)، وبعد اختيار الرئيس المنتهية ولايته محمد ولد عبد العزيز وفريقه الحكومي وزير الدفاع السابق الجنرال المتقاعد محمد ولد الشيخ أحمد ولد الغزواني مرشحاً للرئاسيات، يكثر التساؤل هذه الأيام عن علاقة الجيش الموريتاني بالسلطة وصنع القادة السياسيين الموريتانيين.
مسلسل الانقلابات
استقلت الجمهورية الإسلامية الموريتانية عام 1960، وسلمت فرنسا الحكم في البلاد إلى الرئيس الأسبق المحامي الراحل المختار ولد داداه مع فريق من المدنيين. وفي عام 1978، قاد المقدم الراحل المصطفى ولد محمد السالك انقلاباً عسكرياً على النظام المدني، وظل الجيش ممسكاً بزمام السلطة وسط جو من الانقلابات الناجحة والفاشلة إلى أن أطلق العقيد معاوية ولد سيد أحمد الطايع (1984-2005) مسلسلاً ديمقراطياً في عام 1992، لكن آلية التزوير وتدخل الإدارة لمصلحة الرئيس مكناه من مواصلة الحكم حتى عام 2005، حين انقلب عليه رئيس حرسه الخاص العقيد محمد ولد عبد العزيز الذي اختار للسلطة ابن عمه، المشارك في الإعداد للانقلاب، العقيد الراحل أعلي ولد محمد فال، الذي قاد مرحلة انتقالية انتهت عام 2008 بعد انتخاب الرئيس المدني سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله، إثر منافسة قوية مع مرشح المعارضة التقليدية أحمد ولد داداه زعيم حزب "تكتل القوى الديمقراطية".
العقيد نفسه الذي عينه الرئيس ولد الشيخ عبدالله جنرالاً، انقلب عليه. وتم الإعلان عن انتخابات جديدة فاز فيها ولد عبد العزيز خلال ولايتين متتاليتين، انتهت الأخيرة منهما السبت، ليترك السلطة لأحد المرشحين الستة الذين كان قد اختار منهم رفيق دربه الجنرال المتقاعد محمد ولد الغزواني لتأييده ودعمه.
ثاني رئيس مدني
بالنظر إلى المعلومات الآنفة، نجد أن الجيش الموريتاني لم يصنع من القادة من خارج دائرته العسكرية، غير الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله. فعندما كان الجيش في مأزق سياسي عام 2007 في مواجهة طبقة سياسية تكاد تصل إلى سدة الحكم، ويخشى من فتح بعض الملفات الخطيرة (التسيير والفساد وحقوق الإنسان وإعدام الزنوج والطائرة المختفية مع ركابها عام 1992 إلى يومنا هذا، إلخ)، اتصلت الدائرة العسكرية المتحكمة، بقيادة ولد عبد العزيز، بالوزير السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله (ابن إحدى أهم الزوايا الصوفية في البلاد) واتفقت معه على أنه "سيتم ترشيحه وضمان نجاحه على أن يحكم بهم ولهم"، وفق تعبير الإعلامي محمد فال ولد سيدي ميله.
ويضيف "الجيش لم يصنع من الرؤساء غير ولد الشيخ عبدالله. ولولا تدخل السلطة ما كان ليصل إلى الدور الثاني على الرغم من كفاءته وأخلاقه ووزنه الاجتماعي. لكنه يفتقر إلى البعد النضالي والتاريخ السياسي، بالتالي لم يكن معروفاً لدى الجماهير والنخب. كان بالفعل صنيعة عسكرية، كما كان في الوقت نفسه، ضحية صانعيه".
ابن المؤسسة العسكرية
مما سبق يتضح أن موريتانيا حكمها، منذ عام 1960، عشرة رؤساء. اثنان منهما فقط مدنيان (المختار ولد داداه وسيدي محمد ولد الشيخ عبدالله)، وأن واحداً فقط من هذين المدنيين كان صنيعة الجيش.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإذا كانت "موريتانيا لا تزال في مرحلة ما قبل الدولة، بالنظر إلى ثقل القبيلة والطرق الصوفية، إلى جانب غياب دولة مركزية صلبة بسبب اتساع رقعة البلاد وترامي التجمعات السكنية فيها"، كما يقول أستاذ العلوم السياسية البكاي ولد عبد المالك، فإن ذلك "لم يجعل الجيش يصل إلى مرحلة صناعة الرؤساء، وإن شجعته بعض الظروف على التدخل في السياسة"، على حد تعبير العضو في لجان الحملة الدعائية لحزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" الحاكم لحبوس ولد سالم.
وإذا فاز الغزواني بهذه الانتخابات، كما يؤكد ولد سالم، "سيكون رئيساً مدنياً بالتأكيد، لكنه آت من صلب المؤسسة العسكرية، التي خدمها في مختلف مواقع القيادة إلى أن تقاعد قبل أشهر قليلة من ترشحه".